سياسة

خارج المتاهة

كوهين والبرهان ضد الارهاب ...!

محمد عتيق

  المخاطر التي انتصبت أمام ثورة ديسمبر ٢٠١٨ تؤكد أنها بالفعل ، وضمن علامات ومعطيات أخرى ، من الثورات العملاقة ، ذلك أن التحديات أمام حركات التغيير الكبرى في التاريخ تتناسب وتتسق معها في القوة والحجم ، ولكنها – أي تلك المخاطر – تبدأ في التراجع والانزواء كلما تقدمت حركة الثورة خطوات إلى الأمام … أما الآن ، فإن الأزمات والمخاطر لا زالت تترى وتزداد ؛ فمن عقبة “اللجنة الأمنية للنظام الساقط” التي فرضت نفسها قيادةً لحركة الثورة والتغيير بحجة انحيازها للشعب ، والمواجهة الدامية المتوقعة في داخلها بين القوات المسلحة والجنجويد تعبيراً عن طموح كل من البرهان وحميدتي لرئاسة البلاد ، إلى عقبة ضعف وتخلف الحركة السياسية (لأسباب موضوعية وذاتية معروفة للجميع) وانحصار همومها وتدافعها حول السلطة والنفوذ وأزمة الثقة – بالنفس وبالآخر – التي تعيشها ، إلى عقبات (الدولة الموازية) وحروبها المتصاعدة ضد الثورة وقواها ، فعقبة التكوين الحكومي (في رئيسها وأغلب أعضائها) التي هبطت على الثورة وقيادة فترة الانتقال بوسائل خفية وبدفع غامض ، إلى أزمة السلام التي بدأت بتغول “اللجنة الامنية” على قيادته وتماهي فصائل الجبهة الثورية – للعجب – معها (وليس انتهاءاً) بتشكيل “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” …

ورغم الايجابيات البارزة في الأداء السياسي والدبلوماسي الخارجي، إلا أن أهمها، المتمثلة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أمريكياً، كان ثمنها باهظاً في دفاتر الشعب والوطن، واقعاً ومآلاً: شرط التطبيع مع “اسرائيل” ، الذي قبل به البرهان على استحياء ، تبعه حميدتي ثم الجبهة الثورية ( الأطراف المرتبطة بقوى التطبيع في المنطقة ) ، رفضه حمدوك في العلن وقبله في الخفاء !! وبغض النظر عما إذا كان الدافع براغماتياً أم عن قناعة فإن الحقيقة التي لا جدال فيها أن “اسرائيل” هي المستفيدة الوحيدة من أي تطبيع وعلاقة، وهي التي ستسعى للتنفيذ بإصرار وحماس شديدين، وعلى هذا الطريق كانت زيارة الوفد “الاسرائيلي” برئاسة وزير (الاستخبارات) للخرطوم مقدمةً لتأسيس العقبة الكبرى أمام الثورة؛ المصدر الأقسى في امتصاص خيرات السودان، الأشرس في استغلال موقعه ومساحاته (أجواءاً وبحاراً) في معارك وجودها، الآن وغداً..

سرية الزيارة التي أرادتها السلطة السودانية مقابل علنيتها بالنسبة “لإسرائيل” هي نقطة الضعف التي ستفسد تأسيس علاقة “طبيعية” لأن السرية تعني الخجل من الفعل لقبحه وفساده وخطئه عند الشعب وعند الانسانية والتاريخ.. هذا على الصعيد النظري والمعنوي، أما فيما يخص النتيجة العملية للزيارة فإن نظرةً سريعةً لما تسرب عنها ستكفينا عناء البحث عن الكذبة – وليس الغموض – التي تكتنف الموضوع.. جاء في صحيفة (السوداني) الخميس ٢٨ يناير ٢٠٢١، في إطار تغطيتها للحدث: “… البرهان وكوهين اتفقا على إقامة تعاون استخباري وأمني لكبح المنظمات الارهابية والاسلام الراديكالي.. “، هذه الجملة في التقرير تؤكد ابتداءاً أن هاجس الجانب “الاسرائيلي” الرئيسي هو الأمن والاستخبارات!! ثم نتساءل عن موضوع التعاون الاستخباري والأمني؟ “… لكبح المنظمات الارهابية والاسلام الراديكالي”، هي الاجابة.. فلنلق إذاً نظرةً على طبيعة وسيرة كلا الطرفين:

* الطرف السوداني: “اللجنة الأمنية” سلطة بفرض الأمر الواقع وبسبب من تقطع انفاس الحركة السياسية ، تاريخ أبرز قياداتها هو تاريخ القتل والتنكيل لإنسان دارفور وحرق ممتلكاته ، تاريخ التأمين والحماية لأكثر تجارب الاسلام الراديكالي فساداً واستبداداً .. أما “الجنجويد”، طرفه الثاني، فتاريخه معاصر أيضاً ومعروف على نطاق العالم؛ تنظيماً عرقياً عنصرياً، ذو طبيعة بدوية عنيفة، هو الكتيبة المتقدمة للنظام الساقط في محارق دارفور، والمتورط تماماً في قضايا النهب والسطو والاتجار بالبشر..

   * الطرف الآخر (الاسرائيلي): هو الارهاب ، البطش ، النهب ، النزع ، وكل صفات العنف والبلطجة تسعى في ردهات التاريخ الإنساني. سليل الحركة الصهيونية في تحالفها مع الحركة الاستعمارية أوان صعودها الامبريالي واحتياجها لرأس رمح متقدم لها في قلب العالم، حيث أهم تقاطعات الطرق العالمية براً وبحراً، ومبتدأ الحضارات ومهبط الأديان السماوية، رأس رمح/دولة، تأسست وفق تاريخ مزيف وأساطير مصنوعة، تعيش على (الصانع الغربي) في كافة المناحي الصناعية، الزراعية، العلمية/التكنولوجية والدفاعية والمالية.. أساسها، كما اسلفت، ديني عنصري، عقيدتها وخيالها أن تعمل على تفتيت المنطقة حولها إلى كيانات طائفية وعرقية ضعيفة لتسود عليها وتتمدد فيها.. ولتثبيت نفسها / وجودها أولاً تعمل على قتل الفلسطيني واغتصاب أرضه، ثم اصباغ الصفة (اليهودية) على نفسها كدولة دينية!! فهل تحارب الدولة الدينية دولةً دينية ولو اختلفت الأديان؟

أما اللجنة الأمنية (البرهان ورهطه) فهي العقبة الكبرى أمام صعود الثورة (ثورة ديسمبر ٢٠١٨) نحو مراقيها الطبيعية حيث هي إضافة نوعية عالية الجودة إلى قوى التحرر الإنساني إقليمياً ودولياً، وهم بذلك طغمة ارهابية..   

فكيف يعمل (كوهين والبرهان) على محاربة الراديكالية الاسلامية والارهاب؟؟

– أم هل يعتقد البرهان أن “اسرائيل” ستسوقه عند أمريكا لتقبل انقلابه ؟. فالبرهان ورهطه لا يهمهم أمر السودان ومستقبله، لا يهمهم فيه سوى أن يحكموه هرباً من المساءلة من جانب وتأميناً لمصالح وشخوص نظامهم الساقط من جانب آخر، فهم لجنته الأمنية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق