سياسة

«قُولديلوكس» هل بلغها يوم الإثنين خبر السودان اليقينا؟ رُبمَّا!

د. طبيب عبد المنعم عبدالمحمود العربي

(المملكة المتحدة)

يوم الإثنين الخامس والعشرين من هذا الشهر الفضيل اكتوبر كان والله يوما محزنا حيث أصبح الصبح على كل السودان بما كان متوقعا وغير متوقع فى نفس الوقت ، ألا وهو “انقلاب عسكري كامل الدسم” . ورغم الجدار الرفيع بين مجريات الأحداث يومي الإثنين والثلاثاء وطريقة ومحتوى حديث الفريق البرهان القائد المسؤول عن الانقلاب (بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة) نافيا التهمة بأنه انقلاب ومؤكداً حسب كلامه أنه فقط “خطوة تصحيحية” فالحقيقة هي غير ذلك رغم تغيير أسلوب ولغة الخطاب الذي تم يوم الثلاثاء وتبقى واضحة للعيان بأن ما حدث هو مجرد إنقلاب كامل الخطة و الإستعداد والنيات المسبقة والتنفيذ. يدل على ذلك الترتيبات التى وضحت منذ فجر الإثنين ثم لاحقاً ، أهمها إحتلال كل فروع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وتخصيصها لبث الأناشيد الوطنية فقط أثناء الانتظار الطويل لخطاب هام سيقدم من القائد العام للقوات المسلحة ، إضافة إلى ظهور مذيعين جدد وانتشار الدبابات وقفل الكباري كلها لوحة حية وناطقة يستوعبها فهما حتى الصغار بأنها تحكي عن وقوع الإنقلاب الذي أكدته لاحقا محتويات الخطاب المتوج بالقرارات الصارمة بإلغاء بنود هامة فى الوثيقة الدستورية بلغة الجسد الرسمية الصارمة الملامح إعلان حالة الطوارئ واكتملت الصورة بلبس الزي العسكري الذي يتميز حاملاً نياشين أعلى رتبة في كل الدولة. كان هكذا قد تم ذلك الانقلاب الكامل التفاصيل على الحكومة المدنية . على سبيل آخر كانت الإرصادات الجوية تتنبأ بأن ذلك الإنقلاب متوقعا لأسباب خلافات ظهرت وتعود للظهور من وقت لآخر بين الشركين فى الحكم و أيضاً لحدوث تصرفات أو اتخاذ قرارات آحادية من قبل بعض أعضاء المجلس السيادي العسكريين بما فيهم الفريق البرهان نفسه وكذلك نائبه لاحظها وعايشها المواطنون ورئيس الوزراء شخصياً ، وهي معروفة لدي الجميع لا اريد الخوض فيها هنا تجنبا الإطالة وقد كتب عنها ومنتقدينها الذين يفهمون ويمارسون بحرفية أمور السياسة ” سودانيون أو غير سودانيون”. الفريق البرهان غلب اللوم على الحكومة المدنية بأنها لم تقوم بواجبها نحو تكوين المجلس التشريعي والمحاكم الدستورية فى حين أن الجانب المدني يلقي نفس اللوم على المجلس العسكري . من الذي سيحاسب الإثنين منهما ؟؟؟خلونا واقعيين

فكرة أو مبدأ اتخاذ الفريق البرهان للانقلاب وتنفيذه بهذه الطريقة بصفته القائد العام للجيش والرئيس السيادي المؤقت اعتبرت من أغلبية المواطنين والأجانب خبراء السياسة والإقتصاد بأنها غير مشروعة قانونياً وغير موفقة من جميع النواحي التوقيتية او الاستراتيجية وحتى مستقبلها الضبابي لأنه بدلاً من الثبات على اتفاق الوثيقة الدستورية والنهج الديموقراطي والتحلي بالصبر والحكمة آثر ( ربما مدفوعاً من جهات اخرى) استخدام اخر الكروت المتاحة عنده “سلاح القوة العسكرية ” وهي جيش دولة كامل العتاد جراراً ومدعوما بجيش موازي هو ” الدعم السريع ” كل ذلك قد تم ضد ارادة الغالبية العظمى من المواطنين الذين خرجوا بمختلف ألوانهم وألسنتهم رافعين رايات السلمية وبالملايين فى كل مدن السودان عزلا يوم الحادي وعشرين من نفس الشهر معلنين وسجلوها للتاريخ مجددا رسالة واضحة للسيد البرهان ومن معه أو من يحلم بالمثل مستقبلاً رفضهم لأي حكم عسكري. هكذا للأسف ولخيبة كل آمال الكثيرين من مواطني آلسودان فى الداخل والخارج خاصة الشباب والتكينوقراط والمهنيين والمتحزبين والمستقلين فقد رجع هذا الانقلاب بالسودان للأسف خمسين سنة الي الوراء. بريطانيا على سبيل المثال ركبت رأسها وخرجت (بتهور وتعنت مفاهيم عواجيز الثمانينات والتسعينات من مواطنيها I am proud I am British ) من المجموعة الأروبية واليوم يدفع مواطنوها ثمن الخروج العصي حسب تصريحات مسؤل إقتصادي كبير ورئيس قسم الميزانية البريطانية عبر البيبيسي اليوم الخميس بأن “الأثر السالب على إقتصاد بريطانيا نتيجة البريغزيت لأكبر وأمر من أثر جائحة الكوفيد”

أعود للعنوان أعلاه فهذه الخطوة الغير موفقة ومرفوضة فى اعتقادي ومن يشاطرني ذكرتني بالقصة الخرافية القديمة للطفلة التي تدعى قولديلوكس Goldilocks التي تعادل خرافيات أحاجي الأطفال عندنا فى السودان. يقولون في القصة (وقد ترد بروايات مختلفةً مع بقاء الفكرة) إن الطفلة التى تسمى قولديلوكس دخلت غرفة فوجدت فيها ثلاثة صحون تحتوي على شوربة. وحب الاستطلاع جعلها تجرب الشرب من الصحن الأول وجدتها باردة فلم تعجبها ، فجربت الثانية فوجدتها جدا ساخنة لا يمكن شربها فتركتها وجربت شوربة الصحن الثالث الأخير فوجدت حرارتها معقولة مكنتها من شربها كلها والاستمتاع بها وبإرتياح جعلها تعلق عندما انتهت قائلة”جست رايت” just right يعني بلغتنا الموازية”خير الأمور الوسط! ؛ فصارت القصة الأسطورة والتعبير just right مبدأ أو معيار تستخدم في التخطيط فى مجالات كثيرة مختلفة منها مجال التعليم وعلم النفس ومجالات العلوم الفلسفية وعلوم الطبيعة (الفيزياء الفلكية ). فقلت في نفسي ليت البرهان وفريقه قد تعقلوا وتريثوا وطبقوا Goldilocks Principle في إدارتهم للأمور بمبدأ “جست رايت” مع رصفائهم الشركاء المدنيين “السيد الدكتور حمدوك ومجلس الوزراء” وأيضا فى كل ما يتخذون من قرارات سيادية . لكن تطبيق نظرية قولديلوكس ليس من السهل لأنه يحتاج الي إداري ذكي أو مهندس تيكنوقراط طويل البال ويعرف كيف يفكر ليستفيد من فلسفتها ومغزاها العميق في مجابهة التحديات الكبيرة من مشاكل مهما كانت معقدة لإيجاد الحل المناسب لها و الخروج من أي نفق مظلم بنجاح . لو الفريق البرهان قد فعل ذلك لكان للجميع فرصة تتوفر وسيعبرون إلى الشط الآخر بسلام .للأسف ما تم يمثل موت وليد جميل الطلعة والبراءة كان وهو فى سنته الثالثة من عمره يرجى نموه وجمل شيل ، أعني الثورة، “وكلنا اليوم نجول داخل النفق المظلم والبصيرة أم حمد ننتظرها والقلم للأسف ما بزيل بلم”. العنف لا يصحح الخطاب أو الخطأ

اليوم العالم كله في انزعاج وتأسف لما قد حدث ومشاعره مع السودانيين الغلابة والجمر الحارق يشويهم حتى العظم منذ عقود مضت وظلت ناره حية يزداد لهيبها فى كل يوم تشرق شمسه. في اعتقادي إن فى هذا الظرف المعقد سوف لن يجد الحكم الرشيد بديلا لحلحلة مشاكل السودان ولقيادة مجلس الوزراء أفضل من الدكتور حمدوك ، وطبعا الكمال لله وحده سيتضح ذلك إذا غاب هو نهائيا عن المشهد . للوقوف الى جانب الحق إنصافا له رغم هنات بعض وزرائه فينطبق علي شخصه قول الشاعر أبوتمام ” من لى بإنسان إذا أغضبته … وجهلت كان الحلم رد جوابه

وإذا صبوت إلى المدام شربت من … أخلاقه وسكرت من آدابه

وتراه يصغي للحديث بطرفه … وبقلبه ولعله أدري به ” إنه لرجل خلوق ،مهذب وذو خبرة ومحبوبا مقبولا عالميا و فايلاته نظيفة. شخصيا لم التقيه ولا تربطني به صلة او معرفة سوى أنه الرئيس المنتخب تكليفا لوزراء السودان وانه يشرف المقام ” الرجل المناسب في المكان المناسب” وهذا يكفي لمؤازرته وللقبول به . أما إذا كانت توجد خلافات أو أخطاء من بعض الوزراء أو أعضاء مجلس السيادة نفسه فإعادة صياغة المناصب والأشخاص نراها تحصل كعلاج طبيعي في كثير من الدول الاوروبية التي فاتتنا في كل شيء ولا غضاضة في المعالجة بعد تشخيص الداء . أما الخضوع لإنفعالات النفس لتأخذ مجراها غير محمدة لأنها تؤدي الي التهور والتسرع في اتخاذ القرارات التي قد تفرق الشعوب ولا يحمد عقباها ، ومثل هذا الإتجاه ليس من صالح رصيد السياسي أو القيادي أو الإداري ” اياً كان” الذي يرجى منه النجاح في التغيير والإصلاح.أيضا يحب على الذين ينادون ويرفعون شعارات الديموقراطية أن يتحملوا بعضهم بعضا فلكل شيءٍ فى الدنيا ثمن يطلب.

رحمة الله على كل شهداء الوطن على مر السنين، وخاصة شهداء ثورة ديسمبر المجيدة والصبر والسلوان لذويهم ولشباب الوطن الصابر والثائر ينشد الأفضلية حاضر ومستقبل ينتظر والدعاء بتحقيق كل الأماني التي ستبني له وطنا آمنا حراً مستقلاً وتتحقق فيه الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمساواة للجميع في استثمار خيرات الوطن بأيدي المواطنين أنفسهم . الرحمة لشهداء هذه الأيام السوداء والشفاء للجرحى والبقاء لله ولا مستقبل مشرق للسودان إلا بحكم مدني برلماني. السودان للسودانيين ، لكم يا شباب ويا مواطنين فى كل البقاع ويا كل الأحرار من جند الجيش والشرطة وأمن البلاد

حافظوا على أنفسكم ووحدتكم ووحدة وتماسك وطنكم

قولديلوكس: ماذا ستقولين لو بلغك خبر يوم الإثنين اليقينا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق