ثقافة وفن

ما قبل حرب مدينة الخرطوم

خطوط الرحلة

عبادة جمعة جابر

المشهد الأخير ما قبل الحرب يتلخص في العمل تحت مسمي the sound of colors يشمل إنتاج أعمال خاصة من فنون بصرية و أعمال موسيقية و يتم كل ذلك داخل استوديو يحمل نفس الاسم بمدينة الخرطوم .
*كان العمل جاري بمشروع الألبوم الأول للموسيقي البحتة (the sound of colors ) مؤلفات خاصة و تناول لمؤلفات موسيقية سودانية برؤية جديدة .
تتمحور غالبية المقطوعات لهذا الألبوم حول إعجابي بموسيقي التراث السوداني و ما قد يسهم به من بناء وجدان مجتمعي و ربط عالمي .
إحدى مقطوعات الألبوم:(اللوري) تم انتاج كل ما يتعلق بالملف الصوتي حتي الآن و الخطة المعدة لإنتاج فيديو مصاحب لم ينفذ بعد :-
إعادة إنتاج اغنية (اللوري) من تراث شرق السودان علي هيئة مقطوعة موسيقية تتحدث عن التهجير و مركزية الخدمات .

* الصورة المتخيلة المقطوعة:
تحكي رحلة رجل قروي من شرق السودان (ادروب) علي الهيئة المعتادة جلابية و سروال (السر بدوب) و سديري و مخلاية و سفروق و خنجر (شوتال) ، يقضي اليوم بين الرعي و الصيد ثم ينام علي هدوء البوادي المعتاد .. سمعيا» هي مقدمة المقطوعة بإيقاع و مقام موسيقي محلي من شرق السودان .
آنفا» يدرك الجفاف ما لديه من اغنام ثم تفتقر البرية للصيد (متفاديا» بذلك الأسباب الموضوعية للإفقار كالحروب و اهمال الدولة ) فيبدأ بالانضمام للمجتمعات المنتظمة قليلا» في القرى و المدن كبائع متجول للمشروب المفضل له للقهوة .. هنا تبدأ الموسيقي بالانتظام داخل إيقاع ثلاثي و النغم علي السلم الخماسي علي نسق موسيقى وسط السودان .
الجزئية الثالثة للمقطوعة هي علي إيقاع صاخب قليلا» و تستخدم السلم الميجر ذو السبع نوتات في موسيقى الروك الصاخبة التي تعبر عن تجربة (ادروب) داخل المدينة الصاخبة مرورا» ببعض أحداث فوضى الخرطوم حيث يمعن في التسائل ما نوع المواجهة المطلوبة لإنهاء كل ما مر به من أزمات مرة» واحدة .. و تأخذه غفوة مسائية في حلم إلى حيث ينتمي في مشاهد بداية القصة تصاحب ذلك نهائية المقطوعة في تداخل متدرج من موسيقى الروك انتهاءا» بموسيقى مقدمة المقطوعة .
بالعودة للالبوم مازال العمل جاري لإنتاج أعمال إضافية تحمل مراحل أخري لتجارب حديثة .

فترة الحرب في مدينة الخرطوم
تقتصر فترة بداية الحرب في الخرطوم لحين مغادرتها علي المسؤوليات و لم شمل الأسرة و تلبية الحاجات الأساسية للاسرة و التنقل بين احياء الخرطوم بحثا» عن بعض الأمن و الدواء و المياه و الكهرباء كحال الجميع داخل المدينة . تسود الدهشة عدة مشاهد غير مسبوقة و تفعيلات تختبر جودة كل ما حرصنا عليه يوما» آملين أن نكون بحجم الاختبار مبتعدين عن الخذلان بقدر المستطاع ، لنصل اخيرا» لقرار مغادرة الديار بعد أن أصبح الصمت سمة الحي بلا أصوات المرح المعتاد و تحايا الجيران عدا أصوات المدافع .

مدينة وادي حلفا
(تنفد عنا العقلانية أثناء مقايضة الوقت)
كان الطريق مرهق بمسيرة نهار كامل لنصل عند منتصف الليل . ما أن تصل الى وادي حلفا لا تخطأ عينك وجود مجموعات كبيرة من سكان الخرطوم و هم في انتظار تكملة إجراءات عبور الحدود المصرية لكنك ستلاحظ ايضا» عودة الأغلبية لممارسة الحياة الطبيعية و غالبية اولائك من فئة الشباب و يعود ذلك أن الفئة العمرية بين 16 الي 49 عام من الشباب يجب أن تحصل علي تأشيرة من القنصلية المصرية بالمدينة و يستغرق ذلك حوالي شهر و نصف إلى شهرين أما بقية الأسرة من النساء و الأطفال و كبار السن من من هم فوق سن الخمسين من الرجال لا يستلزم عبورهم الحدود تأشيرة دخول .
ثم تبدأ من جديد في التعرف علي هذا النمط الحياتي كما انك تجد في كل زاوية احد الاصدقاء أو زميل دراسة أو من من شاركك نشاط سابق لكنهم علي غير الهيئة المعتادة سابقا» ف لوادي حلفا سحر خاص تحت درجة الحرارة (47°) في النهار و تنخفض بمعدل 8 درجات مساءا» و رغم ذلك من المبهج رؤية من يمكنك تجازب بعض أحاديث الماضي معه.
بعد أن ودعت الأسرة الكبرى و الصغرى برفقة أخي الأكبر عدت و ابن اختي للسكن الجديد و هو نزل متوسط الجودة يحوي سرير لكل فرد و ما عدا ذلك فهو مشترك .. تركنا الحقائب هناك لننطلق أولي الرحلات الاستكشافية في الشوارع المحيطة و لاسيما القنصلية المصرية للالتحاق بقوائم الانتظار .
تجري أيام مدينة حلفا في محاولة صياغة و فهم ما حدث و محاولة تدارك ما تبقى ، معالجة الخطط بإضافة تحديثات تتماشى و السياق الأخير .. عني تدفق الرسم يحكي صورا» لم أدرك أنها موجودة في الذاكرة كما أن الناجي الوحيد من جميع أدوات التعبير كان دفتر رسم و بعض الأقلام بحوزتي ، كما عز الوصول للجيتار و ملحقاته و الابتوب و حصيلة التراكم به و كامل أستوديو الرسم بما فيه من لوحات و مواد التلوين عند مغادرة الخرطوم . الان الرسومات تحكي مشهدا» ثم حال إلى أن أدركت حجم التحول علي المستوى الخاص و العام في انحسار واضح للتطلعات لكن هي نقطة تحول قد وجبت حيت يبدأ كل ما الِفته يوما: بالاختفاء . من الذكاء أن لا تبحث عنه مجددا» في محاولة لاستعادة الماضي ، و يجب المضي قدما» و استشراق ما هو قادم . هنا أدرك تماما» أنها إحدى الهِبات لتحسين ما قد سبق و الانخراط بقوة في العمل . إن تضيئ شمعة خيرا» من أن تلعن الظلام . فبدأت بترتيب أوراقي المتناثرة و صياغة رحلة التغيير هنا بدت غير متناثرة و مرتبة تماما» و الأصوات التى تثير الامتعاض من ماكينات و لهجات غريبة انتقلت من غير مُرحِبة الي موسيقى الواقع الواعد . كانت مدونتي الصوتية بالجوال هي السبيل لإلتقاط ما أنف ، و دفتر الرسم مازال صامدا» يحكي قصصه . وجدت نفسي متقبلا» ما حدث امتلك الإيجاب و التحفيز و التركيز المناسب للبناء.
مشروع (الرحلة إلى الذات) قيد التشكل الان يحوي شركاء مرحليين من من هم داخل المدينة كما يتسم بالتنوع بين الرسم و الموسيقى.
قضينا فترة أربعة أشهر و قد كان منافيا» التوقع بل بفعل التحديثات . لكن ثمرة ذلك أن تشكلت خطوط الرحلة منتظمة داخل الرسومات يتفاعل لصيق و مجريات الأحداث اليومية لتلك الفترة . الرسم هنا كان الوسيلة لإلتقاط المشهد و مجال لإحداث حوار خاص حول كل قضية و من ثم طرحها مجتمعيا» .

الحرب
باسم الفروسية أو المقدسات تُرتكب جرائم لا حصر لها و بعد أن تنتهي الحرب يتم تكريم المحاربين و القتلى . ما يجعلك في حيرة و تساؤل عن جدوى الحياة ككل ناهيك عن مشاريع البناء اي كان ما يُبنى .. هي إحدى اللعنات حيث تنفد حلول الارض .. من السيء جدا» أن تعتاد مناظر الموت غير الطبيعي و السلوك الهمجي و استقبال خبر موت الاصدقاء و الأهل و الأقارب ليس من الجيد أن تداهمك الهواجس في كل ثانية و التفكير بسيناريوهات ما قد يحدث .. الحرب هي مخزون سمعي و بصري يشوه ما بعده يجعل دائما» تنتظر ما هو أسوأ

الوطن
دوما» اشتكي التهجير و لم التقيه يوما» . بنظري هو المسؤول عن خلو الساحة الفنية بالخرطوم لحد كبير ، كم هائل من المبدعين السودانيين تمنيت لقائهم و العمل معهم .
* كنت في العام 2018 أعمل كمدير لمنصة شبابية تحت مسمي (Jazz cafe) الغرض هو صناعة حراك ثقافي علي مستوي شبابي إحترافي. يستهدف الفرق الشبابية و قطاعات منتديات الشعر و الكتابة و معارض الكتاب و أيام السينما و العمل أنشطة الدعم النفسي في الورش و الكاريوكي و التعاون داخل عيادات الورش النفسانية. و كان العمل بصورة يومية عدا اربع أيام من كل شهر اي بمعدل 26 نشاط شهريا» . الغرض الذي عملت من أجله هو سد الفجوة الثقافية بالربط بين ممارسي الفنون و جمهورهم المتوقع و انشاء تحالفات فنية تسهم مستقبلا» بمستويات كنت أتمني وجودها سلفا» لولا دفع الناس لترك أوطانهم.
الآن الرؤية ضبابية لهذا الملف و أعتقد أن البوصلة اهتزت قليلا» . ليس علي مستوي الإنتاج فحسب إنما علي مستوي غايات الفنون الأم فهي تخاطب علي مستوي الإنسانية بينما نختبر علي مستوي قوميات و إثنيات يفصل بينها إقصاء الاخر.

(نحن بحاجة إلى هدنة )
هدنتي الخاصة ستكون في القاهرة حيث يوجد حراك ثقافي عريض و بعض ما مررت به من تعاملات و علاقات فنية سابقة ، أرضية يمكنها أن تستوعب مشاريع و أفكار كالتي أحلم بها .

تكملة الرحلة و التوقعات
كنت سابقا» بالخرطوم قد أوجدت مساحة خاصة للرسم و التلوين عبارة عن استوديو صغير يوفر مساحة للتفكير و تنفيذ اللوحات و تمارين الجيتار و يستقبل زوار اللوحات و شركاء المجال . بمعني أنه يفرد مساحة لا غني عنها . احدي مهام فترة انتظاري بحلفا هي محاولة التنسيق مع الزملاء في القاهرة لإيجاد مساحة مناسبة تستوعب نفس الاغراض .. ستسهم بقدر كبير في إعادة توطين النشاط . ستكون الحوجة ماسة للهدوء أكثر و امكانية إنتاج ما هو بحجم الشحنة الحالية . موسيقيا» اتوقع المواصلة بمشروع الموسيقى البحتة في انضباط اعلي قليلا» من ما سبق أما التلوين فسيكون متنفس المرحلة و غير مؤطر أو مُعنون يفعل ما يشاء.

ما بعد الحرب مجتمعيا»
حتي الآن هي مجرد آمال بعيدة لمراهنة اكبر علي دور الفنون في ريادة التغيير و لبناء نسيج إجتماعي يستوعب التنوع و القدرة علي توطين سلوك  من خلال ايجاد مقاربات تسمح بعدم تاجيل امتلاك الفرد للسلوك الجيد كاولوية بناء مجتمع سليم يمتلك حس انتقائي قادر علي تقديم القيم و تأخير الرديء
هو هَم مستقبلي ينتظر كل السودانيين
(ما وصل إليه السودان و كيف وصل اليه)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق