ثقافة وفن

منصور الرحباني: زاحَمَ نجوم السماء فكان قمرها..!

ولد منصور الرحباني في أنطلياس في 17 آذار عام 1925 كان الأخ الثاني الأكبر لستة أشقاء، والده عازف البزق حنّا الرحباني والذي كان يعزف في مقهىً محليّ، فنشأ في بيئةٍ فنيةٍ، حيث كانت جدّته لأمه مصدره الأول في تعلّم فنون الدبكة والرقص القرويّ التقليدي.

درس في عدة مدارس منها راهبات أنطلياس ، مدرسة فريد أبو فاضل، كمال مكرزل، والمدرسة اليسوعية في بكفيّا.

توفّي والده عندما كان صغيراً مما اضطرّه لخوض غمار الحياة باكراً ومواجهة صعوباتها وتحدّياتها فانضمّ إلى شرطة قضاء بيروت عندما كان عمره 17 عاماً.

بدأ بتعلّم الموسيقى على يد الأب بولس الأشقر حيث درس الموسيقى الشرقية والنوتات الموسيقية والألحان والجناس والطباق والتحليل الموسيقي حيث كان يملك مراجع نادرة وقيّمة مثل كتاب كامل الخالي ومؤلّفات الكندي والفارابي والبحوث الشهابيّة في الأنغام العربية الموسيقية.

درس منصور الرحباني لمدة تسع سنوات تحت إشراف برتراند روبيلّارد الذي كان يُعتبر المحفّز الرئيسي لمواهب الرحباني والتي تألّق من خلالها.

أثناء تعلّمه الموسيقى تعاون مع أخيه عاصي ليخلقا بهذا التعاون الظاهرة التي اكتسحت الوطن العربي والعالم فيما بعد (الأخوان رحباني).

سعيا معاً للتغلّب على القيود المفروضة على الفن التي تتّسم بالأنانية، فحاولا بدايةً نقل اتجاههم الفنّي عبر إذاعة لبنان عام 1945 وكان من المعروف مدى صعوبة الموافقة على هذه الخطوة ومع ذلك فقد كان لديهم القدرة على مواجهة التيار التقليدي للأغنية والتراث والتي هيمنت على معظم العالم الشرقي منذ بداية القرن العشرين.

انضمّ الأخوان رحباني إلى صفوف إذاعة الشرق الأدنى حيث ألّفا العديد من الأعمال فضلاً عن سلسلة اسكيتشات بعنوان (السبع ومخّول).

عندما تزوّج عاصي الرحباني نهاد حدّاد والمعروفة طبعاً باسم (فيروز) في عام 1955 أصبح لدينا ثلاثياً رحبانياً وتشكّل المسرح الرّحباني الغنائي الذي اعتُبر شكلاً فريداً يختلف نوعاً ما عن المعيار الدولي والعام للأوبّرا، فكان لديهم أسلوبهم الخاص الذي يركّز على القيم السامية كالكرامة، الحقيقة، والعمق الفلسفيّ للقضايا التي قادتهم للتركيز على الموضوعات الرئيسيّة في الحياة وهي: الله، الإنسان والأرض.

وعلى الرغم من أن منصور سعى للحفاظ على اسمه وعدم إقحامه في السياسة إلا أن كتاباته كانت مليئة بالسخرية ونقد أولئك الذين يملكون زمام المناصب والسلطة ممّا خلق له أعداءً كثر من هذا الوسط.

من مسرح البيكاديللي في بيروت كانت انطلاقتهم المسرحية إلى العالم العربي فقدّموا عروضاً استثنائية في سوريا،العراق، مصر، الأردن، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، ليبيا، الجزائر، تونس،والمغرب العربي بالإضافة إلى الجولات الفنية في لندن، مانشستر، باريس، ري ودي جانيرو، ساو باولو، بوينس آيريس، كندا واثني عشر ولايةً أميركية.

كانت كتابات المسرح الرحباني تهتمّ بالتاريخ، البلد، الأرض، المستقبل ومصير الفقراء المشترك مع التركيز بشكلٍ خاص على الفلكلور اللبناني وأيضاً المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسة في العالم العربي وأزمات فلسطين والجزائر.

نجح الرحابنة من خلال المسرح بتقديم جيلٍ جديد من المطربين أصبحوا نجوماً مشاهير في العالم العربي.

في عام 1957 قدّمت فيروز والأخوان رحباني أوبّريت فلكلوري في مهرجان بعلبك الذي أصبح لاحقاً حدثاً سنوياً.

كما كانت تشمل أعمال الرحابنة على الكتابة والألحان التي تمّ تقديمها في البرامج الدراسية لجامعات شهيرة في جميع أنحاء العالم مثل جامعة السوربون وهافارد وأكسفورد بالإضافة إلى جامعات لبنان والعالم العربي.

تواصل نشاط الرحابنة حتى امتدّ إلى السينما حيث ألّفا ألحان ثلاثة أفلام شهيرة: بيّاع الخواتم، سفر برلك وبنت الحارس.

كانت أول ضربة للثلاثي الرحباني هو انفصال فيروز عن عاصي عام 1978 أما الضربة الثانية فكانت وفاة عاصي عام 1986. بعد وفاة عاصي كتب منصور الرحباني وأنتج العديد من المسرحيّات الكبرى مثل: جبران والنبي، ملوك الطوائف، أبو الطيب المتنبّي، عودة طائر الفينيق، قدّاس المارون، زنوبيا وأيام سقراط الأخيرة كما أنه كتب أوبّريت صيف 840 حيث تعاون فيه مع أبنائه غدي كملحّن ومروان كمدير و أسامة ككاتب ومنتج وملحّن وبهذا بدلاً من أن يتقاعد فقد أصبح مؤسّساً لجيلٍ جديد من الرحابنة.

توفي منصور الرحباني في 13 يناير سنة 2009 تاركاً لنا تاريخاً فنيّاً وإنسانياً فرض وجوده واحترامه على العالم أجمع. تاركاً لنا مسرحاً ما زال يئنّ من غياب العمالقة الذين زيّنوه يوماً ما، مستبشراً بجيلٍ رحبانيٍّ جديد علّه يعيد له ألقه ومجده.

(عن الباحثون السوريون)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق