ثقافة وفن

كيف دمرنا لغتنا الجميلة بالكلمات البذيئة

يوسف بولجراف

مواطنة فرنسية فضلت البقاء في المغرب لأنها تعشقه و عاشت فيه طول حياتها و لأنها كما تقول تشعر أنه هو وطنها أقرب من وطنها الأم، و عن سؤالها لماذا لا تتحدثين إذن لهجته، لماذا لم تتعلميها، و أنت به أكثر من خمسين سنة أجابت ببساطة، عندما تمر في الشارع و قرب أي مجمع شباب، تسمع كل تلك المصطلحات المخلة للآداب، لن ترغب في الحديث بها ..

أنا آسف سيدتي لأننا لم نعلم أبنائنا حسن الكلام، آسف نيابة عن كل من له ابن أو ابنة و لم يعرف كيف يربيه، لأنه لن يتأسف لك، ف الأمر غاد عاديا..

أنا أتأسف للهجتي الجميلة القوية المفعمة حياة على ما وصلت إليه اليوم من انحطاط بحصر كل الجمل بها بألفاظ و كلمات تعبيرية و مصطلحات دنيئة وضيعة منبثقة من اللاوعي، فقد أصبحنا مجتمع اللاوعي ب امتياز كأنه هو الذي أصبح يتحكم في تصرفاتنا الواعية، ألفاظ تنم عن مستوانا الأخلاقي المنحط و الذي وصلنا إليه ،أتأسف حقيقة لهذا الوضع و الذي أصبح غريبا عن مجتمعنا ،لهجتنا الجميلة تورمت بشكل فضيع بسبب خروج أغلب مثقفينا عن المألوف اعتقادا منهم أن إضافة تلك الألفاظ و القواميس ستجعلهم متميزين و أنه الأسلوب الوحيد الذي يضفي على المثقف صفة ‹›نابع من قلب المجتمع›› و يشعر ما يشعر به الناس، متى كان قلب مجتمعنا بداخله لغة منحطة و ألفاظا يندى لها الجبين، في الحقيقة إن هذه الظاهرة المنتشرة اليوم بين الشباب و لا يخلو مجمع في المقهى أو الشارع أو الأسواق أو أي مكان عام  إلا و تجد هذه اللغة هي لغة الحوار و النقاشات، بين سؤال واستفسار أو جواب و نقاش كلمة خادشة للحياء! هل تساءلنا ولو لحظة إن لم نخجل من أنفسنا و نحن نتلفظ بذلك الكلام كيف سيصبح عليه الحال بعد مدة مع أشخاص هم قريبون منا و لا نقبل أبدا منهم سماع تلك الألفاظ و بفعل انتشار الفاظنا الساقطة أصبحت تملئ كل المكان، انتشارها الواسع دليل على عنف المجتمع، نكذب إذن حين نقول نحن مجتمع مسالم، يقبل الاختلاف، كيف للمسالم أن يتلفظ لغة عنيفة، كيف إذن بفعل سلوكياتنا الخاطئة و نقاشاتنا المنحطة أن نحصد نتائج سلوكيات جميلة من أعز الناس إلينا ،،،لهجتنا مرتبطة بثقافتنا، هل ثقافتنا منحطة !! حين نألف الكلام الساقط فنحن نقتل لهجتنا ببطء، سوف نجعلها فقيرة حد الاندثار و هي غنية، نزيح كل الجمالية عن دارجتنا و التي أعتبرها أقوى من اللغة حتى في التعبير، متنوعة إلى درجة لا تتصور، جماليتها في إمكانية ممارسة تعبيراتنا بها ب كلمات و جمل عديدة فقط لموقف واحد، ما لا نجده في لغات حية! اليوم ونحن نتحدث بهذه اللهجة الجميلة المفعمة، كعين طبيعية مائها لا ينضب، تولد منها كل يوم تعبيرات بمصطلحات جديدة تزيد في زخرفتها! الألفاظ التي تخل بالحياء العام هي لا تفسد اللغة وحسب بل تقتلها و تجعل كل ازدهار لها محدود، لأنها فواصل قاطعة توقف العقل عن التفكير و تجعل الكلام محضور محجوز لا يتجاوز التفكير حدود دائرة الرأس  .هذا  بعد الأسف يجعلني و مع كامل الأسف أرجع سبب هذا الإنحطاط إلى الأسر من الدرجة الأولى و عندما أقول الأسر فهي التي تكون لبنة المجتمع، بداخلها مسؤولية التربية ،و واجب ترسيم حدود بين الوعي واللاوعي، و تحاول أن لا يتجاوز أحدها الآخر، و منها تبدأ التنشئة الاجتماعية ،سلوكنا الواعي هو الذي يميز علاقتنا الطبيعية، إن جعلنا من ألفاظ اللاوعي الأساس فهذا يعني أن هناك خلل ما في الأسر نعم في الأسر، السلوك اللاواعي بمركباته اللغوية يظهر في حالات الإنفجار في حالات بعد الضغط، في وضع مشحون، لأن اللغة القادمة من عمق العقل الباطني هي لغة غير مقبولة في الأصل لذلك كانت تقبع هناك، و في علم النفس السلوكي يمكن تحويل هذه التركيبات المكبوتة إلى فن، نصنع بها لوحات و نمارس مواهب فنية جميلة حتى لا تبقى على شكلها الفظيع ،للتحول إلى إبداع يقبلها المجتمع، لم تكن أبدا أي أزمة كانت سببا لظهور لغة رديئة إن واكبنا أنفسنا بتهذيب الجانب الروحي بداخلنا، إهمال الجانب الروحي في الناشئة يجعل أسس التربية مهتزة ،و مهترئة، أبسط مشكل ،كل التربية تنهاركأي بنيان طبيعي، فما بالنا بترك كل التنشئة في يد فاعلين خارجيين لا علاقة لهم ب أساس مجتمعنا، التربية هي التلقيح الأول الذي نكتسب به المناعة ضد كل العوامل الخارجية المؤثرة و التي أصبحت في وقتنا الراهن تعيش بداخل الأسر نفسها، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي و الخطر الآتي من أولئك المؤثرين، و عن طريق القنوات التلفزية و الإعلام، لذلك ف المسؤولية التي تقع على الأسر في مراقبة أبنائها هي الآن مضاعفة، الحماية يجب أن تواكب التربية و هي أهم شيء !! لماذا هي المسؤولة لأن غالبية الكلام المنحط يكون خارج نطاقها؛ أما و داخلها أي فرد من أفراد الأسرة سواء كبير أو صغير لا يقبل تلك الألفاظ المنحطة، و إذن فما بالك و أنت تتلفظ به أو تسمعه خارجا و أنت مع أبنائك أو أحد أفراد أسرتك تخجل منه! الى تقلل تلك الألفاظ من الاحترام!! أليس هذا سيكون جزاء من جنس العمل! أليس هذه الألفاظ أنت من سوقتها خارجا وسمعها شخص آخر يخجل أيضا من سماعها مع من يحترمه من عائلته …!! تصرفاتنا ك مثقفين يجب أن تعطي المثل، و نبحث عن الداء لنستأصله من جذوره، نتساءل من يريدنا أن نطبع مع هذا الكلام هو ليس منا، لأن أبدا الانحراف كان يوما من الأيام شيء نفخر به أو أحرى يجعلنا متميزين، عندما تعتقد أن الانحراف و الكلام الساقط هو ما يجلب الشهرة لك أكثر ف أنت ليس مخطئا و فقط! ما يبنى على الانحراف ينهار في أول ريح خفيفة تهب عليه، هوف يسقط كل شيء ،أما و نحن اليوم مع الظاهرة و قد شملت كل المؤسسات و بما فيها حتى تلك التي تعطي الحكمة و حتى في سلوكيات بعض من يجب أن يعطوا القدوة الحسنة !، نبرر الأمر بالنرفزة و الانفعال و فقدان الأعصاب ،هذا مبرر عند صغار العقول ،من لا يفقه شيئا في الأدب، تبقى إجابته تلك الوقحة، أجزم أن الفعل هو مقصود و مبني على مؤامرة من البداية هدفها خنق التفكير بقتل الدارجة و جعلها لا تنفع إلا للانحلال و السب و الشتم ب كل تلك الألفاظ الرديئة التي أصحت تأصلها و هي الرئيسية في المجامع . أنا لو وددت لوضعت معجما خاصا بها و في كل المواقف و الصور المجتمعية لكنها لا تنفع في شيء غير قتل جمالية اللهجة، فما حاجتنا بمصطلحات تعيش في اللاوعي و نحن أشخاص واعون، واعون بظروفنا و بأنفسنا و بكل شيء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق