سياسة

التصالح مع العمل السياسي

أحمد الونزاني

على المغاربة أن يتصالحوا مع العمل السياسي و ان يتركوا العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، إذا ما أرادوا فعلا أن تكون لديهم نخب سياسية تمثلهم في المؤسسات الحكومية و المؤسسات الدستورية تمثيلا حقيقيا يجسد تطلعاتهم و أحلامهم و آمالهم. هذا ما تقوله  معظم النخب السياسية من أحزاب و هيئات نقابية و عمالية و حتى الدولة و مجتمع مدني. لكنهم ينسون كلهم بأن المسألة ليست في الناخبين أو المواطنين، و إنما المشكل الأساسي هو في هذه الأحزاب السياسية و الهيئات النقابية، المنغلقة على نفسها و الغير منفتحة على المواطنين. أحزاب تقليدية بزعامات أبدية و هياكل تشبه الأشباح في غالبها و لا تنشط إلا في المناسبات الإنتخابية، أحزاب سياسية تشبه الدكاكين  في الأسواق الأسبوعية لا تفتح إلا في المواسم، و تغلق عندما ينفض و ينتهي موسم الانتخابات. دكاكين لا وجود لها على أرض الواقع، لا استقطاب للكفاءات و لا نشاطات ثقافية أو رياضية  أو فنية، بل لا مساهمات  لها في  المجال الفكري و في تقديم اقتراحات إصلاحية من وجهة نظر حزبية، في المجال الاقتصادي والاجتماعي و حتى السياسي بتقديم مشاريع مجتمعية بنظرة مستقبلية و استشرافية. أحزاب عقيمة فكريا و سياسيا و متقوقعة على نفسها. أحزاب لا حياة فيها، إلا الانتهازية و الوصولية و تقديس الأنا لدى نخبها البليدة و الاسترزاق السياسي على حساب الأوطان و المواطنين.

و أعتقد أنه على الأحزاب السياسية إذا أرادت أن تكسب معركة بناء الأوطان، عليها أن تهرول في اتجاه المواطنين و ان تتصالح هي معهم بخدمتهم سياسيا بالتأطير و السماح لهم بالتدرج و أخذ أماكنهم في الهيئات الحزبية، دون إقصاء، على الصعيد الإقليمي و الوطني  ،و الانفتاح على المجتمع المدني و على كل الهيئات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصناعية و القانونية و على الجامعات لاكتساب الخبرة و التأهيل في التسيير و التدبير و الحكامة الجيدة.

و أعتقد أننا في العالم العربي لا نحتاج إلى دكاكين حزبية بقدر ما نحتاج إلى كثل و أقطاب  سياسية كبرى لتخليق أولا العمل السياسي و ثانيا لتكون التجاذبات الفكرية والبرامج السياسية هي المعيار لاختيار النخب في المعركة الديمقراطية التداولية و التشاركية للنهوض بالاوطان و بالتالي خدمة المواطنين.

كثل كبرى تخرجنا من التعددية السياسية الصورية و من بلقنة المشهد السياسي، و بالتالي الدخول في متاهات الميوعة السياسية  ، و عدم الخروج من النفق، الذي يحاصر أوطاننا و مواطنينا بسبب الفساد و الاستبداد.

و أعتقد أنه على الدولة أن تقوم بإرشاد و ترشيد العملية السياسية، عبر إرساء مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية و العدل و عبر ترسيخ ثقافة الحوار و النقد  البناء و حقوق الإنسان و حرية الرأي و الإعلام. 

التصالح مع السياسة يقتضي منا إرادة فعالة من كل الأطراف، دولة و مجتمع مدني و أحزاب و نخب مثقفة تنخرط فعليا من أجل تخليق الحياة السياسية، و جعل هذه الممارسة قاطرة للنهوض و التقدم المنشود، و ذلك بعدم جعل هذه الممارسة مدخلا   لأي امتياز فئوي أو نخبوي أو كعكة للاقتسام و لأي ريع سياسي و بالتالي لأي فساد و استبداد سلطوي.

هل علينا أن ننتظر لأجيال قادمة، لتتمكن أوطاننا من أن تجد طريقها   ،نحو وضع لبنات البناء الحقيقية  للصرح الحضاري ذو الإشعاع الإنساني الذي نريده و نحلم به.

هل يا ترى مع القاسم الانتخابي المشترك، و الذي يزيد من تمييع العمل السياسي و من بلقنة المشهد السياسي، و الذي يعيد عتبة المشاركة في العملية السياسية إلى الصفر. هل يا ترى نحن ذاهبون نحو تخليق الحياة السياسية، أم ذاهبون لخلق فرص فساد  جديدة.

من دون  رفع نسبة العتبة من أجل المشاركة السياسية إلى ما فوق 6%  فلن نتقدم قيد أنملة نحو تخليق الحياة السياسية.

و نحن على مرمى حجر من العملية السياسية المقبلة. هل فعلا سنشهد  مصالحة مع العملية السياسية من قبل  المواطنين و سنشهد إقبالا كبيرا على مراكز الاقتراع و التصويت. و هل ستنعكس هذه المصالحة مع السياسة على أرض الواقع بفرض خريطة سياسية جديدة تخرجنا من هذا الجمود. أم أن العزوف سيكون هو الخيار الاستراتيجي للمواطنين، إلى حين ظهور إرادة حقيقية للإصلاح الشامل و الحقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق