سلايدر

في اكتشاف منبع نهر الدانوب

جولة بالدراجة على ترهات الغابة السوداء

حصة الجغرافيا: أين يقع نهر الدانوب …!

د. محمد بدوي مصطفى

اكتشاف منبع نهر الدانوب ودروس الجغرافيا الخوالي: 

قررنا أنا وزوجتي أن نحقق مشروعا أو لنقل حلما – حتى لا أغالي – طالما راودنا سويًّا، ذلك منذ قرابة العقدين من الزمان: إمّا جولة بالدراجة الهوائية حول بحيرة (البودنسي) والتي يطلق عليها اسم بحيرة كونستانس، وإمّا جولة استكشاف أيضًا بالدراجة إلى منبع نهر الدانوب الذي يتواجد بمدينة دوناوإيشنغن بمنطقة الغابة السوداء الذائعة الصيت عالميًا. لم أكن أدرك تماما أن نهر الدوناو هو نفسه نهر الدانوب وحقيقة الترجمة مضللة لكن تلك قصة أخرى. على كل فإنني هاهنا قد تجاهلت أغلب الظن ربط الإثنين بعضهما البعض في دخيلتي؛ لماذا؟ ربما لكثرة ما تجهمت له عند سماع هذا الاسم المفخم الطويل ولكثرة ما جثم أمام ناظريّ بامتحانات الجغرافيا قديما، فكان السؤال المزعج والمتواتر دائما: إين ينبغ نهر الدانوب؟ ومن ثمّة: بأي مدن وبلدان يمرّ؟ وكانت ردّة فعلي دائما في صمت وسكنية، أنا وجوفي المحروق أمام وريقة الامتحان: ذبحتمونا بنهر الدانوب هذا، الله لا كسبكم فيه خيرًا!  كنت في صغري أتخيل عند سماع هذا الاسم “الدااااانوووووب” ثعبانا قبيحا، طويلا وملتويا أو أغلب الظن شيء على شاكلة الحيوانات الخرافيّة كالغول وما شابهه. كانت موسيقى ووقع هذا الاسم يبعث أحيانا أخرى في خيالي الخصب أشكالا جهنميّة لطالما ضجرت منها واستهجنتها. على كل ما علينا الدوناو أو الدانوب فكلها عند الألمان أنهر أو لنقل “كليهما عند العرب “صانوب””!

التفت إلى زوجتي أحادثها بلسان لم تفهمه، ثمّ قائلا في نفسي: يا سبحان الله يا أم طارق، لقد قمت اليوم باكتشاف رهيب، اكتشاف الساعة: اسمعي واعي إن نهر الدوناو الألماني هو نفسه هذا الملعون المسمى عندنا “الدانوب”! ضحكتُ بحرقة ولا أعرف لماذا يا سادتي، وأم طارق تبحلق في وجهي مستنكرة، بيد أن عدوى الضحك قد انتقلت إليها في التوّ؛ فضَحِكَتْ هي أيضا حينئذ لضحكتي، لكنها لم تدرك بالتمام والكمال ماذا أصابني، ما قصدته وما أردت أن أسرده لها. وكانت أم طارق كعادتها الألمانية، التزمت الصمت وافتر بعد حين ثغرها عن ابتسامة هادئة مليئة بالتساؤلات العديدة، أومأتُ إليها لأطمئنها أنني بكامل قواي العقلية والجسدية، ثم تركتها برهة ورجعت أحادث نفسي خلسة ثانية، فأثرت بدواخلي الآتي: يا رباه، لو أنني كنت أعلم أن هذا السؤال الذي أقلقني طوال سنيّ الدراسة بالمدرسة سهل بهذه الصورة، ولو أنني كنت أدرك أن منطقة هذا النهر الخالد هنا، حيث أقف الآن لحما ودما، وأنها هي الغابة السوداء، لما ترددت لحظة واحدة في أن أعشق مادة الجغرافيا بسببها. بقيت في وقفتي تلك مشدوها في مونولوغ آحادي، حيث رجعت بي الذكرى إلى مدرسة بيت المال وامتحانات الجغرافيا التي كانت تضجرني، لا سيما عندما يسألني المعلم تارة أين يصب نهر الفولجا، وتارة أخرى أين يجري نهر المسيسيبي وأخيرًا صاحبنا نهر “الداااانوووب” وأين ينبع ويجري ماء هذا اللعين!

لم نكن نعتقد أن تواجهنا أي عقبات أو صعوبات بما أننا تعودنا على ممارسة رياضة المشي والعديد من الرياضات الأخرى كالسباحة في البحيرة وركوب الدراجات، الخ. قمنا من الصباح الباكر نجهز وجبة بسيطة عبارة عن بعض من طماطم المزّة الصغيرة، بيضتين، سندوتش جبن لكل واحد منا، زجاجة ماء معدني، وشريحتان من الفاكهة المضغوطة على شكل مستطيل بدون سكر، وتفاحة لكل منّا. لم نكن نعلم بالتمام والكمال مقدار الوجبة التي ربما نحتاجها في الطريق. على كل توجهنا وانطلقنا من مدينة كونستانس باتجاه مدينة رادولفسيل عبر بعض القرى الصغيرة مثال هيغنه، ألنسباخ؛ وكلها تقع على ضفاف البحيرة والتي تعتبر من أهم بحيرات ألمانيا والجنوب الأوروبي على الإطلاق.

مدينة كونستانس:

وهي مدينة ساحرة ترقد على بحيرتها كالهمزة على سطرها. تقع في أقصى جنوب جمهورية ألمانيا الاتحادية، بالتحديد على الحدود مع سويسرا. من يتأملها فهي مدينة صغيرة لكنها أميرة تسحرك من أول نظرة بطبيعتها الخضراء، غاباتها الكثيفة وبحيرتها المترامية على مد البصر، وكما يسلب عقلك قلب مدينتها القديمة حيث العراقة والقدم فضلا عن بيئتها الخلابة. يعيش في ربوعها حوالي الثمانين ألف نسمة سيما الطلاب الذين يتلقون العلم بجامعاتها. كانت كونستانس في القرون الوسطى مركزا دينياّ هاما حيث يتواجد بها مجلس الكونسيل الذي خوّل إليه إذذاك تعيين بابا الفاتيكان. تداعب جنباتها بحيرة تمتد على ثالوث خطير، ألمانيا سويسرا والنمسا وفوق هذا وذاك تطل على هامتها جبال الألب الشامخة من علٍ فتعكس عليها من ألق بياض جليدها السرمدي الأبديّ ما يروق للنفس، فَيُضفى ذلكم في جنباتها رونقا من السحر. تنطوي المدينة على جامعتين، جامعة عامة وجامعة تقنية عليا تُتيحان للطلاب نهل المعارف ببوتقة من كليات العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية والهندسة بكل أنواعها. لقد أثبتت جامعة كونستانس مؤخرا جدارتها بين نظيراتها بألمانيا حتى مُنحت لقب جامعة امتياز (إكسلنس) وهي مركز للأبحاث والعلوم يشار إليه في كل أنحاء العالم بالبنان.

تعتبر مدينة كونستانس رغم صغر حجمها مركزا تجاريا وسياحيا هاما في ألمانيا. إذ نجد على أعتابها جزيرة ماينو التي هي تحت إمارة ملك السويد وتأتي إليها العائلة المالكة السويدة بانتظام. أكتشفها في الآونة الأخيرة مواطنيّ دول الخليج وبدأوا يأتون إليها من أجل العلاج لما تتمتع بها مستشفياتها من حرفية عالية وتخصصية فائقة سيما في مجال علاج الجلطة والتأهيل العصبي.

طريق دراجات الدانوب الكلاسيكي:

ولكي أوضح لكم يا سادتي بعض ملامح هذه الرحلة، فإن طريق دراجات الدانوب الكلاسيكي هي جولة معروفة لدى محبيّ هذه الرياضة وتعتبر جولة في وادي نهر الدانوب الصغير. على مرّ الطريق فأنت ترى الأشكال المختلفة من الناس واللهجات واللغات والتكوينات، أسريّة كانت أو صحبيّة، كلها إمّا سائرة في الطريق إلى المنبع أو ربما أنها آتية من المنبع باتجاه الوادي الذي يمتد على السهول والمراعي والهضبات المخضرة. ومن أجمل المناطق التي تحفّ المنبع هي حديقته التي يرقد بين أعطافها بسكينة وخلود، تمتد هذه الحديقة أو البارك بكل الاتجاهات ونجد في الجهة الغربية من المنبع كنيسة تقف شامخة وكأنها تغمره بحلمها وسلامها من علٍ.

يتسلل الدانوب بالقرب من مدينة أيميندينغن لمسافة تقارب ١٢ كيلومترًا ويختفي هذا النهر المعطاء بالكامل تحت الأرض وقد يحدث هذا الاختفاء خلال عدّة أيام بالسنة. يمر هذا الطريق بمنطقة الألب السوابية بمروجها الواسعة وجدرانها التي نشأت من الحجر الجيري شديدة الانحدار. وبفضل جيولوجيا هذا المكان ذات الطابع الصخري نلاحظ أن هذا الجزء من وادي نهر الدانوب يحتوي على كثافة عالية من القلاع والقصور بشكل مثير ومدهش. فمن المعالم البارزة في الرحلة إلى مدينة دوناوفورت نجد دير بويرن وقلعة هوهنسوليرن المهيبة في مدينة زيغمارينغن ومبنى بلاوتوبف الأسطوري بالقرب من مدينة بلاوبويرن وهناك في قلب مدينة أولم، مدينة العبقريّ أينشتاين، نجد أعلى برج كنيسة في العالم.

في الطريق من كونستانس إلى روادولفسيل:

انطلقا من المنزل باتجاه مستشفى الأمراض العصبية الذي يبعد حوالي بضع أمتار من منزلي ويحتل مكانًا كبيرًا في هذه المنطقة. تذكرت صولاتي وجولاتي به تارة كمترجم محلف وتارة أساعد بعض اللاجئين العرب الذين جارت عليهم ظروف الحياة القاسية فقبعوا به مدّة ليست بالقصيرة ومنهم من سلك حياته يعيش فيه، لا يخشى في المرض العصبيّ لومة لائم ولا يأبه لما يدور حوله من أحداث الساعة، زاهدا في الحياة آخذًا منها قسطًا زهيدًا.

دخلنا على غابة مجاورة مرورا بالمستشفى وبدأنا نحازي طريق القطار الموازي لضفة البحيرة المتاخمة لجزيرة رايشناو. إن هذه الجزيرة يا سادتي شهيرة في كل أنحاء ألمانيا بأنها جزيرة الخضار وتتضمن حفنة من المعالم التاريخية كدير وكنائس قروسطيّة ومتاحف وأضرحة، مما جعلها جديرة بأن تختارها منظمة اليونسكو كإرث عالمي. الغريب في الأمر أنها كانت في العصور الماضية معزولة تماما عن محيطها الممتد بين سويسرا وألمانيا لكنها الآن مرتبطة بشارع ينتصف بالبحيرة قاسما لها ويعتبر من أجمل الطرق في العالم، إذ تزينه أشجار الدردار الباسقة لعدة كيلومترات والأجمل أنك ترى سحر البحيرة من الجهتين.

نزلنا باتجاه مدينة رادولفسيل نوازي شط البحيرة مارين بقرية هيجنه، وهي أيضا قرية ساحرة بها دير للنسوة وكنيسة كبيرة وأخيرًا استطاع فيها الراهبات أن يقمن بعمل مشترك في شكل هوتيل ومطعم على بوابة القرية التي ترقد خجلة على تلّة صغيرة متاخمة لمدارس ولغابات ومراعي واسعة. ومن أجمل الأحداث التي تذكرني بهذه القرية أني عندما أمارس الرياضة أقابل بين الفينة والأخرى على قارعة الطريق هؤلاء السيدات بلباسهن المحتشم الأسود وبرباط الشعر الأبيض، أحييهنّ فيرددن السلام بهدوء وابتسامة خفيفة تشوبها بعض من الرزانة والاحترام.

واصلنا طريقنا بمحاذاة البحيرة بشمالنا وجعالين الشارع الرئيسي المؤدي إلى المدن الأخرى يميناً ونحن نعدو في طريق قرية أيضا بديعة صارت معروفة لدى نخبة من العوائل العربية التي تأتي إليها بغرض العلاج لذويها وتارة للاستجمام والراحة. نجد مستشفى شميدر يشمخ على رأس القرية، وهذه الإطلالة المشرقة لا يمكن أن تغفلها العين، لا سيما وقد امتاز موقعه برؤية واسعة ممتدة على أعتاب البحيرة المعروفة ببحيرة الغفران في جزيرة رايشناو. والجدير بالذكر أن في فصل الشتاء وعندما تشتد البرودة فقد تتجمد هذه البحيرة من أولها إلى آخرها، وكم من مرّة سقت أطفالي إليها ليتزحلقوا عليها ولم أكن في أول مرّة مطمئنا للأمر وكنت أخشى أن تنكسر طبقة الجليد السطحية كما سمعت عن ذلك في بعض المرات، وحينما ترتفع درجة الحرارة يبدأ الجليد في عمقها في الذوبان، مما يجعل في بعض المناطق خطورة لممارسة رياضة التزحلق على الجليد. تركت خيوط هذه الذكرى الحالمة التي طالما أرقتني تسوح في هواء الطريق، أعيد شريطها وأنا على دراجتي وأقول لنفسي، ودارت الأيام وبعدها أسرح في آفاق بعيدة في رحاب أغنية أم كلثوم الخالدة واترك العنان لمقود الدراجة. 

الوصول إلى مدينة رادولفسيل:

ترقد على الشاطئ الشمالي الغربي لما يسمى بالبحيرة السفلى، وهي بحيرة فرعيّة لبحيرة كونستانس، تبعد هذه المدينة حوالي ٢٠ كم شمال غرب كونستانس وعشرة كم شرق مدينة سينغن والمعروفة بجبلها السناميّ (هوهتنڤيل). تعتبر رادولسفيل منتجعا صحيا كما نجد بها مركزا للسكك الحديدية والعديد من الصناعات والحرف في مجالات الهندسة الميكانيكية وتوريد السيارات وصناعة النسيج والأغذية. تأسست المدينة في سنة ٨٢٦ ميلادية من قبل المطران رادولت الذي أتى من مدينة ڤيرونا في إيطاليا لحضور مجلس كاثوليكي، يشابه مجالس تنصيب البابا في صرح الكونسيل الذي كان يعقد في مدينة كونستانس في المبنى الذي يأخذ نفس الاسم: مبنى الكونسيل على أعتاب البحيرة والذي يزوره الملايين كل سنة.

إن ذكر مجلس الكونسيل وأهميته تذكرني برواية قرأتها قبل سنوات وأعيد قرأتها الآن لما بها من سحر وعلوم وفكر في غضون حقبة تاريخية تُعنى بالمدينة التي أعيش فيها ولم أحسب أو أقدر لها هذه الأهمية والمرتبة الشامخة في التاريخ إلى ذلك الحين. فالرواية للكاتبة الألمانية سابينا فاسرمان وتحكي فيها بدايات القرن الخامس عشر وبالذات في عام 1415 عندما انشغلت مدينة كونستانس بمحاكمة رجل الدين ومجدد الفكر المسيحيّ آنذاك يوهانس هوس، الذي تنحدر أصوله من الشيك. لقد أطلقوا على أطروحاته وأعماله لفظ الهرطقة، فأصبح هوس يشكل في نظرهم خطرًا على الكنيسة وينبغي أن يأخذوا له ألف اعتبار. أحضروه وسجنوه وأقاموا له محكمة كان يجب أن يبرر فيها نفسه أمام المجلس ولكنها كانت ككل المحاكمات المعروفة في صفحات التاريخ: فالحكم كان قد سبق تثبيته حتى وقبل انطلاق صافرة البداية. نعم، لعبة ككل الألعاب المكشوفة.

الرحلة بين مدينة زينغن وأينغن:

تركنا مدينة رادولفسيل التي شهدت طفولة ابني في ميادين كرّة القدم وصلابة وقسوة التمرين في كل ظروف الحياة في البرد والمطر والشتاء القارص والحرّ، الخ. فكم وقفنا على أعتاب الملاعب نشجع الصغار حتى نهضوا وصاروا في الفرق الأكبر سنّا أو تارة نشجب ونتذمر على الحكّام ونتخاصم وآباء الفرق المنافسة وكنت نعيش هذه الأجواء بكثافتها ومرارتها وحلاوتها على حد سواء. وصلنا مدينة زينغن التي صارت الآن – كما يطلق عليها بعض الأخوة العرب “دير زينغن”، لأنها تتضمن الكثير من الأسر العربية التي ألقت عصاها بها وبنت بيتًا وخيمة، سالكة في هذا وذاك دروب الرزق بعيدًا عن الأوطان. على كل وفي منتصف النهار ولسوء الحظ لم يكن مسار طريق الدراجات مبينّا على لافتات الطريق كما عهدناه في بداية الرحلة. فاتخذنا طريقا آخر وسقنا دراجاتنا حوالي ٢٠ كم إلى أن وصلنا منطقة جبال، وقعدنا في سفح جبل بعد أن أجهدتنا الرحلة نذوق طعم خبزة وبيضة وتفاحة. شربنا بعض من الماء المعدني وواصلنا الرحلة في طريق مدينة أينغن التي كانت حقيقة صعبة الوصول والمنال، بسبب الجهد والمجاهدة ودفع الدراجة أن تسير بسرعة كما نروم ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، تأتي الأمور بما لا يشتهي السَّفِن (القبطان).

الغابة السوداء ومنبع نهر الدانوب:

عصرنا على قلوبنا فضلًا عن العضلات وكم كنت مندهشا لطاقة زوجتي الجيدة رغم تذمرها بين الفينة والأخرى، بأن عضلات ركبتها اليمنى تؤلمها كثيرًا، لكنها ثابرت بجلد وقوة جأش أن نبلغ ضالتنا المنشودة، بقلب الغابة السوداء. حقيقة وبعد حوالي ست ساعات ونصف لم أعد أحسّ رجليّ برمتهما، صار الألم والتشنج ملازما لنا في كل الأماكن، تذكرت مسابقات فرنسا (لا تور دو فرانس) والصعود على جبال البيرينه وقوة جأش الفريق الألماني الذي كان يقوده إذذاك العملاق الشاب يان أولريش. لقد أوضحت بعض التقارير الصحفية فيما بعد أن أولريش كان يعمل دوبينغ الدم حتى تزداد نسبة الأكسجين بجسمه وحتى تكون عملية استهلاك الطاقة في توازن وتناسق مما يمكنه من إكمال السباق على أتمّ وجه. لكن هذا يان أولريش يا سادتي، فماذا عن السيد بدوي وزوجه المصون، هل نلجأ نحن في هذه المحنة أيضا للدوبينغ؟

حقيقة إنني فضلت شرائح الفاكهة على أي شيء آخر وسلكنا طريقنا لا نلوي على شيء إلى ونصل مدينة دوناوإيشنغن. وما أن وصلنا إلى طريق الداانوووب للدراجات حتى بدأت معالم الطبيعة تتغير، فيا لها من خضرة على وادي هذا النهر الخالد ويا له من سحر رباني: طيور، غزلان، ثعالب، صقور ومحميات تعجز الألسن عن وصفها. دخلنا المدينة الحالمة واتبعنا طريقنا نحو المنبع الذي وجدناه في أعلى قمة بها قرب كنيسة في طور الإصلاح، ومحاط بزرابي خضراء متوردة من كل صوب وحدب. جلسنا هنا وكانت جرعة الماء التي احتسيناها كأنها نشأت من هذا المنبع وفي تلك اللحظة نسيت كل ما تعلمته عن نهر الدانوب وطفقت أسبح في سماء الجمال وملكوته قائلا: اللهم اوزعني أن أشكر نعمتك عليّ. ومن هناك انطلقنا إلى مدينة سان جورج في أعالي الغابة السوداء ومكثنا مع والدها، هذا الشيخ ذو التسعين ربيعا، يتنافس معنا في قيادة الدراجة وقمنا بحملات أخرى للمدن المجاورة مستكشفين درر هذه الغابة السوداء. ورفعت ناظريّ إلى السماء وابتهلت متوسلا في خشوع لأستاذ الجغرافيا بالمدرسة الابتدائية طالبا له الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة ولن أنسى يا سادتي هذا الدانوب الملعون ما حييت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق