ثقافة وفن

في حوار مع الشاعرة المغربية الطبيبة بلقيس بابو

الكتابة هي فضاء يمنحنا خفة ترقص بها أحاسيسنا على السطور بكل حرية

شاعرة وطبيبة مغربية تخصص القلب والشرايين مؤسس بملتقى الشعراء العرب ومسؤولة العلاقات الخارجية نشرت عدة نصوص شعرية في عدد من المنابر الإعلامية عربية ودولية كموقع حرة بريس بنسختها العربية وموقع آفاق حرة ومجلة أوراق المهجر الدولية وجريدة العراقية الاسترالية الورقية وموقع الاتحاد الدولي للفنون و الصحافة و الإعلام وجريدة بيان اليوم وغيرها من المنابر الإعلامية الوازنة، كما شاركت  بعدة لقاءات علمية و أدبية في المغرب و خارجه

جعلت من الأدب كمشرطة طبية تداوي بها جراح القلوب والتي تنسل  بسلاسة من منهل الإبداع  كولادة جديدة لقصائد تنبض حياة وأحاسيس إنه الحب الذي يفجر طاقات الإبداع، ويجعل من الطبيب الذي يمسك (بمشرطه) ليعالج المرضى، يمسك بقلمه ليداوي بالشعر القلوب، كما يداويها (بالمشرط)

ضيفة هذا الحوار هي الشاعرة المغربية الطبية  د بلقيس بابو والذي يعرفها عن  عن قرب يوقن أنها لا تعرف الخيبة أو الفشل، بل تتسم بالقوة والكفاح الذي يولد النجاح والعزم والمثابرة والعمل الجاد، ناهيك عن كرمها وتواضعها وطيبة قلبها وروحها المحلقة ، فهي رغم عملها المستمر كطبيبة، إلا إنها تجد لنفسها مكانًا بين الشعراء والشاعرات تحلق وتبدع، وكأنها ترقص مع النوارس والذي ترجمته من خلال ديوانها الشعري «رقص النوارس» وهي مجموعة من الومضات الرشيقة الخفيفة المعنى السهلة المأخذ، التي تنم عن موهبة في هذا المجال الأدبي الجديد القديم وهي ذات طابع رومانسي فيها إيحاءات الحب و الشوق و الحنين و اللقاء و الفراق و التي يغادرها الأمل .

حاورها عبدالحي كريط

< رقص النوارس هي أولى ابداعاتك الشعرية ماهي دوافع إخراج هذا العمل إلى الوجود؟

> نشأت في أحضان أسرة تعليمية ، حيث كان الشعر و الأدب و دراسة قواعد اللغة من أحاديثنا اليومية،  فصرت مولعة بقراءة الشعر و الكتابة منذ الصغر ،  لكن نظرا لانشغالي بالدراسة لم أكن أهتم بجمع و توثيق النصوص فضاع أغلبها ، كما أني انقطعت تماما عن الكتابة لأكثر من عشر سنوات ، لكني كنت  دوما أشعر أن شيئا ما ينقصني و اشتد الحنين إلى مداعبة الأقلام … إلى أن قررت العودة  منذ ثلاث سنوات، فكانت كولادة جديدة و كان من الضروري توثيق نتاج هذه الفترة، أحث به نفسي على الاستمرار و التطور.

< ماهي الدلالة السيميائية والجمالية لعنوان الديوان رقص النوارس ؟

> الدلالة السيميائية هي ثلاثية الأبعاد ، أولا القصائد هي ذات طابع رومانسي فيها إيحاءات الحب و الشوق و الحنين و اللقاء و الفراق و التي يغادرها الأمل …  و كل هذا المخاض و كل هذه الحركة النفسية  هي أشبه بالرقص.

النوارس طيور بحرية لا تغادر  البحر و الشاطئ، تبتعد و تعود، تحلق في الأعالي بتناغم و بكل حرية و انطلاق.

البعد الثالث هو البحر  الذي يمثل لي ذاك الفضاء اللامنتهي الذي يلوذ إليه الكثير  منّا بحثا عن  الراحة النفسية.

حيث أن الكتابة  هي فضاء يمنحنا خفة ترقص  بها أحاسيسنا على السطور بكل حرية.

< إحساس الخيبة و الأمل.. من أي منظور اببستمولوجي تناولت الموضوع؟

> الحياة عبارة عن مجموعة  من المتناقضات  كالخير ، و الشر و الليل ، و النهار ، و الايجاب و السلب ، و الموت و الحياة .. و الخيبة والأمل .. و كما يقول القدماء : كل معنى واضح الدلالة إلا و يحمل في طياته معنى آخر  خفي الدلالة .. الإحساس بمرارة الخيبة يدفعنا نحو الأمل .. و الفشل يجعلنا نتذوق حلاوة النجاح ، لولا الفقد  لما سعدنا بالوجد و حرارة الشوق اللذان يجعلان  للقاء معنى.

و على رأي الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي :

وَلا بُـدَّ  لِلَّيـْلِ أنْ  يَنْجَلِــي

وَلا  بُدَّ  للقَيْدِ  أَنْ   يَـنْكَسِـر

وَمَنْ  لَمْ  يُعَانِقْهُ  شَوْقُ  الْحَيَـاةِ

تَبَخَّـرَ  في  جَوِّهَـا   وَانْدَثَـر

فَوَيْلٌ  لِمَنْ  لَمْ   تَشُقْـهُ   الْحَيَاةُ

مِنْ   صَفْعَـةِ  العَـدَم  المُنْتَصِر

< هل الديوان نتاج تجربة وجدانية و زمكانية سابقة؟

> كل ما نكتب يرتبط  بوجداننا و مشاعرنا .. لكن ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بتجاربنا الخاصة .. فالمبدع  إنسان يمتلك حساسية كبيرة ، فيلتقط كل ما يدور حوله و يربطها بمشاعره الخاصة ، و  وجهة نظره الحياتية  ليخرجها في نصوص تعبر عن كل ذلك … و أما عن الزمكانية فأعتقد أن المبدع الحقيقي لا يربط أحاسيسه بزمان و مكان محددين و بخاصة الزمان.. قد ينطلق من الزمان و المكان لكنه لا يقف عندهما، و إلا لما  كانت هناك إبداعات و أشعار  كتبت منذ عقود و  لازلنا نرددها و نستشهد بها لحمولتها الإنسانية الكبيرة أكثر من ظروف كتابتها.

< ماهي أبرز الصور الشعرية التي جاء بها رقص النوارس؟

> القصائد تضم الكثير من الصور الشعرية المركبة و غير المركبة لما فيها من تشبيهات و استعارات … ففي قصيدة رقص النوارس تجد:

( هناك في الزقاق الخلفي

حيث تنتظرني غيمة مثقلة بالحديث)

(رسمت بين أناملي صورة الطوفان)

(حين أرى في دمي ما لا يرى )

و في قصيدة : تعال علمني ( تذكي الشوق بفتيل الكلمات )

و في قصيدة : حجرة الأسرار ( ماذا لو تغزو أساطيلك شواطئي المهجورة ؟! )

و من قصيدة : في عيد الحب

( أداعب الحروف

كي تطرح ثمرها

فأجنيك )

و أيضاً في قصيدة : بريق عينيك

(بريق عينيك

لا يكتم الأسرار )

ثم قصيدة : ذاك المساء. ( أصبح دمي حبرا، أخط به قصص لهفتي )

( أتعقب آخر قاطرة )

(تصطف النجوم تحت  شعرك)

هذه فقط بعض النماذج من الصور العديدة التي يزخر بها الديوان .

< ماهي المدرسة الأدبية أو الشعرية التي تأثرت بها في إخراج هذا العمل الإبداعي؟

> قراءاتي متعددة … و من مدارس مختلفة،  لكن يبدو أن  مدارس الشعر الحديث كنزار قباني و محمود درويش و أحمد مطر  كان لها  بعض الأثر ، غير أني  مؤمنة بأن الشاعر الحقيقي مطالب باتقان كل الأدوات الشعرية بما فيها  الشعر العمودي الكلاسيكي ، و لذلك سيكون ديواني المقبل بإذن الله مختلفا تماما عن  «رقص النوارس»، حتى تكون التجربة شاملة و غنية إن شاء الله.

< يوميات طبيبة هي آخر إصداراتك الإبداعية، هل هي امتداد لعملك الأول رقص النوارس ؟وماذا يعني لك أنك شاعرة؟

> يوميات طبيبة هو عمل مختلف ، فهي مجموعة قصصية  مستوحاة من   أحداث عملي اليومي كطبيبة، التي حوّلتها من مجرد حالات مرضية إلى قصص إنسانية، بأسلوب سردي بسيط، لتسليط الضوء عليها و خاصة على الطبيب الإنسان الذي يتفاعل مع تلك الأحداث و  القصص فيتأثر  بها و تؤثر فيه دون  الجهر بذلك في غالب الأحيان.

أما بخصوص الشق الثاني من سؤالك فإنني لا أعتبر نفسي إلا  مضغة أو علقة في انتظار ميلاد الشاعرة

< الطب في خدمة الأدب هي نتاج تجربتك الطويلة  في الميدان الطبي والأدبي كيف استطعت التوفيق بين مهنتك كطبيبة وكشاعرة ؟

> ليس الأ مر  بالسهل أبدا ، و قد كان هذا من  أسباب الانقطاعات السابقة عن الكتابة  خاصة في مجال تخصصي بأمراض القلب و الشرايين  حيث يطغى الطابع الاستعجالي و يتعذر  غالبا  برمجة  مواعيد للكتابة، لكن  الإصرار و الرغبة الملحة لمعانقة  الحرف تمنحني الكثير من الطاقة و الصبر  و السهر الطويل أحيانا.

< باعتبلرك عضو مؤسس بملتقى الشعراء العرب أين ترَين موقع الشعر في العالم العربي اليوم؟

> تم تأسيس ملتقى الشعراء العرب  بفكرة و  تنفيذ من الشاعر و الأديب المصري ناصر رمضان عبد الحميد و كان لهذا التأسيس مع  مجموعة من الشعراء العرب  هدفان اثنان:  أولهما خلق فضاء للإبداع لا يسمح بنشر و توثيق إلا ما كان جيدا و ليس تكرارا لما تعرفه العديد من المواقع  الأدبية اليوم على منصات التواصل الاجتماعي من فوضى و نشر  لأي  شيء  كيفما كان مستواه أو محتواه.  و الهدف الثاني هو محاولة تشجيع المواهب الإبداعية الشابة الحقيقية لتجد مكانها بين المبدعين. و قد كان لانتمائي  لهذا الملتقى دور محفز  في عودتي لعالم الكتابة

< كلمة ختامية

> أود بداية شكركم على هذه الفرصة الجميلة التي أتَحْتم لي من خلال هذا الحوار الشيق ؛ مسيرة موفقة أرجوها لكم .

أهديكم هذا النص نظير اهتمامكم  بالثقافة و الإبداع رغم كل المعوقات . 

صمت الحدائق

على أنغام النبض المتردِّد

بين شرايين الغواية

حين لامَسَتْ طيفي

دبْدباتُ الحلم النائي

رقصتُ هنا ليلا

على ممرات الوجود

على ايقاع الموج

المتلاطم بين أحضاني

على حفيف من حديث

يزلزل أنظمة ذاكرتك المُحْكمة

يشوَّش صمت حدائقك الهادئة

ضع يديك

على خصر السيول العطشى

تحسَّس الطوفان القادم

من تحت هدير الخطوات

انظر متى تُعلَن ثورة المزاج

لتتشابك الأيادي

المخضبة بمسك الرحيق

و تنزل آلهة الأساطير

لتشاركنا رقصة الأعالي

تتوقف عند اهدابها

مدارات الكواكب

و يجثو عندها هذيان

اللحن المقدس

حين همسَ حنين التجلِّي

دغدغت الأماني صدري

و تكاثرت بعض الخلايا

المتمرِّدة على الأنفاس

رقصنا سوِّيةً

بلغنا سدرة حلمٍ و نيِّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق