سياسة

لماذا أوكرانيا الآن …؟

أحمد الونزاني

الأزمات الكبرى تصنع لأغراض استراتيجية بالدرجة الأولى، و تفتعلها القوى الكبرى المسيطرة على الاقتصاد العالمي، للخروج من أزماتها السياسية الداخلية أو بغرض فرض سيطرتها و توسيع نفوذها الجيوسياسي و الإقتصادي و فرض هيمنتها العسكرية و نموذجها الحضاري.

أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية ،كانتا على استعداد تام لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية، من حيث توفير الغذاء والدواء و مصادر الطاقة الضرورية لتحريك عجلات اقتصاداتها و كذلك لتزويد أسواقهاالداخلية بكل ما هو ضروري من سلع و مواد غذائية و بذلك ضمنت عدم المساس بالأمن الداخلي لبلدانها  و تفادت  اي نوع من الاضطرابات الشعبية أو الاحتجاجات المتوقعة  بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية، ك  ارتفاع أسعار الوقود أو المواد الاستهلاكية، داخل حيزها الجغرافي .

فيما عرفت دول العالم الثالث و الدول العربية، ارتفاعا مهولا في أسعار المحروقات و بعض المواد الغذائية ك الزيوت النباتية و الحبوب من قمح و ذرة و القطاني و غيرها من المواد الاستهلاكية، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، و هذا قد يزيد من ارتفاع معدل التضخم في هذه البلدان.

بعد الركود الاقتصادي، الذي تسببت فيها أزمة كورونا لمدة تتجاوز السنتين، هاهي أزمة أوكرانيا تزيد من الطينة بلة و تعقد الأمور الاقتصادية و  الاجتماعية بشكل رهيب، قد تكون لها عواقب خطيرة على السلم الاجتماعي لهذه البلدان.  توقف عجلة الإنتاج في كثير من دول العالم الثالث و الدول العربية، بسبب نقص في الإمدادات و المخزونات من المواد الغذائية و الطاقية، قد يشكل أكبر تهديد على السلم الاجتماعي لهذه البلدان.

و تبدو الصورة غير واضحة، لأن الأوضاع قد تتفاقم و تتدحرج الأمور لتصير المواجهة حرب عالمية ثالثة. إصرار الناتو على تزويد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة يعد تدخلا و مشاركة في المجهود الحربي ضد روسيا، و هذا قد يتسبب حتميا في انتقال الحرب إلى بلدان مجاورة لأوكرانيا ك بولونيا أو بلغاريا، مما قد يؤدي إلى اشتعال نيران الحرب على حدود الدول الأوروبية أو دول الناتو. و ربما سنشهد بداية صراع عالمي جديد ،لا أحد يمكنه التنبؤ بنتائجه الكارثية على الإنسانية و خصوصا ما تعلق بالأزمات الاقتصادية و التي بدورها ستؤدي إلى أزمات اجتماعية حادة و خطيرة و قلاقل شعبية و ربما ثورات جياع في كل من العالم الثالث و الدول ذات الاقتصادات الهشة .

الغرب يشن حربا بالوكالة على روسيا، دافعا بالشعب الأوكراني نحو محرقة القرن الواحد والعشرين، عبر تأجيج الصراع بمد أوكرانيا بأسلحة متطورة و وسائل تواصل ذات تقنية متطورة تساعد على تحقيق التفوق الميداني في ساحة الحرب، و بدخول الحرب شهرها الثالث و مع تطورات الأوضاع الميدانية فالغرب قد يفكر في تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة متطورة و فتاكة لضرب العمق الروسي، مما قد يعتبر إيذانا و تورطا واضحا و ملموسا للغرب و الناتو في الحرب الروسية الأوكرانية، مما قد يقرأ ك مشاركة و دخولا في الحرب بشكل غير مباشر ضد روسيا. و بهذا فالتدويل قد يبدو وشيكا، و قد يشهد العالم كله حربا عالمية جديدة.

بدأت في الآونة الأخيرة تطفو على الساحة الدولية صراعات قديمة جديدة، من توابع سنوات الحرب الباردة، صراعات قد تنفجر ،بسبب التقاطب الذي طفى على الساحة السياسية الدولية بعد الأزمة الأوكرانية ،و هذه الحرب التي قد تتسع إلى جهات أخرى في هذا العالم المتقلب.

حرب سياسية و اقتصادية و مالية و تجارية و استراتيجية ،قد ينشأ عنها وضع جديد و نظام عالمي جديد.

يقف العالم أمام منعطف تاريخي حرج للغاية، حتما سيخلف مآسي إنسانية و نفسية و تغييرات جذرية على الساحة السياسية الدولية و هو من غير معالم واضحة حتى الآن.

الحرب الأوكرانية الروسية أو حرب روسيا و الغرب،  باتت تهدد الأمن الإنساني بسبب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة على أغلب سكان العالم و بالخصوص الدول الفقيرة و الدول ذات الاقتصادات الناشئة و الهشة، حيث يسود الفساد بكل أنواعه و الاستبداد  .و قد تكون لتداعياتها آثار سلبية و إيجابية على حد سواء على تلك الشعوب ،التي قد تعرف  الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بها تطورا  إما إلى الأحسن أو إلى ما هو أسوأ، حسب مآلات هذه الحرب التي تدور رحاها بعيدا عن منطقتنا العربية، لكن تداعياتها باتت تهدد الأمن الغذائي لشعوب العالم الثالث و المنطقة العربية.

لكن السؤال الطبيعي الذي يجب ان نسأله لأنفسنا، لماذا أوكرانيا الآن، فيما كانت أزمات دولية أخرى على وشك الانفجار، ك أزمة الغرب مع إيران و أزمة الغرب مع كوريا الشمالية  و الغرب و الحرب التجارية والاقتصادية ضد الصين و أزمة تايوان و أزمات أخرى مرتبطة بالتقاطب بين الشرق والغرب. لماذا أوكرانيا الآن بعد سنتين من تداعيات أزمة كورونا على الإنسانية جمعاء، تداعيات خلفت انكماشا اقتصاديا حادا و خلفت مآسي إنسانية و اجتماعية كثيرة.

لماذا أوكرانيا الآن..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق