سياسة

وحي الفكرة

نحتاج مثل هذا الرجل الغربال

محجوب الخليفة

تقول الحكاية.. الزمان وقت ما من الماضي ،أما المكان فهو قصر منيف بمملكة  يتربع علي عرشها ملك شديد الصرامة… الشوارع حول القصر خالية ولكن صوت رجل يمشي قريبا من القصر يخترق الجدران  الرجل ينادي :-(أنا سياسي  واستطيع تعليمكم السياسة .. أنا سياسي واعرض خدماتي لصالحكم..) سمعه الملك فطلب من حراسه أستدعاء ذلك الرجل ، وبالفعل ابلغ الحراس الرجل بأن الملك يطلبه ، دخل الرجل الي بلاط الملك وحياه سأله الملك :-( أنت سائس ؟) يرد الرجل لا يا مولاي :-(أنا سياسي يمكنني ان اساعدكم في فن التعامل مع رعاياكم ومع الممالك اﻷخري لتكسب مملكتكم وتستفيد) يقاطعه الملك وبصرامة بل أنت سائس وانا بحاجة لسائس خاص لحصاني اﻷصيل ..انزعج الرجل واراد أن يعترض ولكن الملك التفت الي وزيره اﻷول قائلا (عينت هذا الرجل سائسا لحصاني خذوه إلي الاسطبل ويمكنكم منحه وجبة واحدة من الخبز واللحم يوميا وإن لم ينفذ أوامري قطعت رأسه) أرتعد الرجل ووافق علي ان يكون سائسا لحصان الملك لم تمض خمسة أيام حتي هرب الرجل ولكن حراس الملك أعادوه واخبروا الملك ان السائس كان يحاول الهروب ، ساله الملك :-(لماذا حاولت الهروب ؟؟) رد الرجل لا استطيع أن اخبرك اﻹ بعد منحي اﻷمان من عقابك ،رد الملك مستغربا :- ( منحتك اﻷمان ) قال السائس حصانك ليس اصيلا ﻷنه لم يرضع من ثدي أمه..اندهش الملك ولكنه طلب من الحراس إحضار سائسه العجوز  فلما حضر السائس العجوز طلب هو اﻵخر اﻷمان من غضب الملك فوافق قال العجوز (لقد صدق هذا السائس فعلا حصانك ليس اصيلا ﻷنه لم يرضع من ثدي امه ابدا ﻷنها  ماتت بعد ولادته مباشرة فكنت ارضعه من ثدي بقرة  داخل الحظيرة) إلتفت الملك إلي السائس الجديد قائلا :-(بالله عليك أخبرني كيف عرفت أن حصاني ليس اصيلا ولم يرضع من ثدي أمه؟)  قال الرجل :- لاحظت يامولاي ان حصانك يختلف فهو لايقبل ان اطعمه كما الحصين في مكان نظيف وبطرق اطعام الحصين المعروفة وإنما يفضل ان نضع له علفه ارضا فهو راغب دائما ان يتناول علفه مطأطئ الرأس كما اﻷبقار فعرفت أنه رضع من ثدي بقرة..)أعجب الملك بذكاء الرجل وقال له :-( عينتك اﻵن داخل قصري لخدمة جلالة الملكة سيدة القصر) ثم التفت الملك لوزيره قائلا اجعلوا حافزه وجبتين من الطعام  تكون إحداها من اﻷرز واللبن.

▪️انصرف الرجل ﻷداء مهمته الجديدة داخل القصر وهي خدمة الملكة ولكن وقبل ان ينقضي اسبوعه اﻷول حتي حاول الهرب مرة أخري ولكن ولسوء حظه اعاده الحراس للملك ثانية فساله الملك مستغربا :-( لماذا حاولت الهرب  ثانية؟؟) طلب الرجل اﻷمان ولما منحه الملك اﻷمان قال للملك ( الملكة ليست بنت ملوك ) اندهش الملك ولكنه هذه المرة ركب حصانه واستصحب بعض حرسه بعد ان امر باحتاز الرجل حتي يرجع، توجه الملك إلي المملكة المجاورة وبمجرد ان وصل طلب مقابلة الملك والملكة علي وجه السرعة ولما اختلي بهما سل سيفه قائلا:-( أخبراني بحقيقة ابنتكم الملكة التي تزوجتها أنا واﻹ قطعت رأسيكما)

رد الملك كان ابوك الملك صديقي وطلب مني ان ازوجك ابنتي الملكة الصغيرة عندما تكبران وعاهدته علي ذلك توفي والدك ثم مالبثت ان ماتت ابنتي الملكة الصغيرة بعد ان اصبحت صبية جميلة ، تكتمنا خبر موتها ،وهنا تدخلت الملكة لتكمل القصة كان هناك معسكرا للغجر داخل مملكتنا شبت في بيوته نارا احرقت الغجر وذهبنا انا وعملك الملك لزيارة موقع المعسكر لمشاهدة الماساة وهناك وجدنا صبية جميلة في عمر ابنتي الملكة المتوفية فقلت للملك علينا تبني هذه الصبية كأبنة لنا ومن ثم تزوجها لك، وهذا ما حدث فعلا.

رجع الملك إلي مملكته واستدعي الرجل ليسأله :-(بالله عليك كيف عرفت ان زوجتي ليست بنت ملوك؟؟) رد الرجل بهدوء :-(لاحظت انها تغمز عندما تتكلم وتلك عادة الغجريات فعرفت أنها غجرية وليست بنت ملوك). إلتفت الملك إلي وزيره اﻷول قائلا :-(لقد عينت هذا الرجل ليخدم والدتي الملكة اﻷم..وﻷنه رجل ذكي عليكم بمنحه وجبة ثالثة حافزا له.

▪️ذهب الرجل ﻷداء مهمته الجديدة وهي خدمة الملكة اﻷم وهي أم الملك ولكن لم تمض أيام حتي تفاجأ الحرس بمحاولة الرجل الهرب مرة أخري فأخبروا الملك فطلب الملك إحضاره ولما وقف أمام الملك طلب من الملك أن يبعد كل من حوله ويبقي هو الملك لوحدهما،فأستجاب الملك علي الفور وطلب من الجميع اﻹنصراف ليبقي لوحده مع الرجل ،وما أن انصرف الجميع حتي قال الملك للرجل وبلهفة :-( ويحك وماذا اكتشفت هذه المرة؟؟ مالها امي الملكة؟؟) طاطأ الرجل راسه ثم قال للملك :-( ولكني يامولاي لا أامن شرك هذه المرة) قال له الملك بحزم اقسم لك بل ساكتب لك اﻵن وبختمي وثيقة اقر فيها بأمانك وسلامك وحمايتك ثم سحب الملك ورقة وكتب قرار اﻷمان وختمه ومده للرجل ثم قال له اﻵن يمكنك ان تخبرني وكن واثقا بأنك بأمان كامل.

رفع الرجل راسه وقال للملك جملة واحدة (أنت ليس ابن ملك) وقعت الجملة كالصاعقة علي الملك نهض من عرشه وراح  يدور حول كرسيه منزعجا ثم يلتفت الي الرجل حينا ثم ينظر إلي اﻷرض حينا آخر.. ثم فجاة ينادي الملك علي وزيره الاول ويطلب منه ان يحرس هذا الرجل بنفسه حتي يرجع..يندفع الملك مسرعا داخل قصره ليقف امام أمه الملكة والتي كانت لوحدها في غرفتها.. يغلق الباب خلفه ثم يستل سيفه في وجه الملكة اﻷم ومن ثم ليسألها (إبن من أنا إن لم أكن ابن الملك؟؟) خافت الملكة اﻷم ولم تستطع إخفاء الحقيقة طاطات رأسها ثم ردت بصوت خفيض (أنت ابن كبير طباخي القصر)  أنهار الملك باكيا وهو يجلس أرضا ليقول :-(وكيف ذلك يا امي؟كيف؟؟)

ردت اﻷم لقد كان الملك مزواجا ولكنه كلما تزوج فتاة جميلة ثم لايرزق منها بطفل يقتلها ، جاء دوري وتزوجني الملك وكنت خائفة أن يصبح مصيري كاﻵخريات ففكرت في حيلة اضمن بها بقائي علي قيد الحياة وان اظل ملكة فاغريت كبير الطباخين وحملت منه لتكون أنت أبن الملك ولكن في الحقيقة ابن كبير الطباخين ..سامحني ياولدي لم يكن امامي خيار آخر .

انسحب الملك وعاد الي حيث يقف الرجل تحت حراسة الوزير وهو يحاول ان يتماسك التفت الملك إلي الوزير طالبا منه اﻹنصراف وليدع معه الرجل فقط ، وما أن انصرف الوزير حتي قال الملك للرجل ( وكيف عرفت انني لست إبن ملك؟؟)

رد الرجل عرفت أنك إبن طباخ ﻷنك وفي كل مرة تكافئني بالطعام بينما مكافآت الملوك الذهب واﻷموال..

▪️أنتهت حكاية ذاك الرجل الغربال الذي يمتلك قدرات خارقة لكشف الحقيقة واكتشاف التزييف ، ولكن قصتنا نحن لم تنته مع التزييف  فنحن في أشد الحاجة لمثل هذا الرجل الغربال ليكشف لنا المزيفيين من قادتنا السياسين وزعمائنا الحزبين  ، بل ومواجهتنا بأكاذيبنا المتوارثة وأوهامنا التي تمنعنا من الحياة بهوية واحدة وعقيدة نظيفة وثقافة حقيقية وسلام راسخ وعدالة لا تقبل التدليس والمخادعة ، وتؤهلنا للتخلص من العيب المخجل الذي كشفته رئيسة وزراء المانيا في حديث منسوب إليها عندما قالت :-( أستغرب كثيرا عندما اري  ان للصينين والهنود اكثر من مائة وخمسون الها واكثر من خمسمائة قومية ومع ذلك فهم يعشون في سلام ومنهمكون في العمل ومشغولون باﻹبتكار بينما للمسلمين رب واحد وكتاب واحد ورسول واحد ولكنهم مع ذلك مشغولون بالخلافات وتسيل دمائهم في الطرقات)

▪️نحن في أشد الحاجة لذلك الرجل الغربال لتنظيف واقعنا السياسي واﻹقتصادي وأن ينقذنا من طوفان اﻷخبار المفبركة والتزوير الذي يسيطر علي واقعنا بالكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق