ثقافة وفن

اليهود بين أرضي النوبة وأورشليم

بدر الدين العتاق

تمهيد :

   بعث إليَّ الابن  المهندس / إبراهيم عبد السلام النعيم ، بمقالة مطولة تحت عنوان : ‭{‬ تأملات عن الشعب اليهودي ‭}‬ للكاتب / محمود عثمان رزق ، مشكوراً إذ لفت انتباهي لجملة أشياء لتدوين الرأي عند هذه المسألة المهمة ، التي بها عدد من التساؤلات التي تم نقاشها في بعض المنتديات الثقافية والاجتماعية وصارت محل درس وبحث وتحليل ، مثال : المكان الذي غرق فيه فرعون مصر ( رعمسيس برنبتاح  ) والأرض المباركة وشعب الله المختار وتيه اليهود ومصطلح الشتات ، وثمة ما يتعلق بما وردت إليه الإشارة إليه في القرآن الكريم من عديد الآيات التي وقف عليها كبار المفسرين كابن جرير الطبري في كتابه : تأريخ الملوك والأمراء وكتاب : البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي المتوفي سنة 774 هـ وتفسير بن عباس وغيرهم ، مما يستحق الدرس والتأمل والاستغراق والتعليق بالربط بالوسائل العلمية الحديثة ذات الصلة التي تقترن بمدلولات الآيات ، وعسى أن تفيد هذه الدراسة في موضعها من جملة الدراسات والبحوث المتعلقة بها ، علماً بأنَّ هذا الموضوع مثير جداً في الوسط الاجتماعي والثقافي والعلمي خصوصاً فيما يتعلق بالسودان محل التحقيق والتدقيق ، وهل لليهود علاقة بأرض السودان أم لا  مختصراً بقدر الإمكان .

   كلمة ( اليهود ) مصدرها اللغوي في العربية من الهداية والاهتداء ، من : هَدْيِ ، بنصب الهاء المهملة ، وذلك لقوله تعــــالى في سورة الأعراف  آية : 156  ، : ‭{‬ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ، وفي الآخرة ، إنَّا  : هُدنا إليك ، قال : عذابي أصيب به من أشاء ، ورحمتي : وسعت كل شيء ، فسأكتبها : للذين يتقون ، ويؤتون الزكاة ، والذين هم : بآياتنا  يؤمنون ‭}‬ يعني : اهتدينا إليك ، ولم يعرف في التاريخ البشري نظاماً اجتماعياً عقدياً فائق التنظيم مثل المجتمع اليهودي ، وهو الذي مهَّد لهم سبل النجح بوسيلتي المال والإعلام ثم بالتوالي في كثير من وسائل التفوق الذهني علي هذا الكوكب .

تقدمة :

معلوم أنهم ينتسبون – أي اليهود – إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن أخو يوسف النبي وموسى – عليهم السلام – من هذا النسل ، ويرجع هذا النسب إلى 1706 سنة قبل الميلاد ، وعبور الاسرائيليين بحر القُلْزُم وغرق فرعون عام :1491 ق.م ، وقيل : غرق وعمرة ما بين : 66 -91 سنة ، والراجح أنه غرق عن عمر ناهز الـ91 عاماً ، وقيل : حكم فرعون مصر  67 سنة ، في الفترة من : 1279 ق. م – 1213 ق. م ، هذا ! ولم يأت كتاب سماوي بعده إلا لعيسى – – عليه السلام  — ، أمَّا استخلاف يوشع بن نون فهو مكمل لوصايا التوراة وقيل أنها مكتوبة علي ألواح من الحجر الصلد ولم يحفظ التوراة إلا نفر قليل ، منهم يوشع بن نون وأنها تقدر بوقر سبعين بعيراً ، وجاء بآخرها أو بقاياها بعد وفاة موسى – عليه السلام  -في عهد سيدنا طالوت وداؤود – عليهما السلام  -والمشار إليهما في القرآن : ‭{‬ وقال لهم نبيهم : إنَّ آية ملكه ، أن : يأتيكم التابوت ، فيه : سكينة من ربكم ، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، تحمله الملائكة ! إنَّ في ذلك : لآية لكم ، إنْ : كنتم تعلمون ‭}‬ البقرة ، آية : 248 .

وجاء في السيرة النبوية لابن هشام وابن كثير في باب المغازي وأورده الإمام الواقدي – رحمهم الله – عند ذكر غزوة خيبر وإبعاد يهود المدينة من جزيرة العرب خبرٌ : أنْ حمل اليهود ما تبقى لهم من رقاع ملفوفة بها التوراة مكتوبة ، فسألهم رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها  ، فأجابوه : هذه آيات من التوراة ! ولم يأمرهم النبي – عليه السلام  -ولا أمر غيره بأن يتركوها أو يمزقوها أو يحرقوها ، مما يشير ضمنياً وفعلياً بديانتهم ، وذهبوا بها إلى بلاد الشام حيث بقيتهم ، يذكر هنا أنَّ بلاد الشام كانت تطلق علي بلاد سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وشيء من تخوم الأردن الشمالي ، حيث بدأت فكرتهم التنظيمية تأخذ في الإحكام والتدقيق بصورة أكبر من ذي قبل وإلى يومنا هذا ، وليس ببعيد ما جرى أيام الاستعمار الإنجليزي ومعاهدة سايكس – بيكو 1916م التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات وما زال هذا التقسيم وتلك الاتفاقية تمضي حيث خُطِطَ لها ومهَّدت لعودة يهود الشتات لأرض المعاد ( المقدس ) وهي فلسطون وتم احتلالها كاملاَ في سنة : 1948 م بعد أن خرج منها الإنجليز وهُجِّر إليها اليهود وهُجِّر منها الفلسطينيون إلى اليوم .

أقام بنو إسرائيل بأرض كنعان ، وهي المشار إليها بتخوم الأردن الشمالي وفلسطين وسوريا ، وعندما أصابهم القحط – أي الكنعانيون – وأخص بالذكر أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام ، موضوع البحث ، وجاؤا مهاجرة لمصر في طلب الميرة ، إذ كانت تدور المعارك في كل من أرضي بلاد الشام من قبل الآشوريين الذين حكموا بابل من جهة ( المصطلح عليها بالسبي البابلي ) ، ومصر الملك قبل أن يصير إلى حكم فرعوني من قبل الهكسوس من جهة ثانية ، كذلك البلاد الواقعة جنوبي أرض مصر جنوب مدينة أسوان الحالية من ناحية السودان الشمالي بمنطقة النوبة والتي يطلق عليها بلاد أو مملكة كوش ، ويعني بها السودان الشمالي إلى أواسط الجنوب الغربي والشمال الشرقي و حتى العمق الإثيوبي اليوم من جهة الشرق الأدنى منها إلى أرض الكُفرة في حدود دولة ليبيا الحديثة وتأخذ شيئاً من إقليم الصحراء الكُبرى، وهي في فترة ما تطلق على بلاد السودان اسم الحبشة وإثيوبيا التي سُميت بهذا الاسم من قبل اليونانيين وذلك لميل ألوانهم إلى السُّمرة والسواد منها إلى البياض وسبب التسمية ببلاد السودان أي من سواديي البشرة كما يُطلق على غيرهم من بياضيي البشرة بلاد البيضان ، وذكر ذلك الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ في كتابه : الحيوان ، في فصل : بلاد السودان وبلاد البيضان فليراجعا في موضعهما إن شاء الله .

هذا ! والكوشيون من نسل حام بن نوح – عليه السلام  -، قطنوا الأرض التي بين جنوب أسوان في مصر إلى أدنى منطقة دنقلا العجوز وأيضاَ تسمى بدنقلا العَرضَي من بلاد السودان الشمالي وقيل أنَّ حدود مملكتهم تجاوزت العمق الجنوب غرب سوداني حتى إقليم كردفال وعرفوا بالنوبيين وملامحهم تميل إلى البياض لا إلى السواد التي هي السمة الغالبة على شعب السودان وإفريقيا ، وتحدد التوراة السودان القديم بأنَّها البلاد الواقعة جنوب أسوان وهي حدوده الحاضرة ذاتها ، فقد ورد بسفر حزقيال بالعهد القديم من الكتاب المقدس :» وأجعل أرض مصر خراباً مفقرة من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش» سفر حزقيال – الإصحاح 29. والنص بالإنجليزية : I will make all of Egypt an empty waste, from the city of Migdol to the city of Aswan in the south, all the way to the Sudanese border.”                       

هذا ! ويشير القرآن إلى حقبتي حكم مصر حيث قال تعالى في سورة يوسف : ‭{‬ وقال الملك : إني أرى سبع بقرات سمان ، يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر ، وأخر يابسات ‭}‬ ومن بعد دخل في نظام الحكم السياسي لمصر ما عرف بالفراعين ، وهم المشار إليهم في عهد  موسى – عليه السلام – : ‭{‬ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ ‭}‬ سورة القصص ، وهؤلاء الفراعنة إنما أصلهم الذي سُمُّوا به من النوبيين ( كوش ) وهم اللذين بنوا الاهرامات التي بالبجراوية ومنطقة جبل البركل ونقلوا فكرة بناء الاهرامات إلى مصر الحاضرة فبنوا هرم خوفو ومنقرع وأبا الهول ، إلا أنَّ مصر أفلحت في تسويق بضاعتها خيرٌ من السودان علماً بأن مصر والسودان لم تكن تحدهما حدوداً جغرافية سياسية كما هو اليوم بل كانتا امتداداً لحضارات بلاد النيل وكوش والنوبة إلا أنَّ تطور التاريخ غيَّر بعض الملامح الطبوغرافية لهما معاً .

كانت مصر تخضع لحكم الفرعون أيام حرب الهكسوس ( 1648 ق.م – 1540ق . م ) وقيل: ( 1720 ق. م ) وكان من نسل يعقوب النبي من وقع تحت طائلة حكمه بعد أن استقروا بمصر هو يوسف – عليه السلام -، لقوله تعالى في سورة يوسف : ‭{‬ اذهبوا بقميصي هذا ! فألقوه على وجه أبي ، يأت بصيراً ، وأتوني بأهلكم أجمعين ‭}‬ و : ( بأهلكم أجمعين ) يعني أبناء شعب كنعان بما فيهم آل يعقوب – عليه السلام- .

البعد الزمني بين يوسف و موسى – عليهما السلام  – هو : 300 سنة ، ففي تلك الفترة انتصر جيش يوسف لما ولي حكم مصر وأمَّن حدودها كلها ، لكن ما يهم هنا أمر موسى- عليه السلام  – ، وليس بمعزل عن يوسف من الناحية التاريخية ، فقد حكم في عهد موسى من جهة بلاد كوش ملكها بعانخي وورثه طهارقا ابنه وقد ذكرتهما التوراة الذي وردت الإشارة إليه بالاسم مرتين في التوراة مرة في سفر الملوك الثاني ومرة بسفر أشعياء والعبارة المذكورة في السفرين حسب الترجمة الإنجليزية هي: ‘Word reached the Assyrians that the Egyptian army, led by king Tirhakah of Sudan, was coming to attack     them.”وترجمتها :»ووصلت رسالة إلى الآشوريين بأنَّ ترهاقا ملك السودان جاء يقود جيوش المصريين لمهاجمتهم.» سفر أشعياء الإصحاح 37 وكان الآشوريون – حُكَّام بابل – على أبواب أورشليم حين دعى أشعياء الرب أن يحفظ شعبه منهم ويستغيث بملوك كوش ليصدوا عن العبرانيين شر الآشوريين الذين شكلوا خطراً ماحقاً آنذاك على دول المنطقة ، ويؤيد التاريخ إشارة التوراة إلى الملك ترهاقا ويخبرنا أنَّ ملوك كوش قد أخضعوا مصر وحكموها وامتد نفوذهم إلى فلسطين وسوريا وأنهم حاربوا الآشوريين في مصر والقدس وأشهر هؤلاء الملوك، بعنخي وترهاقا .

يتضح من تلك المقدمة أنَّ جملة الأحداث دارت ما بين بلاد مصر والشام والنوبة في سنة 1706 ق. م- 1491 ق. م .، وعليه لا يعني بحال من الأحوال أنَّ سكان الإقليم الشمالي لبلاد السودان من أصل يهودي من ناحية الجنس أو الجذور وإن كان أن حدث تزاوج ومصاهرة ومعايشة مع سكان تلك البلاد من النوبيين إلاِّ أنهم اليوم فليسوا من ناحية الانتماء والهوية والجذور التاريخية لمن أراد أن يؤصل للمجتمع اليهودي آنذاك ربطاً باليوم .

وجاء كليم الله موسى :

   ولد موسى في مصر منتسبًا إلى بني إسرائيل في الجيل الرابع بعد الهجرة إلى مصر زمن النبي يوسف طبقًا لسلاسل أنساب التوراة ؛ والتي تحدد بأن لاوي ابن يعقوب والذي يمثل الجيل الأول من الهجرة ، له ابن هو قهات ، الذي ولد عمرام ( وفي القرآن : عمران ( الذي يمثل الجيل الثالث من الهجرة ، والذي تزوّج بنسيبته يوكابد من بنات لاوي أيضًا ، وأنجبت منه موسى ثالث أولادها وأصغرهم ، والفرق بالسن بين موسى وهارون ثلاث سنوات. تمت ولادة موسى ، حسب القصة التوراتية في ظروف صعبة ، فبعد أربعة أجيال من هجرة آل يعقوب إلى مصر جاء ليخلص بني إسرائيل وشعب بني كنعان من قبضة استعباد وإذلال الفرعون ، قال  تعالى في سورة الشعراء آية 17 ، : ‭{‬ فأتيا فرعون ، فقولا : إنَّا رسول رب العالمين * أنْ : أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ‭}‬ ، وبقية القصة معروفة إلى آخرها ، لكن الشيء الذي تفرقت حوله الدراسات أيدي سبأ هو : أمر إغراق فرعون وموضعه ، وهو بكل حال لم يكن في أرض السودان كما سيأتي .

معني كلمة : البحر ، اليَّم ، النهر:

    قسَّم الكاتب / محمود عثمان رزق ، بحثه لأربع محاور ، ولا أتتبعها قتلاً في التدقيق فقد خرج خروجاً ظاهراً من العمق التاريخي واللغوي وأراه متعصباً فيما ذهب إليه ، وهو الذي ذهب به أكثر الباحثين ، قال : ‭{‬ كلمة البحر : لقد ظنَّ كثير من الناس أنَّ فرعون قد غرق في البحر الأحمر لأنَّ الله  تعالى ذكر ذلك في ستة مواضع ، نذكر منها : ( وإذ فرقنا بكم البحر ، فأنجيناكم ، وأغرقنا آل فرعون ، وأنتم : تنظرون ) البقرة آية 50 ‭}‬ .

   قلت : ذكر أهل اللغة في القاموس المحيط أنَّ كلمة بحر ، أو اليَّم أو النَّهر تعني : متسع من الأرض أصغر من المحيط ، مغمور بالماء الملح أو العذب ، وذهب بعضهم والكاتب منهم ليقوي حجته وأنَّ المعاني فيها واحدة ، فأوردها المحور الثاني : كلمة اليَّم ، وهي سريانية عرَّبتها العرب ، وهذا صحيح من جهة وخطأ من جهة أخرى ، فالصواب هنا : أنَّ أصلها غير عربي ، والخطأ : في إشارته لورودها في القرآن الكريم باعتبارها غير عربية ، وأعلم أخي القارئ العزيز : أنَّ كل ما جاء في القرآن الكريم هو لفظٌ عربيٌ قُحٌ لا عوجٌ فيه ولا أمْتا وكل ما لاكته العرب على أنه عربي وإن جاء من غيرهم صار عربياً لما تشرَّفت به العربية لنزوله في القرآن ، قال  تعالى في سورة النحل آية 103 : ‭{‬ لسان الذي يلحدون إليه : أعجميٌ ، وهذا : لسانٌ عربيٌ مبين ‭}‬ وقال في سورة الزخرف آية 3 : ‭{‬ إنَّا : جعلناه قرآناً ، عربياً ، لعلكم : تعقلون ‭}‬ فتنتفي إشارته قبل أن تبدأ ، ويشتم هنا من طرفٍ خبيثٍ أو إن شئت من طرفٍ خفيٍ الطعن في ألفاظ القرآن وأصوله العربية ، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

هذا ! وقد أرجعها بعضهم إلى أنها نوبية الأصل وأنها أقدم من العبرية ، واستخدمتها بني إسرائيل وعُرِف اليَّم بنوبيته ، ثم استدلوا بقول الإمام / مقاتل بن سليمان ( توفي سنة : 150 هـ ) بتفسيره إنَّ اليم بلسان العبرانية يعني به : البحر وهو نهر بمصر ، – لنفس الكاتب – لاحظ الخطأ الذي وقعوا فيه لاستدراج عقل القارئ ليقتنع بحجتهم وأنَّ مجريات الأحداث بدأت بالسودان الشمالي ثم انتهت بمصر ، ويقصد بـ ( نهر بمصر ) أي نهر النيل ، قلت : مقاتل بن سليمان أصله من بلخ بالعراق وانتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدَّث بها – أي كان متكلماً بها وخطيباً فيها  – قيل : وكان ضعيفاً وانصرف الناس عنه ، وتوفي بالبصرة سنة 767 م ، يعني : لا يمكن الاستدلال ولا الاحتجاج به أيضا ًمن أي جانب كان وآية ذلك : ( انصراف الناس عنه لأنه ضعيف ) ، وزادوا : ( و وافقه بن الجوزية ) ومعلوم أنَّ بن الجوزية واسمه / شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ، ليس من أصحاب اللغة وإنما من أصحاب الخطابة وطبقات المحدثين ، عاش في دمشق ومولود في حوران بالأردن سنة : 1292م وتوفي سنة : 1350 م ، فذهب الكاتب ومن معه ليغطوا وجوههم بأصابعهم فلم يفلحوا .

   قلت وبه الثقة وعليه التكلان : إنَّ أقدم لغة هي العبرية ، من حيث هي لغة لها مدلولاتها التعريفية ذات الحرف والصوت والإشارة ، والعربية كما قال البروفيسور / عبد الله الطيب ، العالِم اللغوي وعميد الأدب العربي ( 1921 م – 2003 م ) أخت للعبرية ، واللغة هنا أعني بها بروزها لمسرح الحياة من الطفرات البدائية التي عاصرت الهيلوغروفية والرسم  على الجُدُر والنقش على الصخر والنحت على الحجر والتصوير على ذات الدُسُر ، وانتقالها من حيز الإشارة والإماءة والهمز إلى حيز الصوت والنطق بها فكانت العبرية كلغة يمكن الاصطلاح  عليها أنها عالمية أو واضحة المعالم وإلاَّ فإنَّ هناك لغات كثيرة أسبق من العبرية بزمان سحيق لم تدخل التاريخ البشري من ناحية التعبير الكلامي المباشر واندرست شأنها شأن غيرها من  الأمم التي كانت تتكلم بها ، وهذا حديث طويل ليس موضعه هنا من التفصيل وإنما أردت توضيح معني كلمة اليَّم في اللغة.

ويشير العلاَّمة / عبد الله الطيب حين قال : ( والعربية أخت العبرية ) لأنَّ سيدنا إسماعيل بن إبراهيم ، أوًّل من تكلم العربية ونطق بها وهو أخ لإسحاق بن إبراهيم – عليهم السلام – جميعهم .

    ويتضح من هذا السرد أنَّ الكُتَّاب في هذا الباب حجتهم مدحوضة واجتهادهم محل تقدير وإن بعُد عن النسق العلمي الذي نادوا به .

أين غرق فرعون ؟ :

   باختصار ، في رأس محمد بخليج العقبة عند مفترق لسان البحر الأحمر في رحلة بني إسرائيل نحو أورشليم القدس حسب رواية التوراة : عبر الدلتا ثم نحو الجنوب ، خرج نحو 600,000 عبري حسب أرقام التوراة للبرية ، يقود سيرهم ملاك من الله في شكل عمود من سحاب ، وخرج فرعون وجيشه في إثرهم ، مما أثار خوف وهلع الشعب السائر في البرية ، خصوصًا بعدما وجدوا البحر من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم غير أن الله أمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه : « ومدّ موسى يده على البحر، فأجرى الربُّ البحر بريح شرقية شديدة كل الليل ، وجعل البحر يابسة ، وانشقّ الماء ، فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر، على اليابسة والماء سور لهم ، عن يمينهم وعن يسارهم وتبعهم المصريون ودخلوا ورائهم ، جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر، فقال الرب لموسى مد يدك إلى البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم ، فمدّ موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة ، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل ورائهم في البحر، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرّب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى»  .

   يلاحظ هنا : أنَّ مفترق لسان البحر الأحمر يحمل الثلاثة معاني لكلمة البحر واليَّم والنَّهر من حيث اللغة ، ومن حيث التسلسل الزمني وتتابع الأحداث تختلف الأمكنة كما أشار القرآن الكريم ، وذلك في قوله  تعالى في سورة البقرة آية 50 : ‭{‬ وإذ فرقنا بكم البحر ، فأنجيناكم ، ( تفيد تراخي الزمن ) وأغرقنا آل فرعون ، ( تفيد تتابع الأحداث ) وأنتم تنظرون ‭}‬ نشير لرواية التوراة : ( فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل ورائهم في البحر، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين ، فخاف الشعب الرّب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى» ) . وهنا البحر كبحر هو : البحر الأحمر بلا ريب ، لأنَّ الآية : ‭{‬ فانفلق ، فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ  ‭}‬ سورة الشعراء ، أي الجبل العظيم ولا يمثل فرقان البحر وانفلاقه صفة ضرب العصا له ، النَّهر ، أو اليَّم ، صورة مماثلة للمعنى قرينة للتصور الذهني للماء إذا اجتمع بين دفتين عظيمتين كالجبلين بينهما يابسة ، لأنَّ مستوى الأعماق معروف  عند النهر ( 8 – 11- 20 متر ) والبحر ( 2.211 كم ومتوسط العمق 490 كم ) ، فسياق الآية يدل إنَّ شاء الله حيث ذهبنا أنَّه البحر الأحمر وليس نهر النيل .

   وقوله  تعالى : ‭{‬ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ‭}‬ في سورة الأعراف ، قاطعة الدلالة  على أنَّه البحر الأحمر ، لأنَّ القرينة هي المجاوزة والتجاوز والتعدية نحو أرض جديدة ليست هي أرض السودان ولا أرض بها فتحقق ! .

   أمَّا قولهم : اليَّم ، لقوله  تعالى : ‭{‬ وأوحينا إلى أم  موسى أنْ : أرضعيه ، ( وهي هنا مرحلة تفيد طفولة موسى زمنياً ) فإذا خفت عليه ، فألقيه في اليم ، ( وهو نهر النيل اليوم ) ولا تخافي ، ولا تحزني ، إنَّا : رادوه إليك ، وجاعلوه : من المرسلين ‭}‬ القصص آية 7 ، وسياق الآية يدل حين يشير إلى نهر النيل والقرينة في اليم هي : بعد المسافة بين الضفتين حال الإلقاء ( 7 كم أ على نقطة ، 350 متر أدنى نقطة ، 2.8 كم متوسط المسافة بين الضفتين ) ، فأعلى نقطة يمكن أن تكون في بعض بلاد السودان بعد المنابع والروافد من ناحية الجنوب سوداني ، فالترجيح للقطع بين الأدنى والأوسط وهي في الراجح ببلاد مصر لأنه يقل من بعد اقترانه بالخرطوم وعطبرة وحتى المصب ، هو نهر النيل ، قال  تعالى يحكي عن فرعون مصر : ‭{‬ ونادىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِۦ قَالَ يَٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ ٱلْأَنْهَٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِىٓ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ! ‭}‬ سورة الزخرف ، ليثبتوا ما جاؤا به من أنَّه بالسودان فيتضح بعده من الصواب ، وما يؤكد صحة ما أقول فقد جاء في صحيفة اليوم السابع المصرية عن شهر يونيو 2016 ما أكدته الدكتورة / ميادة عبد القادر ، الباحثة في المركز القومي لبحوث المياه أنَّه في العصور القديمة ، كان نهر النيل يتفرع في الدلتا إلى سبعة فروع لم يتبق منها الآن إلا فرعين نتيجة مكافحة الفيضانات وانجراف التربة وهذه الفروع هي ( من الشرق إلى الغرب) :

1. البيلوزي ( بالإنجليزية:  the Pelusiac) .

2. التانيتي ( بالإنجليزية:  the Tanitic) .

3. المنديسي ( بالإنجليزية:  the Mendesian) .

4. الفاتنيتي أو الفاتميتي ( فرع دمياط الآن ) ( بالإنجليزية:  the Phatnitic) .

5. السبنتيني ( بالإنجليزية:  the Sebennytic) .

6. البلبتي ( بالإنجليزية: the Bolbitinic ) .

7. الكانوبي ( فرع رشيد الآن ) (بالإنجليزية: the Canopic ) .

  وأثبتت خريطة قديمة باللغة الإنجليزية تمتلكها الهيئة المصرية للمساحة ، لأفرع النيل قديماً يعود تاريخها ليوم : 13 نوفمبر عام  1798 ، لجون والس ( مكتشف بريطاني ) ، وتكشف عن أنَّ نهر النيل كان يتكون من 7 فروع مختلفة في الدلتا من الشرق إلى الغرب ، والتي اختفى منها حالياً ( 5 ) أفرع وكتب على الخريطة أنَّها توضح بصورة موسعة عن الأجزاء التي اعتبرها الفرنسيون وقت حملتهم على مصر هامة.

   وكشفت الخريطة عن أنَّ نهر النيل كان يصل إلى سيناء ، بفرع يسمى «البيلوزى» وتم تسميته بهذا الاسم نسبة إلى بلدة بيلزيوم « أقرما « وهذا الفرع اختفى ومجراه الآن قد يكون مطابقاً لأجزاء من ترعة الشرقاوية ، والفرع الثانى هو « التانيتي ، فى محافظة الشرقية ، في الطرف الشرقي لبحيرة المنزلة ومصب مجرى بحر مويس مطابق بهذا الفرع حالياً.

   والفرع الثالث يسمى « المنديزى « الذى كان يمر بمحافظة الدقهلية ، وهو المجرى الأدنى للبحر الصغير ، ومطابق لجزء من هذا الفرع ، والفرع الرابع « الفاتيمى « وهو مطابق لمصب دمياط وموجود حالياً ، والفرع الخامس « السبنتينى « الذى كان يمر فى محافظة الغربية وتم تسميته بهذا الاسم نسبة إلى البلدة التى تسمى حالياً باسم سمنود ومجراه مطابق لبحر «تيره».

    والفرع السادس ، يسمى «البولبيتى» وهو مطابق لفرع رشيد وموجود حالياً ، والفرع السابع ، المصب « الكانوبى ، وينطبق جزء كبير من مجراه على مجرى بحر دياب بمحافظة البحيرة

فـــ ( هذه الأنهار تجري من تحتي ) توافق الحقيقة العلمية في تأكيد الدكتورة / ميادة عبد القادر ، ( الخرطة مرفق آخر البحث ) تؤكد صحة بحثنا هذا ، وليس بحال من الأحوال أنَّها بأرض السودان من نهر النيل فتمهَّل !

وذكر النيل في العهد القديم كثيراً . إلا أنَّه لم يذكر في العهد الجديد وورد تحت أسماء مختلفة فهو نهر النيل في اش 19: 7 و23: 3 وار 46: 7 و8 وعا 8: 8 و9: 5، وأما الفرع الشرقي من النيل فهو شيحور أي «بحيرة حورس» في يش 13: 3 و1 أخبار 13: 5 وار 2: 18، واكتفى أحيانًا بتسميته بالنهر فقط ( ار 2: 18 وتك 41: 1 وخز 1: 22 و2: 3 و5 و7: 20 و21) أو مياه مصر (مز 105: 29 وار 446: 7و 8 ). وذكر الكتاب عن المجاعة التي حصلت أيام يوسف مدة سبع سنين بسبب قحط الأرض ولابد أنَّ ذلك كان بسبب عدم فيضان النيل (تك 41: 54) كما وصف طريقة فتح الأخاديد على جنبات النيل لدى المزارع بمياهه (تث 11: 10). وكانت ضربتان من مجموع الضربات العشر التي أنزلها الله بالمصريين قبيل خروج بني إسرائيل من بلادهم على النيل : ضربة تحويل مياهه إلى دماء، وضربة ملئه بالضفادع ،وكلاهما تظهران قيمة النيل لمصر (خر 7: 15-25 و8: 3-7). وتنبأ اشعيا بزوال الحياة في مصر وانقطاع نبات البابايروس (أي البردي) الذي كان رمز الحياة، والذي كان الورق للكتابة يؤخذ منه (19: 7)

مجمع البحرين :

   ملاحظة ثانية : مجمع البحرين ، قال  تعالى : ‭{‬ وإذ قال موسى لفتاه : لا أبرح ، حتى أبلغ مجمع البحرين ، أو : أمضي حقبا ‭}‬ سورة الكهف ، يعني زمناً طويلاً في مكاني هذا حتى أبلغه ليس غير ، فمجمع البحرين هما عند الصخرة ، فمن ناحية الشمال الجغرافي لوضعية البحر الأحمر فإنَّ مفرق البحرين يكون عند النقطة التي يسلك منها البحر جانباً نحو اليمين ، أي الشرق الجغرافي ، وجانباً نحو الشمال ، أي الغرب الجرافي ، أيضاً ، وفي نفس الوقت يكون مجمع البحرين عند مفترقه وهو المكان موعود موسى – عليه السلام – بالخـضر – عليه السلام  – عند الصخرة وكان ذلك قبل 3200 سنة ق.م تقريباً  .

  من نقاط الباحثين : قصة السامري والعجل والتيه وعمر موسى – – عليه السلام  – -ولقاء الخضر ، ولا أقف عندهم فلـــــــيسوا من صميم ما أرمي إليه ، وعسى أن أعود نزلة أخرى إن شاء الله  تعالى .

المسافة والسرعة والزمن للخروج من أرض مصر :

  في القرآن ، بسورة الشعراء آية 52 : ‭{‬ وأوحينا إلى موسى أنْ : أسرِ بعبادي ، إنَّكم : متَّبعون ‭}‬ وفي التوراة ، بسفر الخروج ، آية 37 / 38 : ‭{‬ فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكُّوت نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد ، وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر ومواش وافرة جداً ‭}‬ .

  قال بعضهم : ( عند تحليل هذا الحدث بمقياس السرعة ستجد أنَّ الفارق الزمني بين بداية الخروج ليلاً وبداية تحرك جيش فرعون بعد شروق الشمس هو حوالي : 8 – 10 ساعات ، ومن المستحيل لجماعة في هذا الحجم الذي ذكرته التوراة أن تصل حدود البحر الأحمر في خلال : 8 – 10 ساعات ، والمسافة بين النيل وأقرب نقطة  على ساحل البحر الأحمر لا تقل عن 200 كم ) محمود عثمان رزق كاتب المقال .

قلت : قال  تعالى : ‭{‬ فأتبعوهم مشرقين ‭}‬ الشعراء آية 60 ، لا يعني بحال من الأحوال أنَّ عامل الزمن هو المباشرة حيث فهم من الآية عند الإشراق ، فالزمن تقديري وليس توقيفي ، والقرآن لا يورد التفاصيل إنما يشير إشارات إلى نقاط في التاريخ حيث يريد ، ولا يمكن قياس السرعة والمسافة والزمن دون إدخال التراخي الوقتي عليه وهو التمهل والتريث والحركة والاستعداد والإعداد للمقدرة البشرية على الفعل والإحداث ، فبعيد جداً أن يكون متابعة فرعون لبني إسرائيل في : 8 – 10 ساعات كما توهم ، والمقبول أن تكون المتابعة بلغت نحو سبعة إلى عشرة أيَّام للسير المتواصل لقطع المسافة بين نهر النيل إلى سواحل بحر القُلْزُم وليس حتماً في ليلة واحدة فتأمل !.

  شيء آخر ، آية التوراة : بسفر الخروج ، آية 37 / 38 : ‭{‬ فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكَّوت نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد ، وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر ومواش وافرة جداً ‭}‬ ، كلمة : ( السَّكُّوت ) ، توهم الباحث وغيره بأنَّها المدينة التي بشمال السودان من قبائل المحس ، وهذا شططٌ بعيد البون ، فقد جاء في قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة مدينة سُكُّوت اسم عبري معناه «مظلات» وهو: المكان الذي رحل إليه يعقوب بعد أن ترك أخاه عيسو، وقد أطلق عليه هذا الاسم بعد أن أقام فيه مظلات له ولبنيه ولمواشيه (تكوين 33: 17) وقد وقعت سكوت من نصيب سبط جاد ، وجاء ذكرها مع بيت نمرة ( يشوع 13: 27) وقد عاقب جدعون أهلها بعد عودته من حروب زبح وصلمناع ملكي المديانيين منتصرًا ، فقد درس شيوخ سكوت مع شوك البرية وقتل أهلها وهدم برج فنوئيل ، وكان قد طلب عونهم ضد المديانــيين فرفضوا ( قضاة 8 : 5-8 و14-16 ) وكان بين سكَّوت وصرتان مسابك للنحاس سكبوا فيها آنية الهيكل في أيام سليمان ( 1 ملوك 7: 46 و2 أخبار 4: 17وتقع سكَّوت شرق الأردن وشمال مخاضة يبوق ومن مزموريّ (60: 6 و108: 7) نعرف أنَّها كانت تقع في واد ومكانها اليوم تل إخصاص غربي دير علة بالقرب من اليبوق ( نهر الزرقاء ) وعلى بعد أربعة أميال شرقي الأردن انتهى .

جبل البركل وجبل الطور :

  كما ذهب جماعة من الكُتَّاب والباحثين إلى أنَّ لقاء موسى – عليه السلام  – كليم الله ، كان بجبل البركل ، وهو قولٌ حنبريت ، ذلك لأنَّ جبل الطور محدد بموضعه في القرآن ، ففي سورة التين : ‭{‬ وطور سينين ‭}‬ آية 2 ، سينين تعني سيناء وطورها أي جبلها ، ونزلت به سورة كاملة هي سورة الطور ، ومنهم من ذهب يغالي فقال هو : جبل مرَّة بغرب السودان بإقليم دارفور ، ولا يليق في هذا المقام من الكـبرياء في شيء .

اليهود وأرض الطُهر :

  سردت أول هذا البحث الروابط التاريخية والحدود الجغرافية والديموغرافية في بلاد السودان الشمالي من النوبيين ومملكة كوش وإقليم مدين بالأردن مهجر موسى – عليه السلام – بعد الخروج وأورشليم أرض الطُهر المقدسة بفلسطين أرض المعاد ، وقلت : إنَّ العلاقة يمكن أن يصطلح عليها بأنها مصالح سياسية ، كما كانت حاجة البابليين لجيش طهراقا وبعانخي مصلحة أو اتفاقية عسكرية ، وكما كانت هجرة الكنعانيين وبني يعقوب لأرض مصر اقتصادية جرَّاء القحط والجدب وأنهم – أي الكنعانيون – مكثوا بمصر حسب رواية التوراة أربعمائة وثلاثين سنة : ‭{‬ إقامة بني إسرائيل التي أقاموها بمصر كانت أربعمائة وثلاثين سنة ‭}‬ الآية 40 إصحاح 12 ، وقد جاء في كتاب الأستاذ / حلمي القمص يعقوب : ( مدارس النقد والتشكيك ) أنَّ إقامتـــــهم كانت  على النحو أدناه :

5 سنة في حاران .

25 سنة في كنعان حتى ولادة إسحق .

60 سنة قضاها إسحق حتى ولادة يعقوب .

130 سنة عمر يعقوب عند ما نزل مصر .

210 سنة مدة إقامة بني إسرائيل بمصر .

    فإنها : قد خلقت بفضل الله ثم بفضل المزاوجة والمصاهرة والمعايشة والترحال بين القطيع الإنساني في الرقعة المشار إليها ، ما جعلت الحياة لها أسباباً للمكوث طيلة الخمسة قرون إلاَّ قليلاً ، فأفرز تواجداً حقاً في مجتمع متكامل متعدد الجذور والنبت الإنساني وهو ما يعرف اليوم بالاثنوجرافي والديمغرافي .

   في سورة المائدة آية 21 / 22 يحدثنا القرآن عن الأرض المباركة المقدسة والموعودة لجملة بني البشر من ذوي السواد الأعظم  فيقول : ‭{‬ يا قوم : أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ( يعني فرض عليكم لسلامتكم الدخول إليها ) ، ولا ترتدوا  على أدباركم ( ترجعوا لأرض مصر وفراعينها فتهلكوا بعد المجاوزة والمنجاة ) ، فتنقلبوا ( بعدم إطاعة أمر الدخول ) خاسرين * قالوا : يا موسى ، إنَّ فيها قوماً جبارين ( وهم الآشوريون ) وإنَّا : لن ندخلها ، حتى يخرجوا منها ( بعد الانتصار أو الحل السلمي ) ! فإن يخرجوا منها : فإنَّا داخلون ( إطاعة لأمر الله لنا ) ‭}‬ ، وقولهم : حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ، لا تجاوز أشواقهم القديمة بإعادة التاريخ ، وهيهات هيهات .

   جملة أهل التفسير كالثعالبي وابن كثير قالوا بأنَّ الأرض المباركة هي الأرض الواقعة بين بلاد الشام إلى بلاد مصر وبلاد كوش ، كذا قال بروفيسور / عبد الله الطيب في كتابه : من نافذة القطار ، وأرى بركتها في أنَّ الله تعالى قصَّ عنها أكبر القصص في تأريخ الإنسانية قاطبة وهو بمثابة رضا واستحسان منه لشعوب تلك المنطقة إن هم أقاموا ما أمروا به بالتعايش السلمي وقيم الأخلاق الرفيعة ذات التشاريع والوصايا والأحكام السماوية وهي المعنية إن شاء الله بقوله : ‭{‬ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون : مشارق الأرض ومغاربها ، التي باركنا فيها ، وتمت كلمة ربك  على بني إسرائيل بما صنعوا ، ودمرنا ما كان يصنع فرعون ، وقومه ، وما كانوا : يعرشون  ‭}‬ سورة الأعراف .

  اليهود والأرض المباركة والعلاقة التاريخية لما جاء أعلاه لا تبدأ عندي ولا تنتهي بغيري ، فهي قصة شعب وأرض تشرفوا بذكرهم في أشرف وأبقى وأخلد وأصدق الكتب السماوية  على الإطلاق ، ولسبب مباشر ذكر موسى نبي الله فيه 136 مرة في سبعة عشر موضعاً ، وما ذاك إلاَّ لأمرٍ خفاه الله وجلاَّه وسيبديه لوقته حين يحين الحين ، فهذا القطيع الإنساني يمثل قمة في الثالوث الشرائحي لأهل الكتب السماوية وفي أعلى هرميتها أمَّة الإسلام المحمدي وأمة اليهود الموسوي وأمَّة النصارى العيسوي وكلهم داخلين إن شاء الله في أمَّة الإسلام العام العالمي الأخير لأمَّة الإنسان الواعي الراشد المكلف العاقل البالغ والتي ظهرت بواكـــــيرها منذ زمان طويل .

  هذه الورقة المقدَّمة أسوقها بإدلاء ما اطمأننت إليه من جملة المراجع ذات الصلة ، وأسأل الله العلي القدير أن يجعل فيها الخير والبركة والنفع والنجح وتفيد في ميدان البحث العلمي والتاريخي والجغرافي لكل من أراد البحث في هذا الموضوع . آميين .

تلخيص محاور البحث :

أولاً : تحديد الموقع الجغرافي والخارطة الديموغرافية والطبوغرافية لشعبي النوبة وأورشليم وكنعان والكنتورية حسب ما جاء في المراجع التاريخية ذات الصلة .

ثانياً : توضيح الفرق بين مدلولات كلمة : البحر والنَّهر واليَّم ، كما جاء في لسان العرب ومختار الصحاح والقاموس المحيط من ناحية المعنى اللغوي والدلالة التاريخية مع الأخذ في الاعتبار التسلسل الزمني في وقوع الأحداث وتواتر الأخبار فيما ورد من مراجع ذات صلة بموضوع الدراسة والبحث .

ثالثاً : الموضع الذي غرق فيه فرعون مصر كما أكدت المصادر ، القرآن ، والمراجع والخرائط الطبوغرافية المصرية وهو البحر الأحمر وليس نهر النيل وأنَّ جملة الأحداث كانت بمصر فيما يخص شعب بني إسرائيل ، وأنَّ السودان مرتبط بالموضوع من نواحي معينة كما جاء أعلاه .

رابعاً : مجمع البحرين كان بالبحر الأحمر ولقاء الخضر بموسى – عليهما السلام  – في أو منذ 3200 سنة ق . م ويؤخذ في الاعتبار مجمع ومفرق البحرين من ناحية اللغة والمنطقة الواقعة فيها الأحداث ، وموضع الصخرة لم يتم بمقرن النيلين بالخرطوم العاصمة في السودان الشمالي بعد انفصال الجنوب عنه في 2011 م ، وليس أيضاً بمدينة أتبره أو عطبرة عند التقاء نهرها ومجمعه بنهر النيل في المدينة المذكورة .

خامساً : عامل السرعة والمسافة والزمن في خروج بني إسرائيل ولحاق جيش فرعون بهم  حتى سواحل البحر الأحمر لم تكن بين ليلةٍ وضحاها أو عشيةٍ وضحاها كما ذكرها بعض الباحثين فيما فهموا من إشارة القرآن : ‭{‬ فأتبعوهم مشرقين ‭}‬ ، وقلنا يجب إدخال عنصر الاستعداد والتحرك والتنقل والتجهيز وتدبير الأمر مما يستغرق عدة أشهر وأنَّ التحرك ببني إسرائيل يمكن أن يكون في عشرة أيَّام أو أكثر لبلوغ ساحل بحر القلزم والمجاوزة لأرض مدين أو أورشليم إذا جعل نصْبَ الأعين السرية والتخطيط وما يستلزم من أمر إعداد العُدَّة كما حدث في أمر الهجرة النبوية إباَّن تضيق المشركين على أصحاب محمد رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلم ، في حصرهم بشعب أبي طالب وشعاب مكة مما يمكن أن يصطلح عليه بالحصار أو الحظر الاقتصادي ، ومعلوم أنَّ التاريخ في المقولة المعروفة أنَّه يعيد نفسه بيد أنَّه في طور ووضع متطور وليس متطابق .

سادساً : زعم الباحثون اللذين يبحثون في بركة السودان والشمالي منه بالأخص في جعل جبل البركل واهرامات البجراوية وطرابيلها والعلاقة التاريخية والجغرافية والاجتماعية والدينية هي موضع كلام ربِّ العِزَّة لموسى – عليه السلام  – ، هي محل حجتهم ، وذهب أشنعهم رأياً هو جبل مرَّة بغرب بلاد السودان في إقليم دارفور الذي يعاني ويلات حرب أهلِّية منذ 2003 م ويشيرون لليهود بجعل هذا الصنيع ليقتلعوا حقائق التاريخ عن دولة مصر ، بيد أكدَّت الدراسات العلمية واستكشاف الأثريات وعلماء الجيولوجيا بوقوع الكلام الإلهي عند جبل الطور بسيناء لموسى – عليه السلام  – وما زال هذا الجبل يحظى بالاهتمام والدرس والتبجيل .

سابعاً : هجرة اليهود الطويلة من أرض كنعان إلى مصر إلى بلاد كوش بالنوبة السودانية ثم رجوعهم مرة أخرى إليها في رحلة اضطراديه مرةً وعكسية مرةً أخرى بمدين وأورشليم وعودة ما يسمى بالشتات اليهودي لأرض فلسطين أرض المعاد من أصقاع هذا الكوكب من : 1706 ق . م – 1491 ق . م – 2016 م ، حوالي : 4.000 سنة ( 3722 سنة ) تقريباً ، هي حقاً تشرفت بنزولها في القرآن : ‭{‬ وما كنت بجانب الغربي ، إذ : قضينا إلى موسى الأمر ( إرسال بني إسرائيل وخروجهم عن مصر من قبضة فرعون ) ، وما ، كنت : من الشاهدين * ولكنَّا أنشأنا ( بحكم الوقت وتطور الأجيال والتناسل ) ، قروناً ( وهي الأربعة ألف سنة مقربة ) ، فتطاول عليهم العمر ( أي على حالهم في انتظار المُخَلِص ) وما كنت : ثاوياً ( مقيماً أيها المحققون في التاريخ وعلماء الجيولوجيا منذ عهدهم إلى يومنا هذا ) في أهل مدين ، ( تفيد تراخي الزمن ) تتلوا عليهم : آياتنا ( رحلة البحث عن الهوية والوطن والانتماء وابحث في أمَّ التاريخ البشري ) ولكنَّا : كنَّا ، مرسلين ( لإطاعة أمر الله في العودة للأرض المباركة أي المقدس ) * وما كنت ، بجانب الطور( وليس جبل البركل أو جبل مرة فتيقن ) ، إذ : نادينا ( أي كلام الله  تعالى لموسى – عليه السلام  -) ولكن : رحمة من ربك ( هذا النداء لبني البشر قبل بني إسرائيل ) ، لتنذر قوماً ( مرحلة زمنية ) ما أتاهم ( أي من أمرنا مجتمعاً ) من نذير ( وهي تقلبات الأيَّام وصروفها والرسل والتسع آيات وغيرها ) من قبلك ( أي بعث محمد والناس أجمعين ) ، لعلهم ( أي الجميع وليس فئةً بعينها ) يتذكرون ( وقائع التاريخ )  ‭}‬ الشعراء آية 44 – 46 ج 20 ، وليس هناك ما يجعل المحققين في الشأن النوبي والسوداني تحديداً للي عنق الحقيقة فيما أثبته القرآن وتلتمس البركة فيه وأهله في غير هذا الموضع إن شاء الله .

خاتمة :

  ورد اسم موسى – عليه السلام  -في القرآن 136 مرةً في ستة عشر موضعاً وما ذاك إلا لمقام موسى عند الله ، وحكى عنه القرآن أغلب – إن لم يكن كل – مبعثه من طفولته إلى تجاوزه لمدين ، وقد ورد في الحديث : « والذي نفسي بيده لو أصبح اليوم فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من الأنبياء « ووصفه بأنّه كان : « رجلاً آدم ، طوّالاً جعدًا ، كأنّه من رجال شنوءة «  ( أي أنه رجلاً أسمرَ اللون ، طويلاً مجتمع الجسم ، يُشبه قوم أزد شنوءة ) ، كما ورد في الحديث أن النبي   قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله   : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ ، فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرق فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى   شكرًا ، فنحن نصومه. فقال رسول الله   : فنحن أولى وأحق بموسى منكم فصامه رسول الله   وأمر بصيامه» ؛ وفي حديث ورد في سنن البيهقي أنّ النبي علمّ دعاء موسى عند شقّ البحر: « اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وبك المستغاث ، وأنت المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله « .

    هذا البحث وقفات وتأملات في شعب بني إسرائيل وعلاقتها بأرض النوبة ومسيرة امتدت لحوالي 4.000 سنة تقريباً ، وقد أخذت فيها نفسي بالاختصار قدر الممكن والتدقيق ما وسعتني الحيلة ، ألا إنني بشر أخطئ وأصيب ، واهتممت بالمراجع والبحوث فيما يتعلق فقط بموضوع الدراسة وأسقطت لا عن جهل بعض ما أردت تدوينه خشية الملل والإطالة والخروج عن الموضوع وتشعبه فآثرت مكتفياً ما جاء فيه ، وعسى أن أعود لما تركت مستقبلاً لو قيَّض الله لنا العمر ، و على الله قصد السبيل ومنها جآئر ، ولو شاء لهدانا أجمعين .

وصلى الله  على سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم

القاهرة – المرج القديمة في :

23 / 10 / 2016 م

أهم المراجع :

1- القرآن الكريم .

2- التوراة .

3- المعجم الوسيط .

4- السيرة النبوية لابن هشام وابن كثير .

5- د . ميادة عبد القادر ، باحثة مصرية بالمركز القومي لبحوث المياه بالقاهرة.

6- محمود عثمان رزق ، كاتب سوداني باحث.

7- صور من إدارة المساحة المصرية .

8- صور من مواقع الإنترنت .

9- نعوم شقير ، تأريخ السودان .

10- د . مكي شبيكة ، السودان عبر القرون .

11- قاموس الكتاب المقدس ، دائرة المعارف الكتابية المسيحية .

12- صحيفة اليوم السابع المصرية شهر يونيو 2016 م .

13- كتاب الحيوان : لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ .

14- عبد الله الطيب ، كتاب : من نافذة القطار 1969 م .

15- الملاحق والصور ، الإنترنت .

16- حلمي القمص يعقوب  ، كتاب : النقد الكتابي / مدارس النقد والتشكيك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق