سياسة

ألمانيا هدية السّماء للسودان

بقلم: مصعب المشرّف
تتأهب الخرطوم لقدوم الرئس الألماني “السيد/ فرانك فالتر شتاينماير” ووفد ضخم مرافق له مكون من سبعين ألمانيا ما بين قيادات حاكمة وحزبية وصحفيين ورجال أعمال.
ستمنح هذه الزيارة دفعة قوية للمأمول من أهداف التعاون المستقبلي مع أقوى وأكبر واضخم إقتصاد دولة أوروبية غربية دون جدال.
كما أن ألمانيا نظيفة نقية جادة ؛ على الخلاف من الولايات المتحدة التي تدس السم في العسل وتغدر بأصدقائها قبل أعداءها أو تستصحب أجهزة مخابراتها الخبيثة في إطلالاتها ودخولها وخروجها … وإرتباطاتها بمصالح إستراتيجية متناقضة مع دول جارة وقوى إقليمية في المنطقة… وبما يؤدي بها إلى أن تفعل الشيء ونقيضه والولايات المتحدة على لسان رئيسها ترامب ، لم تعد تخفي قناعاتها ومعاييرها هذه في الإستيلاء على ثروات الشعوب الأخرى..
ألمانيا على مستوى أوروبا والشرف الأوسط ؛ كان ولا يزال لها أفضال جمّة (كمثال) على تركيا في مجال الدعم المالي والإقتصادي والتكنولوجي … وإنشاء العديد من الصناعات فيها ؛ بمبادرة ذاتية من ألمانيا لرد الجميل المتمثل في مساهمة العمالة التركية غير الماهرة الرخيصة في إعادة بناء ألمانيا بعد الحربين الأولى والثانية على حد سواء …. وإبقاء الجبهة الداخلية الألمانية متماسكة خدميا وصناعيا خلال فترة إنشغال الجنود الألمان بالحرب والبقاء في الخنادق..
كذلك تظل لألمانيا ايادٍ بيضاء على الفلبين وعلى دول أوروبا الشرقية التي إنسلخت عن الإتحاد السوفيتي .. ودعم ألمانيا الزراعي لفرنسا .. ودعمها للنمسا وصربيا … والتعويضات السخية التي تدفعها لبلجيكا وإسرائيل …. وحيث ظلت ألمانيا تؤدي ددورها هذا دون كلل وملل بما تجود به أدمغتها العبقرية من إنتاج مثمر ، نتوق نحن أيضا أن نستفيد منه ، ونقترن به تكنولوجيا وتنمية بشرية ، بما يحقق الرفاهية والنمو ؛ دون هذا التواكل المزمن على أثرياء العرب وإنتظار لما تجود به أيديهم من الرُز والزكوات والصدقات والهبات التي لا تغني عن التنمية الإقتصادية بديلاً ولا تسمن من جوع على المدى الإستراتيجي البعيد.
وفي بلادنا لا ننسى أن كافة الأجهزة التي ظل يستخدمها ويستعين بها تلفزيون السودان منذ تاريخ إنشائه التليد . وبدء الإرسال التجريبي في 23/12/1962م إنما هي هدية من ضمن هدايا المعونة الألمانية الغربية قبل إعادة توحيد الألمانبتين على يد المستشار الراحل “هلموت كول” في أغسطس 1990م..
ولا يزال التلفزيون القومي ابسوداني يعمل بكفاءة لا بأس بها حتى يومنا هذا ؛ على الرغم مما تعرض ويتعرض له من إهمال في الجانب التطوير التقني بسبب فقر البلاد وفساد الأنظمة السياسية والإدارية بل وأصبحت تتقاسمه فضائيات خاصة أخرى البث من داخل إستديوهاته وبواسطة أجهزته الفنية..
وطوال سنوات من ما بعد إستقلال البلاد ظلت “المعونة الألمانية” مستمرة للسودان وساهمت في إنشاء العديد من المصانع . ولكن إنقطعت تلك العلاقة الطيبة بين البدين وتلاشت شيئا فشيئا بضغوط قوية من الولايات المتحدة وفرنسا ووإنجلترا وإسرائيل .بعد أن إختار السودان الوقوف إستراتيجيا إلى جانب مصر عبد الناصر ومعاداة الغرب بالموافقة على إغراق أجزاء واسعة من أراضيه في الشمال لإنشاء بحيرة صناعية . ومنح مصر ملايين الأمتار المعبة من حصته لتسريع مل بحيرة السد .. وبما سمح بتشغيل توربينات السد العالي وقــــد أتى كل ذلك خصما على خطط غربية قادتها ألمانيا وجون كيندي آنذاك لإنشاء العشرات من مصانع إنتاج السكر … والتي كانت ألمانيا والولايات المتحدة (خلال فترة الحب الباردة) على وشك المساهمة بها لتعويض النقص في إنتاج السكر بعد تحوّل كوبا كاسترو والعديد من بلدان إنتاج وصناعة السكر في أمريكا اللاتينية إلى الكتلة الإشتراكية وأملا أن يؤدي إنتاج السودان من السكر إلى إسقاط كاسترو وإجهاض المد الشيوعي في شرق أوروبا وجنوب أمريكا اللاتينية.
على أية حال فإن ما مضى قد مضى ولكن نتوقع أن لا يعيد التاريخ نفسه هذه المرة . وأن لا يلدغ السودان من جحر مرتين وأن يدرك شباب ثورة ديسمبر الظافرة أن الحال والمآل يتطلب بالفعل أن ترفع البلاد شعار “مصلحة السودان أولا” بغض النظر عن قائله وصاحب فكرته وأن يتم بناء “الترس الحقيقي” خلف هداذ الشعار للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية والإقتصادية . ونبذ الإتكالية على الهبات والصدقات والودائع التي لا جدوى منها . ولا معنى لها على المدى المتوسط والبعيد..
نجاح زيارة الرئيس الألماني والوفد الكبير المرافق له سيعني بالضرورة ترجمـة لثقة الماكينة ألأمــانية في السودان وقدرته على النهوض من كبوته وهو ما سيؤدي إلى تشجيع المزيد من الدول الغربية والصناعية الثرية الأخرى في العالم المتحضر إلى المجيء إلى السودان لٌستثمار فيه الإستثمار الحقيقي الذي يصـب في خزينة البلاد . وليس جيوب وخزائن الأفراد من كبار المرتشين والمافيات ولصوص الأراضي والمعادن والمال العام وتجار البشـر والسلاح، وأمراء الحروب وثيادات المليشيات الخلوية المسلحة..
السودان لا يقف عارياً يوم الخميس القادم 27 فبراير في إستقبال الرئيس الألماني “شتاينماير” والوفد الضخم المرافق له ولكن يأتي إهتمام ألمانيا القوية النظيفة الذكية بالسودان في هذا الوقت بالذات لكون أن الألمان قد أدركوا منذ فترة بأن السودان، والسودان وحده هو الحقيقة؛ وأن الآخرين رغم أبواقهم الدعائية وحرفيتهم الإعلامية ليسوا سوى الوهـم.
وأن السودان هو طوق نجاة ألمانيا والغرب الأوروبي من إستمرار زخم موجات هجرات القوارب العرب والأفارقة عبر مياه البحر المتوسط إلى أوروبا وحيث أثبتت الأيام أن ألمانيا وحدها هي التي أصبحت تدفع الثمن الباهظ ، وتتحمل عبء وسلبيات هذه الهجرات الناجمة عن إغفال بلدان أوروبا الإستعمارية (إنجلترا فرنسا إسبانيا البرتغال بلجيكا إيطاليا) مسئولياتها الأخلاقية في تعويض البلدان الأفريقية عن إفرازات حقب الإستعمار المدمرة التي نهبت ثروات القارة السوداء وتسببت في إشعال الحروب الأهلية وظاهرة الإنقلابات العسكرية المجهضة لصباحات الحرية والعدالة والتنمية والرفاهية . والتي أدت إلى توسيع رقعة الإنقسامات المستمرة التي تعاني منها هذه القارة إلى يومنا هذا..
وعلى عكس الصين وروسيا وتركيا ودولاً أخرى، فإن الإستثمار الألماني في السودان سيكون مراقباً وتحت مجهر المؤسسات الديموقراطية والبيوتات المالية في ألمانيا قبل السودان وفق ما تمليه عليهم قوانينهم الصارمة في هذا المجال ويراعون فيه الحفاظ على “نظافة” إستثماراتهم بوصف أن هذه “النظافة” هي الأقدر على الثبات والإثمار على المدى الطويل وهو ما سيحد ويقلل كثيراً من التجاوزات المالية والأخلاقية التي تمارسها مؤسسات الإستثمار الحكومية والخاصة في الصين وروسيا وتركيا ودول إقليمة أخرى، التي لا تهتم كثيراً ولا تكترث بتجاوز مؤسساتها الإستثمارية تلك للقواعد والقوانين المرعية لجهة تقديم الرشاوي وغسل الأموال والتهرب الضريبي وفبركة الحسابات والبيانات المالية إلخ ؛ مما عهدناه في المستثمرين الذين جاء بهم نظام المؤتمر الوطني البائد وأدى إلى سرقة وتهريب ثروات البلاد من العملات الحرة والذهب والبترول على عينك يا تاجر من خلال كافة المخارج ومن هلال ثقب السودان الأسود المتمثل في “صالة مغادرة كبار الزوار”.
نتوقع من حمدوك أن يعمل بأقصى ما يمكن لإقناع الألمان بجدوى الرمي بثقلهم التكنولوجي وشفافيتهم الإستثمارية والمالية الجادة وأفكارهم الذكية المثمرة، لمساعدة السودان في النهوض من كبوته …. وأن يستصحب حميدتي في يده ملف دور ومنجزات السودان الفاعلة في مكافحة الهجرة الغير شرعية والإتجار بالبشر لعرضه على طاولة مباحثاته..
وعلى أية حال فإن فرصة د. حمدوك تتمثل في أنه يحظى بخبرة طويلة من عمله خارج البلاد . مما يجعله مؤهل للتعامل مع قيادات أوروبا الغربية السياسية والإقتصادية على قاعدة من الفهم المشترك والإنجاز النظيف..
ويبقى الحرص والتأكيد على وضوح الرؤية والإستقرار السياسي هو المدخل والمناخ الطبيعي الوحيد لجذب الإستثمارات الغربية النظيفة للبلاد ونرجو أن يصاحب هذه الزيارة هدوء في الشارع وتأجيل تسيير أي مليونيات .. وإحباط أي محاولات من أعداء الثورة في الداخل وإستخبارات أعداء البلاد في الخارج القيام بأي محاولة لتعكير صفو هذه الزيارة التاريخية المرتقبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق