ثقافة وفن

William Landis 

التجريب الفني من الصور الشعرية إلى المجاز التشكيلي

بشرى بن فاطمة

ويليام لانديس (1929-2023) فنان تشكيلي أمريكي كاتب فني وشاعر باحث في الفنون البصرية وناقد، يعتبر مرجعا فنيا وبصريا عالميا له العديد من التجارب الفنية التشكيلية التي لخّصت مساره الفني الممزوج بالترحال والتكامل المزدوج مع روح الأماكن وأحداثها المتعدّدة من الفنون الكلاسيكية والحداثية إلى المعاصرة، تلك التي كان يتعايش مع تفاصيلها بين أوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
أسّس عالمه الجمالي والإنساني منذ انتصاره للصورة وعوالمها بين اللون والحرف وبين المعنى والرمز، غاص في روح البحث عن أجوبة جمالية لتساؤلاته الوجودية وجدلياته الحسية فمنذ طفولته كان متميّزا بالسؤال وعنيدا في الاقتناع بالأجوبة التي كان يعالج فيها توافقات روحه مع الأمكنة في الولايات المتحدة الامريكية التي استقى منها تكوينه الأول في الفنون وانتقل منها إلى العالم بشاعرية تفوّقت على موهبته وعبرت به نحو الحرفية الفني في تركيبه الفني والتقني والاسلوبي للصورة، فروّضت مجاز الحرف عنده.
في تطوير مساره التشكيلي كثّف حضوره التجريبي المتوغّل بين المدارس الفنية عبر كل مناطقها ومراحلها ومؤثّراتها الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية وما رصده من حسيات لامسها في أوروبا وفي الولايات المتحدة الامريكية، فقد عايش حركتها البصرية بين التمازج والتجاذب والتداخل والاختلاط والتمرّد.
فلا يمكن لعابر بين ورقة وحرف ولون وقماش أن يكتفي بمجرد المشاهدة وهو يتبع أثر ويليام لانديس الفني الشامل الذي جمع الكلمة بالمعنى ورسم الصور بالقصائد والقصائد باللوحات جمع التجريد والانطباعية التكعيبية والحواف الحادة وارتسم عبر كل لون وعند كل زاوية وفراغ صورة حسية وتفصيلا إنسانيا لم يستطع الموت أن يغيّبه أو يلغيه غادرنا مؤخّرا، تاركا ارثا فنيا زاخرا.
تبدو التفاصيل التي صاغها لانديس في لوحاته متفوّقة على الخيال بالأمكنة فقد صمّم التجريد بحريّة حاكت الفراغ بالسرد الملون فكانت الأفكار متناثرة بالتفاصيل مع الواقع، فهو لم يلغي أحاسيسه الحرة وهي تلامس الحلم الساكن فيه فكانت أعماله بمثابة توثيق مرحلي لفترة ناضجة وعنيدة من تاريخ الفن في العالم استطاع أن ينتقل بهها من أوروبا إلى الولايات المتحدة الامريكية لا كمقلّد فيها للأسوب بل كمستوعب للذاكرة البصرية التي تمخّضت عن تساؤلاته الفلسفية.
عند كل سفر بين فرنسا واسبانيا اليونان وهولاندا وألمانيا كان يقوم بتجميع الطبيعة ويتشبّع بها ليلتقي فيها مع الفن كموضع تعبيري حر في داخله لقد كانت حساسيته العالية موضع دهشة وحضور كبير لم يستطع أن يقف عند اللوحة بل اخترق مجاز القصيدة التي خاطب الروح الإنسانية بشفافية من خلال الرمزيات التي كثيرا ما كان يحاورها بل ويتجادل معها برقّته النقدية التي مكّنته من الغوص في التجارب والمدارس الفنية واستلهام الواقع الفني عبر كل مراحل التجريب الحسي فبين متابعته الأكاديمية وتجربته الفنية وتطوره الحسي الناقد والباحث في الفنون البصرية استطاع أن يتكامل في تكوينه وصقله الحسي لفكره الفني فقد كان يعبّر في بحثه عن اللون والتفاصيل في الطبيعة عن ذاته المحلّقة كانت تدريجاته اللونية تخبر المتلقي بأن لكل سماء درجة ولكل حضور إحساس وعند كل تفصيل وقع وإيقاع حيوي استطاع المتلقي أن يلامسه في لوحاته وبين ألوانه التي سردت مسيرته وأخبرت عن تكامله مع الموسيقى في عمق ورهبة الصمت وهو ما جعل من تداخل الفنون عنده وموهبته الطاغية سمة إنسانية لها عمقها التعبيري.
الروحانيات التي كان يتعمّد تفصيلها التشكيلي حاول أن يصلها من خلال تبصّره الفني للحرف والكلمة والمعنى والتفاعل معها فشكّلها عبر كل مرحلة يتطريقة حسية مثيرة ووازن فيها بين الحضور المفهومي للفكرة وبين المحتوى الفني في تكنيك الصورة وتكاملها مع العناصر التشكيلية سواء في محاكاة الفراغ أو في تفصيل المعنى في الصور والعلامات التي أعاد ابتكارها فهو لم يقلّد بقدر ما بحث عن ذاته الفنية التي وجدها في كل تصور رصده وعند كل تجريب فني خاضه فترك كل هذا الزخم الفكري والفني والأسلوبي.

*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق