ثقافة وفن

التشكيلية اللبنانية زينب أيوب

الرمزية وتفكيك المعنى الانساني

بشرى بن فاطمة

يعتبر الرمز في الفنون التشكيلية، العنصر الذي يحرّك الذهن نحو المخيّلة، فهي تغوص به وتبتعد مع حدوده الخارقة لذلك ومهما كان الأسلوب المُوظّف للإنجاز الفني متنوعا، فإن الرمز يبقى أساس الفكرة ومُحرّك المفهوم لأنه يقتفي آثار اللامرئي ويتّبع تلك الماورائيات لتصميم توليفاته الجمالية والحسيّة والفكرية.

فالرمزية هي انطلاق نحو تعبيرية محسوسة وموظّفة في قراءاتها النقديّة وتصوراتها الفهمية انطلقت كردّة فعل على الواقعية حيث انتفضت على التصوّر المباشر والصور المُسقطة التي تنتسب للمظاهر والأفكار الأولية السطحية أو المثالية التي تتجاوزها الرموز لتتماهى مع الصور أبعد في شكلها وحقيقتها أعمق في التعبير عنها، كما أنها الانعكاس الحقيقي عليها.

ولعلنا نقف هنا عند التجربة التي انطلقت منها اللبنانية زينب أيوب التشكيلية التي تخطو خطواتها واثقة من تصوراتها ومن لغته البصرية التي اعتمدت فيها أساليب التعبيرية ووظّفت رموزها من خلال واقع محيطها.

فهي تعيد صياغة القصص والحكايات معا وفق فلسفتها وحالاتها الشعورية لتنطلق من مواقفها وتستقبلها بكل توافقاتها نفسيا وحسيا وفنيا، فترتب فوضى واقعها بين رؤاه الأليمة وتسكب من خلالها ألوانها على تفاصيل الانتماء وذاكرة التفاعل مع خصوصياته لترسم خطوط انطلاقها التعبيري بدأ من الرمز مرورا بتفكيكه الفهمي من السرد البصري إلى العمق التفعيلي للرؤية الماورائية.

وبالتالي تعطيه روحا جديدة تحوّل توليفاته الفنية مع واقعه إلى رموز مدروسة تتوافق مع أسلوبها التعبيري الذي يستدرج الشعور والحالة المنعكسة ويدرس فكرة التمازج بين الشخصيات والحكايات والموقف الفردي للفنانة والموقف المنعكس للمتلقي.

وهذا الأسلوب في تردداته يخلق جماليات مُبهمة وعلامات تفسير حملت عدّة أبعاد ومعان ارتكزت على المكان والانتماء والهوية والقضية التي فكّكتها إنسانيا وهي تحاول كسر القيود الثقافية والصراع الإيديولوجي والعقائدي والاجتماعي، وهو ما فرض التأمل الباطني والغوص في عالم الأسطورة والانسان بمعتقده وفلسفته وخياله وانتمائه وتفاعله مع كل ذلك حسيّا وذهنيا.

وقد وظّفت زينب أيوب العنصر اللوني والتوافق الخطي وحركة البناء التصاعدي للأشكال لتعيد صياغة قصص لنساء حملن قضية الوطن وحملهن الوطن قضية محكية للعالم انتصارا في البقاء الباقي رغم كل ما فيه من تشويه متعمّد حمل سمات  الانتقام والعنف مثلما حمل السلام والمحبة التي أرادتها زينب أيوب كحقيقة ترشح في اللون وتعيد التوازن من مُنطلقها الوجودي والروحي ومن تأثيرها الفني والنفسي والاجتماعي.

حاولت زينب أيوب ألا تقف عند التعبير بل كسرت حدود التلقي بالرمز اختارت أن ترمّم التشويه بلمسات أنثوية جمعت صورة المرأة بالحياة وعنادها بالاستمرارية التي تدفقت في خطوطها وهي تجادل اللون باللون وتحاكي الخط بالنقط المختلفة في أحجامها وتلطيخاتها، وفقد أعطت لشخوصها ملامح استطاعت أن تعاتب الذاكرة في تمسكها بالألم وكأنها تحوّل الموقف العام من محاكاة إلى عتاب على العالم ودعوة للانتفاض لتنتشل شخوصها من مجرد دور في حكاية اللوحة وتعابيرها إلى رمز دافع متماه مع وجود الانسان وانتصاره على العدم وهو ما حاولت أيوب تفسيره بقولها.

«إن التركيز على المشاعر والمفاهيم والتلقي الشخصي للوقائع والحكايات هو ما يربطنا بالحركة الرمزية فكأننا نعيد تشكيل القصص بمخزوننا البصري وفلسفتنا المفاهيمية التي تحتوي على العديد من الأمثلة والرموز لذلك تكون أعمالنا أقرب إلى مشاعرنا ومدركاتنا وقادرة على عكس تصوراتنا ومواقفنا الانسانية على المتلقي الذي سيسعى لتفكيكها وفق مدركاته الخاصة به وهو ما يثري قراءات الرمز العامة والخاصة».

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق