سياسة

مناظير المدائن

الشرطة والشعب!

زهير السراج

* اصدر رئيس الوزراء قرارا بإعفاء مدير ونائب مدير الشرطة لما حدث من قتل وقمع وحشي للمتظاهرين السلميين بعد الانقلاب المشؤوم، وعين مكانهما ضابطين حقوقيين هما الفريق (عنان حامد محمد عمر) واللواء (مدثر عبدالرحمن نصرالدين عبدالله)، ما يعطي بعض الامل في حدوث نوع من التحسن في تعامل الشرطة مع المواطنين وفق القانون والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ولقد حان الوقت لوجود شرطة تحمي وتخدم المواطن وليس قتله وانتهاك حقوقه، الامر الذي يتطلب عملا جادا وجهدا كبيرا نرجو أن يرى النور في اقرب وقت إن شاء الله، حتى يقود إلى احترام متبادل بين الشرطة والمواطن ويرسخ في ذهن الطرفين انهما شريكان في الوطن، وليسا عدوين يتربص كل منهما بالآخر ليفتك به، ولا بد أن تكون البداية بإرساء مبدا المحاسبة لكل من يخطئ في تجاوز سلطاته، والذي رسَّخ غيابه استمرار الأخطاء والتجاوزات، وفاقم من حدة العداء بين الطرفين!

* ما زلت حتى هذه اللحظة اتذكر التجربة المؤلمة للصيدلية (سمر ميرغني) التي عانت من العنف المفرط والانتهاك الممنهج لكرامتها بواسطة الشرطة خلال مظاهرات سبتمبر 2013، وصارت قصتها على كل لسان، ولو وجد الذين انتهكوا حقوقها وكرامتها العقاب المناسب لما تجرأ شرطي على تجاوز حدود اختصاصاته وسلطاته وانتهاك القانون والاعتداء على المواطنين!

* لا شك أن كثيرين وكثيرات تعرضوا في تلك المظاهرات وما سبقها وما تلاها لانتهاكات وصلت مرحلة القتل، ولكنني ما زلت اتذكر تجربة (سمر) لأنها رسخت في الاذهان بسبب التداول الكثيف في اجهزة الاعلام والوسائط ووصولها إلى القضاء الذي برأها من كل التهم التي وجهتها لها الشرطة، وهي فرصة ادعو فيها لتوثيق كل الانتهاكات، حتى لا ننسى من تعرضوا لها وفتح ملف قانوني لمحاسبة الذين ارتكبوها.. من هنا يبدأ العمل الحقيقي لاستعادة حقوق الضحايا وتعرية المتورطين وتقديمهم للقضاء وارساء العدالة، وليس الاعتماد فقط على لجان التحقيق الرسمية التي اعتادت على وأد الحقيقة.

* دعوني اعود بسرعة لقصة (سمر ميرغني) التي تصادف وجودها في بيت خالتها بـ(حي الصافية) بالخرطوم بحري اثناء خروج مظاهرة عقب صلاة الجمعة (27/ 9/ 2013) تندد بالغلاء وتطالب بإسقاط النظام البائد، وكانت المرة الأولى في حياتها التي تشهد مظاهرة فأخرجت هاتفها لالتقاط بعض المشاهد ومشاركتها مع صديقاتها، ولكن شاء حظها العاثر أن يلحظها بعض افراد الشرطة وهي تقوم بالتصوير  من وراء باب المنزل لحظة مقتل أحد الشباب، فاقتحموا المنزل واختطفوا الموبايل وألقوا عليها القبض، ورفعوها في عربة الشرطة واخذوا يضربوها بوحشية ويوجهوا لها اقذع الشتائم، ثم اقتادوها إلى قسم شرطة الصافية ليواصلوا الضرب الوحشي والشتائم، واشترك معهم آخرون في القسم، وارغموها على فتح الموبايل وعندما وجدوا التسجيل الذي يصور جريمتهم الوحشية ازدادوا عنفا وقسوة، وانهالوا عليها بالضرب بالخراطيش وكعوب البنادق حتى فقدت الوعي، وعندما فاقت واصلوا الضرب حتى تعترف بأسماء الاشخاص الذين أرسلت لهم الفيديو، وكانت حكاية طويلة تخللها التهديد بالتشويه والاغتصاب، وشارك في ذلك بشكل منهجي كل من كان في القسم حتى كبار السن.

وتصادف اثناء وجودها في القسم وصول امها للتبليغ عن اختفائها، وعندما شاهدتها على تلك الحالة انهارت من الصدمة ووقعت وكسرت يدها، وقالوا لها إنهم عثروا على افلام فاضحة في موبايل ابنتها التي اتهموها بممارسة الدعارة واغواء الفتيات، وهددوها بالزج في الزنزانة ان لم تخرج من القسم، إلى ان وصل بعض أقاربها وذهبوا بها إلى المستشفى، وبمجرد خروج الام اقتادوا الابنة إلى قسم شرطة بحري، ومارسوا معها في الطريق كل اشكال التحرش وهددوها بالاغتصاب فضاقت الدنيا في وجهها وحاولت القفز من العربة مفضلة الموت على انتهاك شرفها!   

* القصة طويلة جدا تعكس تفاصيلها البشعة ما يحدث لكل مَن يُلقى عليه القبض، خاصة الفتيات، والسلوك الممنهج تجاه المتظاهرين، ولقد انتهت بتقييد عدد من البلاغات الكاذبة ضدها وإطلاق سراحها بالضمان بعد وصول شقيقها الذي يعمل ضابطا في القوات المسلحة، ثم برأتها المحكمة فيما بعد، غير أن ما ترسَّب في نفسها من الخوف والرعب لا يزال قائما حتى اليوم!

* ليس بالضرورة ان تنطبق تلك الصورة على جميع افراد الشرطة، فهنالك كثيرون يعرفون جيدا حدود مسؤولياتهم ويتعاملون بمهنية مع المواطنين، ويقدمون النماذج المضيئة، بمثل ما يقدم البعض النماذج السيئة، ولكن ينتظرنا عمل كثير سواء في هذا الجانب أو ذاك (الشرطة والمواطن) للوصول إلى شرطة تحمي وتخدم، وإلى مواطن يقدر عمل الشرطة ويتعاون معها للوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على احترام القانون وحقوق المواطن وكل طرف للطرف الاخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق