سياسة

التجربة الصهيونية السودانية!

زهير السراج

* عندما التقى البرهان برئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قبل حوالي عام ونصف (3 فبراير، 2020) فتح العرب حمماً من النيران على السودان، فكتبتُ مقالاً بعنوان (عودة الرجولة العربية) أرد على هجومهم السافر، ليس حباً في إسرائيل او دفاعاً عن الخطوة التي اتخذها البرهان، وإنما دفاعاً عن السودان الذي لا أرضى أن تلفحه نسمة رقيقة، دعك من أن يعضه كلب مسعور، قلتُ فيه:

* «يحق لنا ان نفتخر بأننا الوحيدون الذين نجحنا في توحيد صفوف العرب العاربة والمستعربة والمستغربة والمنبطحة وحتى المتصهينة، بكافة أشكالهم وأنواعهم من سياسيين واعلاميين ومتحذلقين ومشعوذين ومتطرفين ومتقعرين، رغم أنهم لا يستحقون.. المرة الأولى في مؤتمر القمة العربي في عام 1967 بعد الهزيمة الشنيعة في حرب الأيام الستة، والثانية بعد لقاء البرهان ونتنياهو في أوغندا قبل يومين»!

* ليس هنالك (عربي) واحد لم ينتهز فرصة اللقاء ليستعيد فحولته التي سلبتها اسرائيل ويسترجل بها علينا، ويستعرض كل ما في قاموس بذاءاته من شتائم واساءات ضد (العدو السوداني) الذي اغتصب فلسطين والجولان والضفة الغربية والشرقية وجعل القدس عاصمة ابدية لإسرائيل، وأذاقهم الهزائم والذل والهوان واغتصب رجولتهم التي لا يجرؤون على استعراضها إلا فوق الصحف الصفراء ومحافل الكلام.. حتى المخنثين لبسوا عباءات الرجولة وتسارعوا لشن الحرب على السودان.. هل هنالك ما نفتخر به أكثر من ذلك؟!“

* وتساءلت: «أين كان هؤلاء عندما زار نتنياهو سلطنة عُمان والتقى بالمرحوم السلطان قابوس، واين هم من زيارات الوزراء الإسرائيليين العلنية والسرية للدول العربية، واعتراف العديد من الدول العربية بإسرائيل وارتفاع العلم الصهيوني في السماء العربية، أم حلال على بلابله الدوح حرام على الطير السوداني؟! ليس هنالك أبلغ في وصف هذه المهزلة من قصة الشخص الذي سأل صديقه مستنكراً” لماذا تذهب أمك كل يوم الى السوق؟» فسأله الثاني: «من الذي رآها؟!» فقال: « رأتها أمي”!

* واختتمت الحديث بالقول: «يكفينا فخراً أن يكون لقاء البرهان نتنياهو السبب في عودة الرجولة الى العرب، وارتداء ملابسهم التي خلعوها على سرير الفحولة الإسرائيلية، والعودة الى ميادين القتال ضد العدو الصهيوني مرة أخرى على الأرض السودانية الطاهرة التي طالما كانت السبب في رجولتهم وفحولتهم وتوحد صفوفهم!» (انتهى).

* كان هذا بعض ما قلته بعد اللقاء الذي لا يعرف أحد تفاصيل ما جرى فيه غير ما أعلنته أجهزة الاعلام الاسرائيلية من ان الطرفين اتفقا على بدء حوار من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين، كما وصفه نتنياهو في تغريدة بأنه «لقاء تاريخي”!

* ولكن الملاحظ ان العلاقة بقدر ما بدأت تتحسن بعده بين العسكر واسرائيل وتبادل الزيارات السرية والعلنية بينهما، فإنها ظلت تسوء بين شركاء الحكم، لدرجة ان أكثر الذين استهدفتهم الاعتقالات الأخيرة كانوا هم الأعلى صوتاً ضد التطبيع مثل البعثيين والقوميين العرب ـ الاعداء التقليديين لاسرائيل في المنطقة العربية، مما حدا بعميل الاستخبارات الاسرائيلي السابق (إيدي كوهين) أن يكتب مغرداً: « ما يحدث في السودان ليس انقلاباً وانما تصحيح للثورة المباركة والتخلص أخيراً من حزب البعث والاحزاب القومية»!

* كما أخذت البلاد تشهد منذ ذلك الوقت العديد من الظواهر الغريبة مثل السيولة الامنية وانتشار المتفلتين وعصابات النهب المعروفة ب (تسعة طويلة) بدون أن تتصدى لهم قوات الأمن، واختفاء السلع الرئيسية والارتفاع الجنوني للأسعار وغلق الميناء البحري الوحيد في البلاد، والهجوم الشرس غير المبرر من البرهان وحميدتي على القوى المدنية بعد (محاولة) الانقلاب الفاشلة في سبتمبر الماضي وكأنهما كان يتعمدان زيادة حالة التشظي والخلاف بين مكونات الحكم، والظهور المفاجئ لداعش في الخرطوم  ..إلخ، والتي اختفت كلها بعد وقوع الانقلاب مباشرة وكأنها كانت تمهيداً له واستقطاب نوع من التأييد الشعبي للانقلابيين، فضلاً عن استقطاب بعض الحركات المسلحة منذ وقت طويل (يونيو 2019 ) وأصحاب المسارات الزائفة في مفاوضات جوبا، واستخدامهم مؤخراً في (إعتصام الموز) الهزلي بالقصر الجمهوري للمطالبة بحل الحكومة وشرعنة الانقلاب الغاشم باعتبار انه حدث تلبيةً لرغبة الشعب، وهو بالفعل ما زعموه! 

  

* لا شك أن (البرهان) يعلم الكثير عن اسرائيل التي يتمتع شعبها بديمقراطية كاملة لدرجة انه ظل لمدة عامين بدون حكومة بسبب الصراع الحزبي الشرس والانقسام الشعبي الحاد بدون أن يجرؤ الجيش الاسرائيلي على التذمر دعك من التفكير في القيام بانقلاب، كما ظل رئيس وزرائها السابق ضيفاً دائماً على اقسام الشرطة وهو جالس على كرسى الحكم بدون ان يجرؤ على الهروب او التمرد، ولكن يغمض (البرهان) عينيه عن كل ذلك ولا يرى الا التجربة الصهيونية فقط التي يبدو انه يحلم بتطبيقها في السودان .. ولكن هيهات!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق