سياسة

عند مقام “تروس” والإخوان الجمهوريين …!

محمد عكاشة

خواتيم عقد السبعينات من القرن الماضي غدوت ضحي أتحسس أغلفة الكتب القديمة العتيقة تميل إلى الاصفرار بغرفة والدي رحمه الله ومكتبته وهو رجل تعلق قلبه بالكتاب وبفاتحة الكتاب.

حينذاك آنست رغبة في الاطلاع الحر ولأن والدي كان (مدرساً) للغة العربية وجدتني أقرض كما النعامة ما حوته مكتبته في ذا المجال ومعارف أخري ليستلفتني كتاب صغير الحجم غريب الشكل والعنوان مخطوط باسم محمود محمد طه وهو كاتب لم أسمع به من ذي قبل لأحاول قراءة سطوره في تعذر بالغ بيد أني قمت حين عييت بفك أسراره بسحبه لأحتفظ به حتى حين.

ثم بعد سنوات يغدو الكاتب والكتاب ومحتوي الكتابة حالة تشغلني شغلة تستفز بشعور مبهم لم أدرك كنهه حتى غداة جلسات محاكمته المنقولة عبر التلفاز ولقد كان لموقفه وحضوره الساطع أمام جلاوزة السلطان وقضاته التالفين وسخريته بوجه جلاديه حافز لاقتفاء أثر الرجل وفكره خصوصاً وهو يلامس (عقائدي) بنظراته وخطابه ومقاله:-(أنا عبد الصوفية.. ودي عبودية ماني دايرلي منها فكاك) ثم هو كان يحض على الطريق يتواشج بالمحبة عند مقام الشيخ (غريب الله) وهؤلاء آبائي طريقة وقبيلة من تلقاء أبي البركات احمد الطيب ود البشير.

منذ منتصف الثمانينات قمت أسعى لقراءة الرجل وفكره وجماعته أتخفي(تقية) حين قامت (الإنقاذ) إذ لم يك قادتها يخشون شيئاً مثل خشيتهم الرجل الذي مضي إلى صعدائه ولقد أعجز فكره خصومه عن مناجزته بالفكر والحجا والرأي الصحيح النجيح.

منتصف التسعينات حين خرج الإمام الصادق المهدي مغاضباً في ( تهتدون) إلي العاصمة الارترية  أسمرا أشار علينا الفنان بلاص في هيئة تحرير صحيفة (ظلال) في غمرة انشغال النظام  بأن نجعل العدد القادم في يناير احتفاء بذكري رحيل (الأستاذ) لنفعل وفور  صدوره يقوم النظام بإلغاء  ترخيص الصحيفة بأمر من جهاز الأمن وليس بقرار من مجلس الصحافة والمطبوعات وحينها ألتقي الهولندي ميشيل هوبكن من جامعة امستردام يرجو مساعدته ومعاونته وهو يقطع المسافات ويستفرغ الوسع والوقت ليدهشني أنه جاء يستكمل بحثه لنيل درجة الدكتوراة ولقد كانت أطروحته  حول الرجل حياته وفكره.

الأستاذ محمود محمد طه يصحبني لأكثر من عقدين قراءة ومقاربة لأفكاره وسيرته وتلاميذه (النقباء) الأفذاذ فما كتبه ويكتبه الدكتور عبدالله عثمان وآخرين حول تفصيلات حياته وحيوات الذين رافقوه شكل مادة مثرية أضاءت نواحي مهمة وحينذاك أكتب مقالة بصحيفة (أخبار اليوم) أشرت فيها إلي حالة (الجذب) التي تحيط الرجل وعن (أحوال) الداخلين إلي(الرحاب) من التيارات والتنظيمات الفكرية الأخرى يساراً ويميناً وأن حركة الإخوان الجمهوريين لم تشهد سوي حالة واحدة عكس التيار بخروج الأستاذ جمال عز الدين النور عنقرة ليقفو طريق الإخوان المسلمين علي غير المعتاد بالإشارة إلي د. النور حمد علي سبيل المثال ومثله خرج المحامي عمر تروس من تنظيم الإخوان المسلمين وكلاهما يسبق بكسبه وصلواته وحاله ومقاله في سوح الأستاذ محمود محمد طه وسياحاته الروحية والفكرية.

قبل يومين والمشهد السياسي تكاد نبوءات الرجل تصدق مجرياته وتحولاته نشرت مقالة بعنوان (عسكر في المعسكر) فكرتها المركزية بأن الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح هدف خطط له بدقة منذ خمسة عقود الدكتور حسن الترابي بشهادة البعض ولقد أوردت اسم الأستاذ عمر تروس في سياق الاستدلال ألتبس على البعض ولتوضحيه ومناقشته دون اعتساف أقتطع نصه نقرأه: –

(الدكتور الترابي في حلقات ( الجزيرة) كانت شهاداته موثوقة وأنفاسه حري ولغته واضحة ومباشرة بخصوص نظام الثلاثين من يونيو وهو يؤكد تضاعيف الحوار بأن مشروع الحركة الإسلامية السودانية للحكم لن يتأتى بغير الانقضاض علي السلطة وأن المسعي لأجل ذلك لم يكن مصادفة وإنما وفق ترتيب مسبق قال به (أربعة) أشخاص هو خامسهم نهاية عقد الستينات من القرن الماضي بمنزل بضاحية نمرة أتنين بالخرطوم وأسروا النجوى وهؤلاء قضي أجله منهم أربعة  وبقي واحد اتخذ له خلوة ببيته بمدينة أم درمان منذ خروجه عن (التنظيم) غداة البيان (رقم واحد) في الثلاثين من يونيو  ولا نقول باسمه ورسمه برغبته وطلبه حتي حين ولكن ذات الأمر الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح همس به المحامي عمر تروس الذي كان مقرباً من د. الترابي وخرج  ببابه إلي رحاب حركة الإخوان الجمهوريين..).

الجزئية أعلاه والسطرين الآخرين بل عبارة (همس به) على وجه التحديد هي سبب الالتباس الذي حدا بالصديق محمد عمر تروس يعاتبني برسالة أنشرها وهو محق حتى يستقيم توضيحي وتصحيحي بما يلزم: – (يا محمد سلامات.. ومشتاقين.. أمس قريت عمود لك حايم في القروبات. أنا اعرفك جيدا وكيف انت رجل فنان وصادق ومحب للناس. في كتابتك أشرت لأستاذ عمر تروس والحقيقة الاشارة رغم ثقتي في نواياك الا انها جات في سياق لم يكن موفق.. إنت أشرت للأستاذ لعلاقة له مقربه للترابي   وفيها همس كمان وربطها بأسواء انقلاب لنظام دموي قاتل.. الحقيقة فيها تقصير منك لسيرة الرجل والرجل رحمه الله من الستينات نافح فكر الاخوان المسلمين كتب ابي رحمة الله مقال شهير في جريدة الايام (البغلة في الابريق) ضد محكمة الردة والهوس الديني.. صحيح كان في صباه من الاخوان المسلمين في اواخر الخمسينات بل كان خطيب مميز وهو طالب بل كانت له علاقة مع الاخوان في مصر.. ثم أصبح وجوديا معتقدا في افكار جون بول سارتر.. الى أن ارتبط بالأستاذ محمود محمد طه وكان على الدوام معارض للإخوان والهوس الديني إلي أن لاقي ربه.. الحقيقة الظرف السياسي والتاريخي الآن حساس وأنت رجل صحفي مميز التوثيق للمعلومة مهم.. محبتي).

انتهت رسالة تروس (الابن) لتحملني مالا أطيق للاستيثاق فيما نكتب ولما نجتهد بصدده للتوثيق الكتابي ثم رسالته تؤكد علاقة الراحل الكبير بجماعة الإخوان المسلمين ولخروجه منها حين كانت جبهة الميثاق الإسلامي وفي ذا ثمت توثيق مفيد ضمن منشورات الأستاذ قصي مجدي سليم وهي متاحة لقارئها مبذولة لمن يرغب وجديرة بالقراءة غير أني أعترف بأن اقتضاب واجتزاء ما رغبت الاستدلال به دون توضيح مستفيض لما (همس) به الأستاذ تروس بخصوص الانقلاب ودون تفصيل لتاريخ علاقته بالترابي وتنظيمه وفترتها الزمنية هو ما قد ينهض مأخذاً للتظني مع (خلوص) النوايا ولنستيقن الأمر بآخره فإن الأستاذ تروس ألتقيه ببيت الأستاذ يوسف قباني بحي الملازمين شهر رمضان عام مفاصلة الترابي الشهيرة ليتسرد النقاش حول نبوءة الأستاذ محمود محمد طه (السوفات السبعة) وكانت مداخلته “تروس” تؤكد معرفته (نية) الترابي منذ مفارقته له في الستينات وهو يعتزم بتنظيمه وتخطيطه الاستيلاء علي السلطة بكل وسيلة وبالانقلاب العسكري إذا لزم الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق