سلايدر

«راعي إبل» … حاكم لسودان ما بعد الثورة؟!

عجبي ... قوات «مسلحة» بلا «سنان»؟!

د. محمد بدوي مصطفى

توطئة:

ابن عمي «جيمي» بطل من أبطال القوات المسلحة السابقة:

أفقت اليوم من سباتي يا سادتي وأنا أعاني بعض من سقم لا أعلم مصدره ولا حتى من أين أتى؛ حتمًا أرقني مصير أمتي وأقلقني حال أهلي من أبناء شعب السودان البار، الذي عانى بالأمس، نهار مليونية ١٣ نوفمبر، صلف الجنجويد، ظلمه المريع، ترويعه وقتله للبشر، وفي نهاية الأمر سقمت ربما لفقدنا لقواتنا المسلحة التي كانت في كل نكسة أو حرب أو ضرب تحمينا من ظلم الظالمين وفتك الفاتكين. بيد أن هذه الأخيرة، والشئ المؤسف للغاية والمحبط لأبعد الدرجات، أنها ظلت بالأمس، أضعف الأيمان، في ثكناتها …أو ربما … أنها خرجت منها ترتاد الطرقات تبحث عن من خالف عرف الزود عن الوطن،وهي تلبس ثوب جنجويدي جديد؟ على أيّة حال يا سادتي، فلقد عهدنا ومنذ كارثة فض الاعتصام، المشاهد والأقوال والتي صارت واضحة وضوح الشمس فلا اللبس المستعار يحيرنا ولا الألوان من أخضر وكحلي أو مبرقع تعنينا … فكل تلك القوات اجتمعت لتهين وتقتل وتضرب لتكسر شكيمة أهلنا الأحرار. فهل المال الذي يغدقه راع الجنجويد جعلها تفقد هداها وفطنتها وصار عقلها مغيب كما روحها، بلا حياة؟ أم أنّه بفعل قولها: حدث ما حدث؟!

تحدثت بالأمس إلى ابن عمّي (جيمي – اسم مستعار) … وهو كان دون مغالاة أو مكابرة، أحد أبطال القوات المسلحة … في أيامها الخوالي، أسرّ يحدثني عندما أخبرته بقلقي وسقمي، تجاه الأحداث والأوضاع بالبلد وتجاه رعاة الجنجويد الأصلاف، وبهتانهم (برهانهم) المرافق لهم. قال بصوته المتهدج الحكيم: يا ابن عمّي، عجيبة (صمت) ألم تجد القوات المسلحة بطلًا من أبطالها ليقف في وجه هذا الملعون المنتكس على عهوده؟ وتحسر باكيًا بداخله على أيّامه بصحن هذه القوات العارمة يومذاك، إذ كانت قوات لا يشق لها غبار، وكانت أيام لها صدى، ورونق ورنين. للأسف فإن قواتنا المسلحة …صارت لا تقدم ولا تؤخر، غدت مقيدة بأوامر أركان الخلاء».

من جهة أخرى فهل ترون الفاجعة والكارثة والآفة يا أخوتي، أن يأمر ضابط خلا، كعبد الرحيم حمدان دقلو، أحد أبطال القوات المسلحة من رواد المعاهد العليا المعترف بها عالميًا ليقول له: افعل أو اترك؟ حقيقة – وكما يقول المثل الشعبي: هانت الزلابيا … وراحت قوات مسلحة لم نسمع عنها في الآونة الأخيرة شيئا. قوات بلا قوة، أسد بلا أنياب، قوات يقودها برهان، يحميه حرس الجنجويد بدلًا من أبطال قواته المسلحة التي نساها؛ لماذا لا يحميه ضباط وعساكر قواته المسلحة؟ ألأنه لا يأمن لها جانبًا، أم لأنها صارت بلا قوة ضاربة أسد بلا أسنان وقوّة بلا سنان؟! السؤال الذي يطرح نفسه هاهنا، هل قواتنا المسلحة التي نعرفها صارت مؤسسة بلا رجال، بلا عدّة أو عتاد، بلا عقول تديرها، بلا ذوق يقول لهم أتقتلون النفس التي حرّم الله بلا حقّ؟ أتقتلون أولادكم وأبناءكم وأهليكم بسبب الكراسي، المال والجاه؟!

لقد حزنت بالأمس عند سماع تسجيل جدّة تخاطب البرهان وقد بلغ منها الغضب والحنق كل مبلغ، قائلة: يا البرهان … ماذا ستفعل بربك بما تلهث خلفه من مال وجاه ومناصب؟! هل ستحمله معك في شبر لا يصلح في ظلماته إلا صالح الأعمال؟ (…)

وأنا أقول لك يا جدّتي … إن هدف البهتان الوحيد هو أن يحقق حُلم أبيه، لكنّه يا جدتي مغيّب، حالم، وفي آخر الأمر خائف خوفًا مريع من الرجل الثاني الذي يساكنه القصر. وهو في الحقيقة، أقصد حميدتهم، الرجل الأوّل والمحرك الفعلي لكل ما يدور خلف الكواليس وأمامها في سودان ما بعد البشير. وسوف ينقلب على من نصب نفسه حاكما كفرًا وبهتانا، البرهان، كما انقلب على عقبيه وعلى الآخرين في كثير من المواقف، وحدث ولا حرج.

فسوف يسعى هذا الراعي لارتياد صولجان الحكم بأي حال من الأحوال منطلقًا من مبدأ «فَرِّق تَسُد» ومبدأ «على وعلى أعدائي». وهو يمتكل دون أدنى شك القوة والمال والعتاد، وفوق هذا وذاك قوة إسرائيل وروسيا والسعودية والإمارات التي يساندهما في حرب الحلفاء باليمن الصديق الجريح. وما البرهان إلا إلا ورقة من أوراق المحترقة وقد حان قطافها … فسوف تريكم الأيام القليلة القادمة، أن الراعي سوف ينقلب على رعيته وحتمًا سوف ينتقل إلى الصف الأول في العلن وسوف يقيل البرهان البهتان، ليتربع على عرش سودان ما بعد الثورة وما بعد البشير دون منازع.

لكن وحتى وإن تربع هذا العرش فإن همم ثوار السودان عالية كالجبال وقواهم ستهزم بسلميتها جحافل القتلة والمأجورين من الانقلابيين، فلن تنهزم أبدًا أمام جحافل الارتزاق هذه، ولا أمام غرباء جاؤا ليسمنوا بخير أهل السودان بالقوة، لن تخضع قوى الثورة لأوامر المرتزقة المأجورين ولن ترضخ وتركع أمام بائعي الدين والأعراف والأوطان. ولسوف تصدح بلابل دوحك يا وطن، وسوف يؤم صوت الأمّة الدنيا أجمع، صوتك يا وطن، وسوف نغني لسودان المجد ولن يحكمنا العسكر أبدًا، كفي وكفاية، وليرجع العسكر إلى حيث أتوا وهم صاغرون. إن شهداء الوطن لم يموتوا يا سادتي بل هم أحياء عند ربهم يرزقون.

أرضًا ظرف: قولة قائد قواتنا المسلحة عند مغادرة الكويت:

ألفتني إحدى الفيديوهات التي يسيطر على مشاهدها «راعٍ»، أعني الفريق خلا محمد حمدان دقلو (حميدتهم، لا حميدتي)، يشاهد الفرد منا مدى الأبهة التي ينعم بها فرد استجد النعمة والنعمة مستجدة به. يجدر بالذكر أن الرجل قد لملم وجمع ثرواته وكدسها عبر قيادة الحروب وبيع المرتزقة ونهب ثروات البلاد من الذهب المكدس والعوث في اقتصاد متهالك لغيره، مع إنها دجاجة تبيض له ذهبًا. صار هذا الاقتصاد في الآخر ملكا لشخصه، وليس هذا فحسب فهو استحوذ وملك أيضًا قوات مسلحة بلا سنان، ومن ثمّة امتلك أركان القوات بها والتي امتهنت التجارة في خلال سنيّ البشير صنعتها التي سلقت لها، ألا وهي حماية تراب الوطن، وطفقت تلهث الأموال التي تدرها شركاتها الثلاثمائة ونيف ووراء ثراء الدولار وبناء الأصرح الشامخة في الإمارات وتركيا وما وراء البحار. يا حليل قوات بلون الحناء، خضراء ناصع لونها تسر الناظرين.

لا زلت أتذكر وقفة طلاب الكلية الحربية على شوارع الثورات وعلى حافة طرقاتها، وهم ينتظرون سيارات النقل، يا للألق، يا للأبهة ويا للبهاء. لا زلنا نتذكر قيمة العسكري والضابط السوداني الذي لم يحم بلده فحسب بل سافر وهاجر عابرًا للبحار إلى بلاد الخليج وغيرها ليحمي أرواح وأموال وممتلكات الغير. لقد ذكر لي صديق دكتور كويتي ذات مرّة حفل وداع فرقة من ضباط الجيش السوداني بمطار الكويت. وقد تمّ تكريمهم على أحسن وجه وفي نهاية التكريم أُعطي كل فرد منهم ظرفًا اكتظ بدينارات الكويت الخضراء. وقبل صعود الطائرة وعند ابداء التحية الأخيرة، صرخ قائدهم قائلًا: « أرضاً ظرف « على شاكلة «أرضًا سلاح». فما كان من أفراد الفرقة إلا وقد وضع كل فرد منهم بالظرف على الأرض. قدموا جميعهم التحية الأخيرة وصعدوا إلى الطائرة طاهريّ السرائر. كانت لقواتنا المسلحة السودانية هيبة، بين قوات الأمم وأعرف أن جل ملوك السعودية قد تمّ تدريبهم بوادي سيدنا، والتاريخ يحمل في جعبته الكثير من الصور التوثيقية في الشأن. كان لقواتنا المسلحة شنة ورنّة كما يقول المثل، أبناؤها كرام، بأخلاقهم ومهنيتهم الفائقة التي شهد بها لهم العالم أجمع. ولنرجع لتاريخها الذي هو ناصع البياض ولبطولاتها في محافل العرب التي لا تضاهى.

لكن السؤال الذي يؤرقنا جمعياً: أين هي الآن من أحداث الوطن ومن آهاته وجراحاته؟ من الأسباب أن برهانا قد تربع قيادتها، فهو ليس فيه من البرهان شيء يذكر، بل هو بالأحرى: بهتان، نكران، ..كران … حيران … غفلان فضلًا عن كل ذلك فإنّه مع الأسف كاذب، كذاب وكذوب يحسب أنّه أذكى من العالم أجمع! يضلل الرأي العام على مسمع ومرأى من الناس، يكاذب الدبلوماسيين الذي يزورونه بأقوال لا تمت للحقيقة بصلة. فوق هذا وذاك يخرج في التلفاز لشيع الخوف والهلع وينثر الأكذوبات في وجه أمته، ولا يضيره ولا يهمه أن يأتي ببني البشير إلى السلطة مجددًا، دون حشمة أو خجل. لقد نسف برعونته كل ما جاءت به الثورة من تقدم وانفتاح وصلاح واعمار، سواءً على الصعيد الداخلي أو الخارجي. لا يهمه يا سادتي أي شيء، سواء جيبه ونفسه وحتى من معه يشابهونه القول والفعل فالطيور على أشاكلها تقع، فكل في الهواء سواء، مالك عقار، وهو اسم على مسمى، وجبريل وغيرهما. وهل تحسبون يا سادتي أنّه مجّد هذا البلد ولو لمرّة واحدة، أبدًا، فهو مثل الآخرين مرتزق مأجور، ليس همّة لا على البلاد ولا على العباد فيه. بيد أنّه وبعد تصريحاته الأخيرة التي نصب فيها نفسه بالقسم الدستوري سلطانًا على البلاد، طفق يلهث كدجاجة ذُبِحت، تضرب بجناحيها على وجه الأرض ضربًا. ويعلم البهتان كل العلم أنّها «أيّام معدودات» … فلا جدل ولا جدال. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذا نفس المرض العضال الذي سمعنا عنه وقرأناه في كتب التاريخ، مرض كان يصيب الملوك والرؤساء، وأحسبهم كلهم يا سادتي من طينة واحدة. أهي طينة برهان البؤس؟ وأذكر في هذا السياق قول الشاعر الفذ إدريس جمّاع واستسمحكم أن أحوّر بعض مفرداته لنمثّل وجه البرهان فيه – أولًا الأصل وثانيًا المحوّر:

خلقت طينة الأسى فغشتها

نار وجدٍ فأصبحت صلصالًا

ثمّ صاح القضاء كوني

فكانت طينة البؤس شاعرًا مثّالًا

ويجب أن نقرأ البيتين في شأن بهتان القصر هكذا:

خلقت طينة الأسى فغشتها

نار كذب فأصبحت برهانًا

ثمّ صاح الراعي كوني

فكانت طينة البؤس قاتلًا مثّالًا

بهتان الأمّة وحميدتهم لا حميدتي:

تفسير العنوان:

بالعنوان أوّد أشير إلى شيء يتعلق بضمير الملكية المتصل، فأنا أعزف تمامَا عن انعكاسه على نفسي في صيغة المتكلم «الياء» (حميدتي) – فهو في الحقيقة (حميدتهم أقصد للجنجويد) بصيغة الغائب في الجمع. في الحقيقة فهو ليس مِلْكًا لنا لكنّه مَلِكهم وكبيرهم الذي علمهم السحر، وليس لنا بهذا الرجل أدنى صلّة. يتبدى وديعًا كالحمل، أملسًا كالحيّة السامة، هادئًا بشوشًا، باسمًا مبتسما، لكن دعوني أذكركم ببيت شعر أصيل من بطون الشعر العربي لشاعر العرب الفذ أبو الطيب المتنبئ:

إذا رأيتَ أنياب الليث بارزةً … فلا تظنَنَّ أن الليث يبتسمُ

وقول المتنبئ يشرح لنا الأمر بجلاء ووضوح، فإذا كشر الأسد عن نابه فليس ذلك تبسمًا بل قصدًا للافتراس. يريد أنه وإن أبدى بِشْرَه وتبسمه للجاهل، فليس ذلك رضًا عنه. وفي نفس السياق يقول شاعر العرب الفذ الآخر أبو تمام الآتي:

قَدْ قَلَّصَتْ شَفَتاهُ مِنْ حَفيظَتِهِ … فخِيلَ مِنْ شِدَّةِ التَّعْبيسِ مُبتَسِمًا

يطأطؤون الرأس أمام الفريق خلا:

عذرًا فقد أخذني موضوع حميدتهم لا حميدتي، وبرهانهم لا برهاني عن بيت القصيد، عذرًا أقصد بهتانهم وبهتان الأمّة، أن أسرد مجريات سلوك أركان القوات المسلحة في فيديو بطله حميدتهم لا حميدتي. نرى في مشاهد هذا الفيديو هذا الرجل، وأيضًا في غير موضع، يتباهى بدخلاته الهيبوية إلى محافل الإعلام الكثيرة المثيرة التي يتربعها على طول الساعة. للأسف في الكثير من الأحيان حتى «بقصر الشعب»: فهو كما نعلم قصر وثير بلا حصير مترامي الأطراف يرفرف فيه علم الجنجويد الرفراف عاليا (حاملًا كلمات: قوات القتل السريع) وقد بُنِيَ قصرنا، فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وحتى الجنجويدين، بِحُرِّ مال أهل السودان وسُقي بلاطه المرمريّ الفخيم بدماء الشهداء الأبرار من خيرة أبناء الوطن الذي قدموا أرواحهم بكل نكران ذات من أجل ثلاث كلمات: حرية – سلام – عدالة. يرمي هذا الرجل بالكلام في هذا القصر، الذي جعل منه مكانا لحكمه الوئيد، ولإلقاء اليمائن اللادستورية المتتالية والكذوبة، كما في لعبة «شليل وينو». صلفًا ويشاهر ويلقي فيه الحديث على عواهنه، ذلك بين كل ليلة وضحاها، وهو يا سادتي ومذ دخله سيدًا لا مسودًا، الراعي والآمر والناهي فيه. فإلى متى نرضخ لحكم الرعاة؟

على أيّة حال، وددت أن أسرد قصة الفيديو المذكور أعلاه، والذي ظهر فيه هذا الرجل وكان عدد من أعضاء أركان أقصد دِمن الجيش تقف («كالأركان» لا تحرك ساكنًا) بجانب الميكرفون الذي سيتحدث من خلاله راعيهم، وكبيرهم الذي علمهم السحر، وكان من بينهم الفريق الكباشي، والذي كان يجلس في تلك اللحظة هادئًا ساكنا على يسار المنبر، ينتظر قدوم مهديه المنتظر وحديث فيه يحدث ما يحدث! عجبًا أن تراهم جلّهم يرضخون لصولجان هذا الرجل، فما أن وطأت قدماه المكان، حتى طفق الواقفون يتململون (وتحسب أن ملحة قد زُرقت لهم – على حد قول المثل)، يضبطون بذلهم العسكرية الممتلئة بكروش الولائم وخيرات البلاد، ومن قبلُ، تلقى الراعي حميدتي، ممن استقبله من «الأركان أو لنقل من بين الدِمن الصامتة» التحية العسكرية وهو نفسه لم يُحيِ بأحسن منها ولا حتى ردّها كما في أعراف هذه الجماعات على أسوء حال. بيد أنّ المبهر بين مجريات هذا المشهد الدرامي، انتفاض الكباشي من قعدته بالكرسي كالذي لسعته حيّة نكراء، ذلك فور صعود الراعي إلى المنبر الذي ينتظره كما الأركان. جاء الراعي ليسرد حكاياته المبتدعة وبطولاته المدعاة، وأيامه الخوالي لأهل السودان من أولئك اللذين – حسب رأيه – لا يستمعون القول ولا حتى يتبعون أحسنه، على كل جاء ليحكي للثوار والثُورة صولاته وجولاته، ولم تدفعه العفة ولم يسوقه الشرف في أن يعلق حتى بكلمة واحدة أو مفردة طلقاء عن من فقد روحه من أجل الوطن برصاص جنوده الرابضين في كل أنحاء البلاد، ولم يتثن له أن يلفظ ولو بلفظ واحد في حق كل هذه التظاهرات المليونية التي ترفض رفضًا باتًا وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، قعدته تلك (وقعدة بهتان القصر لا برهانه) في مكان الراعي بين الأركان الصامتة، ولنترجم مفردة «الراعي» (وكلنا راع) كما اصطلاح «الأركان» كيف شئنا، وبكل مضامينها وفحاويها السيمائية.

إن المقاطع المصورة تعكس حال الناس على سليقتها:

إنّ الصور يا إخوتي لا تحتاج لتفسير فهي تحكي عن نفسها ولا تحتاج لتأويل لأنّها تشرح ما يدور في داخلها دون لأيٍ. والخلاصة أن كل هؤلاء ما هم إلا خدامون لسيدهم هذا، المدعو حميدتي أو بالأحرى حميدتهم، يسقيهم بعد عطش، يؤكلهم بعد جوع، يحميهم بعد خوف برباطته وبعساكره الجنجويدية، ألم تروا أن القوات المسلحة السودانية غير قادرة على حماية قائدها المدعو البهتان؟! نراه يجوب الدنيا من أولّها لآخرها تحت حماية أبناء الجنجويد، من الرباطة والمرتزقة والقتلة السفاحين.

حميدتهم: هذا الرجل الذي بدأ سيرته الذاتية دون تعليم يذكر، كراعي إبل، طموحات كبيرة وآماله لا تسع خيال الفرد منّا، نعم، هذا الرجل الذي كان يرتع في جنبات غرب السودان وشرق تشاد بحمارة عجوز، وممن منّا يا سادتي، لا يذكر تلك الصورة التي حامت العالم بأكمله، فيها يمتطي صهوة حمارته تلك، بملابس رثّة، هندام بخس، مظهر يثير الدهشة والرأفة والشفقة. كان حينذاك أشعث أغبر، ليس له من جاه الدنيا ذرّة. والآن نراه يطفح من الطموح، يصبو لرئاسة السودان، مهما كلّفه الأمر مليارات الدنيا. ظل يربد ويتخفى خلف الكواليس، ألا تظهر هذه الأطماع على الملأ لكن هيهات «فالذي بقلبه حرقص … لوحده يرقص». وأقول لكم يا سادتي ما البرهان إلا مطيّة أو دابة لبلوغ الغاية في مراعي هذا الراعي. نعم، يؤكله من ملايينه كما يُؤكّل الآخرين من كروش القوات المسلحة التي خرّت قواها وانكسرت سنانها وصارت وديعة كخراف الأضحية، تنظر وتشاهد وتبلع ولا تحرك ساكنًا، تتابع عن كثب ما يفعله الجنجويد بأهل السودان وبأسرهم وذويهم. نعم، صارت عجوزا غبراء لا حيلة لها، وإلا فأين أبناء السودان الأبرار فيها، أأُسكتت صياتهم وأصواتهم، أيخشون قولة الحق، وفي الله لومة لائم؟

لقد شهد اعتصام القيادة ساعتذاك حفنة من أبنائها الأبرار. أين زجّت بهم السبل، أين راحوا، لماذا تركوا أهليهم لبطش هؤلاء الرعاع؟! ألم يروا بالأمس، من قُتلوا وماتوا وجرحوا وطالتهم عِصي الجنجويد؟ ألم يروا أولئك المدنيين المندسين الذي تسلقوا أسقف المنازل ليرموا برصاصهم على من قال لا للرّدة ولا لحكم العسكر؟

للأسف نرى ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر أن قوات الجنجويد البرهانوحميدتية قد استطاعت وفي فترة وجيزة أن تخلق مناخًا من الذعر والخوف والفتنة بين جموع أهل السودان، كما وأنها وكان ذلك من أهدافها الرامية أن تزعزع الأجواء في البلد، لقد استطاعت أن تخلق محتقنا ملئي بالدسائس بين بين المعارضين، منذ أول ليلة لفجر الانقلاب الذي قاده الفريق أول عبد الفتاح البهتان، نهاية أكتوبر، وقد أشارت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إلى العديد من ممارسات التطهير والسجن والإعدام خارج نطاق القانون ضد الثوار الذين بدأوا يحتشدون مرة أخرى بعد أكثر من عامين على ثورة 2019.

أين القناطير المقنطرة من الذهب يا حميدتهم …؟

يا سادتي إنّ أموال الذهب، وحصائل الارتزاق، ومدخولات شركات الدعم السريع جعلت من آل دقلو قوة اقتصادية وحربية ضاربة لا يستهان بها. نعم، ومن يمتلك المال، وصنعة القتال فهو يمتلك كل شيء. وأعلم حقيقة من مشهد الفيديو المشار إليه أعلاه، مدى الاحترام والرضوخ الذي يتبدى على وجوه قادة الجيش تجاه هذا الرجل. والكل يعلم أنّه مصدر ثراهم. أيضيره شيئا أن يشتري كل فرد منهم ببضع ملايين من الدولارات؟ إنّ القضية صارت يا سادتي قضية استمرارية الاستلاب والسلب لموارد هذا البلد العظيمة في وضح النهار، ليس فقط المواد الخام لكن حتى الموارد البشرية التي تباع في أسواق النخاسة في الخليج لعمل الحروب في اليمن وليبيا ووو. وكما رأينا لقد انكشف القناع عن برهان بشيريّ، وبهتان بِشَّوِيّ، يتخفى خلف مؤتمره وطنيّ بغيض. إن البرهان، كما قال أحد المذيعين المصريين ما هو إلا صبي السيسي، فعندما يقدم له التحية العسكرية، يعني أن مصدر إلهامه. وقد رأينا تحشّر مصر في أمور السودان والسودانيين، لكن أمريكا ألجمتها حجرًا، ولم ير رئيسها جو بايدن إلا أن يصفع السيسي صفعة سياسية نكراء، فاضحًا له، بإلغاء اللقاء الذي كان مرتقبا في غضون مؤتمر قلاسقو، فمن يخون العهد ويتدخل في شؤون السودان فسوف يجد العاقبة الوخيمة. ولا أحد يريد للسودان أن يكون ديموقراطيًا، فالخوف كبير من سودان يسع الجميع حتى على المحيط الإقليمي، فسوف يرى العالم أن هذا الشعب بحق وحقيقة معلم بكل ما تحمل المفردة من معانٍ. .

خاتمة:

جمهورية آل دقلو في سودان ما بعد الثورة:

لن يتوانى الجنرال خلا حميدتهم في أن يقضي على الأخضر واليابس في البلد وعلى أي نفس ذائقة لا محالة الموت قد تقف أمام آماله البعيدة القريبة إليه أكثر من حبل الوريد. فلنستعيد قراءة عنوان رواية شارلس ديكنز (قريت اسبكتيشن – المستقبل العظيم)، فالرجل يخطط أن يقود السودان ويأمل أن يكون رجله الأوّل وأن يجعل منه جمهوريّة على شاكلة مملكة كما هي الحال في سوريا الأسد. يخطط منذ القدم في أن يقلّد أهله مفاتح الحكم في البلد. فطبيعة الإنسان القبلي، أنّه لا يقبل أو يرضى في أن يؤمن سرّه لشخص خارج نطاقه القبلي أو العائلي القريب جدًا. فما هي مؤهلاته هو ومؤهلات أخيه عبد الرحيم في قيادة القوات المسلحة مثلًا والتي انتقل بعض قياداتها لتدريب وتنشئة «قوات الدعم السريع» أو دعونا نطلق عليها «قوات القتل المريع»؟ هل هما  مؤهلان لقيادة جيش السودان – هذا البلد العملاق؟ هل قلّت العقول النيرة والهمم المستنيرة في جنبات هذا الصرح العظيم أن تستلم المقود وتقول نحن قادرون. فيما يفعله حميدتهم (لا حميدتي) وأهله من آل دقلو بقوات الشعب المسلحة على مرأى ومسمع من البرهان شيء مؤسف وفضيحة للدنيا والتاريخ والزمان. والان سيعود الوضع إلى ما قبل انطلاق الثورة، فالثُورة في الأخير، مع أو بدون القوات المسلحة، ثورة شعب اعزل ضد دكتاتورية ظالمة التفّ حولها غالبية الأرزقية من أولئك الذين حالفوا الله على بهتان مبين. 

ربنا يحمي السودان وأهل السودان من كل أذى.

لن تكسروا قلمي…!

بقلم د. محمد بدوي مصطفى

mohamed@badawi.de

يا بلدي ماذا يحصلْ؟

في زمن الثورة … من يَقتُلْ؟

صوت الحرّية بالمِقصَل

من عُقرِ الدارِ من المعقل

في زمنِ الصب وبقيادة

والإنقاذُ لم يُلقِ ثيابه

لم تسقط بعد

وحتى من بعد الفَورة

فمشير اللعبة لم يرحل

و»البرهان»

لا … لا أقصد

«بُهتان» النكسة لن يسأل

وحميدتهم … ألشعبي يعمل؟

مليشا الغدر فلن تحفل

بموت الشهدا العُزّل   

لا تنسوا يا أهل المعمل

فإعصار العزّة لن يُخذل

٭٭٭

يا شعب الثورة

بسواد الليل وقد يَصهل

لا أعرف من أين أبدأ

لا أجد لكلماتي مَغزل

قاموسي الأوحد والأعزل

أشعار وحروف تسأل

مفردة قد تُعزف أو تُغزل

أوراق ودفاترَ عُزّل

عفوا يا سادة

لم أجد التعبير الأمثل

أهي الصدمة؟

أم الكدمة؟

يا صوت أُخرس بالمِعوَل

ألعجز في التعبير؟

في زمن النكسة والتكفير

أوَحبرُ الحكمةِ لم نُجزل؟

الصدمة ها هي قصتها:

أرسلت قصيدتي في الخنساء

وقعدت … لجوالي أنظر

أنتظر إجابة من يَنشُر

الصمت الدامغ والأوفر

عِدّة أيّام بل أكثر

ومن ثمّة ردود قائلة:

خبث في شعر قد أخثر

غثُّ الكلماتِ فما أشعر

لا لين فيه لِمن عَبَّر

وأخيرا لا رد يُذكر

قالوا ضمنيا لن تُنشر

نعم، ضمنيا

أحسبُ من قَبلُ وأتذّكر

أني أرسلتُ مقالا في الكيزان

سحبوا الأسماءَ

والألقابَ

والأنسابَ

خوفا أن تَرجَحَ في الميزان

أبحث عنهم بين الأسطر

عن هيئة جهلاء السودان

عن عبد الحي

حتما شُطبَ!

عن صالح أكبرهم

حتما شُطبَ!

عن عبد القادر

حتما شُطبَ

شُطبوا كما شُطبت روضة

شَطبوهم من كل الأسطر

أرجعُ وأناقشُ كالأهبل

كلمي قد كُسر ومن يحفل

حبري قد أُجهض من مِهبل

يا سيدي قارون الأكبر

فمفاتِح عرشك قد تصغر

وكلام الحق غدًا يظهر

فقلم الكاتب كالطوفان

لا يعبأ بحظر أو عصيان

لا يرعى نسب أو حُسبان

لا تنسى يا سيدي الانسان

في ليال العشر وفي رمضان

لا تنسى … فلساني ثائر

لا يركعُ لِكتاب جائر

ولا للكاكيّ بِبُوريه الأحمر

أو لصديق في أمرٍ حائر

لا يعرفُ في وقتِ الشدّة

أنّ الأقلام كما العُدّة

كالحيّةِ بألسنةٍ عِدّة

كمدادِ البحرِ لِمن عَدّه

لا تحمي هذا أو ذاك

إن كان الجار أو الإخوان

لا تعصم هذي أو تلك

إن كُنتَ مُحبّ أو هيمان

فطريق الحق هو البرهان

لا أقصد … !

من جلس على هذا الإيوان

حسنا

ذُبحت أشعاري على مكتب

بفتوى من وحي المذهب

قبل الأعياد مع الموكب

فدع الخنساء لكم تكتب

والزوج بمدحكمُ يخطب

اخترتَ النسبَ وماءَ الوجه

ونسيتَ الشعبَ وهو الأنسب

لن ننسى حديث الخنساء الأصهب

لبشير بلسان أعطب

ألا يسقط أو يَنْكَب

أقدار الخلق بأيدي الرب

أشكركم لحظر قد أخصب

أشكركمْ

لصمتكمُ

لعزفكمُ

لرقابتكمْ

لجائزة تُكسبْ

الثورة تحتاج لتصحيح

في كل مكان

وبكل زمان

حتى تسقط ثالثة

والنصر هو الهدف الأنسب

والمجد حليفك يا عزّة

والعسكر لابد أن يذهب

(نشرت في يونيو ٢٠١٩ – ديوان كنداكة أبريل، د. محمد بدوي مصطفى

بعض من تعديل في الرابع عشر من نوفمبر ٢٠٢١ – فقرة البرهان)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق