ثقافة وفن

الطفل الباكي

جيوفاني براغولين

د. محمد بدوي مصطفى

من اللوحات المعبرّة التي نعرفها ونشاهدها في بيوتنا وعلى متاهات مواقع التواصل الاجتماعي هي لوحة الطفل الأشقر الباكي. من يراها ويتأملها تبعث في نفسه شعورا دافئا يشوبه شيء من الحزن الممزوج بعطر الذكريات. فهذه اللوحة ودون أن يعلم أحد منّا قد تترك بصمة واضحة في النفس وحينما يتعمقها الفرد منّا يتوه في آفاق الأحداث التي تتوالى على وطننا العربي: الحروب، مآسي الكورونا والتشرد في كل بقاع الأرض. شعوب بلا مأوى، بلا حاضر وبلا أيّ ماضي يذكر، لا سيما في حيوات الأطفال. فتبقى آثار الحروب مكتنفة أرواحهم والجسد في كل لمحة ونفس وآيات العوذ والفاقة ملازمة لهم، هؤلاء الأطفال: المعذبون في الأرض! لا تفتأ تتبعهم كظلالهم وتقبع في أرواحهم إلى يوم يبعثون.

هذا الطفل الذي اصطدم به الرّسام الإيطالي جيوفاني براغولين عام ١٩٦٩ لم ينشأ من وحي الخيال، بل عاش مرارة الحياة وشظفه بأعلى درجات سلّم المآسي الإنسانيّة. وتقول المصادر: بينما كان الفنّان في مرسمه يبدع ويخلق ويضع اللمسات الأخيرة على إحدى أعماله، سمع من خلال النافذة بكاء طفل في قارعة الطريق، تآتى إليه فتعجب. فأسرع يحث خطاه حثّا ليرى ما يحدث. فصُدم بهيئة الطفل المأسويّة وبنبرة بكائه التي سلكت سهامها إلى دخيلته تلقائيا دون أي مقدمات كضربة القدر في سمفونية بتهوفن الخامسة. فما كان منه إلا أن أصطحب الطفل إلى مرسمه يواسيه ويشد من أزره. فجلس الطفل وترك الفنان ما كان يشغله من قبل وشرع لا يلوي على شيء إلا ويوثق لتلك الصدفة، وربّ صدفة خير من ألف ميعاد، فكانت اللوحة الشهيرة للطفل الباكي الذي ظل العالم يتحدث عنها إلى يومنا هذا!

بعد أن اكتمل العمل فوجئ الرسام بزيارة راهب من رهبان الكنيسة بالقرية مخبرا إيّاه ألا يساعد هذا الطفل الشقيّ وألا يفعل أي شيء في شأنه، لأنه – حسب إقراره – صار مصدر شقاء ونحس وتطير لكل إنسان يتعلق به من أهل القرية، بل لكل مكان يحل عليه بعد أن احترق أبوه ومات متفحما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق