سلايدرسياسة

تونس إلى أين؟

أحمد الونزاني

بعد الرفض الشبه العام لقرارات و الخطوة الأحادية للرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد عمل المؤسسة التشريعية والتنفيذية معا، مع إعلان حالة الطوارئ ،الشيء الذي شكل خرقا واضحا لمقتضيات الدستور التونسي الذي صوت عليه الشعب سنة 2014، و الذي بموجبه تم تحديد و فصل بين السلط الثلاث التي تحكم البلاد.

و قد جاءت هذه الخطوة الأحادية لتعمق من التخبط السياسي الذي تعاني منه البلاد بسبب الأزمة السياسية، و تدخل البلاد أزمة دستورية بسبب سوء تأويل للنص الدستوري. (الفصل 80 من الدستور). و الذي يعطي الحق لرئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ بعد استشارة كل من رئيس الوزراء و رئيس مجلس الشعب و المحكمة الدستورية، دون تعطيل أو تجميد عمل هاتين المؤسستين الدستورية. كما شكل تجميع كل الاختصاصات الدستورية في يد واحدة خرق واضح و خروج عن الوثيقة الدستورية للبلاد، و هذا ما أدى إلى دخول البلاد في أزمة دستورية بعدما كانت تعاني من أزمة سياسية و التي استفحلت مع تأزم الوضع الوبائي جراء انتشار فيروس كورونا بصورة كبيرة في كل ربوع تونس، فكانت الطامة الكبرى، أزمة سياسية و أزمة اقتصادية واجتماعية ثم أزمة صحية و أزمة دستورية، مما عقد المشهد السياسي في تونس و كان ما كان.  و اعتبرت الخطوة الأحادية للرئيس التونسي بمثابة انقلاب على المسار الديمقراطي.

و أعتقد ان تمسك أحرار تونس بالمسار الديمقراطي و سلمية المسعى و الحوار الوطني الشامل، قد أثمر شيئا ما و بالخصوص شبه إجماع كل القوى السياسية و المدنية و الحقوقية و الإعلام الحر بضرورة تراجع الرئيس قيس سعيد عن خطواته الأحادية و العودة إلى الاحتكام لروح و جوهر الوثيقة الدستورية و بالتالي إلى المسار الديمقراطي الصحيح.

و أعتقد ان موقف المجتمع المدني و المحامين و قضاة تونس كان مشرفا و واضحا بتمسكهم بروح و جوهر النص الدستوري و دعوتهم إلى احترام القانون و العودة السريعة إلى عمل المؤسسات الدستورية بالبلاد مع الاحترام التام للفصل بين السلط الثلاث. كما أكدت كل هذه الهيئات بالنأي بنفسها عن كل التجاذبات السياسية و باستقلال القضاء.

و تأتي دعوة حركة النهضة للحوار كعربون عن حسن نية، لتفادي المنزلقات و هذا ما يفسر تخفيض التصعيد اليوم بدعوة منتسبيها لعدم التظاهر و الالتزام بالتدابير الصحية و الأمنية، لفتح المجال أمام مزيد من التشاور و الحوار الوطني لإخراج البلاد من الأزمة بأقل الأضرار.

و أرى أن توسع الدور الأمريكي بالمنطقة أي بشمال افريقيا قد بدى جليا خصوصا بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس التونسي قيس سعيد و وزير الخارجية الأميركي أنتوني بيلنكن و التي جاءت بعد الأزمة الدستورية في تونس و التي عبر فيها وزير الخارجية الأميركي عن ضرورة الالتزام بالمسار الديمقراطي و حقوق الإنسان والحريات. في تراجع واضح لأي دور للدولة الفرنسية الشريك الاستراتيجي لدول شمال افريقيا. و هذا مؤشر على تلاشي بل و أفول الدور الفرنكوفوني في شمال افريقيا و الى الأبد.

و قد تسارعت تراجعات الرئيس قيس سعيد، الذي بدى محاصرا في قصر قرطاج، بعد إبداء منظمات حقوقية دولية و محلية انزعاجها من قضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية و الإعلام. بسبب التضييق على وسائل الإعلام المختلفة.

و قد أكد الرئيس قيس سعيد على مبدأ احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والإعلام، بعد لقائه بمندوبي وكالات الأنباء العالمية كرويترز و غيرها من الوكالات العالمية.

كما كان اجتماع الرئيس التونسي قيس سعيد مع المنظمات الحقوقية المحلية و منظمات المجتمع المدني، حيث أكد لهم على احترام حقوق الإنسان والنظام الديمقراطي و ان الإجراءات الاستثنائية مرحلية و لدواعي ظرفية و لن تطول. و قد أكدت جل هذه المنظمات بضرورة وضع خريطة طريق واضحة لا تتجاوز 30 يوما لمعالجة المسائل المستعجلة و إنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية.

و هنالك شبه إجماع على ضرورة استمرار عمل المؤسسات الدستورية لتفادي أي انهيار لأركان الدولة.

كما يأتي بيان مجلس قضاة تونس الأعلى، الرافض بكل قوة إلى جمع الرئيس التونسي بيده سلطة النيابة العامة، الشيء الذي قد يؤدي إلى التعدي على حقوق الأفراد والممتلكات الشخصية و انتهاك لحقوق الإنسان بصورة عامة.

أظن ان مخاوف التونسيين مشروعة، و الوضع غير لا يدعو إلى الاطمئنان و خاصة أن الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد قد يساء استخدامها و قد تستهدف فصيل سياسي معين و قد تكون انتقامية. و السؤال هل يستجيب الرئيس قيس سعيد لدعوات الحوار الوطني و التهدئة التي نهجها الفرقاء السياسيين في تونس لتجنيب البلاد الذهاب نحو المنزلقات الخطيرة و التي قد تعصف بالأمن المجتمعي و تدخل البلاد في عاصفة التوترات و الحرب الأهلية لا قدر الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق