ثقافة وفن

الغزال الأسمر

وليم اندريه

(الخرطوم – السودان)

بعد هجوم صباح الجمعة 2 يوليو1976 كانت القيادة العامة قد طلبت من حاميات الأقاليم التوجه لإنقاذ العاصمة فوصلت إلى العاصمة ظهر يوم السبت 3 يوليو قوات حامية شندي وساعدت فى تأمين الإذاعة وحاميات أمدرمان وبحرى. ووصلت كتيبة الهجانة فى مساء نفس اليوم ودخلت الخرطوم وشاركت فى الكثير من عمليات التمشيط، مع انعدام كامل لأي تنسيق مع القوات الأخرى أو الرجوع إلى قيادة مركزية مشتركة.

في يوم الأحد انتشرت شائعات بأن الذين قاموا بالهجوم هم من الأثيوبيين والشاديين، وانطلقت قوات الجيش والأمن فى حملة عشوائية ضد إخوتنا الأثيوبيين والإرتريين، قتل فيها أعداد لا تزال مجهولة منهم، وكذلك من الشاديين وأبناء دارفور الذين كانوا يسكنون أطراف العاصمة ويعملون بالمهن الهامشية.

كانت شاحنات المجروس المحملة بالجنود تجوب شوارع العاصمة تحت قيادة ضباط صغار وفى كثير من الأحيان تحت قيادة ضباط صف. فظلت شلة من الحاقدين عند أطراف الحي كلما رأت مجروس محمل بالجنود تصيح فيهم مناديه (داك بيت حبش) مشيرين إلى منزل أسرة المرحوم وليم. فيطرقون الباب ويقومون بتفتيش المنزل. كان وليم قد جلب من إيطاليا كمية ضخمة من الآلات الموسيقية والمعدات الصوتية والسماعات. وكانت لا تزال داخل صناديقها مخزنة في برندة داخل منزلهم. فقام جنود الهجانة بتمزيق الصناديق وإتلاف معظم السماعات والمعدات وكأنهم يبحثون عن مخدرات وخرجوا.

لم تمض على تلك الغارة ساعة واحدة فاذا بطارق آخر على الباب، فذهب وليم لفتحه فاذا بشاحنة مجروس أخرى محملة بالجنود تقف أمام المنزل وتطلب التفتيش بناءً على معلومات من بعض أبناء الحي بأنه (منزل حبش). كان وليم في قمة غضبه فأغلق الباب فى وجههم بضربة قوية، فاذا بالرصاص ينهمر عبر الباب مردياً وليم قتيلاً ويقتحم الجنود المنزل ويركلوا أمه ويعوسوا في المنزل تحطيماً وركلاً لكل شخص أمامهم، غير عابئين بأن من قتلوه مواطن أعزل لم يشهر فى وجههم سلاحاً.

لكن وليم لم يكن فقط مواطناً سودانياً، كان رساماً له لوحات ومعارض، وفنان عبقت ليالي الخرطوم ألحانه ورقص العشاق على إيقاعه. كان بطل السودان الأول فى كرة السلة بلا منازع، كان نجم الملاعب وعطرها الفواح. مثّل السودان في العشرات من المباريات الدولية، ولموهبته الفذة صفقت الملايين وشجعت السودان جماهير لم ترى السودان إلا في إبداعات وليم أندرية. كان وليم فوق كل ذلك إنساناً، إذا تحدثت إليه جلس يحدثك كالطفل الصغير، عن آماله وطموحاته ونزاعه الداخلي بين الدراسة والرياضة والموسيقى، ووقته الذي لا يتسع لهم جميعاً. كان صغير النفس، عظيم القدر.

كان وليم هو الفرح في دنيانا، كان حب جيلٍ وحُلم تبدد.

ولد الفتى وليم الملقب بالغزال الأسمر يوم 31 مايو عام 1951م، والده هو اندريا فائز نصار السوداني الجنسية، والمنتمي لجنوب البلاد، وجده لوالده طبيب مسيحي لبناني الجنسية، قدم للسودان وعمل طويلاً بالجنوب، فاقترن بسودانية من جنوب السودان وأنجب منها اولاداً وبناتاً من ضمنهم والد وليم. وأمه مولودة في القضارف ووالدتها مولودة في المسالمة، والدها من اصول اثيوبية قدم الى السودان مع المهدي، لمحاربة الاستعمار الانجليزي المصري، واستقر بالقضارف خاله المرحوم عوض زودي كان حكمدار شرطة بحري، ومدربا في كلية الشرطة، ووليم هو الابن المتوسط لثلاثة اشقاء آخرين هم كل من

جوزيف الملقب ببوب وعضو عازف معه بفرقته الغنائية وهو الأكبر وفائز الموظف بالسفارة الامريكية بالخرطوم، ثم حبيب وشقيقاته هن آمال التي رحلت هي الاخرى قبل عدة سنوات وشادية ثم كاثرينا إسطنبولية اخته غير الشقيقة وهي شقيقة حبيب لطيف إسطنبولية الاخ غير الشقيق وقد كن لاعبات مميزات بالفريق القومي السوداني لكرة السلة للسيدات ايضاً، توضح هذه الجزئية سهام عباس اللاعبة السابقة لعدة انشطة رياضية ضمن افراد من اسرتها في تلك الحقبة والصديقة الحميمة لعائلة الراحل اندريا بان إسطنبولية والد كل من كاثرينا وحبيب، وبعد انفصال زوجها الاول عنها تقدم للزواج من

المعلمة مريم زودي وتزوجت مريم والدة وليم من لطيف إسطنبولية وانجبت منه كاترينا وحبيب ولطيف هو الشقيق الأكبر للاعبي النادي الكاثوليكي لكرة السلة سليم وبشير وامينة إسطمبولي. مرت فترة طويلة لم يلتق وليم خلالها بوالده الذي ترك البلاد ليعيش بالخارج بعد انفصاله من الأم، وقد تسنى له ذلك اثناء زيارته ضمن المنتخب الوطني، الى تنزانيا ضمن تصفيات افريقية العام 1971م، في بدايات انضمامه للمنتخب السوداني، حيث التقى وليم بوالده لأول مرة في تنزانيا في (فندق كلمنجارو – دار السلام) لان والده ترك السودان وهو ما زال صغيراً. التحق وليم بمعهد الموسيقى والمسرح ولكن الموت الذي داهمه حال بينه وبين تخرجه فكافأه المعهد بمنحه البكالوريوس الفخري بعيد وفاته ضمن دفعته المتخرجة في العام 1976م. اسس فرقة جاز (وليم اندرية) المعروفة في اوساط مجتمعات الشباب من الجنسين بالعاصمة المثلثة في تلك الفترة منتصف القرن الماضي وله العديد من الالحان والأشعار الغنائية الشهيرة وقد راجت اغنيته (كفاية مزاح) التي الفها صديقه رستم ولحنها وسجلها للتلفزيون قبل فترة وجيزة من رحيله المأساوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق