ثقافة وفن

رائد المقطوعات العسكريّة السودانيّة

نشأ مفتوناً بحب الموسيقى، وبرع فيها، وكان أحد أعمدة العمل الموسيقي والفني بالبلاد؛ حيث وضع الأحرف الموسيقية الأساسية على نوتة موسيقى قوة دفاع السودان، فصاغ ألحانه ومارشاته العسكرية التي كانت تجمع ما بين التراث والعراقة والهوية؛ ألحن مستلهمة من َنفَسِ وعبَقِ الحياة السودانية اليومية التي صعد بها إلى العالمية بكل سهولة ويسر، فكان له الشرف وقدم السبق بأن قدم أروع الألحان الوطنية الخالدة وكأنه كان يدوزنها على عصب الحس الداخلي لرهافة الإنسان السوداني وهو يلحن (نحن جند الله جند الوطن).

(1)

وُلد الموسيقار أحمد مرجان عام 1905م بمدينة الكوة التي ارتحل منها في بواكير صباه مع أسرته إلى أمدرمان، حيث كان والده من كبار التجار المتجولين والجلابة آنذاك، لكنه شبَّ عن الطوق محباً للموسيقى والإيقاعات بصورة جنونية؛ حيث كانت تجذبه موسيقى الجيش الإنجليزي والطوابير التي تسير في حالة البيادة العسكرية على الإيقاع والعزف والطبول، كما كان يعشق أناشيد الصوفية ويترنم مع دق الطار والنحاس وصوت النوبَة.

(2)

عندما علمت أسرته بولعه الشديد لتلك الموسيقى سمحوا له أن يعمل بموسيقى قوة دفاع السودان، ولكن صغر سنه لم يؤهله أن يُجند رسمياً ولكنه عندما أظهر تفوقاً ونبوغاً لَفَت به أنظار معلميه وقادته، أدخلوه معهم في البداية كصبي ومساعد في فصل الموسيقى حتى تخرج بعد ذلك كأصغر جندي بقوة دفاع السودان وذلك في عام 1914م. ولم يكن أحمد مرجان موسيقياً فقط، لكنه كان جندياً ومقاتلاً مخلصاً لوطنه وترابه؛ فقد دافع عن الخرطوم وهو يحمل السلاح إبان الحرب العالمية الثانية التي فجر فيها طاقات وإبداعات موسيقية عسكرية رائعة، حيث ألّف العديد من المارشات العسكرية والملاحم القوية فبثَّ الشجاعة والحماس لدى المحاربين والمقاتلين آنذاك، فموسيقي احمد مرجان كانت من رحم معاناة شعبه مستفيداً من الأناشيد التراثية وقصائد الحكامات وأغنيات الحماسة والنفير، لذا كان الناس وفي ظاهرة فريدة من نوعها يطلبون موسيقى أحمد مرجان ليستمعوا إليها في غير المناسبات الوطنية أو العسكرية.

(3)

لاتزال موسيقى أحمد مرجان تستحوذ على نصيب الأسد في خارطة الموسيقى العسكرية السودانية، ومن مارشاته الشهيرة (مارش علي دينار، وميري ميري، وود الشريف، ومارش الأمل، ومارش حامية الخرطوم… إلخ). ولم يتوقف عطاء مرجان على الموسيقى العسكرية فقط، بل قدم مقطوعات عاطفية ورومانسية كثيرة جداً منها: (تانجو غراميات وإشراقة ومقطوعة الربيع ووحي الجمال والروصيرص… الخ)، ومن المدهش والمحير أنك لا تستطيع أن تعرف ما هي الآلة الموسيقية التي تَخَصَّص فيها مرجان؛ فقد كان يعزف عدداً من الآلات الموسيقية بمستوىً عالٍ ومميز، تعجز من خلال عزفه أن تعرف تخصصه في أية آلة، ولكنه كان يعزف على الكلارنيت وكل آلات النفخ.

(4)

يعتبر أحمد مرجان مرجعاً موسيقياً في كل السلامات الجمهورية الوطنية في كل بلدان العالم، ويكفيه فخراً أنه وضع لحن السلام الجمهوري العظيم لجمهورية السودان: (نحن جند الله) من كلمات الشاعر صلاح أحمد محمد صالح، وأنه أول من أَسَّس موسيقى للجيش السوداني، وأول قائد أوركسترا بالسودان، ويكفيه فخراً وتخليداً لذكراه أن موسيقى النشيد الوطني التي ألّفها حازت على جائزة أفضل لحن للأناشيد الوطنية حسب الجمعية العالمية للموسيقى سنة 2004م كما حصل على الأوسمة والنياشين الآتية إبان خدمته التي امتدت نحو 50 عاماً خدمة للوطن: وسام الوحدة الوطنية، وسام الخدمة الطويلة الممتازة، نوط الجلاء، نوط الاستقلال، وسام الاستحقاق، نجمة الحرب العالمية الثانية، نجمة فؤاد، وسام الملكة إليزابيث، وسام فكتوريا. ويعتبر أحمد مرجان من العسكريين القلائل الذين تدرجوا بإنجازاتهم حتى وصلوا ترقيات رفيعة المستوى، فقد ابتدأ مرجان كجندي حتى وصل رتبة العقيد، وبعد أن أكمل المدة القانونية بالقوات المسلحة جددت له الحكومة فترة خمس سنوات أخرى نسبة لتميزه وللاستفادة من خبراته، رحل عن دنيانا الفانية في صبيحة 29/ أغسطس/ 1974م رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق