ثقافة وفن

في حوار مع الشاعرة المغربية فاطمة أتوليد

سفر ما وراء قلبي: ديوان شعري أحيا لغة موليير ومذاهب الشعر الفرنسية

شاعرة مغربية وفاعلة جمعوية من مواليد مدينة إيموزار الساحرة القابعة على سفوح جبال اﻷطلس المتوسط، تابعت دراستها الثانوية في العاصمة الروحية والعلمية للمملكة بفاس وإنتقلت بعدها إلى العاصمة الرباط واشتغلت بمهنة التدريس وعاشت هناك إلى أن حصلت على تقاعدها، ورجعت إلى بلدتها الأصلية لتعيش بين أحضان الطبيعة بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها.

وهذا ما مكنها من إصدار أولى إنتاجاتها الأدبية والشعرية باللغة الفرنسية voyage au de la de mon coeur، سفر ما وراء قلبي عن دار النشر شمس سلا في عام 2020 ويضم 120 صفحة من الحجم المتوسط و يتكون من 51 قصيدة حيث تصف كل واحدة منها مرحلة من الحياة ورحلات في أماكن متفرقة ومختلفة في هذا العالم وتقاسمت فيه لحظات مع أناس من كل الأجناس واﻷعراق، حيث جعلت من الشعر بلسما يشفي النفوس ويروي عطشها بتعاطفه ويسحبها في قارب على محيط من الأحلام. فمجموعتها الشعرية هي عبارة عن فراشة ترفرف على الورود التي بالكاد تزهر.

ضيفة هذا الحوار ولأول مرة هي الشاعرة المغربية الأستاذة فاطمة أتوليد حيث ستتحدث لنا عن أبرز لمحات ديوانها الشعري الذي أحيت من خلاله لغة موليير ومذاهب الشعر الفرنسية، كما ستتحدث لنا عن تقييمها لمستقبل القصيدة الفرنسية بالمغرب في ظل تراجع دورها بالمشهد الثقافي والفكري بالمملكة المغربية.

حاورها عبد الحي كريط

< ديوان سفر ما وراء قلبي voyage au  dela de mon coeurأولى إنتاجاتك اﻷدبية، والتي كتبت بلغة موليير، ما هو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى كتابة أشعارك باللغة الفرنسية ؟ وهل ديوانك له علاقة بتجربة وجدانية مررت بها في حياتك؟

> في البدء، اسمح لي أن أتقدم إليك و إلى طاقم جريدتكم الغراء على هذه الالتفاتة الحوارية المعقودة لديواني الشعري، واهتمامكم بتجربتي الشعرية، أما في ما يخص الشق الأول من سؤالكم المتعلق بسر صناعة قصيدتي بلغة فرنسية، فجوابه أن تكويني الاكاديمي كان تكوينا فرنسيا، و اشتغالي كأستاذة للغة الفرنسية لأكثر من ثلاثة عقود، وجراء هذا التكوين و الاشتغال التربوي صرت أرى في اللغة الفرنسية لغتي الثانية إلى جانب اللغة الأمازيغية لغتي الأم.

أما فيما يخص نسبة قصائد الديوان إلى تجاربي الوجدانية، فالأمر صحيح، و ليس خاصا بي وحدي، لأن الأصل في الشعر هو التعبير عما يخالج الوجدان، و لأن القصائد الخالدة هي القصائد الصادقة النابعة من ذات الشاعر وتجاربه الوجدانية إن تجربة أو موقفا أو تصورا، و جراء هذه الحقيقة أنا من الشاعر ات اللواتي يعتبرن أن أبهى الشعر أصدقه و ألصقه بالوجدان، لا أكذبه كما شاع في النقد العربي القديم.

< ماهي أبرز المواضيع التي تناولتها في ديوانك الشعري؟

>  في ديواني الشعري هيمنة لموضوعة الذات، و إن شئت قلت أنا الشاعرة في علاقتها بذاتها أولا، و علاقتها بآخرها ثانيا و بفضاءاتها المكانية، وما يتفرع عن هذا الثالوث (الذات/الآخر/المكان) من موضوعات/ قصائد حبلى بمواقف و تجارب وجدانية وسمتها في عتبة العنوان ب(سفر إلى ما وراء القلب).

< في افتتاحية سفر ما وراء قلبي والتي افتتحتها بقولة لألفونسو دي مارتن أحد أقطاب تيار الرومانسية الفرنسيين والتي وصفها الناقد د. إسماعيل علالي بالافتتاحية الباذخة، هل كانت هذه الافتتاحية منطلقا نحو بناء قصائدك الشعرية؟

أشكرك على هذا السؤال المهم، و من خلالك أجدد الشكر للصديق الدكتور الشاعر والناقد إسماعيل علالي، على دراسته النقدية المهمة التي عقدها للتكوثر المرجعي و الجمالي في ديوان (سفر إلى ما وراء قلبي)، أبرز من خلاله أوجه التلاقي والاختلاف بين تجربتي وتجارب عمالقة الأدب الفرنسي، و في طليعتهم دو لا ما رتين، و بودلير و مالا رميه.

من هنا، و جوابا على سؤالكم، أقول: إن دو لا ما رتين شاعر لا يمكن لدارس الأدب الفرنسي تجاوزه، وهو بالنسبة لي مرجع من مرجعيات الشعر الفرنسي التي أثرت في تجربتي الشعرية، خاصة قصائدي العاطفية، و هنا تحضرني قولة إسحاق نيوتن، التي تبين أهمية الاقتداء بالكبار ومدارستهم حين قال (إذا رأيتموني عظيما فلأني أقف على أكتاف العمالقة) اعترافا بفضل معلميه الذين تأثر بهم.

<  ماهي التمثلات الجمالية والفنية والرومانسية التي كانت مصدرًا لكتابة ديوانك؟

> أول محرك ودافع للكتابة هو الرغبة في الكتابة، و قد كان معين الذات هو المنهل الذي نهلت منه كل قصائدي، لغة و صورة و إيقاعا و موقفا.

< ماهي المدرسة الشعرية التي أثرت على قصائدك؟

> كما أشرت آنفا، ليست هناك مدرسة واحدة، بالمفهوم المبتذل لكلمة مدرسة، بل مرجعيات اتكأت على منجزها قراءة و تأملا، كمرحلة أولى يحتاجها كل شاعر رام كتابة الشعر، فالشاعر لا يولد من عدم، و قصائدي، بل وقصائد كل الشعراء تعج بصدى العباقرة السابقين، ولعل هذا الصدى هو الذي جعل النقاد ينفقون وقتا كبيرا في محاولة الإحاطة بروح التناص و بنية التعالق الجمالية و الحوارية التي تربط اللاحق بالسابق. وأنا كغيري من الشعراء لي شجرة أنساب، لكن هذا الانتساب لا يعني مطلقا التماهي مع آبائي الروحيين، حد التطابق، مادام الشعر يحيى بالمغايرة ويزهر بالاختلاف.

< سيميائية اللغة الشعرية التي استخدمتها في أشعارك هي واضحة وغير غارقة في الرمزية وهذا يتجلى من خلال الصور الشعرية الحسية، هل لك أن تشرح لنا هذه النقطة بإيجاز؟

>  إذا كان الشعر في مرحلة من مراحله انحاز إلى شعرية غارقة في الإغراب والغموض، فإني اخترت الانتصار لشعرية الوضوح، و الانفتاح على اليومي و المألوف و شعرنته، على غرار الرسامين الانطباعيين الذي ينطلقون من الرؤية التلقائية و الانطباع الأول، الذي هو الموجه الأول للوحاتهم، و انتصارا مني لشعرية الوضوح، جاءت قصائد عبارة عن لوحات مشهدية يزدوج فيها الإدراك الحسي المدرك بالحواس، بالإدراك الباطني المدرك بالقلب، و هل في جسد الإنسان أبهى و أحن و ألطف من القلب؟!

< ما هو تأثير رمزية الشعر الفرنسي وأنماطه الشكلية على الأدب العالمي؟

>  أنت أعلم بأن تلقي الأدب يختلف من بلد إلى بلد بل ومن شاعر إلى شاعر، و لأن التعميم مبدأ غير شاعري، فيصعب علي أن أدعي الإحاطة بمدى تأثير الأدب رمزية الشعر  الفرنسي خاصة بعد مالارمي الذي فجر طاقة اللغة الفرنسية، في الأدب العالمي في شموليته، لكن بالنسبة لتأثير هذا الأدب في المغرب ، فاعترف أن تأثيره كان قويا، ليس بالنسبة للشعراء المغاربة الذين يكتبون بالفرنسية بل بالنسبة للشعراء القصيدة العربية أيضا، بفضل ترجمة قصائد شعراء الرمزية و ما تبعها من دراسة نقدية تحتفي بشعرية الغموض و الإغراق في الرمز، و بحكم عوامل جغرافية و تاريخية، فإن كل ما كان يصدر في فرنسا كان يجد صداه في المغرب، بين مفتتن و معترض و متوجس.

< ما هو مستقبل القصيدة الفرنسية بالمغرب في ظل تراجع دورها بالمشهد الثقافي والفكري المغربي لصالح لغات أجنبية أخرى كاﻹسبانية والإنجليزية؟

>  في تقديري الشخصي، ينبغي أن تكون القصيدة المكتوبة بالفرنسية، حتى لا أقول القصيدة الفرنسية، قصيدة مغربية بامتياز، فاللغة كما يقولون غنيمة حرب، و على الشاعر المغربي إن كتب باللغة الفرنسية أن يكتب قصيدة تشبهه هو، بحمولته الثقافية و تنشئته الاجتماعية و عاداته و قيمه، لا أن يكون شاعرا مستلبا روحا و فكرا وشعرا.

< هل لك أن تخبرينا عن بعض أعمالك الأدبية القادمة، إن وجدت؟

>  أنا الآن بصدد اللمسات الأخيرة لإصدار ديوان جديد، و أتحين الوقت المناسب لنشره بعد مراجعته، فضلا عن الاشتغال على ديوان جماعي يضم شعراء يكتبون بالأمازيغية و العربية و الفرنسية و الإنجليزي، هذا الديوان الذي نأمل أن يتيسر إخراجه للوجود في أقرب فرصة ممكنة.

< كلمة ختامية:

>  كما قلت لكم في البدء شكرا على هذه الالتفاتة الطيبة المعقودة لتجربتي الشعرية.

و في ختام هذا الحوار الشيق أقول لكم: شكرا، فقد سررت كثيرا بمحاورتكم الراقية، و بأسئلتكم البانية، و من خلالكم أتقدم بالشكر الوافر لكل من قرأ حرفي و شجعني على خوض غمار الكتابة، كما أوجه رسالة إلى الشباب بضرورة الاهتمام بالثقافة والعمل على تنمية الحس الأدبي والشعري لديهم من خلال القراءة والمطالعة فالشباب هم عماد الحاضر وعدة المستقبل، وهم بناة الحضارة وأساس التنمية.

مع قبلاتي و تحاياي

الشاعر ة فاطمة أتوليد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق