بدويات

وداعاً ماما ميركل (2/2)

الحصّة الأخيرة في السياسة العالمية

د. محمد بدوي مصطفى

امرأة كهالة من أنوار الحكمة:

بعد أن أسدلت أشعة شمس الغروب أستارها على مدينة كونستانس الحالمة، وتحت رذاذ المطر الهادئ السائل بسلسبيله على أخضر المراعي السندسية حول وعلى الجبال التي تشرئب أمامنا وكأنها تنادينا قائلة … لا تخافوا فأنا هنا، والدنيا حتمًا بخير. حينها جلست مع أسرتي أشاهد إحدى إطلاالتها الأخيرة في حفل بالعيد الوطني لائتلاف الألمانيتين. وقفت كعادتها في تواضع العلماء والحكماء والكرماء. تحدثت دون عادتها في هذه المرّة وبعد ستة عشر عاماً عن تجربتها الشخصية. حقيقة لم يحدث أن تحدثت في أي من خطاباتها السابقة وفي غضون فترة حكمها عن نفسها، أو عن آمالها الشخصية، خصوصياتها، أو حتى عما يضايقها كإنسانة أو مواطنة. لكن كما ذكرت سلفًا وعلى غير عادتها طفقت في خطابها الأخير تسرد العبر وتسوق الحكم وتحكي مآثر التاريخ التي علّمها وعلمته كيف تعبّد الشعوب مسيرتها وكيف تبنى آمالها وأحلامها وحتى إن كانت وقتئذ صعبة المنال وبعيدة بعد الثريا. إنّه خطاب يا سادتي يمثل أمامي كحصة في السياسة العالمية ودرس في أسلوبية الديمقراطية الحقة يجب أن يعيه كل الرؤساء وكل من يقوم على أمور السياسة في العالم قاطبة. أقول لمن يتناحر على الكراسي في بلادنا وحول العالم ولمن يصارع ويحارب ويعافر من أجل أن يجني الثمار التي اتاحها دأب الطبقة العاملة وعرق الشعوب، ولكي يقف في أول الصفوف المشرئبة نحو الجاة والسلطان، بطبيعة الحال من أجل نفسه وأسرته وعشيرته، قف يا هذا برهة مع نفسك وتأمل بإمعان ما فعلته هذه المرأة، قف وادرس وانهل من معينها وما هي، كما تعتقد جزافًا، إلا نصفك،  وهاك  يا هذا ويا من يجري ويركض  وراء «الديمو-كراسي» سيرة سيدة كتبتها هي بمداد من نور، عزفت بعد أربع فترات عن الحكم الديموقراطي بنفسها لتقول كفاني كفى، وسوف أسعد فيما بعد بساعة نوم أكثر وبقراءة كتاب في ركن من أركان شقتي المتواضعة، دون زخم السياسة ودون لخمتها وكبرياء أهلها الذين يجرون وراءها ويحسبون أنهم في سباق سرمدي معها، لكنها، أي السياسة، لعبة ماكرة، وأمّ الدهاء، لن ينجح في أمرها إلى من سلك سبيلها بصدق وأمانة، ناكرًا للذات، كما ماما ميركل، وليس في قلبه وأنفاسه إلا وطن يكنّ له كل الحب ويحمل له في نفسه كل الاحترام، وربّ كريم يرقبه من علٍ. هاكم يا سادتي بعض من قليل الدروس التي سيحكيها التاريخ وسوف تلوكها الألسن دون لأي يذكر، ذلك يلخص مسيرة امرأة دخلت عالم السياسة من أوسع أبوابه بيد أنها أتت من أسرة متوسطة، كان الأب قس، والأم ربة منزل، وعاشت حوالي ٣٥ سنة من عمرها تحت تسلط الحكم الأنارشي لدولة ألمانيا الشرقية وحزبها الحاكم آنذاك. وكل ذلك لم يزدها إلا قوة حيث أشعل قيم الحرية والعدالة والسلام في فؤادها فاضطرم بها، حتى صارت أولى من وهب نفسه لهذه القيم السامية التي صارت بفضلها حقيقة ماثلة في دولة ألمانيا العظمى التي احتوت ملايين اللاجئين من الدول الإسلامية والعربية بمقولة واحدة لماما ميركل، مقولة انفتحت من إثرها أبواب بلادها كما مقولة افتح يا سمسم السحرية، بينما أوصدت الكثير من البلدان أبوابها أمامهم فسلك هؤلاء سبيلهم عبر أمواج المتوسط وبنادق عساكر الحدود وسيرًا على الأقدام حتى أعتاب بلاد ماما ميركل حينها قالت لهم: إننا انجزنا فيما قبل الكثير الوفير وسوف نحتوي كل هذه الصعاب فأهلاً بكم وسهلاً.

درس ميركليّ فهلا استمعنا القول من هذه السيدة؟

وقفت على المنبر لتعيد ذكرى التحام الألمانيتين، تلك الذكرى الأليمة التي أرقت الشعبين وعاست بينمها فسادًا وقسمة وافتراقَا. لقد تذكرت في جلستي الحالمة تلك في صحن بيتي وقفة رئيس الوزراء السابق ڤيلي برانت أمام حائط برلين وكنت حينها حديث العهد بألمانيا أدرس في جامعتها حيث ارتجل القول مصرحًا بمقولته الشهيرة التي انطبعت في ذاكرة الشعبين الجمعية: (اليوم ينمو معًا ما ينتمي لبعضه البعض – بمعنى: اليوم يلتئم جرح الجسم الذي قسمه التاريخ ليعود جسدًا واحدًا بعد افتراق). نعود لوقفة ماما ميركل في تلك الكنيسة حيث ألقت هي في آخر وقفاتها كلمتها العصماء وأحسب أنها دخلت بها سلفًا صفحات التاريخ، واعتبرها درسًا للشعوب والأمم، نعم درسًا من العيار الثقيل. فهاكم بعض نفحاته.

إن عيدنا الوطني، يوم الوحدة الألمانية هذا، لم يمض عليه وقت طويل وهو ثابت في أعماق تاريخنا. هذا اليوم يذكرنا بشيء شهده معظمنا بوعي وهو اليوم الذي غير مسار حياتنا منذ 31 عامًا. إن الثالث من شهر أكتوبر 1990 يرمز إلى إعادة توحيد بلادنا في سلام وحرية. هذه الحرية لم تقع على عاتقنا بمحض الصدفة، بل تم اكتسابها بالقوة. وقد أصبحت دولتنا التي نحتفل بها اليوم موحّدة لأن هناك أشخاصًا في ألمانيا الديمقراطية خاطروا بكل شيء من أجل حقوقهم وحريتهم ومن أجل مجتمع التعددية. نحن مدينون كثيرًا لمن تجرؤا ونزوا إلى الشوارع بشجاعة وأمل. ويجب ألا ننسى أبدًا أنه كان من الممكن أن يكون الأمر مختلفًا تمامًا. أي شخص وقف في ذلك الوقت، وتحدث وتظاهر من أجل الحقوق الديمقراطية، لم يكن متأكداً من أن الأمر يستحق العناء، وأن الثورة ستنجح، وأن يعاقب عليها بمرارة. إنها شجاعة حقيقية. ويجب أيضًا ألا ننسى أبدًا أن وحدة ألمانيا لم تكن متوقعة دون التزام جيراننا في أوروبا الوسطى والشرقية. سواء في بولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا – في كل مكان كان هناك أناس تغلبوا على انقسام أوروبا بالتزامهم بالحرية والمشاركة الديمقراطية. أدى هذا الجهد المشترك أيضًا إلى قيام الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت بالتغلب على الحرب الباردة. لن ننسى دعم شركائنا في الغرب – وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى. لقد وضعوا ثقتهم في ألمانيا الموحدة التي لم تكن بأي حال من الأحوال بديهية. تم بناء هذه الثقة على مدى عقود – أولاً وقبل كل شيء من قبل رجال الدولة مثل كونراد أديناور، ڤيلي براندت، هيلموت كول؛ وفي هذه المدينة أريد أيضًا تسمية هانز ديتريش جينشر. اليوم يمكننا أن نتمتع بثمار كل هذه الجهود، الفرص التي تأتي مع حريتنا الديمقراطية في بلدنا الموحد.

بالنسبة لي شخصياً، من لا يزال يعرف تجربة جدار برلين، وديكتاتورية الحوار الاستراتيجي، والخوف من جهاز التجسس الأمني ​​للدولة، ونقص الحرية والضيق، ونهاية الانقسام والديمقراطية، لا يزال مرارًا وتكرارًا أمرًا مميزًا – لأنه أعلم أنها قد تحققت وليس أقلها إنه يجب عيش الديمقراطية وتحقيقها وحمايتها. هي بحاجة إلينا بالطريقة التي نحتاجها بها. الديمقراطية ليست موجودة فقط، علينا أن نعمل من أجلها مرارًا وتكرارًا، كل يوم. ومع ذلك، أخشى أحيانًا أن نتعامل مع الإنجازات الديمقراطية باستخفاف وعدم اكتراث، كما لو لم يكن علينا فعل أي شيء من أجلها، كما لو كان من الممكن نقلها من جيل إلى جيل كأمر طبيعي. لكن خلال هذا الوقت، نشهد المزيد والمزيد من الهجمات على القيم التي لا تقل قيمة عن حرية الصحافة. نحن نشهد جمهوراً يتم عبره تأجيج الاستياء والكراهية بشكل ديماغوجي بالأكاذيب والمعلومات المضللة، دون كبح ودون خجل. لا يتم التشهير بالأفراد أو الجماعات فحسب، ولا يتم مهاجمة الأشخاص فقط بسبب أصلهم أو مظهرهم أو معتقداتهم – وهذا هو المكان الذي يتم فيه الهجوم على الديمقراطية. لذلك فهو في الحقيقة اختبار خطير لقوة تماسكنا الاجتماعي.

(وتحدث عن الفظاظة اللفظية في التعامل المتبادل بين الأشخاص وضرورة نبذها.)

لذلك، في يوم مثل هذا اليوم، يجب علينا أن نسأل أنفسنا بصدق وأمانة كيف نتعامل مع بعضنا البعض، وكم الاحترام المتبادل الذي ننقله وكيف نحمي الديمقراطية من أولئك الذين يتجاهلونها ويحتقرونها. وكيف يمكننا مواجهة التحيز والجهل – من خلال الاستعداد للانفتاح على الآخرين وعلى وجهات نظرهم وخبراتهم. هذا هو ما يميز الديمقراطية: أنها تسمح وتحمي المعتقدات الفردية وخطط الحياة. يمكننا أن نكون مختلفين، ويمكننا تطوير أفكارنا عن ماهية السعادة الحقيقية بطريقة جيدة، طالما أنها تحدث على أساس نظامنا الدستوري. إن التنوع والاختلاف لا يشكلان تهديدا للديمقراطية. لكن على العكس من ذلك. فالتنوع والاختلاف هما تعبير صادق عن حرية العيش. وهذا ينطبق بشكل أكبر على دولتنا الموحدة.

٭ بالنسبة لنا نحن الأوروبيون، هذا يعني أن لدينا المزيد من المسؤولية – عن أمننا، ولكن أيضًا عن الاستقرار في المناطق المجاورة. الحروب والأزمات والصراعات في البلقان وأفغانستان وأفريقيا تجعل من الضروري لألمانيا الموحدة إعادة تعريف، وتحمل المسؤولية على الصعيد الدولي.

٭ إن الشعور بالعمل الجماعي هو الذي يؤدي إلى الرغبة في التغيير والتضامن. كل ذلك ساعدنا خلال مشاكل إعادة التوحيد كما وساعدنا على مواجهة التحديات الكبرى في السنوات التالية. وكان الاستعداد للتغيير والتضامن من القيم الحاسمة في التحدي الوجودي للوباء. فبدون الرعاية المتبادلة، وبدون الرغبة في تقييد النفس من أجل حماية الحياة، لم يكن كل هذا ممكنًا.

٭ سيداتي وسادتي، من خلال التعاون الوثيق مع شركائنا وأصدقائنا في أوروبا والعالم، ومن خلال قرارات حكيمة، أيضًا من خلال الالتزام وبالتأكيد لحسن الحظ، حققنا الكثير منذ إعادة التوحيد. كما خرجنا من الأزمات ونحن أقوى من ذي قبل. ولم يكن هذا ممكنًا إلا لأن الناس شعروا بالمسؤولية تجاه الصالح العام، ولأنهم شعروا بالمسؤولية تجاه أنفسهم والآخرين ذلك في المجال الاجتماعي أو البيئي، على سبيل المثال في فرقة رجال المطافئ، المتطوعين أو في حقل الثقافة، وحتى في الكنائس، في دور العلوم، في مجال الأعمال التجارية أو في صحن السياسة.

اقتباس من مقالي: (أنجيلا ميركل، أعظم سياسيّة عرفها العالم)

أنجيلا والسياسة:

لم تتهافت أنجيلا على الانخراط في الحياة السياسية المفعمة بالصراع الحزبي والسياسي إلا بعد سقوط حائط برلين عام ١٩٨٩ حيث شاركت فقط قبل شهرين من توحيد الألمانيتين.  لقد تركت أنجيلا وظيفتها كباحثة لتنضم أولّه إلى جماعة سياسية تألفت من شخصيات محلية من محيطها القريب، وانطلقت بعد ذلك وبكل هدوء في مارثون السياسية الطويل، كانت مفاجأتها أن ترقت في السلم بفضل ذكائها الوقاد وبديهتها الحاضرة فضلًا عن أنها استطاعت أن تقوم ببعض التحركات التكتيكية التي أهلتها أن تتربع على كرسي المستشارة في عام ٢٠٠٥، وقد كان هذا النهج في غاية الوعورة والدراماتيكية فضلًا على أنه كان جديدا كل الجدّة عليها، خاصة بالنسبة لامرأة، تعتبر مواطنة من ألمانيا الشرقية، وقبل ذلك باحثة أكاديمية متمرّسة في مجالها فحسب ودون أي خلفيات عملية في مجالات القانون أو الخدمة المدنيّة.

ويتبادر للفرد منّا هاهنا سؤال جوهريّ: لماذا لم تُفصح ميركل علانية عن سبب تخلّيها عن مجال البحث العلميّ والعمل الأكاديمي مطلقًا؟ وهل فارقها هذا التفكير والسليقة ومنهاجية العمل الأكاديميّ يومًا ما حتى وبعد تقلدها مفاتح الحكم بألمانيا؟ عُرف عنها يا سادتي تمعنها وتفكرها المتأني في قضايا السياسية الحرجة وطلبها الدائم لمشورة أهل العلم والخبراء وكل هذه الصفات لازمتها طيلة فترة حكمها وتعتبر ميزة أصيلة في عملية صنع القرار اليومية لديها. وفي كل فترات حكمها الرشيد كانت في تمام الوعي أنها تتعامل – رغم ما عرف عنها من حديدية وصرامة – أمام الشعب والملأ بكل تواضع ونكران ذات، وهذا ما كتبه لها الشعب الألماني في ميزان أعمالها، فهي لا تزال تحصل على الدعم المعنوي والسياسي طيلة الخمسة عشر عاماً في جمهورية حقّة وبلاد شهد لها العالم بالنجاح،  رغم ما حدث من ويلات الحرب، لكن هذا البلد اعترف بما اغترف من ذنب تجاه الإنسانية قاطبة، وربما إن هذا الاعتراف الصريح وتحمل المسؤولية أمام المجتمع الدولي هو الذي يجسد عظمة هذا البلد الذي رافقت إجلاله وسموّه التاريخيّ إنجازات علمية خارقة للعادة  وعقول جبّارة مستنيرة، مثل أينشتاين وكانط وجوته وفريدريس روكرت وكارل بروكل مان، وآخرون ممن صُرعوا وقتلوا بسبب النازية الهتلرية وسلبت إنسانيتهم أ و حرقت كتبهم ودمرت أسرهم عن بكرة أبيها، رغم ذلك لم يقفوا مكفوفي الأيدي، إذ سارعوا بعد أن تركت الحرب العالمية الثانية بلادهم حضيضا، وشمروا سواعدهم وبنوا منذ نهاية الحرب بلدًا صار أعجوبة في النضال والتفاني والإخلاص ونكران الذات. لم ينتظروا حكومة تنقذهم من براثن الفقر ولكنهم حملوا أقدارهم على أيديهم وقالوا أما الفقر وإما نحن وهانحنذا نقف الآن ونرى ما وصلت ألمانيا من رقي وشموخ بين الأمم. 

أنجيلا … الحكمة … العلمية … واحتواء الكوارث:

لم يكن أبدًا بالأمر الصعب أو المستحيل أن يأمنها شعبها على قيادة سفينة الخلاص وسط أمواج المحيطات دونما خوف أو فزع أن تقذف بهم في غياهب طوفان جائحة لم يشهد لها العالم من مثيل. ساندوها ودعموها معنويًا وفكريًا، فكانت ألمانيا وعلماؤها هم رواد الابتكار في اختراع مصل يخلص العالم من جائحة كورونا وأثبت للكل أنها منصفة في معاملة أبناء البلد والأجانب على حد سواء، ذلك في الحقوق والواجبات ولقد رأينا أن البروفسير أغور شاهين وزوجته الدكتورة، وهما من أصل تركي، قد استطاعا مع مجموعتهم البحثية اختراق قلب الفيروس ووجود علاج ناجع له وكل ذلك لما كان حدث إن شاءت الأقدار وعاشوا في بلد من بلاد العالم الآخر.

لا تزال كورونا تفعل بالناس ما تريد، تقذفهم ذات اليمين وتسوقهم ذات الشمال، وحقيقة لا أحد يعرف بالضبط التحديات التي تنتظر هذا البلد، أو بقية العالم بسبب التطورات السريعة والغير منتظرة للعوامل التي تحرك هذه الجائحة. رأينا ما حدث الأيام الأخيرة في إنجلترا وكيف استطاع الفيروس أن يتحور إلى نوع أكثر خطورة. في خضم كل هذه الأحداث التي حركتها الجائحة بالإضافة إلى سوء العلاقات التي ولدها في السنين الأربع الماضية وجود رئيس اتسمت قرارته بالتلقائية وعدم الاكتراث وكان أحد الأسباب في تدهور العلاقات بينه وبين أنجيلا، رغم كل ذلك فهي تعي ما تفعل وتدبر قبل أن تنجز، ليسها كبعض الذين يعتبرون السياسة فيلما من أفلام هوليوود لا يمت للواقع بصلة لكنها  وكما يقول الألمان في مثلهم «تقف بكلا رجليها على أرض الواقع»؛ عرفت بأنها صارمة في ترتيب المعلومات، صادقة في اعترافها عن ثغرات جهلها أو عدم إلمامها ببعضها، وقورة وحكيمة في تعاملها وأخذها وعطائها مع الناس، ومن هنا تكتمل لهذه المرأة كل المكونات التي تجعل منها شخصية تاريخية فريدة واستثنائية، لا سيما بقولتها التي أدخلتها في عام ٢٠١٦ التاريخ من أوسع أبوابه عندما كانت أفواج اللاجئين الذين نزحوا بسبب الحرب تقف على أبوابها سائلة الأمان، فلم تتوان في أن تقول: مرحبًا بكم وسوف نقدر على كل التحديات ومجابهة هذه الكارثة.

سوف تخلد أنجلا اسمها في الذاكرة كأعظم سياسية أوروبية عرفتها ألمانيا، لأنها حافظت طوال فترة حكمها بأسس العلمية التي أدخلتها في حقل السياسة كعالمة من الطراز الأول، كما وأنها التزمت بكل ما تعلمته في سلك حياتها كباحثة في علم الفيزياء وطبعت بصمتها الشخصية في طريقة التفكير المنطقي المستند إلى الدلائل الحقّة في وقت يفتقد فيه العالم بأسره إلى صفات مثلها. لله درّها هذه الأنجيلا … سبحان مالك الملك في ملاك خلقه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق