مجتمع

مدائن المعرفة

مدينة الكاتدرائية الشامخة

كولن

د. محمد بدوي مصطفى

تعتبر مدينة كولن الألمانية إحدى مدن منطقة كولونيا الساحرة بجمالها وألقها، وكأننا حينما يتبادر إلى آذاننا الاسم نستذكر في دواخلنا عطر أخاذ يفوح بأرجاء المدينة، ذات الكاتدرائية الشامخة المزدانة بأيقونات تاريخية ولوحات ورسومات وجداريات تعتبر من الإرث العالميّ. كولن، غيداء الراين، مليئة بالبشر الذين أتوا إليها من كل فج عميق، نجد بصحنها، كل ألوان الطيف منهم ويتجاوز عدد هذا المزيج الفريد أكثر من المليون نسمة. تعتبر هذه المدينة من أهم المدن الصناعية بجمهورية ألمانيا الاتحاديّة فهي تتضمن العديد من الشركات المحليّة والدوليّة وتتمركز بقلبها أهم المؤسسات الإعلاميّة الألمانية على الإطلاق، من صحف، محطات إذاعية وتلفزيونيّة لذلك نجدها دائما مؤثرة على صوت الإعلام العالميّ والوطني على حد سواء فمن هناك تبثُّ وتتلقى كمغناطيس كافة الأحداث العالميّة والمحليّة الهامة من كل أنحاء البريّة. ولهذه الأسباب سلطت الحكومة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية الضوء عليها من أجل تعميرها وارتقائها بعد أن تسببت الحروب، عالمية كانت أم أهليّة، في دمار أجزاء كبيرة من محيطها فغدت بعدها بؤرة الازدهار ومركز للنماء الاقتصادي المستدام. والآن تزدان هذه الحسناء يوما تلو الآخر بحلتها وجمالها أمام الناظرين فهي دون أدنى شك قبلة للسواح من كل أنحاء العالم بامتياز. ترقد المدينة كالهمزة الحالمة على ضفاف نهر الراين البديع وتوجد فيها وحولها مجموعة من الهضاب والجبيلات المتباينة الارتفاع وأشهرها هضبة إيفل فضلا على أنها تحتوي على سلسلة جبليّة تمتد على أجزاء كبيرة من أراضيها ليس بعيد عن صفاف هذا النهر الرائنيّ الشهير ومن ثمّة تمجد طبيعتها وخضرتها السندسيّة المتجليّة في كل مكان وجود محميات طبيعية تتضمن بوتقة خالدة من النباتات والحيوانات والكائنات الحيّة.

ومن ناحية تاريخها نجد أن قدم هذه المدينة يرجع بنا إلى العصر الرومانيّ القديم والذي سمّى تلك البقعة وما جاروها باسم “كولونيا”. لكن بعد انتهاء الحكم الرومانيّ فيها غدت عاصمة الفرنجة التي حرصت عهدذاك على ترسيخ معاهدات وطيدة مع البيزنطيين من أجل سلامتها وحمايتها من أيدي العابثين والمتربصين بها. ومع انتهاء هذه الحقبة التاريخيّة الهامة التي حتّمت الخلاص من حكم الفرنجة بها سادها حكم النبلاء والأرستقراطيين الذين أسسوا فيها أمارة (أو دوقيّة) باسم كولونيا وبسطت هذه الدوقيّة أيديها لحلفاء آخرين، منادية بتحالف قويّ مع الامبراطوريّة الإيطالية التي كانت تسيطر عليها الكنيسة الكاثوليكيّة سيطرة عمياء، واستمرت سيطرة النبلاء عليها حتى اندلعت في البلد المجاور الثورة الفرنسية ذلك في أواخر القرن الثامن عشر. وكانت ثورة الباستيل حريصة على ضم هذه المراكز الاقتصادية الهامة إلى سيطرتها وانطوت مدينة كولن تحت لوائها حتى قضت مشيئة الله أن تتحرر المدينة من قيود الفرنسيين في عام ١٨١٥ وصارت في أواخر القرن التاسع عشر جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الألمانيّة. مدينة كولن مدينة ساحرة بجمالها وأهلها وتعدديتها الثقافية، فهي جديرة بالزيارة دون أدنى شك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق