سياسة

حفنة كلام

مَن يكتب التاريخ؟

أ. د. محمد أبو الفضل بدران

التاريخ حَمَّال أَوْجُه، فما تراه نصرا يراه الآخر هزيمة، وما يدوّنه مُؤرِّخٌ ما يتغاضى عنه مؤرخٌ آخر لأن المؤرّخ بشرٌ يتأثَّر بموقفه الذاتي تجاه الأحداث وفق رؤاه الذاتية وقناعاته الشخصية وثقافته وانحيازه وما تأثر به سماعا أو مشاهدة، فموضوع حياد المؤرخ مثل حياد الناقد كالغول والعنقاء والخِلّ الوفي كما قالت العرب قديما أي من المستحيلات ولذلك علينا أن نفكر فيما دوّنه المؤرخون ليس من باب الشك والريبة ولكن من باب الحيطة والحذَر وقد حظي التاريخ في شتى الأمم والعصور بأقوال متناقضة في حوْج لتفكير المتلقي للوصول إلى الحقيقة أو شِبه الحقيقة، ومن عجب أن جُلَّ المؤرخين ينبهرون بشخصيات القيادة في المعارك متناسين الجنود الذين يتساقطون في الميادين بين قتيل وجريح، ويتناسون المدنيين الذين يدفعون ثمنا باهظا في التهجير وضياع ممتلكاتهم وذويهم، ومن عجب أن القوانين تحمى المدنيين دون الجنود، وكأن الجنود آلات لها أن تموت دون تحريم قانوني ولذا آمل أن تشمل المواثيق الدولية وقوانين الدول تحريم قتل الجنود والمدنيين، فالحروب مدمرة إلا إذا كانت لنصرة الحق ودفع الظلم. أعود إلى المؤرخين وكتبهم التي تحتاج إلى غربلة وإلى البحث عن الحقيقة وما يقترب منها، فالتاريخ لم يهتم بالبشر العاديين وإنما وقع تحت تأثير المنتصِر ونسي مَنْ حقَّق النصر وكالَ الترابَ على المهزومين.

لماذا لا نجد في أقسام التاريخ مساق تأريخ التاريخ وتمحيص التاريخ أو التاريخ المقارن لنرى الرؤى المغايرة للحقيقة ونكشف ما تناساه المؤرخون نسيانا أو عمدًا. وسنكتشف الحقيقة وزيفها في آن واحد؛ كما أننا سنعثر على ما غفل عنه المؤرخون؛ وربما كان الأدب شعره ونثره معينا للمؤرخ الحديث في وصف ما آلت إليه الشعوب وأحوالها وترفها ومآسيها وفقرها فربما كان المؤرخ منبهرا بالحكام متناسيا الشعوب لكن الأديب ولا سيما الشاعر شعر بما لم يشعر به المؤرخون.

• خاتمة الكلام

• قال الشاعر محمد اليدالي:

تَراءَى مِن حبيبي لي مُحَيّا

أَهيمُ بِحُبّه ما دمتُ حَيّا

تراءى لي ولم أرَ قطُّ حُسْنًأ

يُضاهي الحُسنَ منهُ بمُْقْلتيَّا

تراءى لي ولستُ لذاك أهلاً

وما كان المكانُ له مَُهَيّا

تراءى لي فأنساني همومي

وآلامي بعطفتهِ عليَّ

فشاهدتُ الجلالَ بهِ جمالاً

سواء لي بأيِّهما تََزَيّا

وكنتُ عهدتُ منه العطفَ قِدْما

فكنتُ بهِ ولم أكُ قبل شَيَّا

بربّك صِلْ ولا تفصلْ وعلِّلْ

بكاساتِ الهوى علّاً وريّا

وإنْ أبغضتَني أبغضتُ نفسي

وحُبّكَ لي يُحَبِّبُني إِلَيَّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق