سياسة

المثقف السوداني والوقوع في مستنقع وبراثن الطائفية!

عاصم فقيري

التاريخ والتجارب، انما هي أدوات نتاج مجتمعات يستفاد منها في تفادي الاخطاء وابتكار وسائل وادوات جديدة عبرها تكون معالجة وتجاوز كل اخطاء الماضي!

والاستفادة من التاريخ والتجارب هي من دور المثقفين والذين تجب عليهم دراسة ذلك التاريخ وتلك التجارب من خلال قراءة محايدة بعيدا عن التعاطف والانتماءات الاسرية والقبلية والطائفية وحتى العقدية، لكي تكون المعالجة خالية من المؤثرات، بوضع كل تلك العوامل المؤثرة قيد السيطرة، فبالتالي تكون مخرجات ونتائج الدراسة بمستوى يعتد به ومنها يمكن انتاج وسائل وادوات ابداعية تستوعب متطلبات التغيير.

هذا يصلح تماما للحالة السياسية في السودان، حيث انه خلال كل التجارب السياسية السودانية، لم تحدث نقلات تغيير وفق دراسة علمية لتاريخ وتجارب الحركة السياسية السودانية والتي ظلت تراوح مكانها منذ الاستقلال وحتى الوضع الراهن، والكل يبحث عن الحلول بطرق عشوائية ومبادرات ذاتية لم تكن شاملة وجامعة لكل قطاعات الشعب السوداني.

هذا كله خلق فجوة وانفصالا بين جماهير الشعب السوداني والكيانات الحزبية والأخيرة لم تكلف نفسها بالبحث والدراسة لتطوير وتغيير حالتها حتى تتوافق مع الجماهير، بل معظمها وقف أيضا ضد متطلبات الجماهير مكرسا كل جهده في استقطاب الأفراد وفق نزوع فردي لا يمت لمصالح الشعب ومتطلباته ولا يضع في الاعتبار أهمية ذلك اصلا، حيث ان مصالح قيادات تلك الكيانات واعني الاحزاب الطائفية هنا تتعارض مع مصالح ومتطلبات جماهير الشعب السوداني وطبقاته القابضة على الجمر من مزارعين وعمال وموظفين ومدرسين وحتى أطباء ومهندسين، وبالطبع هذا قاد اعدادا كبيرة من المهنيين للبحث عن حلول فردية في ظل عدم وجود كيان حزبي يهتم لمصالحها بل مصالح الوطن التي لا تتعارض مع مطالب الفئات المذكورة، ومن هنا يتضح الانفصال وتظهر الفجوة بين تلك الكيانات الحزبية وجماهير الشعب السوداني!

للأسف، كل هذا وكما اشرنا للبحث عن الحلول الفردية جعل فئة من أولئك المهنيين المثقفين صيدا جاهزا للاستقطاب من قبل تلك الكيانات الحزبية، وان كان هذا في حد ذاته يقودنا الى توصيف جديد لأولئك المثقفين من المهنيين الا وهو وصفهم بالانتهازيين، وانما هم تم جرهم جرا ليكونوا ضحايا الانتهازية أيضا حال كون تلك الكيانات الحزبية استغلت الظرف لصالحها ومارست الانتهازية في استقطاب بعضا من تلك الفئة او الفئات بدلا عن بحثها عن حلول إستراتيجية للإصلاح السياسي وسد او ردم الفجوة بينها وبين قطاعات جماهير الشعب السوداني!

كل هذا يقود لمزيد من التعقيدات في المشهد السياسي ومزيد من التراجع في الاوضاع السياسية كما هو ظاهر لكل ذو بصيرة، ويستمر هذا التراجع والانحدار الى أن أصبح كثيرا من الناس يجتر ذكريات المستعمر البريطاني لإجراء مقارنة بين حقبة الاستعمار وحقبة ما يسمى بحكومات وطنية! ولا هي وطنية ولا يحزنون!

هذا يقودنا مرة أخرى لما أشرنا اليه في مقالنا المنشور بذات الصحيفة (المدائن بوست) عن حلول العجز السياسي للكيانات الحزبية الطائفية التي جعلت من القوات المسلحة حزبا سياسيا فقط حماية لمصالحها!

حزب سياسي يستدعي قائد القوات المسلحة ويسلمه حكم البلاد تسليم وتسلم، ثم بعد هذا العمل القبيح الذي هو ضد مدنية الدولة وانتهاك صريح لحقوق الناخبين، ياتي بعد كل هذا ويتشدق بالديمقراطية والحكم المدني ويمارس نشاطه السياسي كأن شيئا لم يكن!

إن كان لدينا دستورا يؤطر للعمل السياسي والحزبي فمن المفروض مثل هذا الحزب كان يحظر من النشاط السياسي بل يتم الغائه وحظره تماما من قائمة الاحزاب، لكن للأسف نفس الحزب الذي قام بهذا العمل المشين وطعن خاصرة الحكم المدني الديمقراطي بسونكي القوات المسلحة عندما قام عبدالله خليل بتسليم السلطة للعسكر ممثلا في شخص الفريق ابراهيم عبود، نفس الحزب يمارس نشاطه بل يفوز بأغلبية المقاعد!  وهنا يجب أن نقف وقفة مهمة لمعرفة الآلية التي تجرى بها الانتخابات وبل علينا ان نشكك في مثل هذه الانتخابات، حيث انه كيف لشعب يهب ضد حكم عسكري بقيادة نفس الجنرال الفريق ابراهيم عبود والذي لم ينقلب هو على الحكومة المدنية بل سلمته الحكومة المدنية مقاليد الحكم طواعية من ذات الحزب فتأتي نفس الجماهير التي اطاحت بإبراهيم عبود لتنتخب نفس حزب الامة الذي اتى بإبراهيم عبود !! (فزورة دي يا سودانيين)؟! .. لذلك قلت انه يجب التشكيك في مثل تلك الانتخابات!

كل تلك الحقائق والملاحظات، تؤكد الى جانب عدم نزاهة العملية الانتخابية على شيء ذو اهمية، وهو وقوع المثقف السوداني في مستنقع وبراثن الطائفية وعدم قيامه بدوره المنوط به في التوعية الجماهيرية، كيف يقوم بدوره في التوعية الجماهيرية إذا كان هو نفسه واقع في مستنقع ولاء طائفي ويدافع عن حزب طائفي، شرحنا بمثال تاريخي حقيقي واقعي لا يمكن انكاره ان ذلك الحزب الطائفي طعن خاصرة الحكم المدني الديمقراطي بقصد وسلم مقاليد الحكم للعسكر فهل هناك اسوأ من هذه التجربة في العالم كسابقة سياسية؟  وهذه التجربة تجيز لنا ان نسمي مثل هذا الحزب بمستنقع ونسمي من ينتسب اليه من المثقفين بالواقعين في مستنقع الطائفية؟!

وللأسف حتى تاريخ اليوم هناك إعداد من الذين يهرولون نحو ذات الحزب، عزيزي القاريء،  فبماذا يمكنك وصفه و وصفهم؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق