آراء

عفيفيات

أهمية التباعد الاجتماعي

د. علي عفيفي

من الأرجح أن أكثرنا لم يسمع بمصطلح التباعد الاجتماعي قبل ظهور مرض كورونا المستجد 2019 (كوفيد-19). ولكن، منذ بدأ المرض في الانتشار، والخبراء يؤكدون أن الوسيلة الأفضل حالياً لمحاربة المرض هي ممارسة التباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى النظافة الشخصية وارتداء الكمامات الواقية. يعرف التباعد الاجتماعي على أنه محاولة زيادة المسافة بين الأفراد بهدف منع أو تقليل انتقال المرض من شخص مصاب إلى شخص سليم1.  ورغم صعوبة تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع، إلا أن سرعة انتشار المرض وعدم توفر مصل ناجح ضده جعلا من التباعد الاجتماعي أمراً لا غنى عنه في الوقت الحالي. ولكن، ما مدى تأثير ذلك التباعد الاجتماعي؟ وهل يمنع أو يقلل من انتشار مرض كوفيد-19 بالفعل؟

في دراسة حديثة تم نشرها بمجلة The Lancet Infectious Diseases، قام فريق من العلماء بجامعة جونز هوبكنز بقياس معدل تحركات الأفراد كمؤشر على التباعد الاجتماعي، وذلك من يناير إلى ابريل في 25 منطقة هي الأعلى في معدلات الإصابة بفيروس الكورونا في الولايات المتحدة. لدراسة تحركات الأفراد، قام الفريق بمتابعة بيانات الهواتف المحمولة، مع الأخذ في الاعتبار تحركات الأفراد بين منطقة وأخرى (السفر) وتحركهم داخل المنطقة الواحدة (التسوق، الذهاب إلى المدارس/العمل). بعد ذلك، قام العلماء بمقارنة تلك البيانات بمعدل الإصابة بفيروس الكورونا، فوجدوا أن التباعد الاجتماعي كان له دور كبير في الحد من انتشار المرض، وأن انخفاض معدلات الإصابة اليومية بفيروس الكورونا استغرق حوالي 9-12 يوماً بعد تطبيق التباعد الاجتماعي2. هذا التأخير هو نتيجة طبيعية لفترة حضانة الفيروس (4-5 أيام في المتوسط) إضافة إلى الفترة اللازمة لإجراء التحاليل وإعلان نتائجها3.  المثير هو أن ذلك التباعد الاجتماعي كان قد بدأ قبل صدور القرارات الحكومية بتعليق العمل في معظم الهيئات الحكومية والخاصة، وهو ما يشير إلى أن مبادرة الأفراد بتنفيذ توصيات التباعد الاجتماعي، وليس القرارات الحكومية، كانت السبب في انخفاض أعداد الإصابة. يؤكد د. حمادة بدر، الباحث المصري بجامعة جونز هوبكنز والذي نفذ هذه الدراسة، أن الأفراد توقعوا تلك القرارات الحكومية في شهري مارس وابريل رغم عدم وضوح الرؤية السياسية في تلك الفترة، وينصح باستمرار التباعد الاجتماعي في الفترة القادمة حتى لا يؤدي تخفيف القرارات الحكومية الذي حدث مؤخراً إلى ارتفاع كبير في أعداد الإصابة بالمرض.

هل تقتصر نتائج تلك الدراسة على الولايات المتحدة فقط؟ بالطبع لا، فدراسات مماثلة وجدت أن التباعد الاجتماعي ساهم بشكل كبير في خفض معدل الإصابة بمرض الكورونا في الصين4-7. أحد هذه الدراسات وجدت أن بمجرد خروج المرض من مدينة ووهان، فإن التدابير الوقائية على المستوى المحلي (كالعزل الاجتماعي والنظافة الشخصية)، وليس منع السفر طويل المدى، كان لها الدور الأكبر في السيطرة على المرض4.  كل ذلك يؤكد أهمية التباعد الاجتماعي للوقاية من الإصابة بمرض الكورونا، كما يؤكد أيضاً أن الالتزام بالتباعد الاجتماعي هو مسئولية مشتركة بين الحكومات والأفراد. الآن وقد بدأت معظم حكومات العالم في تخفيف إجراءات الحظر وتعليق العمل، فالمسئولية أصبحت أكبر على الأفراد لحماية أنفسهم والآخرين من هذا المرض الخطير. التباعد الاجتماعي ليس سهلاً على الإطلاق، ولكن الأمر يستحق، القرار الآن لك وحدك.

مصادر

• Center for Disease Control and Prevention:

https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/index.html

• Badr HA, Du H, Marshall M, et al. Association between mobility patterns and COVID-19 transmission in the USA: a mathematical modelling study. The Lancet Infectious diseases. doi.org/10.1016/S1473-3099(20)30553-3

• Lauer SA, Grantz KH, Bi Q, et al. The incubation period of coronavirus disease 2019 (COVID-19) from publicly reported confirmed cases: estimation and application. Annals of Internal Medicine 172: 577–82 (2020).

• Kraemer MUG, Yang C, Gutierrez B, et al. The effect of human mobility and control measures on the COVID-19 epidemic in China. Science 368: 493–97 (2020).

• Zhao S, Zhuang Z, Cao P, et al. Quantifying the association between domestic travel and the exportation of novel coronavirus (2019-nCov) cases from Wuhan, China in 2020: a correlational analysis. Journal of Travel Medicine 27: 1–3 (2020).

• Tian H, Liu Y, Li Y, et al. An investigation of transmission control measures during the first 50 days of the COVID-19 epidemic in China. Science 368: 638–42 (2020).

• Chinazzi M, Davis JT, Ajelli M. et al. The effect of travel restrictions on the spread of the 2019 novel coronavirus (COVID-19) outbreak. Science 368: 395–400 (2020).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق