مجتمع

التسويف

كسل أم مرض؟

د. علي عفيفي

هل تعاني من التسويف؟  هل تؤجل عمل اليوم إلى الغد؟ أراهن أنك ستجيب بنعم، فكلنا – أو معظمنا – نميل إلى تأجيل الأعمال المهمة إلى وقت لاحق ونمضي الكثير من الوقت في أشياء تافهة. هل تصدق عزيزي القارئ أنني منذ هممت بكتابة هذا المقال انشغلت بالعديد من الأشياء، أهمها مشاهدة فيديو يشرح طريقة عمل الكنافة النابلسية؟ أنت نفسك تقرأ هذا المقال بدلاً من إنجاز الأعمال المطلوبة منك منذ بداية الأسبوع. هل يعني هذا أن كلانا يعاني من مرض التسويف؟ ليس بالضرورة، فتأجيل بعض الأعمال ليس مدعاة للقلق، طالما لا يستمر هذا التأجيل لفترة طويلة، وبشرط أن تنجز المطلوب منك قبل انتهاء المهلة المحددة سلفاً.

كيف تعرف إذن أنك تعاني بصورة مزمنة من مرض التسويف؟ يقول د. جوزيف فيراري أستاذ علم النفس بجامعة دي بول أن معظم الناس يقومون بتأجيل بعض الأعمال المهمة إلى وقت لاحق، ولكن المسوف يفعل ذلك دائماً، فالتسويف عنده عادة مزمنة يصعب التخلص منها. يقوم المسوف– كمعظم الناس – بكتابة قائمة طويلة بالمهام المطلوبة منه ثم يشرع في تنفيذهم، ولكنه يبدأ عادة بالمهام البسيطة السهلة، فينفذ واحداً أو اثنين منهم فقط ثم يكتب قائمة جديدة، ثم يغير من ترتيب الأعمال في تلك القائمة، ثم يبدأ قائمة جديدة، وهكذا1.

كيف نحل تلك المشكلة إذن؟ ينصح د. فيراري أن نظام المكافأة قد يساعد المسوف على انجاز الأعمال، الأفضل إن تكافئ نفسك أو الآخرين عند إنجاز العمل قبل المهلة المحددة بدلاً من اللجوء للعقاب في حالة الفشل. يرى د. فيراري أن المسوف لا يقوم بتأجيل الأعمال عمداً، ولهذا فالأوامر أو النصائح المتعلقة بتنظيم الوقت لن تجدي على الإطلاق، أن تطلب من شخص مصاب بمرض التسويف أن ينهي عملاً كما لو كان أمراً سهلاً، لا يختلف كثيراً عن أن تطالب مريض الاكتئاب بأن يبتهج1.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن للتسويف بعداً فسيولوجياً، وأن هناك اختلافا حقيقياً في تركيب المخ ونشاطه بين الشخص الطبيعي – الذي يقبل على انهاء المهام في الوقت المناسب – والشخص المسوف. على سبيل المثال، وجد فريق من العلماء بجامعة الرور الألمانية أن الجزء المسئول عن تقييم المشاعر في المخ والمسمى بال Amygdala يكون أكبر حجماً في الأشخاص الذين يعانون من التسويف عن غيرهم. على الجانب الآخر فالإشارات العصبية بين ال Amygdala وجزء آخر في المخ يسمى Dorsal anterior cingulate cortex كانت أضعف في حالة الأشخاص الذين يعانون من التسويف2. تقوم ال Amygdala بتقييم المواقف المختلفة وتقييم تبعات كل تصرف قبل أن يقبل عليه الإنسان، ثم ترسل الإشارات إلى ال Dorsal anterior cingulate cortex والذي يقوم بدوره بتحديد التصرفات التي يجب تنفيذها والتصرفات التي لا يجب تنفيذها. ولذلك يعتقد هذا الفريق من العلماء أن زيادة حجم ال Amygdala يؤدي إلى زيادة حيرة الشخص وعدم قدرته على تقييم المواقف واتخاذ القرارات الحاسمة، كما يؤدي ضعف الإشارات المنتقلة إلى ال Dorsal anterior cingulate cortex إلى عدم قدرة الشخص على معرفة ما يجب فعله وما لا يجب فعله في بعض المواقف2.

هل يعني كل ذلك أن التسويف مرض لا علاج له؟ لا أحد يعلم حتى الآن، فالأبحاث في هذا الأمر ما زالت في مرحلة مبكرة جداً، ولكن العلماء يتوقعون أن الأبحاث في المستقبل القريب ستجيب على هذا السؤال، وقد تأتي بعلاج فعال لهذه المشكلة الخطيرة. حتى ذلك الحين، سواء كنت شخصاً طبيعيا تستمتع بتأجيل الأعمال من وقت لآخر أو تعاني بصورة مزمنة من مرض التسويف، فأرجو منك ألا تشارك هذا المقال مع رئيسك في العمل حتى تبرر عدم انهائك للأعمال التي كلفك بها منذ شهور. أرجو أيضاً ألا يدفعك هذا المقال للبحث عن فيديو طريقة عمل الكنافة النابلسية.

مصادر

Ferrari, J. R. Still Procrastinating: The No Regret Guide to Getting It Done. 1 edn, (Wiley, 2010).

Schlüter, C. et al. The Structural and Functional Signature of Action Control. Psychological Science, (2018). doi.org/10.1177/0956797618779380

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق