سياسة

المؤسسات الدينية: تغذية التكفير والهوس الديني

إن الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة إذا ما انبعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة وأشعل فيها ثورته وانطلاقه بقدر ما هو قوة هدامة إذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة واثار فيها سخائم التعصب والهوس“.

محمود محمد طه، ديسمبر 1958

إن الإسلام سلاح ذو حدين إذا أخذ عن علم ومعرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي وإذا أخذ عن جهل ارتد بالناس إلى صور من التخلف البشع الذي يحارب باسم الله كل مظهر من مظاهر التقدم والفهم “.

محمود محمد طه، نوفمبر 1964

الكشف عن دور المؤسسات الدينية في تغذية التكفير والهوس الديني (6- 7)

السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية العدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه ودورها غير الأخلاقي في التضليل وتغذية مناخ الهوس والتكفير في الفضاء السوداني والإسلامي (2- 2)

يكشف هذا الكتاب، كما يقول مؤلفه المفكر السوداني والباحث الجاد الدكتور عبد الله الفكي البشير، عن دور المؤسسات الدينية في تغذية التكفير والهوس الديني في السودان، وفي الفضاء الإسلامي، وذلك من خلال مواقفها من المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. طرح طه الفهم الجديد للإسلام عام 1951، وأخذ يفصل فيه ويدعو له، فما لبث أن واجه الحكم بالردة عن الإسلام عام 1968، ومرة أخرى بالردة والإعدام، ليتم تنفيذ حكم الإعدام عليه في الخر طوم صباح 18 يناير 1985. ويقول المؤلف: رصد الكتاب دور المؤسسات الدينية في تكفيره، والحكم عليه بالإعدام، فانتخب خمساً منها، تقصي مواقفها وخاطب القائمين عليها اليوم، والمؤسسات الخمس هي: الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، وجامعة أم القرى، وجامعة أم درمان الإسلامية، ووزارة الشؤون الدينية السودانية، كما عرج على الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة علماء السودان. التزم الكتاب بمنهج توثيقي صارم، وسعى لإظهار جمود الفكر، وضعف الورع العلمي، وتناقض المواقف في تلك المؤسسات. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان الأزهر في 5 يونيو 1972 قد أفتى بكفر محمود محمد طه، ووسم فكره بأنهكفر صراح، ليجيء شيخ الأزهر بعد نحو نصف قرن من الزمان، ليعلن موقف الأزهر من التكفير في 28 يناير 2020، قائلاً: “التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره“. وبنفس القدر كانت رابطة العالم الإسلامي قد أصدرت حكماً بردة محمود محمد طه قبل نحو نصف قرن من الزمان، لنجدها اليوم تتبنى قيادة الاعتدال، ورفض التكفير، ومحاربة الغلو والتطرف.

ويضيف المؤلف، قائلاً: أما جامعة أم درمان الإسلامية فقد كانت مطية الأزهر في تغذية التكفير والهوس الديني، وتكييف المزاج الديني في السودان. فقامت بدور خطير في غرس الفتنة وبث ثقافة الردة، ولا يكفي تطهيرها، إلا بإعادة النظر في فكرة وجودها. كذلك تجلى دور جامعة أم الق رى في إجازتها لأول أطروحة دكتوراه عن الفهم الجديد للإسلام، مثَّلت الأطروحة أنصع نموذج لنشر الجهل، وتسييل الخرافة والخزعبلات، فضلاً عن تلويث الفضاء الإسلامي والإنساني. وكذلك الحال كانت هيئة علماء السودان، منبعاً للشرور الفكرية، ولا سبيل للتعافي من شرورها إلا بحلها وإعادة تعليم منتسبيها. أما دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، فكان على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا يمكن وصفه بأقل من الغدر، والتآمر، على الفهم الجديد للإسلام وصاحبه.

وخلص المؤلف، قائلاً: يُعبر هذا الكتاب بفصاحة عن أزمة الفكر الإسلامي، ويقدم دليلاً ناصعاً على ضعف الوازع الأخلاقي في المؤسسات الدينية، وغياب فضيلة الرجوع إلى الحق في تاريخها إزاء إرثها التكفيري. ولهذا، فالكتاب يدعو إلى الثورة الأخلاقية، لتحرير الشعوب الإسلامية من هيمنة المؤسسات الدينية، ومن وصاية رجال الدين، مُذكراً بأن دور الثورات الشعبية في تغيير الأنظمة السياسية لم يعد كافياً، وإنما المطلوب الثورة الفكرية التي تؤدي إلى الثورة الثقافية.

الدكتور عبد الله الفكي البشير

مؤلف الكتاب

المدائن وانطلاقاً من رؤيتها وواجبها الثقافي والأخلاقي والتزامها الإنساني تدعو إلى دراسة دور المؤسسات الدينية في تعزيز السلام العالمي وتحقيق الاستقرار الإنساني

من مقدمة الناشر، دار بدوي للنشر والتوزيع (ألمانيا)

تنطلق دار بدوي للنشر من رؤية قوامها أن تعمير الحياة وأنسنتها واجب ثقافي وأخلاقي والتزام إنساني، الأمر الذي يتطلب العمل بإتقان واستمرار في سبيل تسييل الفكر والعلم، وتبادل المعارف والتجارب. كما تؤمن الدار بأن الحوار الحر المسؤول هو السبيل الأمثل إلى تعارف العقول وتفاهم الثقافات وقبول الآخر، ومن ثم تحقيق التعايش وبناء السلامإن الدار تشجع إجراء المراجعات والتنقيب بإعمال الحس النقدي ذي الطابع الاستكشافي، لإلقاء الضوء على المبادرات الخلاقة في الفكر الإسلامي الداعية للتغيير والتحرير والتطوير وإقامة السلام. وقد سعى المختلف مع هذه المبادرات الخلاقة، بالشراكة مع الجاهل بها، والخائف منها، من أصحاب الامتيازات، وعبر تحالف غير مكتوب، إلى طمسها وحجبها عن الفضاء الإسلامي والإنساني، بإشهار سلاح التكفير والردة عن الإسلام

ولعل كتابنا هذا، والذي أعده المفكر الفذ والباحث الجاد، الدكتور عبد الله الفكي البشير، يخاطب أزمة الفكر الإسلامي، وراهن المؤسسات الإسلامية، ويصب فيما نصبو إليه من إجراء المراجعات، والبعث للمبادرات الخلاقة. فالكتاب يجئ في إطار مشروع بحثي مفتوح ومستمر تعهد به الدكتور عبد الله وهو يتمحور حول الفهم الجديد للإسلام لصاحبه محمود محمد طه، وقد نشر عبد الله العديد من الكتب والأوراق العلمية، وقد تشرفت دار بدوي بنشر أربعة كتب منها، وبصدد نشر كتب أخرى منها.

إننا نقدم اليوم هذا الكتاب، تقديراً واحتراماً للمفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، واحتفاءً بالعمل البحثي العلمي الجاد والمسؤول الذي قام به المؤلف، والذي جعلنا، ونحن أمام تيار الوعي المتنامي، نقف على كشف المؤامرات، ونشهد ذوبان سردية الكسل العقلي وتناسل الجهل، كما وسمها المؤلف، أمام شمس الحق.

محمود محمد طه: “نحن لا نلوم الفقهاء على عدم الفهم، ولكننا نلومهم على عدم الصدق…”

يقول الدكتور عبد الله الفكي البشير: متابعة لما جاء في الحلقة الماضية عن الرسالة التي أرسلتها للسيد/ نصر الدين مفرح، وزير الشؤون الدينية والأوقاف (السابق)، بتاريخ 18 أغسطس 2020 وكان موضوعها السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية العدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه ودورها غير الأخلاقي في التضليل وتغذية مناخ الهوس والتكفير في الفضاء السوداني والإسلامي، وقد نشرتها كذلك كرسالة مفتوحة له في (14) صحيفة وموقع الكتروني. وجاءت الرسالة انطلاقا من الواجب الثقافي والأخلاقي تجاه السودان وبناء السلام، وإيماناً منا بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة (ديسمبر 2018- أبريل 2019) التي اندلعت من أجل الحرية وكرامة الإنسان واستكمال استقلال السودان، وقناعة منا بدور المثقف في دعم الثورة وحمايتها، عبر العمل على تعميقها وفكرنتها من خلال البحث العلمي والإنتاج الفكري، غير أني لم اتلق دراً من سعادة الوزير. ثم اتيحت لي الفرصة أن أتحدث مباشرة مع السيد/ الوزير من خلال مداخلة في لقاء تنويري قدمه في واشنطن حول وضع الحريات الدينية في السودان بتاريخ 22 مايو 2021. أثرت في مداخلتي موضوع رسالتي التي بعثتها للوزير، وأوضحت له بأنني أرسلت له رسالة بتاريخ 18 أغسطس 2020 وأشرت لطرف من محتواها، وقد أدهشني سعادة الوزير برده عليّ!!! وأدناه قصة مداخلتي وما دار فيها، وكنت قد ملكتها للشعب السوداني عبر مقال نُشر بتاريخ 29 مايو 2021، ليأتي بعثه اليوم الأحد 29 مايو 2022 متوافقاً مع ذكرى مرور عام على نشره أول مرة.

تجديد الدعوة لاستكمال الاستقلال بتحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية

عن اللقاء التنويري مع وزير الشئون الدينية بشأن وضع الحريات الدينية في السودان

كنت من الملبيين للدعوة العامة التي وجهتها السفارة السودانية والجالية السودانية الأمريكية بمنطقة واشنطن الكبرى، بشأن اللقاء التنويري مع سعادة/ نصرالدين مفرح، وزير الشئون الدينية والأوقاف بالحكومة السودانية، وسعادة الدكتور نور الدين ساتي، سفير السودان لدى الولايات المتحدة الامريكية، بعنوان: “الوضع الحالي في السودان والإنجاز التاريخي في مجال الحريات الدينية وخروج السودان من الـ watchlist”، وذلك يوم الأمس السبت 22 مايو 2021، عبر تطبيق زووم.

قدم سعادة الوزير تنويراً، ثم فُتحت الفرصة للنقاش. اتاحت لي إدارة المنصة الفرصة لمداخلة بسقف زمني، كما حددته للجميع، دقيقة ونصف. عبّرت في مداخلتي عن شكري للقائمين على الأمر، مع شكر خاص لسعادة السفير الدكتور نور الدين ساتي، على مبادراته الخلاقة، وتمنيت أن تكون مبادراته بشأن الحوار المفتوح نموذجاً يحتذى من قبل السفارات السودانية. كما شكرت سعادة الوزير على ترحيبه بالحوار، غير أني أردفت قائلاً لسعادة الوزير بأنني كنت قد بدأت مثل هذا الحوار بإرسال رسالة إلى شخصكم الكريم بتاريخ الثلاثاء 18 أغسطس 2020، ونشرتها كرسالة مفتوحة لكم في الصحف الورقية في الخرطوم، فضلاً عن نشرها في (14) صحيفة إليكترونية، و7 مواقع إلكترونية، ولم تجد سوى الإهمال. تكونت الرسالة من (45) صفحة، A4، وتناولت الخطاب التكفيري في السودان، في إطار موضوعها، وهو السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف والعدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. وبينت في الرسالة أن الجلوس مع الأئمة والوعاظ، كما قلت اليوم، ليس كافياً، فالتكفير لا يزال مستمراً، وقد أشار البعض في هذه الجلسة إلى تكفير الدكتور عمر القراي، وكفرت كذلك الوزيرة ولاء عصام البوشي، وظل تكفير الجمهوريين مستمراً من قبل العديد من التكفيريين، وقدمت في رسالتي رصداً موثقاً لذلك، ولهذا فليس المطلوب الجلوس مع الأئمة والوعاظ، وإنما المطلوب تجريدهم من سلاح التكفير. وأوضحت لك في الرسالة بأن تجريد هؤلاء التكفيريين من سلاحهم، يكون بمخاطبة الجهات التي أصدرت الفتاوى بتكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وهي الأزهر، بمصر، ورابطة العالم الإسلامي، بالسعودية. كونهما حينما أفتيا بالتكفير أرسلا فتواهما إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في السودان. فقد وجه الأزهر رسالته التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 5 يونيو 1972، وأرسلت رابطة العالم الإسلامي فتواها التكفيرية إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 18 مارس 1975.

وأضفت في مداخلتي قائلاً لسعادة الوزير، إنك بمخاطبة تلك الجهات التي أصدرت الفتوى ومطالبتهم بالتخلي والتراجع عنها، تكون قد حررت الفضاء السوداني من فتاوى التكفير، وجردت التكفيريين من سلاح التكفير، لأنهم جميعا يقولون: كفره الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، وتكون كذلك قد ساهمت في حفظ التعايش السلمي وحمايته. ولهذا أمامك الآن هذا الواجب، خاصة وأن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية قد برأت ساحة المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه عام 1986، وألغت الحكم في حقه واعتبرته كيداً سياساً، يضاف إلى ذلك أن وزير العدل السوداني قد أصدر قراراً بإلغاء مادة الردة، المادة (126)، في يوليو 2020. (هذا ما قلته، مع اعتذاري لإدارة الجلسة بسبب تجاوزي للوقت، فقد طلبت منها السماح لي بوقت إضافي لتوضيح الأمر لأنني لن أجد الفرصة لمقابلة الوزير، فلقد ظللت منتظراً لرد منه على رسالتي التي أرسلتها له قبل تسعة أشهر ونيف من الأيام، ولم اتلق منه رداً حتى اليوم).

ما أدهشني في رد الوزير، أنه قال: لم ير الرسالة التي أرسلتها له.. كيف ذلك؟ حسناً نفترض أن البريد الإلكتروني الذي أرسلت عبره الرسالة لم يصل، فماذا عن نشري للرسالة كرسالة مفتوحة لشخصه الكريم في الصحف الورقية في الخرطوم، وفي (21) موقعاً إلكترونياً. ومن تلك الصحف والمواقع، على سبيل المثال، لا الحصر: صحيفة سودنايل، وصحيفة الراكوبة، وصحيفة التغيير، وصحيفة مداميك، وموقع مركز الدراسات السودانية،إلخ. هل يعقل بعد كل هذا، لا يرى الوزير تلك الرسالة؟ هل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف منبتة عن الواقع إلى هذا الحد؟ أين المكتب الإعلامي أو المكتب الصحفي بالوزارة المعني بمثل هذه الواجبات؟ وأين الخبراء الإعلاميون والاستشاريون بوزارة الشؤون الدينية؟ أو الجهة المعنية بالمتابعة الإعلامية؟ هنا ينبغي على سعادة الوزير أن يحاسب الجهة المعنية بالرصد الصحفي في وزارته، ويعيد النظر في قنوات تواصله مع الواقع والجماهير والشأن العام، ولا نطمع في دعوته لفتح قنوات لتجسير التواصل مع المثقفين للاستفادة من آرائهم وأفكارهم، لاسيما في قضايا الخطاب التكفيري، والحريات الدينية في مجتمعات التعدد الثقافي، وفي ظل حكومة ثورة ممهورة بدماء الشرفاء والشريفات من أبناء وبنات الوطن. كذلك اقترح على سعادة الوزير أن يعيد النظر في الهيكل التنظيمي لمكتبه بما يضمن أن تكون شؤون الناس من أولوياته. هنا يأتي سؤال مهم، وهو ما هو عمل جميع هؤلاء الوزراء وخبرائهم ومستشاريهم، والموظفين الحكوميين، إن لم يكن خدمة الناس ومتابعة شؤونهم؟

كذلك طلب مني سعادة الوزير أن أعمل له Update (تحديث) وأرسل له الرسالة، وقال نحن مكاتبنا مفتوحة، ولدينا البريد الإلكتروني، وكذلك الواتساب، ويمكننا إقامة حوار حولها. مع تقديري لطلبه واهتمامه، إلا أنه لم يترك لي، سواء علناً أو عبر الخاص، وسيلة للتواصل عبر البريد الإليكتروني أو رقم هاتف الوزار ة، حتى تصله الرسالة. كما أنه لم يوجه المعني بالإعلام والعلاقات العامة في وزارته، أو من يراه للتواصل معي، خاصة وأنني قلت سبق وأن أرسلت الرسالة.

يقول الأستاذ سعيد الطيب شايب (1931-2002)، كبير الإخوان الجمهوريين: “وقصة احتراف الدين، قد ظهرت بظهور طبقة (رجال الدين).. وذلك أمر منيت به كل الأديان وأكتوت بناره كل الشعوب.. وقد أسهم عندنا هنا في ا لسودان بنصيب وافر في تعطيل الطاقات الحيوية من أبناء هذه البلاد، الذين فقدوا ثقتهم في الدين والتمسوا هداهم عند سواه، حين حكموا عليه بأقوال وأعمال (رجال الدين) الذين طوعوه سبباً من أسباب الرزق، يلتمسون به هوى الحكام ورضاء الأغنياءلسنا بصدد اجترار ذكريات الماضي أو تسجيل التاريخ، وإنما نحن في الحقيقة بسبيل من مواجهة صور ذلك الماضي البغيض التي لا نزال نحمل أثقالها، وقد تجسدت أمامنا في هيكل الشؤون الدينية، كأكبر عقبة أمام حركة التغيير الاجتماعي الذي نحن بسبيله“.

تجديد الدعوة للوزير والحكومة من أجل تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية

لابد من خطوة ثورية وشجاعة لتجريد التكفيريين من سلاح التكفير

الثورة دوما معنية بالتصحيح والتحرير واستعادة الحقوق وإحداث التغيير الجذري والشامل، ولهذا، وعطفاً على لقاء يوم الأمس، وتجديداً لطلبي في رسالتي لسعادتكم، والتي آمل أن يجد الخبراء الإعلاميون أو المعنيون في وزارتكم الفرصة للوصول إليها، فهي متاحه في المواقع الإلكترونية المذكورة أعلاه، وعرضها عليكم، وانطلاقا من الواجب الثقافي والأخلاقي تجاه السودان وبناء السلام، وإيماناً منا بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة (ديسمبر 2018- أبريل 2019) التي اندلعت من أجل الحرية وكرامة الإنسان واستكمال استقلال السودان، وقناعة منا بدور المثقف في دعم الثورة وحماي تها، عبر العمل على تعميقها وفكرنتها من خلال البحث العلمي والإنتاج الفكري، فإنني أدعوكم وكذلك الحكومة الانتقالية لاتخاذ خطوة ثورية وشجاعة فيما يتصل باستمرار تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، وتلميذاته وتلاميذه، وهم أصبحوا بالآلاف، أن تعمل على تحرير الفضاء السوداني من الفتاوى التكفيرية الأجنبية، بأن تخاطب الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، الحاقا لرسائلهما التي تلقتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالتواريخ المشار إليها أعلاه، وتطالبهما بالتخلي والتراجع عن فتوتيهما. هذا الطلب في تقديري، يتصل بالأمن الوطني، ويخاطب التعايش السلمي في السودان، ويخاطب كذلك واجبنا ومروءتنا ونبلنا تجاه الفكر الحر والأحرار في السودان، فكل الذين يكفرون الجمهوريين، ظلوا يرددون حتى اليوم، قولهم: كفره الأزهر، وكفره مشايخ الأزهر، وكفره علماء رابطة العالم الإسلامي، سواء من الأئمة والوعاظ أو بعض أساتذة الجامعات في كتاباتهم وأحاديثهم، في الوقت الذي أصبح فيه الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ينبذان التكفير، ويدعوان لمحاربة الغلو، والتطرف، والتكفير.

كما أنني أدعو سعادة الوزير، وكذلك الحكومة الانتقالية في السودان، التعاطي مع موضوع تحرير الفضاء السوداني من فتاوى التكفير الأجنبية، باعتباره من أولويات الأمن القومي، ومن أولويات التحرير واستكمال الاستقلال وبناء السلام في السودان، خاصة وأن شيخ الأزهر نبذ التكفير، فقد خرج الأزهر من مؤتمر نظمه خلال الفترة ما بين 27- 28 يناير 2020، تحت عنوان: “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسل امي، في القاهرة، بمشاركة 46 دولة من دول العالم الإسلامي، بموقف جديد كلية من التكفير. فقد تلا فضيلة شيخ الأزهر البيان الختامي للمؤتمر وجاء في (29) نقطة، كانت النقطة السابعة، كما جاءت على لسان فضيلته، تقول:

التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره، فإذا قال الشخصُ عبارةً تحتمل الكفر من تسع وتسعين وجها وتحتمل عدم التكفير من وجه واحد فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال؛ اعتدادا بقاعدة (ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين)”.

كذلك ظل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، يدعو إلى رؤية مستنيرة للرابطة، كما قال، لقيادةالاعتدالوعصرنةالخطاب الديني، وتنطلق هذه الرؤية، كما ذكر، من تعزيز مفاهيم وسطية الإسلام ونشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، والتأكيد على دور الع لماء في ترسيخ تلك القيم المترسخة في وعي الاعتدال الإسلامي ومحاربة الغلو والتطرف، والتكفير. وقد فصلت كل ذل ك بتوثيق دقيق في رسالتي لكم، وآمل أن تصلكم، وتجدون فيها ما يعين.

وفي ظل تراجع الأزهر ورابطة العالم الإسلامي عن التكفير، لماذا يظل الأئمة والفقهاء والوعاظ في السودان يرددون تكفير المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه وتلاميذه وتلميذاته، في المساجد؟ ولماذا يظل بعض أساتذة الجامعات يضمنون ذلك في كتبهم وبحوثهم والرسائل الجامعية؟ وقد قدمت أدلة وشواهد كثيرة على كل ذلك في رسالتي لكم، والتي آمل أن يصل لها مكتب سعادتكم، كما ذكرت آنفاً. وسبب تكفير هؤلاء، بسيط، وهو يعود إلى أن الفتوتين الصادرتين من الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ما تزالان فاعلتين في السودان، وللأسف من داخل المسجد وفي قاعة الدرس، على الرغم من رفض الأزهر، ورفض رابطة العالم الإسلامي، ورفض شخصكم الكريم للتكفير. ولهذا فإنني أطالبكم، باعتباري مواطناً سودانياً، بأن تحوَّلوا أقوالكم تجاه رفض التكفير ودعم الحريات الدينية إلى أفعال، بالعمل على اجتثاث سلاح التكفير المشهور في وجه الجمهوريين من منبعه، وذلك بمخاطبة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، والطلب منهما التخلي والتراجع عن تلك الفتاوي، التي لا تزال تسمم فضاء السودان وتنجس أرضه، وتهدد تعايشه السلمي. كما أنها تطعن في مدى ثورية الحكومة الانتقالية، وفي مدى قيامكم، وطاقم الحكومة الانتقالية، بالواجب الوطني والثوري والثقافي والأخلاقي.

يقول الدكتور عبد الله الفكي البشير كنت في ختام رسالتي قد جددت التذكير بأنني أسعى من خلال البحث العلمي، والذي حملت هذه الرسالة طرفاً من خلاصاته، إلى الاسهام في تمليك الشعب المعلومات الوافيةوقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها، والكشف عن المؤامرات تجاه الفكر الجمهوري. (للمزيد أنظر كتابنا المشار إليه أعلاه).

معاً لحمل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي على إلغاء فتاوي التكفير والردة عن الإسلام

إن هذا الكتاب، وعبر ما قدمه من وثائق والتزام بمنهج توثيقي صارم، وبما تضمنه من رصد وتتبع دقيق لخدمة المؤسسات الدينية الخمس (الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، وجامعة أم القرى، وجامعة أم درمان الإسلامية، ووزارة الشؤون ال دينية والأوقاف السودانية) ورجالها، يكشف عن أن هذه المؤسسات، وهي نماذج تمثل غيرها، في موقفها من الفهم الجديد للإسلام الذي طرحه محمود محمد طه عام 1951، لم تكن سوى أدوات لضخ الفتنة وتغذية التكفير والهوس الديني في الفضاء السوداني والإسلامي والإنساني.  لقد ظلت هذه المؤسسات ورجالها، وهي جزء من تحالف ديني عريض، وبأساليب التآمر والكيد والغدر، وهي تستغل الدين، وتشهر سلاح التكفير والإلحاد والردة عن الإسلام، وعلى مدى سبعين عاماً، تنسج في سردية التشويه للفهم الجديد للإسلام والتنميط لصورة صاحبه. لقد نجح هذا التحالف الديني العريض، وبلا حق، وهو نجاح إلى حين، في بناء جدار عازل بين الفهم الجديد للإسلام وشعوب السودان والإسلام، والإنسانية جمعاء. غير أن تيار الوعي المتنامي في الفضاء الإسلامي، والمد الثوري، كحالة إنسانية تنشد التغيير والتحرير، وهي في توسع وتجدد واستمرار، تنسف كل الأسوار وكل جدار عازل. إن هذا الكتاب، وهو تعبير عن الثورة، يصب في مواجهة خصوم الفهم الجديد للإسلام بتعرية مواقفهم، وإظهار تناقضهم، وإبراز ضعفهم، ودحض حججهم بالمنهج العلمي، والالتزام الأخلاقي، ليؤكد بأن ما بُنى بلا يحق، يهدم اليوم بالحق.

إن هذه المؤسسات الخمس، ومن ورائها التحالف الديني العريض، وبمواقفها غير العلمية، وغير الأخلاقية، من محمود محمد طه، وبخدماتها المفارقة للحق، في عدائها للفهم الجديد للإسلام، وسوق البسطاء بعيداً عنه، قد دنست الفضاء والأرض، ولوثت منابر العبادة، وميادين العلم، وأظلمت العقول والقلوب. وما من سبيل للتطهير والتحرير، واستكمال الاستقلال من هيمنة الأوصياء على العقول، وهم ما يسمون برجال الدين، إلا بالثورة الكبرى. وهي ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، وهدفها التغيير الشامل والجذري. ولا يفصلنا عن هذه الثورة، سوى قيام المثقفين بواجبهم نحو اشعالها في عقول الجماهيربتسليط الأض واء على الركود الفكري والتبعية العمياء للطائفية السياسية والطائفية الدينية. فمتى ما تمت الثورة الكبرى، بما في ذلك الثورة على المؤسسات الدينية ورجالها، الآن أو مستقبلاً، فإن شعوب السودان والإسلام، لن تجد من يعينها على طريق الحرية والتنمية والديمقراطية وكرامة الإنسان، من داخل القرآن، ويسوقها إلى إقامة السلام في القلوب وعلى الأرض، سوى الفهم الجديد للإسلام/ الرسالة الثانية من الإسلام.

معاً لتجريد المتطرفين من سلاح التكفير والإرهاب وهو فتاوى الأزهر ورابطة العالم الإسلامي

أضاف عبدالله الفكي البشير بأنه كان قد ختم رسالته للوزير، قائلاً: إنني أجدد دعوتي لسعادتكم لاغتنام هذه الفرصة، بتحمل المسؤولية التاريخية، فتخاطب الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، وتطالبهما رسمياً بإلغاء فتاويهما بتكفير محمود محمد طه وردته عن الإسلام، وفي تقديري أن هذه المطالبة حق وطني وإنساني وواجب ثوري وأخلاقي، وفوق كل ذلك فهي إحقاق للحق، وتصب في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، حيث استكمال استقلال السودان وسودنة مؤسساته. كما أنك عبر إلغاء تلك الفتاوى تكون قد جردت المتطرفين من سلاح التكفير والإرهاب، الذي لا يزال مرفوعاً في المساجد والمنابر الإعلامية وحلقات الدرس الإسلامي. ومن هؤلاء الذين يستخدمون فتاوى التكفير والردة، الأستاذ الدكتور عارف الركاني، والدكتور مهران ما هر، وغيرهما، وكنا قد تعرضنا لعدد من هؤلاء في الحلقات الماضية. كما نطالبكم بتطهير سجل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مما وردت الإشارة إليه، حتى تسهم في تحرير الفضاء السوداني والإسلامي والمزاج الديني في السودان من خطاب التكفير والهوس، خاصة وأن الوزارة كانت جزءاً من حلقات تشكيله وتمكينه وبثه. وبذلك تكون قد أسهمت في تطهير الأرض، وتحرير العقول، وتنقية سوح الفكر في السودان وفي العالم الإسلامي، وأسهمت كذلك، في فكرنة ثورة ديسمبر المجيدة، وعملت من أجل بناء السلام في السودان والعالم.

سنواصل في الحلقة القادمة، وهي الأخيرة، استعراض الكتاب والاستمرار في تناول مواقف المؤسسات الدينية من التكفير من خلال موقفها من المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه والفهم الجديد للإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق