سياسة

خارج المتاهة

من عوراتنا الوطنية

محمد عتيق

جنرالات من القوات النظامية وبقايا لجنة البشير الأمنية يحكمون البلاد بانقلاب عسكري نفّذه رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان عشيَّةَ كان المفروض، حسب نص الوثيقة الدستورية، أن يقوم بتسليم رئاسة المجلس للمدنيين/للمكون المدني في المجلس المذكور(السيادي).

عند الانقلاب أُعتُقِل الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء الفترة الانتقالية (في سجن أو في منزله إقامةً جبريةً) لا فرق. ومع ذلك، وعندما أطلقوا سراحه، تفاوض – مع الانقلابيين اللذين انقلبوا عليه واعتقلوه – تفاوض معهم معترفاً بالانقلاب وبشرعية طلباتهم في حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة من تكنوقراط/كفاءات مستقلة.

ولمّا كانت حجَّة الانقلاب الرئيسية (بالإضافة إلى حزبيَّة الحكومة) أنّ أحزاباً محدودةً تسيطر على الحكم باستبعاد الآخرين، وكانت الساحة الحزبية فعلاً منقسمة إلى قحت١ و قحت٢، أي أن انقساماً حاداً يقع بين القوى السياسية، كان من نتائج الانقلاب أن إستمر الانقسام كما هو بين نفس مكونات قحت١ و قحت٢، وظل رئيس الوزراء هو نفسه الدكتور حمدوك!!، فالمتوقع ان يتم استبدال الفئةالحاكمة بالفئة الأخرى التي كانت مُبعدَة، اي ان تكون قحت٢ مرجعية جديدة للحكومة وتتحول قحت١ إلى المعارضة !!!

البرهان يتفاوض مع حمدوك في شأن الوثيقة الدستورية وتعديلها، بينما الوثيقة اصلاً كانت نتيجة تفاوضٍ بين البرهان والعسكريين من جهة وكافة قوى الحرية والتغيير من الجهة الأخرى كدستورٍ للفترة الانتقالية يحكم أداء الطرفين وواجباتهما خلالها.

وأصل التفاوض؛ فرضتْهُ ظروف التوازن بين الطرفين السياسي المدني والعسكري، التوازن بين قوة الشارع وثورته وقوة السلاح ونفوذ القيادات النظامية التي سادت طوال عهد الانقاذ (ثلاثين عاماً) سواءً بالولاء السياسي/الحزبي أو المصلحي الانتهازي من ناحية ونفوذ واقعنا المتخلف الذي ورثناه وامتد حتى الآن منذ ما قبل استقلالنا الوطني (أكثر من ستين عاماً) أزمةً وطنيةً شاملة.

وبحكم هذا التوازن، وقوة الشارع المدني الثائر، أصبح من حق قوى الحرية والتغيير أن تأتي برئيسٍ لوزراء الثورة وان تُرشِّح له الوزراء، فكان اختيار الدكتور عبد الله حمدوك وتكليفه بذلك؛ كيف كان الاختيار ومن أين تسرَّبَ اسم الدكتور حمدوك إلى الذهن الشعبي؟ لا يهم هنا، فيبقى التساؤل؛ كيف يكون تعديل الوثيقة الدستورية شأناً خاصاً بين الانقلابي البرهان وبين حمدوك؟ ؟، ما علاقةَ حمدوك أساساً بالوثيقة الدستورية ليكون له حق الانفراد بمناقشته وتعديله مع البرهان؟ هذا إذا غضَضْنَا الطرْف عن الأسباب الداعية لذلك التعديل.

كافة الآراء والتحليلات اتفقت على أن السبب الرئيسي وراء الذي حدث يوم ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ هو خوف البرهان ورهطه الشديد من تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين وبالتالي فتح الطريق أمام المساءلات الجنائية التي تنتظرهم سواءً في أحداث دارفور الدامية أو كوارث فض الاعتصام (٣ يونيو ٢٠١٩) … إلى آخر الجرائم المنسوبة إليهم!!! وكل ما عدا ذلك لا يعدو أن يكون مجرد نتائج عَرَضيّة.

غير أن تلك النتائج العرضِيَّة قد سلّطت أضواءَ ساطعة على عوراتنا الوطنية كأحزاب وواقع وكمفاهيم، مثلاً:

  لم نستوعب جيداً بعد أن واقعنا متعدد الثقافات والأعراق، وهذا التعدد فرض علينا تعدداً في الرؤى والأحزاب، وأنّ الرؤية السليمة تكمن في أننا نتكامل في تحقيق برنامج وطني يلبي لكلٍّ مِنّا فقرات من مطالبه.

وذلك جعلنا نعادي بعضنا البعض أكثر من العداء للأعداء الحقيقيين، وعدو الوطن الحقيقي يمكن ان يكون مفهوماً محدّداً وليس كياناً، مثل مفهوم أن يشتغل العسكريون بالسياسة وبالتالي أن يتولوا شئون الحكم، فنجد مِن بيننا مَن يتحالف مع العسكريين وفق هذا المفهوم ضد الحزب السياسي الآخر، فيغيب عن الأذهان حقيقةَ أن العسكرية هي وظائف وتخصصات تفرض على أصحابها (وباختيارهم) نمطاً معيّناً من الحياة لأداء مهنةٍ وطنيةٍ مقدسةٍ لا تقل عن الحكم الذي هو عملٌ مدنيٌّ بحت.

  والوطنيُّ الآخر «القوات النظامية» يحتكر – بالوراثة عن النظام الساقط – أهم النشاطات الاقتصادية والتجارية بعيداً عن الخزانة العامة للدولة (٨٠٪» من الصناعة والزراعة والمعادن والمواشي) ، لا أحد يعرف أين تذهب العائدات بالضبط، ومع ذلك تستحوذ على النسبة الأكبر من موازنة الدولة السنوية!!

رئيس الوزراء يقول انه متفاهم مع العسكريين (الَّذين انقلبوا عليه واعتقلوه) أكثر من المدنيين (الَّذين أتوا به لقيادة ثورةٍ لا علاقة له بها) !!

والعورات كثيرة لا تقودنا إلَّا لواحدٍ من المصيرين المحددين:

* إما أن تنجح المؤامرات التي تُنْسَجُ حولنا فنذهب أيدي تجزئةٍ تنحرنا إلى ٤ دول على الأقل، فالقوى الاقليمية والدولية من حولنا لا ترانا جديرين بهذه المساحة من الأرض وبثرواتها الظاهرة والباطنة وبالتالي تعمل على تقطيعنا إلى دويلات تفرض عليها وصايتها وهيمنتها نهباً ومسخا، ويتفرج عليها الوطنيون – المدنيين والعسكريين – السائدين.

* أو أن تسبقها حركة الشباب الباسلة في السودان (لجان المقاومة وتنظيماتها) فتنتصر ويكون سودانهم هو السودان، وطنهم العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق