سياسة

دارفور مشاهد وشواهد (3)

محمدالمنتصر حديدالسراج

كل عام وأنتم بخير مع اطلالة عيد الأضحية المبارك ونسأل الله تعالى الأمن والسلام والحرية والعدالة لكل اهلنا في السودان ولأهلنا في دارفور خاصة.

في هذا الجزء كنت اود الكتابة عن رحلتنا الى احدى ربوع دارفور التي شهدت صراعا ونزوحا منها الى مناطق أخرى وهى منطقة (شطاية) والتي نزح غالب اهلها الى (كاس) غرب نيالا وفيها عمنا وأخونا آدم شوقار الذي استضافنا في منزله في شهر رمضان واستمتعنا معهم بخريف أخضر وزخات من المطر منعشة للروح والبدن.

ولكن استوقفتني مقالة الاخت الصحفية أسماء جمعة في عمودها بجريدة التيار في الصفحة الاخيرة يوم الخميس23يوليو2020، وقد كتبت تحت عنوان (المسكوت عنه في دارفور وتخشاه الحركات)، ومما قالته:(في ظل النظام المخلوع أصبحت دارفور واحدة من أكثر مناطق السودان صراعات وبالتحديد بعد العام2000 حيث ظهرت الحركات المسلحة، فقد تأسست حركة العدل والمساواة في العام2001 بقيادة خليل إبراهيم….، وفي 2003 تأسست جبهة تحرير دارفور بقيادة الشاب عبدالواحد محمد نور والتي أصبحت فيما بعد حركة تحرير السودان….تأسستا على أساس عنصري قبلي صريح، لأن ما يبنى على باطل يظل باطلا أصيبت الحركتان بلعنة الصراعات والانقسامات المستمرة حتى وصل عددها لحوالي المائة حركة وهى حتى الآن ما زالت عاجزة عن الخروج من ذلك المأزق.)

وتواصل الكاتبة في مقالها: (منى أركو مناوى رئيس إحدى حركات دارفور المتكاثرة من بعضها،قال في تغريدة له: إن حالة دارفور اليوم عبارة عن أعراض مرض مسكوت عنه، وأن أحداث الجنينة الاولى، تلس وسرقيلا، جبل مون سونوسنو، وادى عرديب، نيرتتى، كبكابية، سريف عمرة، بركة ساير، فتابرنو، هي أحداث عبارة عن أعراض لمرض مسكوت عنه، وهو يقصد مرض عدم قبول الآخر والعنصرية التي قاموا هم كحركات ببثها في دارفور، ولا أدرى لماذا لا يكون هو شجاعا ويكشف المسكوت عنه ما دام هو يعرفه والحق يقتضى كشفه حتى تتم معالجة الأمر بصورة نزيهة، ولماذا لا يناقش في منبر جوبا فهو أمر مهم لتحقيق السلام)

المسكوت عنه الذي يتحدث عنه منى أركو مناوى (هو الصراع الوهمي الذي يدور بين من يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض وأولئك الذين يسمونهم المستوطنين الجدد ويضيع فيه البسطاء، وحقيقة هذا الملف يجب أن يفتح في كل دارفور فكلنا نريد أن نعرف من هم، ومعروف ليس هناك مجموعة محددة لها الحق في دارفور دون غيرها، فحسب علمنا أغلب القبائل الموجودة الآن لها حقوق تاريخية متساوية بحكم الوجود لمئات السنين، يجب مواجهة الحقائق بشجاعة من أجل العيش بسلام.)

هذا ما كتبته الاخت الصحفية أسماء جمعة في صحيفة التيار وهو يلامس من طرف ظاهر ما نكتب عنه من وقائع في مشاهدنا وشواهدنا، وحتى يمتع المتابع نظره بقراءتنا في ايام العيد هذه نرجع به الى مصدر قديم من مصادر تاريخ دارفور وقد كتب في القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر وهو كتاب (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان) لمحمد بن عمر التونسي وأول ما نشر باللغة العربية 1965 في سلسلة تراثنا وحققه في مصر د. خليل عساكر ود. مصطفي مسعد وراجعه د. محمد مصطفي زيادة وهو مصدر جدير بالقراءة والمراجعة خاصة من مهتمين ومختصين من أبناء دارفور لتصحيح كثير من المعلومات والأسماء، يقول التونسي في باب وفصل صفة دارفور وأهلها:(أما دارفور فهو الاقليم الثالث من ممالك السودان، وذلك أن القادم من المشرق الى بلاد السودان، اول مملكة واقليم يعرض له، مملكة سنار، ثم كردفال، ثم دار الفور، فظهر أنها الاقليم الثالث، وبحسب ذلك يكون إقليم وداى هو الرابع، والباقرمه الخامس، وبرنو السادس، وأدقز السابع، ونفه الثامن، ودارتنبكتو التاسع، ودار ملا أو ملى العاشر، وهى قاعدة ملك الفلان، وهم الفلاتا كما ذكرنا.

واعلم ان القدماء يطلقون على بعض أهل السودان اسم التكرور، ويعنون به أهل مملكة برنو..لكن الآن قد عم هذا الاسم على ممالك متعددة، أولها: دار وداى المعروفة أيضا بدار صليح، آخرها برنو، فيدخل في ذلك باقرمه وكتكو ومندرة، فيقال لأهل كل منهم تكرور.

وحد الفور من جهة الشرق أقصى الطويشة، ومن الغرب آخر دار المساليط(المساليت)، يعنى مملكة المساليط، وآخر دار قمر، واول دار تامه، وهو الخلاء الكائن بين دار صليح وبينها، ومن الجنوب الخلاء الكائن بينها وبين دار فرتيت، ومن الشمال المزروب، وهو اول بئر يعرض لمن يتوجه لها من الديار المصرية.

وتتبعها عدة ممالك صغيرة؛ فمن الشمال مملكة الزغاوة، وهي مملكة واسعة، وبها خلق لا يحصون كثرة، ولهم سلطان وحدهم، ومن جهة الشمال أيضا مملكة الميدوب والبرتى، وهما مملكتان كبيرتان، وفي خلال دارفور مملكة البرقد، ومملكة برقو والتنجور وميمه، إلا أن مملكة البرقد والتنجور في الوسط، ومملكة البرقو والميمه من جهة الشرق، ومملكة الداجو والبيقو من الجهة الجنوبية، وكذا مملكة فراوجيه.

وقد أحاط بجانبها الشرقي والجنوبي كثير من عرب البادية كالمسيرية الحمر والرزيقات والفلان. وكل قبيلة من هذه القبائل لا تحصى كثرة، وهم أهل بقر وخيل وأثاث، وأكثرهم أهل ثروة لا يألفون الحاضرة، بل يتبعون الكلأ أينما كان. ويلحق بهم القبيلة المسماة ببنى حلبة (بنى هلبة)، لأنهم أهل بقر أيضا، لكنهم يتوغلون في دارفور ويزرعون.

وأما أهل الإبل فمنهم الفزارة، وهم: المحاميد، والمجانين، وبنو عمران وبنو جرار والمسيرية الزرق وغيرهم. وعلى كل من هذه القبائل ضريبة يأخذها السلطان من أموالهم في كل سنة، لكن في ذلك تفاوت: أما المسيرية الحمر والرزيقات لقوتهم وتوغلهم في الخلاء، فلا يعطون السلطان إلا أقبح أموالهم، ولا يقدر العامل ان يأخذ من كرائمها إلا برضاهم، وإن تاقت نفسه الى ذلك طرد، وربما قتل، ولا يقدر السلطان لهم على شيء.

ولقد بلغنى أن الرزيقات عصوا أمر السلطان تيراب، وجهز لهم جيشا فكسروه، فخرج إليهم بنفسه ففروا أمامه، ودخلوا في البرجوب بمواشيهم، فتبعهم فقتلوا منه خلقا كثيرا ولم يملك شيئا.

والبرجوب: موضع يسافر فيه المسافر عشرة أيام حتى يقطعه، وهو طين مغطى بماء يبلغ نحو عانة الرجل، ومن لين طينته تسوخ فيه قوائم الدواب، ومع ذلك فهو ذو شجر شائك، وهذا الموضع لا ينقطع عنه المطر إلا شهرين في السنة في فصل الشتاء.)

نقف هنا لنعاود المشاهد والشواهد وكل سنة وأنتم طيبين، ولأهلنا في دارفور … سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق