خارج الحدود

مغربة الفرنكوية في عهد الفاشية الإسبانية

عبد الحي كريط

المغاربة لن يمروا los moros no pasaran أو los moros que trajo Franco المغاربة الذين جلبهم فرانكو و ay carmela viva la quinta brigada    هي مجموعة من الاغاني الشعبية الشهيرة للمعسكر الجمهوري الاسباني ضد الجنرال فرانكو وجنود  المغاربة الذين استقدمهم من شمال المغرب( المنطقة الخليفية) خاصة من منطقة الريف فقد كانت حربا بين الجمهوريين الموالين للديمقراطية والجمهورية الاسبانية الثانية ذات الاتجاه اليساري والوطنيين وهي مجموعة فلانخية تحت قيادة الجنرال فرانكو وعلى الرغم من أنها صورت كصراع بين الديمقراطية والفاشية فإن التاريخ يصفها بالضبط كصراع بين الثورة اليسارية والثورة المضادة اليمينية حسب العديد من المؤرخين والباحثين في حقبة الحرب الاهلية الاسبانية  ابرزهم المؤرخ الامريكي البارز stanley payne  الذي وصف هذا الصراع على انه صراع ايديولوجي  قبل ان يكون صراع سياسي بين الفريقين في كتابه falange a history spanich fascism الفلانخية تاريخ الفاشية الاسبانية الصادر عام 1961.

هذا الصراع الذي ترك ندوبا لا يمكن ان تمحى مع مرور الزمن في الوجدان المغربي والاسباني لأنه كان صراعا تداخليا ومعقدا ومتشابك بخيوط ماضوية مستلهمة من التاريخ  استغل فيه الساسة نقاط الصراع من اجل خدمة اهدافهم السياسية وهذا ما تم بالفعل حيث استغل الجنرال فرانكو الامية  والجهل المتفشي آنذاك  ليقحم المغاربة في حرب لا ناقة فيها لهم ولا جمل حيث استغلت الماكينة الاعلامية  لمعسكر فرانكو استلهام حرب الريف وتوظيفها كطريقة انتقامية لمعسكر الجمهوريين والذي كان يتكون من حركات يسارية اسبانية وكتلانية وباسكية  الرافضة  للانقلاب ضد حكومة الجمهورية فكانت ظلال حرب الريف لازالت تخيم على الذاكرة الريفية والجبلية للمغاربة وأهوال قصفها بالأسلحة الكيماوية التي سببت خرابا ودمارا في ارواح وممتلكات مغاربة الريف بمساعدة قوى دولية وداخلية في ذلك الوقت.

بالرغم من معارضة اغلب الرأي العام الإسباني آنذاك للمغامرات العسكرية الاستعمارية لحكومة بلدهم وأيضا القوى الاشتراكية واليسارية الاسبانية التي وصفت هذه الحرب بالمغامرة الإمبريالية إلا أن خسارة إسبانيا لمستعمراتها في الفلبين وأمريكا اللاتينية حشدت الفريق المؤيد في الاحتجاج بأن احتلال المغرب ضروري لتأمين الموانئ الإسبانية الجنوبية، وضَمَّ رجال الكنيسة صوتهم إلى العسكريين.

فاستغل فرانكو هذه النقاط لصالحه مستغلا الحالة الاقتصادية الحرجة لمنطقة الريف وحالة الأمية والجهل المتفشي آنذاك واشاع ان الجمهوريين لو ربحوا في الحرب والصراع الدائر بالجزيرة الايبيرية فإن هدفهم التالي هو اجتياح المغرب وقتل الناس واغتصاب النساء واحراق المساجد وتعميد الاطفال لكي يعتنقوا المسيحية بالرغم من ان معسكر الجمهوريين يساري شيوعي.

ويتناول كتاب مغاربة في خدمة فرانكو ترجمة  الدكتورة كنزة الغالي وتقديم المؤرخ الراحل محمد العربي المساري النسخة باللغة الإسبانية Los moros que trajo Franco La intervención de tropas coloniales en la Guerra Civil española لمؤلفتها مارية روسا دي مادارياغا والخبيرة في تاريخ العلاقات الاسبانية المغربية خلال التاريخ المعاصر  باءسهاب اهمية الدور المغربي في حسم الحرب الاهلية لصالح معسكر الوطنيين واماطة اللثام عن الدوافع الحقيقية التي جعلت المغاربة يلتحقون بهذه الحرب وعما اذا كان التحاقهم قسريا ام طوعا واقتناعا بالفرنكوية  وكيف ركز  الخطاب الفرنكوي  على الاوتار الدينية من خلال التركيز على أواصر الاخوة التي تجمع المغربي المسلم بالاسباني المسيحي ومن أجل إعطاء مصداقية أكبر للخطاب الفرنكوي الذي يمجّد القيم “المشتركة” بين المسيحيين الإسبان والمسلمين المغاربة، عمد فرانكو إلى تنظيم رحلات بحرية لفائدة المغاربة من أجل أداء مناسك الحج بأثمان مشجعة، وستكون بعض الأحداث فرصة ملائمة من أجل تأليب المغاربة على الشيوعيين “الملحدين” من طرف رجال فرانكو، خصوصاً عندما قصف الجمهوريون سفينة للحجاج المغاربة كانت راسية بميناء سبتة سنة 1937، حيث عمد ضباط فرانكو إلى إلقاء خطب مندّدة باستهداف الشيوعيين للحجاج المغاربة الذاهبين لتأدية مناسك الحج، كما لم يتوان الفرانكاويون في مناسبات خطابية بمدن الجهة الشمالية عن تذكير المغاربة بكون “إسبانيا والإسلام الشعوب الأكثر تفاهماً دائماً وأبداً خصوصاً في الفترة الحالية التي ظهر فيها عدو ضد الإنسانية وضد المؤمنين الذين لهم عقيدة، والذين يجب عليهم أن يتحدوا لمواجهة الخطر الشيوعي مما جعل المغاربة مدافعون عن المسيحية في مواجهة المعسكر الاخر من حيث لايدرون وراء الدوافع الرئيسة التي جعلت منهم كعلف للمدافع والجبهات.

ونفس الامر حصل مع المعسكر اليساري الذي استعان بمجموعات والوية من الاتحاد السوفياتي السابق ومن مجموعات مكسيكية في عهد الاشتراكية.

ويجب التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي لها علاقة بتجنيد المغاربة و التي تهم تطور الأوضاع الداخلية باسبانيا لأن المغرب كان ملاذا للأزمات السياسية للطبقة السياسية في إسبانيا خاصة الأحزاب اليمينية والقارئ والباحث في العلاقات الاسبانية المغربية التي تشكل مدا وجزرا للارتدادات السياسية داخل الجزيرة اﻹيبرية سيعرف أن الساسة عندهم حسابات ضيقة لتمرير رؤيتهم لتشكيل الدولة حسب المنظور الايديولوجي الذي يعتمدون عليه فانطلاقا من عشرينيات القرن الماضي، مثل الانقلاب الذي قاده الجنرال “بريمو دي ريفيرا” (1923-1930م) وصعود الائتلاف الجمهوري الاشتراكي (1931-1933م) وقيام انتفاضة عمال المناجم في “أستورياس” شمال إسبانيا سنة 1934   وهي نقطة بداية مسلسل توظيف وتجنيد المغاربة لسحق هذه الثورة والتي شكلت نقطة سوداء تجاه المغاربة  خلال فترة عودة اليمين إلى الحكم (1933-1936م)، حيث سيقود العديد من الضباط والجنرالات، وفي مقدمتهم فرانسيسكو فرانكو تمردا على الحكومة الشرعية انطلاقا من الأراضي المغربية التي كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الإسباني، اعتمادا على عناصر “جيش إفريقيا” خاصة “الجيش المغربي” ضمن طابور “اللفيف الأجنبي” الذي كان يتكون من الإيطاليين و الإسبان والأمريكيين ،وكان المارشال محمد أمزيان هو القائد الفعلي على أرض الواقع لتزعمه الفيالق العسكرية الاسبانية من أصول مغربية فكان اليد اليمنى للجنرال فرانكو لسحق الجمهوريين وأنصارهم. 

ويكشف المؤرخ والدبلوماسي الإسباني خوسي ماريا ألفاريث في أن الكثير من المسؤولين المغاربة كانوا يجهلون القيمة الحقيقية للمارشال أمزيان، ففي حالة مقتل فرانكو أو رحيله كان أمزيان أحد المرشحين وقتها، الخمسينات، في إسبانيا لتولي منصب رئيس البلاد بحكم الرتبة والأقدمية. 

وبعد استقلال المغرب سنة 1956، سمح فرانكو في صفقة تاريخية سرية مع الملك الراحل محمد الخامس بالتحاق المارشال أمزيان بالجيش المغربي ومن أهم إنجازاته أنه شارك الي جانب الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1959 عندما كان وليا للعهد في قمع انتفاضة الريفيين، وبهذا يكون أمزيان قد قمع المغاربة في عهد الاحتلال وفي عهد الاستقلال حسب العديد من الوثائق التاريخية والمؤرخين والباحثين في الحقل التاريخي.

وهكذا فقد تحوّل المغاربة بقدرة التاريخ من (مورو) همجيين يجب على إسبانيا المسيحية أن تحاربهم وتخضعهم وتجتث إسلامهم إلى أخوة يتقاسمون مبادئ مشتركة يجب استغلالها من أجل الدفاع عن حوزة المسيحية المهدّدة بالخطر الشيوعي الأحمر حيث كان لاستعمال وسائل الدعاية المختلفة والأساليب السالفة من أجل نشر هذا الطرح الجديد أثر كبير في شحن الجنود المغاربة الذين حاربوا في صفوف جيش فرانكو والذين أصبحوا يشكلون مصدر رعب وفزع للجمهوريين الإسبان، وأصبح اليسار الإسباني يروّج لأفكار سوداء حول المورو الهمجيين القادمين من المغرب، وكان الجمهوريون يعرفون حق المعرفة أنّ فرانكو عندما كان يروّج للأخوّة بين المسلمين المغاربة والمسيحيين الإسبان، إنما كان يهدف إلى ضمان قوات إضافية تساعده في القضاء على اليسار الإسباني واقتلاع جذوره من إسبانيا.

وبذلك يمكن القول ان  استغلال  فرانكو للمغاربة والاعتماد عليهم في جيشه هو يمثل أحد أبشع وجوه السياسات الاستعمارية القائمة على استغلال الشعوب المحتلة لتحقيق طموحات القادة السياسيين والعسكريين للدول الاستعمارية موظفين في ذلك أحد أهم ركائز الهوية المحلية للشعوب المستعمرة والمتمثلة في الدين  مستغلين حميتهم وحماستهم للدفاع عنه وكذلك إيمان المغاربة المسلمين بالأديان السماوية، مدخلاً لمنظري الفرانكوية والتي صبغت بطابع المغربة، من أجل إقحام المغاربة في حرب لا طائل من ورائها كبدتهم مئات الآلاف من الضحايا من جهة، ورسخت لدى الإسبان صورة للمغربي الذي لا قلب له، والآتي من الجبال لإشباع رغبته في القتل والسلب والنهب من جهة أخرى، في الوقت الذي كان على المغاربة انتظار حوالي عقدين من الزمن بعد نهاية الحرب الأهلية الإسبانية من أجل نيل استقلالهم، وهو ما جعل مسألة التعبئة الدينية للمغاربة من أجل الحرب إلى جانب فرانكو، تعد من أكبر عمليات الاحتيال الاستعماري في التاريخ حسب العديد من المؤرخين.

وهذا ما جعل مؤخرا حكومة حزب العمال الاشتراكي بأن تصدر قرارا بنقل رفات الجنرال فرانكو من وادي الشهداء إلى قبر صغير بضواحي مدريد لطي صفحة أليمة ومظلمة في تاريخ كل من إسبانيا والمغرب حيث الخاسر الأكبر من كل ما جرى سابقا هما الشعبين الإسباني والمغربي اللذان كانا وقودان وحطب أشعل فيهما النار لتأجيج الصراع المستعر من قبل القوى السياسة آنذاك.

هوامش:

مغاربة في خدمة فرانكو /Los moros que trajo Franco La intervención de tropas coloniales en la Guerra Civil española  

alange a history spanich fascism stanley payne 

El musulmán que salvó a Franco/el país

Franco nació en África :el africanismo y las Campañas de Marruecos Daniel macías Fernández

Carmen Tejero, la memoria de la Desbandá 82 años después de la masacre el diario es   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق