ثقافة وفن

مذكرات ضابط سوداني

  بتــاريخ ١٩٨٩ تخرجت من الكلية العسكرية السودانية الأولى وكان ترتيبي الأول على الدورة انا واثنان من زملائي الضباط وكما جرت العادة يرسل الثلاثة الأوائل على الكلية لإتمام دراستهم في أكاديمية ساندهيرست الملكية الحربية البريطانية، فتم ارسالنا بالفعل وعند وصولنا الى مقر الأكاديمية كان رئيس الأكاديمية الجنرال (كرايمر توم كلفين) في استقبال الطلبة الجدد وما ان وصل الينا توجه الينا بالسؤال: هل أنتم من السودان؟

مع اننا كنا نعلق على صدرونا ايقونة العلم السوداني كباقي الطلاب كل يعلق علم بلده على صدره،

فأجبناه: نعم سيدي نحن من السودان

فبدا التجهم على وجه الرجل وصار يدقق في اسئلته من اي القبائل أنتم ومن اي المدن مما اثار استغرابنا حتى وصل الى اخر سؤال من منكم يحب الجنرال سوار الدهب؟؟

فلم يجرؤ أحد على الرد بحبه كوننا منتمين الى الحزب الشيوعي في ذاك الوقت ونخاف على أنفسنا وعوائلنا من ردة فعل الحكومة السودانية اذا ما احيطت علم بأجوبتنا.

وسارت أيام الدراسة وبقي في بالي عدة أسئلة اود ان اطرحها على الجنرال (كرايمر) حتى اتى يوم التخرج وكان لنا لقاء مع الجنرال كوننا حصلنا على المراتب الاولى الثلاثة في الأكاديمية فقد حصل (فاروق  ود الدروشاب) رحمه الله على عصا الأكاديمية الذهبية وأنا حصلت على سيف الأكاديمية أما (ابكر العربي) حصل على صولجان الأكاديمية ولم تمنح اكاديمية ساندهيرست الصولجان منذ تأسيسها الى يومنا هذا الا اربع مرات وكانت لكل من (تشرشل، مونتجومري، ايزنهاور، ورومل) والأخرين منحت لهم شرفية مع انهم كانوا اعداء لبريطانيا العظمى وبالأخص رومل الذي حارب البريطانيين لفترة طويلة والمرة الخامسة كانت للضابط السوداني (ابكر العربي)  مما حدا بهم بتقديم عرض لنا نحن الثلاثة بالبقاء في انكلترا كضباط في الجيش البريطاني وبالطبع رفضنا نحن الثلاثة وفي اثناء لقائنا برئيس الأكاديمية توجهت له بالسؤال عن سبب سؤاله لنا عن الزعيم سوار الدهب  فكان الجواب كالآتي:

(نحن كقادة في اكاديمية ساندهيرست حين يأتي الطلاب الجدد ننظر هل بينهم سوداني، فإذا كان نعلم ان المرتبة الأولى في الدورة ستذهب للسودان وها انتم اتيتم ثلاثة وحصلتم على مراتب لم يحصل عليها احد قبلكم.

في احدى السنوات قدم الى الأكاديمية تلميذ سوداني وتخرج بتفوق وكان عندنا سياق في الأكاديمية قبل التخرج يطلب من كل تلميذ ان يقدم خطة عسكرية لطريقة احتلال عاصمته فما كان من الطالب السوداني الا ان قدم خطته العسكرية وكتب عنوان لها (أسهل خطة لاحتلال الخرطوم) وحين قمنا بتدقيق الخطة وجدناها خطة لاحتلال لندن وليست الخرطوم وكانت خطة محكمة بدقة عالية لا يمكن ان يرسمها ويضع تفاصيلها الا قائد بريطاني فأرسلنا في طلب هذا التلميذ وسألناه ما هذا الذي قدمته؟

فأجاب وهل انا خائن او غبي لأقدم لكم خطة لاحتلال بلدي؟؟

ومنذ ذلك اليوم ونحن نتخوف من التلاميذ السودانيين)، وكان هذا الطالب هو سوار الدهب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق