ثقافة وفن

أرسطو والمواطنة ٢/٢

خديجة منصور

كان أرسطو يرى أن الدولة سابقة على الأسرة و القرية ، فهي الكل و الجزء لهذا فمن الطبيعي أن تكون الدولة متقدمة عن الفرد، “كل دولة بالبديهة اجتماع وكل اجتماع لا يتألف إلا الخير مادام الناس-أينما كانوا –لا يعلمون أبدا شيئا إلا وهم يقصدون إلا ما يظهر لهم .إذ أن كل الاجتماعات ترمي إلى الخير من نوع ما ،وأن أهم الخيرات كلها يجب أن تكون موضوع أهم الاجتماعات ،وذلك الذي يشمل الأخر كلها ،وهذا هو الذي يسمى بالضبط الدولة أو الاجتماع السياسي .” إن شرط الأساسي لأرسطو هو لزوم طاعة الدولة طالما أنها وفرت لمواطنيها حياة خيرة وفاضلة .

لهذا نجده يحدد لنا قواعد وأسس المدينة الفاضلة، التي يستطيع فيها كل مواطن أن ينعم بقدر أكبر من السعادة بفضل نزاهة القوانين،” فالمدينة شأنها شأن الفرد الذي لا يقدر له النجاح إلا إذا تسلح بأسلحة الحكمة والفضيلة والشجاعة فمتى حقق الفرد هذه الأشياء وجمع بينها سمي عادلا وحكيما ومعتدلا وكذلك هو الحال بصدد المدينة.” ،إن الدولة هي مسألة طبيعية والإنسان كائن اجتماعي يجد نفسه منذ البداية بالمجتمع.

فنجد أن أرسطو طرح مسألة أساسية حول “التجمع الإنساني ” مما يجعلنا نتساءل أين تحصل السياسة داخل المدينة؟ فهدف السياسي هو “الجماعة”، والسياسي يهدف إلى تحقيق الخير داخل هذه الجماعة المتكاملة في إطار واحد خاضع لنظام واحد.

فالحياة الاجتماعية لكل دولة تسير بالضرورة، ولا يمكن أن تستمر في الوجود ما لم يشبع الإنسان حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية، فهذا الأخير في حاجة إلى الطعام والمأوى والمأمن والجنس وأن يكون موضوع تقدير واحترام، فالفرد لا يمكن أن يعيش معزولا عن الآخرين فهو يحتاج للتعايش، عن طريق التناسل ليكون أسرته، والتي تعتبر القاعدة الأساسية لدولة، هذه الدولة التي تحتاج لنظام حكم عادل، تمنح للفرد الحياة السعيدة والفضلى، إذن كيف ربط أرسطو المدينة “الدولة” بالمواطنة؟  تتعدد التعريفات المرتبطة بالمواطنة ففي اللغة العربية مشتقة من الوطن، أي محل الإقامة أو المكان الذي يقيم فيه الإنسان،”أما في اللغة الفرنسية citoyenneté  وهي مشتقة من فعل واطن القوم عاش معهم في وطن واحد ،” “المعجم الفلسفي ص439” وهناك من عرفها بأنها صلة الوصل بين الفرد و الدولة وهي كذلك تدل على انتساب الفرد إلى الوطن بما يمنحه له الدستور من حقوق وما يفرض عليه من واجبات .

وقد كانت تطرح أسئلة عديدة عند اليونان حول من هو المواطن؟ وما هو الشرط الذي يتوفر فيه ليكون مواطنا؟، يقول أرسطو “علينا أن نستقصي من يجب أن ندعوه مواطنا، ومن هو المواطن، إذ يكثر ما يكون المواطن موضوع جدل، من حيث أن الجميع لا يتفقون على كون المواطن شخصا واحد (معينا)، فقد يتفق مرارا في حكم الأقلية أن يعتبر مواطنا من هو مواطن في الحكم الشعبي.”

وقد اعتبر أرسطو أن مفهوم المواطنة أكثر تعقيدا،” يدخل أرسطو مسألة المواطنة بوصفها طريقة لفهم العلاقة بين المدينة ونظام الحكم، وتستمد هوية المدينة أكثر وضوحا من أولئك الذين يعترف بأنهم مواطنوها”، وأشار له في المقال الثالث من كتابه “السياسة „، فهو الشخص الذي يتمتع بحق المشاركة في الوظائف القضائية وكافة المناصب.

وظهر مفهوم المواطنة عند اليونان بمصطلح (Policia) بهدف تفعيل العلاقات بين المواطنين و الدولة ،فالمواطن حسب أرسطو هو الذي ينتمي لأحرار البلاد ، أي يتقاسم ثقافة وروحا معينة ،ويجمعه كيان واحد “الشعب”،وهنا نجد أرسطو يؤكد أن المواطن لا يكون إلا من الأحرار ،لأن المواطن يتوفر على روح جماعية (la culture et la deuxième nature  ) هذه الثقافة تصبح جزء من سلوك المواطن ،فهو ينظر للمصلحة العامة قبل الشخصية ،فعندما تحدث ماركس عن الطبقة العاملة اعتبر أن هناك روحا ما أسماه “Capital” الرأسمال إنهم يمارسون مهنتهم بروح إذن هناك انتماء مشترك ، فالمواطن في اليونان قديما كان يشر إلى كل إنسان مدعو بثروته وجاهه إلى ممارسة السلطة وتسيير شؤون المدينة، لكن سرعان ما كان هذا المفهوم إقصائي، فلم تكن المرأة و الأطفال وكبار السن والعبيد لهم الحق في المواطنة ،بل كانت مقتصرة على الرجال، يقول أرسطو” ينبغي أن يكون للرجل الحر سلطة على ملكيته الخاصة، وعلى أسرته، وعلى العبيد ليكون مواطنا ،ومن لا يتمتع بتلك السلطة فليس له حق المواطنة.

حاول أرسطو من خلال مؤلفه السياسة تحديد العلاقة القائمة بين المواطن والمدينة ويوضح لنا أن المواطن تجاوز المعطى العرقي لينتقل إلى المعطى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لكن السؤال الجوهري لماذا استبعد أرسطو بعض الفئات من المواطنة؟

لقد ساهم الفكر اليوناني في تبني فكرة المواطنة من خلال المدينة “الدولة”، والتي اعتبرها أرسطو مجتمعا للمواطنين ،فإذا كانت الدولة حسبه ضرورة طبيعية فهي لا تتحقق إلا بقيم المواطنة ،لأن هدفها الرئيسي ضمان حياة فضلى وسعيدة للمواطن، فالدولة هي تنظيم نوع من الحياة للمواطنين و المدينة هي مجتمع من الأحرار، فالمواطنون في نظر أرسطو هم من يشاركون في الحياة السياسية مباشرة، وقد استبعد بعض الطبقات من المواطنة منهم العبيد و المرأة و الأطفال وأهل الصناعات واعتبرهم عناصر جزئية في المجتمع لا يحق لهم المشاركة في الحكم لأنهم في نظره لم يصلوا إلى درجة المواطنة ،”الزراع والصناع ،و التجار، و الجند للحرب الدفاعية و الطبقة الفنية والكهنة و الحكام و الموظفون ،لكل منهم استعداد خاص لعمله وكفاية خاصة بحيث يقوم بعضهم مقام بعض ،ليسوا جميعا مواطنين.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق