مجتمع

مرايا الذات … بحثٌ عن الحقيقة

المرايا المجتمعية … مسايرة ومغايرة وإبداع

د. يحيى أحمد المرهبي

هناك علاقة وطيدة بين ما يعتقده الناس وواقعهم الذي يعيشونه، وهذا ما لاحظه شيخ الإسلام ابن تيمية، من أن هناك علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات وبالعكس، فكلما كانت العقيدة صافية كلما تحقق وساد الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي وازداد المجتمع قوة وتفوقا. وبقدر ما تضطرب العقيدة بقدر ما تسير المجتمعات نحو الاضطراب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

لقد طبق ابن تيمية هذه القاعدة في تفسير تفكك المجتمعات الإسلامية ابتداء من دولة الأمويين التي ظهرت فيها البدع الكلامية، إلى دولة العباسيين وما بعد العباسيين حيث ظهر الإلحاد وتفشت المظاهر المرضية للدين في شكل الطرق الصوفية، وتحولت العقيدة من مصدر قوة إيجابية محركة للهمم ودافعة للتقدم إلى قوة سلبية عائقة.

ومن مظاهر الكلالة النفسية المتفشية في كثير من المجتمعات الإسلامية ذلك المظهر من الاتكالية الاجتماعية على الدولة، حيث يلقي المجتمع بمسؤولياته كاملة على الدولة، يطلب منها أن تقوم هي عنه بكل ما من شأنه أن يقوم هو به، فإذا هو ينسحب من ميدان الأفعال الخيرية، وواجبات التكافل الاجتماعي، ومهمات المراقبة العامة والإشراف التربوي ليلقي بها جميعا على عاتق الدولة ويكون عيالا فيها عليها.

وهذا على عكس ما يحدث في المجتمع الغربي حينما تتفشى مشكلة ما في المجتمع فإنها تصبح هما جماعيا للناس، تلتقي حولها المؤسسات والهيئات والأفراد للتداول والبحث عن العلاج، وقد يؤول الأمر فيها بالتقاء الإرادات حولها إلى أزمة سياسية تسقط من أجلها حكومات وأنظمة لتأتي الإرادة الجماعية بأخرى بديلة عنها تكون أقدر على حلها. 

وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنَّ إصلاح المجتمع لا يكون إلاَّ بصلاح أفراده؛ فالإنسان أولاً وأخيرًا هو المحور الأساسيُّ الذي يجب أن تبدأ منه وبه كلُّ حركات الإصلاح الاجتماعيِّ إذا كانت هذه الحركات صادقةً وأمينة، فكم من المصانع أُنشئت، ولكن سرعان ما فسدت؛ لأنَّ الإنسان الذي يديرها هو نفسه في حاجةٍ إلى إصلاح، وما لم تبدأ بإصلاح الإنسان أوَّلاً فلا أمل يرجى في إصلاح شيءٍ في هذا المجتمع، كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد الجليند.

إن الجهالة قرينة التخلف، فكلما كان المجتمع متخلفا، كانت الجهالة أحد تعبيراته الاجتماعية. فالمجتمع المتخلف لا يستشعر الحاجة إلى ترقية نمط حياته، بل إنه يقاوم عمليات الترقي.

وهذا ما جعل الدكتور محمد دراز في كتابه المسؤولية في الإسلام يحدد ثلاث حالات يجازى فيها الإنسان على عمل غيره من الأفعال المتولدة عن فعله هي:

1ـ أن يكون للإنسان تسبب مقصود في عمل الغير بالأمر به أو الإيحاء إليه فلا يكون مسؤولا عن الأمور والإيحاء فقط بل يتحمل في ذلك شطرا من جزاء العمل. فالدال على الخير كفاعله، والآمر بالسوء والفحشاء كذلك.

2ـ أن يكون للعبد تسبب في الفعل لمجرد مكانته الاجتماعية أو قدرته السلوكية لغيره. فمن سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وكذلك من سن سنة سيئة.

3ـ أن يكون هناك تسبب غير مباشر في فعل الغير كأن يكون سبب انتشار الشر والفسق سكوتنا عن محاربته فيشيع ذلك في المجتمع، فإن السكوت على الباطل نوع من محاربة الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

وهذا يدل على اتساع مسؤولية الفرد تجاه المجتمع، لوجوب محاربته الأمراض الاجتماعية التي قد تظهر وتشيع بين أفراده.

وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق