سياسة

فقه الخروج على الحاكم وما وراءه من نبأ

بدر الدين العتاق

مدخل مهم:

دار حوار بيني وبين أحد المشايخ المشهورين السودانيين بالواتساب وقد قمت بنشره على منصات التواصل الاجتماعي ومن ثم تداخلت التعليقات وتباينت الرؤى والأفكار وأردت تعميم الفائدة ما كان إلى ذلك ممكناً وقد أساء إلي فيه؛ بعد أن قلت له أنك بعت دينك بدنيتك وتملقت البرهان وداهنت العسكر؛ ومنعت الشباب الثوري الخروج على الحاكم الجائر فلا وجود ولا حق لك في المنابر منذ الآن؛ الخروج على الحاكم الجائر فرض عين على كل الناس وتمليه الضرورة، راجع سورة الرعد، فكان الرد.

فقال: رعدة تكسر بيتكم، انت أول حاجة صحح إيمانك وعقيدتك بعداك تعال للحاكم لان انت ضال ومجرم و علي هاوية عظيمة وعقيدتك فاسدة عقيدة كفار.

قلت: لا داعي للإساءة والخروج عن الأدب واللياقة فأنت عنه مسؤول وستحاسب عليه بلا شك وكيف عرفت ذلك؛ أشققت قلبي أم أن الفريق البرهان أخبرك عن ذلك أم اطلعت على الغيب؟!؟

قال: يا زول دي ما إساءة ده حكم الشرع وبعدين انت كافر عديل أنا ناقشتك قبل كدة في مسائل كتيرة بتنكرها معلومة من الدين بالضرورة، كاااااااااااااافر.

نص عنوان المقال:

وجاء تعقيب المهندس عبيد السيد الزبير وهو من مرتادي المنابر في المساجد والإعلام بعامة غير الأول، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يجوز الخروج على الحاكم الظالم؟  فنهى عن ذلك وقال (إلا أن تروا منه كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وفى حديث آخر إذا منع الصلاة وفى حديث آخر: (من رأى من أميره شيئاً (ظلماً أو نحوه) فليصبر عليه فإنه من خرج على أميره شبراً فمات مات ميتة جاهلية) .

والأحاديث في هذا المعنى تجاوز المائة حديث وذلك ليس دفاعاً عن الحاكم وإنَّما خوف الفتنة وإراقة الدماء التي تترتب على ذلك كما رأينا ونرى الآن في بلاد الربيع العربي.

وسئل ابن عمر رضي الله عنهما وهو من علماء الصحابة واحفظ الناس للحديث وروايته بعد أبى هريرة عن الخروج على الحجاج بن يوسف وهو أكثر الحكام المسلمين ظلماً وسفكاً للدماء عبر التاريخ فأفتى بعدم جواز الخروج، كذلك سئل أنس بن مالك رضي الله عنه فأفتى بعدم جواز الخروج على الحجاج، لكن عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس خالف هذه الفتوى وانقلب على الحجاج بجيش جرار كان يقاتل العجم ودارت معركة كبيرة قتل فيها ١٣٣ ألفاً من المسلمين وعرفت في التاريخ بفتنة ابن الأشعث وانهزم ابن الأشعث وندم على ذلك ومات منتحراً حتى لا يسقط في يد الحجاج.

أرجو أن تنتبهوا لعدم الخوض في أمر الفتوى ففي ذلك مسئولية كبيرة أمام الله قال تعالى: ‭{‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‭}‬.

أمَّا الشيخ () فأسلوبه في الدعوة مخالف للهدى النبوي ولهدى القرآن الكريم لقول الله تعالى: ‭{‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‭}‬ وقوله تعالى: ‭{‬ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك‭}‬ كما أنَّه يتعجل في رمي الناس بالكفر ويكثر من القسم بالله في كلامه بدون أن ينتبه لما يقسم عليه وصفة التفاف هذه وغيرها ليست من صفات الدعاة، نسأل الله تعالى لنا وله الهدايا.

الأخ بدر الدين السلام عليكم، الأحاديث لا تتعارض مع القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالقرآن وتأويله لأنَّ الله تعالى هو الذي يبين له معانيه قال تعالى لرسوله ص (لا تحرك به لسانك لتعجل به أن علينا جمعه وقرانه فإذا قرأناه فاتبع قرانه ثم إنَّا علينا بيانه) فكيف نفهم نحن من القرآن مالم يفهمه النبي صلى الله عليه وسلم؟  والأحاديث الصحيحة الثابتة في النهى عن الخروج على الحاكم بالعشرات والقاعدة الشرعية لا اجتهاد في ما فيه نص والنص قرآن أو سنة صحيحة ولا يمكن أن يجيز القرآن الخروج على الحاكم وينهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لأنَّ هذا يعنى أن النبي غير ملتزم بأمر ربه وهذه جناية كبيرة وتهمة عظيمة في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم أمر ربه وهذه تهمة أخرى لأنَّ الوحي يتنزل عليه فكيف يتركه بغير فهم حتى يفتى بما يخالف القرآن والله تعالى يعلم ذلك ولا ينزل الوحي لتصحيح فهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأتي نحن في آخر الزمان ونفهم من القرآن مالم يفهمه النبي صلى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن.

أما الخروج السلمي على الحاكم لإبداء مظلمة أو مطالبة بحق فقد أجازه العلماء وهذا غير الخروج لإسقاط الحاكم بالقوة الذى يترتب عليه إراقة الدماء.

وأما ابن جبير ومن معه فقد ندموا على خروجهم واعترفوا بخطئهم وتابوا واعتذروا إلى الله منه أرجو أن تراجع التاريخ جيداً قبل أن تخوض في هذه الأمور الشائكة لسلامة دينك وكذلك نصح ابن عباس وابن عمر وهم من علماء الصحابة وغيرهم من كبار الصحابة نصحوا الحسين بعدم الخروج على يزيد رغم أنه أفضل من يزيد وأحق بالخلافة منه لكن لأنَّ يزيداً استقرت له البيعة والخروج عليه يترتب عليه فتنة ولما خرج الحسين وخذله شيعة أبيه الذين أرسلوا إليه ليبايعوه بالخلافة ندم على خروجه وتذكر نصيحة ابن عباس وقال: لا أبعد الله ابن عباس، وطلب منهم أن يتركوه يرجع من حيث أتى فرفضوا طلبه وخرج الأمر من يده وكانت النتيجة مقتل الحسين وجميع من معه من آل البيت وذرية النبي صلى الله عليه وسلم وخمسين من أنصاره ومثلوا بجثثهم واجتزوا رؤوسهم لهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم.

مرة أخرى أنصحك الاخ بدر الدين إلا تقحم نفسك في مسائل أنت في غنى عنها وفيها مسئولية أمام الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) وقال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا نترك تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام.

أمَّا قولك بأن الأحاديث تتعارض مع النص القرآني وهى أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه قول خطير فيه اتهام صريح للنبي صلى الله عليه وسلم بأحد أمرين: أمَّا أنه لا يفهم ما أنزل عليه من القرآن وبالتالي يفتى بما يخالف القرآن وهذا يقود إلى أنَّ الله تعالى غير مراقب لما يصدر من رسوله من مخالفه لما أمره به وهذه مصيبة أكبر، وأمَّا إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يفهم ما أمره به ربه لكنه غير مقتنع به ويفعل برأيه الخاص وهذه مصيبة أخرى، وهذا الأمر يستوجب توبة لله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: ‭{‬ من كتم علما الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة ‭}‬.

وعليكم السلام والرحمة والإكرام أيها الإنسان الكريم

أنا لا اتهم النبي بعدم الفهم عن الله من القرآن/ حاشا لله / بل أنا على يقين بأن الذين وضعوا الصحاح العشرة من الأحاديث جانبهم الصواب والعي كل العي في فهم من جاء بعدهم؛ وفهمهم للنصوص لا يعني بالضرورة أن يسير الناس عليه؛ وكذلك كل كتب الموروث الإسلامي لا تخلو من خطأ كبير وتدليس فوجب الانتباه لها؛ ومتى ما كان هناك لبس بين فهم الآية ونص الحديث؛ فالأولى النص القرآني بلا شك؛ وأنا أعول على تصحيح الأخطاء التي وقع فيها الكثير من الناس كل التعويل مما صح في القرآن الكريم وكذلك المصطلحات وتعريفها جيداً مثل الشرع والشريعة والدين والكفر وهكذا لأنها استغلت سلباً وكانت خصماً على الإسلام والفهم الصحيح عنه ومبدأ الحريات العامة التي أقرَّها القرآن الكريم / سورة الكافرون / مما جعل كهنة الموروث الإسلامي التاريخي قابعين على عتبة أبواب معابدهم يصدون الناس عن الفكر الحر والفهم السليم ومنعهم حتى من الفكر نفسه والله يقول: ‭{‬ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ‭}‬ سورة فصلت.

أما قولك على ندم سعيد بن جبير لخروجه على الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فهو غير صحيح مع كل الاحترام والتقدير لك؛ فسعيد بن جبير من رواة الحديث وهو من كبار الصحابة وثار مع بن الأشعث وأبي موسى الأشعري بعد أن ولَّاه الحجاج بن يوسف الثقفي القضاء على العراق فلا يقضي بن الأشعث حكماً إلا ورجع فيه إلى سعيد؛ إلَّا أنَّ سعيداً رفض ظلم الحجاج بن يوسف على العراقيين وحاكمه الثقفي وقال له: ما أخرجك على مع بن الأشعث أولم أعهد إليه ألا يقضي قضاء حتى يكون لك فيه رأي؟  قال سعيد: بلى! ولكني كرهت ظلمك على العراقيين؛ إلى آخر ما تقدم من الخبر؛ فقضي الحجاج بن يوسف عليه بضرب عنقه ولم يرجع سعيد عن رأيه ولم يندم ومات شهيداً؛ وكان آخر من قتله الحجاج؛ قال تعالى: ‭{‬ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‭}‬ ومات الحجاج بن يوسف بعده بشهرين أقلاها.

اختلاف الرأي لا يفسد لجوهر الود قضية؛ فما كان من أمر من خرج مع علي بن أبي طالب أو ممن خرج مع معاوية بن أبي سفيان؛ أو الحسين بن علي بن أبي طالب أو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان؛ فهؤلاء صحابة كبار شهدوا الغزوات مع النبي عليه السلام، وما كان من أمر ثورات الربيع العربي وثورة ديسمبر السودانية المجيدة؛ فهي تدخل في العمل السياسي الجمعي وهي آصل أصول الشريعة الإسلامية وليس بأحد خارج عنها وإن يكن؛ فالشريعة الإسلامية هي عشر قواعد دستورية أبدية شاملة كاملة إلى يوم القيامة؛ راجع سورة الإسراء؛ مشكوراً؛ ولا تدخل التوبة في العمل السياسي الثوري ضد الظلم والديكتاتوريات الشمولية القابضة على حلاقيم الشعوب؛ بل إنَّما التوبة على المتخلفين القادرين (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) سورة التوبة.

محبتي لك أخي العزيز بلا حدود وأنت تعلم ذلك (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) سورة هود. حفظك الله وتولاك أستاذي الكبير وأسعدتم أينما كنتم إن شاء الله.

للكارهين الخروج على الحاكم الجائر أقول:

ليس بعد قول الله تعالى من قول؛: ‭{‬ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له؛ ومالهم من دونه من وال ‭}‬ سورة الرعد؛ فما لم يحدث تغيير جمعي في الناس فسيظل الوضع كما هو صالحاً أم فاسداً ؛ وبالتحديد الفساد موضوع المنشور؛ وما يحدث من فوضى عارمة حال التغيير الجمعي حالة طبيعية أو قل معادلة صحية لاختلاف مشارب الفكر والميولات المتعددة والمتباينة للناس / الشعب / فالله لا يرضى ظلم الحجاج فثار عليه بن الأشعث وبن جبير وأبي موسى الأشعري وهم من كبار الصحابة نتيجة طبيعية؛ والله لا يرضى ظلم النظم السياسية الديكتاتورية فسلط عليهم شعوبهم في ثورات الربيع العربي؛ وكذلك لا يرضى الله ظلم الحاكم الجائر في السودان فبعث الله عليه من يقف ضده وثار الشعب ولم ينم ؛ ولا علاقة للفتوى هنا فيما أرى ببقاء الظلم ذريعة فلا يخرج المكرهون ؛ هذا بغض النظر عن صحة الحديث أو الأحاديث الواردة في ذلك لأنها تتعارض مع النص القرآني؛ وكما نعلم دستورية النص القرآني الأبدي الذي يعلو ولا يُعلى عليه؛ فأنا من هذا الباب أرفض الظلم بكل مسمياته ودرجاته ومعانيه وهلم جرا؛ وأتمثل مدرعاً تحقيق موعود الله لي ولمن ثار على الحاكم الجائر والنظم الديكتاتورية من نص الآية الكريمة أعلاه؛ ولن يكون إلا مراد الله ولو كره الكارهون وقال المفتون.

أمَّا الشيخ المبتور؛ ليس نموذجاً يحتذى به صالحاً فهو قد بايع السلطان في شندي وكذلك فقهاء السلاطين الذين يتخذون من الدين مطية على حساب رقاب الناس في كل العصور وأعني بهم من أعني؛ لا مكان لهم بيننا في المجتمع الصالح والمدينة الفاضلة وإن طال ليل الظلام فحتماً منجلٍ بصبح الخلاص ولا تكون الحرية إلَّا على مذابح الخلاص؛ ولا نامت أعين الجبناء؛ ورحم الله بن الأشعث والأشعري وسعيد بن جبير وشهداء الثورة والشعوب الحرة الأبية وعافا الله الجرحى وأعاد المفقودين، آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق