سياسة

القوي المُستكينة داخل الحكومة لن تصنع التغيير …

نضال عبد الوهاب

بعد مُضي أكثر من العام والنصف علي التوقيع علي الوثيقة الدستورية وبداية الفترة الانتقالية وفقاً لمهام محددة ومعلومة حوتها الوثيقة الدستورية، و مروراً بقضايا رئيسية واجهت وتواجه السودان وترتبط عملية الانتقال الديمُقراطي نفسها بها ، وكذلك كل قضايا الإصلاح و العدالة ومُجمل عملية التغيير وتحقيق أهداف الثورة ، ظلت كل هذه التحديات والقضايا تصطدم بمعوقات ومكابح للتغيير .. بعضها مقصود والآخر نتيجة لضُعف من يقودون الدفة وعدم قدرتهم علي مُجابهة التحديات وصناعة التغيير ..

ما يهمني هو تحديد ماهي القوي التي توجد الآن وراء دفة التغيير ولكنها تفشل في صناعته والوصول إلي ملامحه الرئيسية .. فالذين يتسيدون المشهد الآن وهم جزء من قوي الثورة لكنهم بطبيعة الحال ليسوا الكل حقيقة أثبتت التجربة أنهم ليسوا قادرين وحدهم علي إحداث التغيير والعبور بالفترة الانتقالية علي الأقل لكامل نجاحها .. ولنا أسبابنا في ذلك ..

أو لاً من هي تلك القوي؟

من المعلوم أن المكون السياسي الذي كان موجوداً عند التوقيع علي الوثيقة يضم قوي الإجماع وقوي نداء السودان والتجمع الإتحادي والقوي المدنية و تجمع المهنين ما قبل انقسامه .. كل هؤلاء شكلوا تحالف قوي الحرية والتغيير مع آخرين ..

بعد العديد من الأحداث داخل التحالف والتي تابعها كل الشعب السوداني ونتيجة لخلافات عديدة وتباينات انفرط عقد هذا التحالف خرجت الجبهة الثورية مبكراً جداً ثم تبعها الشيوعي لاحقاً وتذبذب موقف الأمة ولكنها فعلياً خارج التحالف الأساسي وداخل الحكومة، ثم انقسم المهنيون ، القوي المدنية نفسها غير متحدة وبعضها لافتات لقوي حزبية أخري .. إذاً من تبقي ؟ ولا يزال؟ ..

نجد وبكل وضوح أن من ورثوا تحالف الحرية والتغيير هم حزب المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي و البعث .. وهذه القوي مع كامل الاحترام و بكل إنصاف ليست في طموح تحديات المرحلة .. وقد أثبتت التجربة هذا .. و نعتبرها مثالاً للقوي المُستكينة داخل الحكومة الحالية..

فشلت هذه القوي تحديداً في توحيد التحالف وتقويته لأنها بالأساس جزءً منه .. وفشلت كذلك في تحقيق كثير من مطالب قوي الشارع والثورة من لجان مقاومة أو تنظيمات شبابية ونسوية فيه وتجمعات أسر الشهداء، بل وعملت عكس ما طالبوا به في بعض الأحيان .. وعلي سبيل المثال هو إصرارهم علي مجلس الشركاء والوجود فيه وهم يعلمون أنه ضد رغبة الشارع وقوي الثورة وأنه ليس إلا محاولة أُريد بها الالتفاف علي الوثيقة الدستورية و طريق لصنع حاضنة دستورية أخري للفترة الانتقالية تُمرر أجندة العسكر وحلفاؤه .. والدليل أنه الآن هو من يشرف فعلياً ويقرر في المرحلة الانتقالية و مسارها .. دعك من تشكيله المعيب وخروقاته والتغول علي صلاحيات حددتها في الأساس الوثيقة الدستورية وعلي رأسها الفصل بين السلطة الدستورية والتشريعية، فتجد في تمثيله رئيس الوزراء والمجلس السيادي؟ ..

ركب الأخوة في المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والبعث موجة المُحاصصات و جعلوها مبدأ يقود كامل العملية السياسية ليأتوا بكوادرهم في كل مفاصل الدولة، فأصبحت حتي الوظائف السياسية حكراً لهذا المبدأ وهذا شيء معيب، فإزالة تمكين الكيزان لا تعني بالضرورة إحداث تمكين آخر جديد، بل و أصبحت لغة (زولنا) هي نفسها و (ناسنا) دلالة علي استبدال تمكين بتمكين، والمؤسف أن كثير جداً ممن يتم الاستعانة بهم تحت بند المُحاصصة هذا ليسوا جديرين بتولي المناصب بسبب ضُعف الكفاءة والأداء ..

لم تقوم أحزاب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والبعث بتقديم رؤي واضحة لكثير من القضايا المصيرية و الهامة وبشكل واضح كقضية فصل الدين من الدولة والتطبيع و محاكمة بعض رموز النظام السابق في المحكمة الجنائية ولا حتي العمل علي محاكمتهم محاكمات عادلة وعاجلة نتيجة ما ارتكبوه داخلياً، فانشغلوا بالمناصب عن هذا ..

في وجود المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي والبعث ظللنا نجد خروقات وبشكل دائم لبند الحُريات والاختفاء والاعتقال غير القانوني و إخفاق متواصل في هذا المنحى من شُركائهم العسكرين دون تقدير حتي لهذه الشراكة دعك من خرقها لما جاءت به الثورة وتضحياتها العظيمة..

فشلت قوي المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والبعث في إدارة المرحلة الانتقالية إلي الآن سياسياً في كثير من ملفات السُلطة الانتقالية وتكملة هياكلها من مجلس تشريعي حقيقي ومفوضيات رغم إمساكها لهذا الملف باعتبارها ( وريث ) لقوي التحالف والحرية والتغيير ! ..

بعد التوقيع علي اتفاق سلام جوبا ونسبة لضبابية موقف هذه القوي تجاه مسألة فصل الدين عن هياكل السلطة وعدم قدرتها علي اتخاذ قرارات تاريخية لصالح بناء الدولة السودانية و إعادة هيكلتها علي أُسس جديدة وحديثة وارتهانها بضعفها هذا للقوي الظلامية من الإسلاميين والسلفيين وحلفاؤهم في المؤسسة العسكرية رُغم كل حروب الإبادة التي حدثت وانفصال الجنوب والتدمير المنظم من قبل هذه القوي الظلامية للسودان طوال ثلاثين عاماً ، نعم فشلوا إلي الآن في توقيع سلام مع فصيلين هامين وجزء عزيز من الدولة السودانية بسبب ضعفهم هذا في اختيار القرار الصحيح بفصل الدين عن الدولة ووضع السودان في الطريق الصحيح لبناء الدولة السودانية الديمُقراطية الحديثة ويتمثل هذا في إتمام الاتفاق مع الحركة الشعبية جناح الحلو وحركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور .. ثم ومن خلال تحقيق الحُكم الفدرالي تتم كل المعالجات للمناطق والأقاليم السودانية ولكن تظل الدولة المركزية ذات طابع ( علماني ) ..

مُحصلة ما أريد الوصول له أن قوي المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والبعث ومع كامل الاحترام ودون النظر حتي لجماهريتها وثقلهم من عدمها و هي وبهذا الأداء تُعتبر الحلقة الأضعف في قوي الثورة وإرادة التغيير وتُعتبر قوي مُستكينة للعسكر وحلفاؤه في تمسكها بمجلس الشركاء وتمويه وإبطاء تحقيق العدالة وإزالة التمكين للكيزان والعسكر و تشويه الفترة الانتقالية لعدم الوصول لغاياتها وأهدافها وتحقيق رغبة الشعب السوداني في الديمُقراطية والحرية والعدالة والسلام والتنمية ومشروع الدولة السودانية المدنية الموحدة الحديثة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق