آراء

كوكاسيات

هذه ‬الحرب ... ‬بيننا‬‬‬‬

عبد العزيز كوكاس

«في صور الحروب التي أصبحت حرب صور، ثمة من يثرى بصورة، وثمة من يدفع ثمنا لها»             أحلام مستغانمي

«حرب الطرق»، «الطريق تقتل»،» نعم للحياة.. لا للسرعة»،» لا لحوادث السير»، «لنغير سلوكنا»… وتتوالى الشعارات المنمقة للحملات الوقائية، وترتفع اللافتات واللوحات الإشهارية بألوان مزركشة وتعقد الندوات التي تصرف عليها الملايين، ومعها تنمو الفواجع والمصائب، حيث تصطاد طرق السير بسمة الحياة بيننا!

وأنا أتابع باهتمام بالغ ما تعرضه الحملات المتوالية للتخفيف من وطأة حوادث السير ببلادنا منذ عقود، في المقابل تظل وسائل الإعلام تنقل يوميا صور حوادث سير مفجعة تحصد أرواح الأبرياء كما لو أن المغاربة في دائرة حرب أهلية متسترة في جلباب حوادث الطرق.. وأتساءل لماذا لم تأت كل الحملات الدعائية ولا القوانين الزجرية أُكْلها؟

أطالع الجرائد والتقارير التي تنجزها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، وأتابع تغطيات تلفزتنا، وأتأمل هذه اللوحات المعدنية الصماء وإشارات المرور المنتصبة كتماثيل باردة، لماذا لم تعد تعني للسائقين شيئا، وأكرر التساؤل الملغز: لماذا لم تُجْد كل هذه الحملات نفعا؟ فلا حوادث السير خفت، ولا مآسيها أخذت في التقلص!

يجتهد المجتهدون في جلاء الأسباب وبيان الحلول لحرب الحديد الذي فيه منافع وبأس شديد للناس، حيث درج البعض على إعادة أسباب هذه الحوادث إلى الحالة «الصحية» للسيارات والأعطاب التقنية للشاحنات المهترئة والخلل الميكانيكي للحافلات الكئيبة، وأيضا للطرق وهشاشة البنية التحتية، حيث توجد بين حفرة وحفرة، حفرة! في حين يربط البعض ارتفاع معدلات حرب الطرق بتفشي المحسوبية والرشوة وقيم الوساطة والزبونية التي تعطل تطبيق القوانين، والطرق الملتوية للحصول على رخص السياقة أو للنجاة من كمائن رجال الدرك والأمن الذين يبيع بعضهم وردة الحياة والروح العزيزة عند الله بدراهم بخسة.. وهناك من يعيد هذه الأسباب إلى العنصر البشري، إلى السائق نفسه لعدم احترامه قوانين السير والجهل بقيمة حياة الأفراد وغياب التسامح وضغط إيقاع العمل.. لقد تعددت الأسباب لكن الموت واحد!

لذا يبقى السؤال قائما لِمَ لم تُجد كل الحملات الوقائية نفعا في التخفيف من مآسي حرب الطرق؟ لماذا لا نعيد النظر في طرق معالجتنا لهذه الآفة الخطيرة؟ ألا يدخل المشكل في صلب التكوين الفردي وأسس التنشئة الاجتماعية؟ لماذا لم نجرب تغيير زاوية المعالجة عبر دراسة حالات أصحاب «السوابق» في حوادث السير..  نصنفهم ونستخلص نتائج يمكن أن تفيد في التخفيف من حدة هذه الحرب الأهلية المستترة بيننا؟

وبرغم محاولة مسؤولينا الاستعانة بالتجربة السويدية أو بمدونة السير للحد من حوادث السير، فإني أحس بلا جدوى الأمر، لأن المشكل موجود بقوة الأشياء في العنصر البشري، ألا يمكن أن نخلص إلى أن الأسباب الحقيقية التي ساهمت بقوة في الرفع من حرب الطرق كما وكيفا، تكمن في أن السيارة أو الشاحنة مثلا أصبحت وسيلة أساسية لتفجير السخط، وللتنفيس عن لحظات الغضب والتوتر والكبت والقهر الاجتماعي والاختيارات المفروضة، إحساس نفسي بالفراغ واللاجدوى وثقل الواقع اليومي، تحدي أصم يريد أن يدوس بالسيارة أو الحافلة كل مشاعر العجز المفروض، نوع من الأنانية، محاولة إذابة الغبن أو التوتر الناتج عن إرغامات اجتماعية واقتصادية وضغوط نفسية قاهرة.. إنه عنف أخطأ الطريق نحو وجهته الرئيسية.

فكرة مجنونة، أليس كذلك؟ لكنها ليست أكثر جنونا من حرب الطرق هذه التي تحصد كل يوم أرواح الكثيرين منا وتخلف وراءها مآسي وكوارث أكثر جنونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق