مجتمع

المهاجرون وريادة الأعمال … هل تعد قصص نجاح نادرة؟

سيرتان ساندرسون/ ترجمة: ماجدة بوعزة

جرى التركيز على الخلفية العرقية لزوجين تركيين بألمانيا طورا لقاحا لكورونا أكثر من نجاحهما العملي. وبينما لا يزال يُعتقد أن ريادة الأعمال المهاجرة أمر نادر تظهر الأبحاث زيادة أعداد المهاجرين الذين يطلقون أعمالهم الخاصة.

لا يزال فيروس كورونا يحصد الأرواح ويدمر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، وفي المقابل تلوح في الأفق نهاية لهذا الكابوس، إذ اختبر ثنائي من الباحثين في مدينة ماينز الألمانية بنجاح أول لقاح واعد ضد المرض، ويتعاونان الآن مع شركات أدوية من جميع أنحاء العالم من أجل إطلاق اللقاح السنة المقبلة.

ما أدهش الكثيرين في هذه القصة ليس فقط السرعة التي تم بها تطوير التطعيم ومستوى التعاون العالمي الذي حفزه، ولكن حقيقة أن الزوجين الذين اكتشفا اللقاح ذوو خلفية مهاجرة، كلاهما ينحدران من أسر تركية هاجرت إلى ألمانيا قبل نصف قرن.

وبينما سارعت صحف كثيرة للحديث عن اللقاح المحتمل، اختارت أخرى تسليط الضوء على أصول الطبيب أوجور شاهين والطبيبة أوزليم توريسي، المنحدرين من البلد المصدر لأكبر عدد من المهاجرين في ألمانيا.

وعلى الرغم من حقيقة أن الغالبية العظمى من أربعة ملايين تركي المقيمين في ألمانيا مندمجين في المجتمع الألماني منذ فترة طويلة، إلا أن قصص نجاح مثل قصة الدكتور شاهين والدكتور توريسي لا تزال تُعتبر نجاحات استثنائية، خاصة عندما يتعلق الأمر بريادة أعمال في مجال مهم جعلت منهما مليارديرات بفضل شركتهما BioNTech.

قصة شاهين وتورتشي غلبت فيها خلفيتهما العرقية على قصة النجاح، وهو ما أدى إلى إثارة النقاش مجددا حول المهاجرين المتواجدين في ألمانيا وأدوارهم في المجتمع، وخاصة في مكان العمل.

وبينما يُنظر إلى ألمانيا منذ فترة طويلة على أنها متأخرة إلى حد ما في مجال الشركات الناشئة وفي ريادة الأعمال بشكل عام، فقد زاد عدد الأجانب من رواد الأعمال في البلاد بمقدار الثلث في السنوات الـ 15 الماضية، وفقًا لـ دراسة نشرتها مؤسسة Bertelsmann-Stiftung.

الألمان يتجنبون المخاطرة

يوجد اليوم ما يقرب من 800 ألف مهاجرمن أصول أجنبية يعيشون في ألمانيا، ويملكون أعمالهم الخاصة. لقد خلقت هذه الشركات ما مجموعه 2.3 مليون وظيفة، وهو رقم تضاعف في السنوات الـ 15 الأخيرة.

وجدت دراسة مؤسسة Bertelsmann-Stiftung أن حوالي 10٪ من الأجانب الذين يعيشون في ألمانيا هم أصحاب أعمال خاصة. بينما فضل الألمان الابتعاد عن الأعمال التجارية، حيث انخفض عدد رواد الأعمال الألمان بمقدار 300 ألف عما كان عليه في عام 2005 ، وفقًا لنفس الدراسة.

ووفقًا لدراسة أخرى نشرها بنك KfW ، فإن هذا الارتفاع في عدد المهاجرين المؤسسين للشركات في ألمانيا يعني أن ربع مجموع الشركات الناشئة يتم إطلاقها من قبل أشخاص من أصول أجنبية.

كما صرح أرماندو غارسيا شميدت، كبير مديري المشاريع في بيرتلسمان، لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ، أن جزءًا من سبب هذا التطور هو أن الألمان أكثر خوفا من المخاطرة، عكس الأجانب الذين غالبًا ما يجدون صعوبة في ولوج سوق العمل، أو يواجهون العنصرية بسبب أسمائهم أو مظهرهم. مؤكدا أن الحافز المادي يلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في هذا الاتجاه، إذ أن ريادة الأعمال تساعد في خلق دخل وثراء أكبر.

هناك أيضًا أسباب أخرى تجعل المهاجرين مثل الطبيب شاهين والدكتور توريسي يميلون إلى خوض غمار ريادة الأعمال أكثر من الألمان الذين يكرهون المخاطرة. ونشرت جريدة “زود دويتش تسايتونغ”،أن المهاجرين قد ينحدرون من ثقافة تشجع ريادة الأعمال أكثر من الألمان، وبالتالي تُغرس فيهم قيم ثقافية تشجع على خوض تجربة الأعمال الخاصة.

كما أشار تقرير الجريدة الألمانية أيضا إلى المشاكل التي يواجهها الأجانب الذين يأتون إلى ألمانيا بشواهد غير معترف بها، وهو حال كثير من المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا إلى البلاد منذ عام 2015، خاصة منهم السوريون والعراقيون الذين اضطروا للعمل في وظائف أقل من مستواهم الأكاديمي حتى يتمكنوا من إطلاق شركاتهم الخاصة.

كما أن كثير منهم فقد شهاداته أثناء رحلات الهجرة إلى أوروبا المحفوفة بالمخاطر، وهم اليوم غير قادرين على إثبات أنهم في الواقع أطباء أو مهندسون. كما تواجه بعض المهن إجراءات إعادة تدريب صارمة للتكيف مع سوق العمل الألماني، لذلك قرر بعض المهاجرين التخلي عن خيار مواصلة العمل في مجالاتهم الأصلية، واختاروا بدلاً من ذلك مسارات مهنية جديدة غالبًا ما تنحو نحو ريادة الأعمال.

وفقًا للمكتب الإحصائي الفيدرالي الألماني، خلال عام 2019 كان أكثر من ثلث المواطنين المولودين في الخارج والذين يعيشون في ألمانيا إما لديهم وظيفة محددة المدة، أو يعملون أقل من 20 ساعة في الأسبوع، أو يعملون بشكل هامشي أو في وظائف مؤقتة “، لذلك يضطر العديد من المهاجرين، لبدء أعمالهم الخاصة.

وفي الوقت نفسه، أفاد المعهد الاقتصادي الألماني أنه في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، فإن معدل المهاجرين العاطلين عن العمل يقارب ضعف معدل مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث تصل نسبة مواطني الاتحاد الأوروبي الباحثين عن عمل 6 ٪، مقارنة بـ 11٪ من الأجانب يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي.

وفي بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا واليونان، أفادت التقارير أن معدل المواطنين الأجانب العاطلين عن العمل تجاوزت 20٪ في عام 2019.

ويبقى الحل أمام العديد من المهاجرين في ألمانيا، والطريقة الوحيدة للتخلص من البطالة أو العمل البسيط هي بدء أعمالهم التجارية الخاصة، حيث يختار الكثيرون فتح مطاعم ومتاجر في الغالب.

يعتبر المهاجرون واللاجئون والأجانب الناجحون قدوة لعشرات آخرين مثلهم في ألمانيا، الذين يكافحون للعثور على مكانهم ليس في سوق فقط، ولكن أيضًا في المجتمع بشكل عام. مايعني أن النجاح لا يزال يعتبر استثناءً في مجتمعات المهاجرين.

إن رواية المهاجرين الذين ينجحون في أعمال خاصة أكثر شيوعًا في البلدان التي لها علاقة مختلفة بالهجرة. دول مثل الولايات المتحدة وكندا وحتى المملكة المتحدة لها تاريخ مختلف، وقد قبلت منذ فترة طويلة دورها كوجهة مفضلة للهجرة للعديد من الأجانب.

من ناحية أخرى، كافحت ألمانيا منذ فترة طويلة لمواجهة موجات الهجرة المتسارعة إلى البلاد، ففي حين تقبلت البلاد إلى حد كبير الموجة الأولى من المهاجرين القادمين إلى ألمانيا من تركيا وإيطاليا وإسبانيا للعمل خلال الستينيات، الذين ساهموا في إعادة بناء اقتصاد البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، يبقى النهج الجديد في تعاملها مع وصول اللاجئين والمهاجرين خلال السنوات الخمس الماضية غير واضح إلى حد ما.

أدخلت ألمانيا ما يسمى بـ “البطاقات الزرقاء” بالإضافة إلى “قانون هجرة العمال المهرة” للأشخاص ذوي المهارات العالية الباحثين عن عمل في ألمانيا، لكن يتعين عليهم التأهل إلى مستويات متعددة لا يمكن تحقيقها إلا للنخبة المتعلمة. علاوة على ذلك، تسمح هذه التصاريح للأجانب فقط بالعمل كموظفين وليس كرجال أعمال.

وفي الوقت نفسه، لا يزال بإمكان المزيد من المواطنين الأجانب دخول عالم ريادة الأعمال وخلق المزيد من الوظائف إذا سُمح لهم بالفعل ببدء أعمال تجارية في ألمانيا: وفقًا لدراسة مؤسسة “برتلسمان”، يمكن أن يرتفع معدل مشاركة المهاجرين في ريادة الأعمال بنسبة 10٪ إلى 15٪ في غضون سنوات قليلة إذا خفضت ألمانيا العقبات التي تحول دون إطلاق أعمال تجارية جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق