ثقافة وفن

بعدما صارت شعوبنا حبيسة العوالم الافتراضية … لمن نكتب؟

بوشعيب حمراوي

لسان المثقف العربي يردد.. لمن نكتب ؟
عادة ما يطرح الكتاب والأدباء والصحافيون والمدونون العرب وغيرهم من المهووسين بالكتابة، سؤال (لمن نكتب ؟)، ليس بهدف جرد وإحصاء قراءهم، ولا من أجل تصنيفهم. لأنهم يدركون مسبقا لمن يوجهون كلماتهم.. ولكنه يضل سؤال استنكاري على شاكلة سؤال العامية المغربية (لمن تعاود زبورك آداود ؟)، الموجه عادة لفئات المغفلين أو الذين يتعمدون عدم الإنصات. عادة ما يخيم الإحباط واليأس على بائعي الجمل والعبارات، والمتصدقين بها، عندما يتبين لهم أنهم كل ما قضوا الساعات من أجل نسجه، من مقالات وقصص وشعر وزجل وآراء وأبحاث ونصائح وعلوم..، ضلت حبيسة الكتب والمجلدات والجرائد والويب. ناذرا ما تلقى اهتمام عقول العرب وانشغالاتهم..
وقد ينتبه إليها البعض بعد وفاة مؤلفيها. باعتبار أن معظم العرب يفضلون أن يقرأوا لموتاهم. وهو ما يفوت على القراء فرص التحاور ومناقشة محتويات تلك المؤلفات بحضور أصحابها. كما قد يصادف أن تبادر بعض الجهات إلى ترجمتها إلى لغات أخرى حية بشعوبها وناطقيها. وتستفيد من مضامينها.
وإذا كانت الكتابات تؤثث للصالح والطالح، وتنشر الخير والشر.. وإذا كان المستوى الثقافي والتعليمي والأخلاقي لواضع تلك الكتابات يختلف بين العالي والداني والدخيل والمبدع و المقرصن والمدنس… فإن تلك العشوائية في النشر وغياب المراقبة والتصنيف والتصفيف والغربلة، تتسبب في تمييع الثقافة العربية، وفي انتشار وباء الإحباط، كما تزيد من نفور القراء والتقليص من عددهم. وتتسبب في انحراف حاسة القراءة وتلوث الذوق الفكري، لدى العديد من المغاربة بمختلف أعمارهم. بعد إصابتهم بسوء التغذية الفكرية، وبعد إدمانهم الخطير على قراءة التفاهات والفضائح والسخافة.. والاهتمام الكبير بالعناوين المثيرة.. والاستمتاع بسرد أخبار صحيحة أو باطلة تضرب في عمق الحيوات الشخصية للأفراد والجماعات.. بل إن هناك من بات يكتفي بقراءة العناوين، ونسج مقالات وقصص وأحداث من خياله، يتلذذ بسردها وسط الأصدقاء والزملاء.
لم نعد نسمع عن إعجاب أو وفاء قارئ لمؤلف أو كاتب رأي أو صحفي.. ولا عن وفاء لمنبر ما.. هناك كتب ومجلات وجرائد وطنية، يميل لاقتناءها بعض المغاربة، ليس رغبة في الاستفادة من مضامينها الثقافية والعلمية والمعرفية والمعلوماتية. ولكنها تدخل في إطار البروتوكول والمظهر المدني للقارئ ووضعه الاجتماعي أو انتماءه السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو.. وهناك أخرى يعرج إليها هواة الفضائح ومدمني الإثارة.. فيما تبقى البقية الباقية،إما حبيسة رفوف المكتبات والأكشاك، يتصفحها الذباب والحشرات والجردان، ويقضي حاجته البيولوجية فوقها، وناذرا ما يلمسها بشري.. أو تترك عرضة للشمس، لتتحول إلى كتب وجرائد صفراء اللون، علما أن مضامينها قد تكون جادة ومفيدة، ولا تمت للصفرة بصلة.. فيما يضطر بعض الكتاب والمؤلفين إلى سلك طرق (حفلات التوقيع) من أجل تسويق مؤلفاتهم..
عندما تنشر مقالة بجريدة ما، عن قضية أو حدث ما، فالمراد منها شيئان لا ثالثا لهما.. أن يتم توسيع نطاق العارفين بالحدث والقضية ليصبح حدث أو قضية رأي عام.. وأن يصل الخبر إلى الجهات المسؤولة، للتدخل من أجل التسوية والإنصاف.. وعندما لا يتم التدخل من أجل الإنصاف أو حتى معاتبة الصحفي إن كانت مضامين المقال غير صحيحة… فهذا يعيدنا إلى سؤال (لمن نكتب؟). كما أن الحكومات العربية التي تسعى إلى تقنين العمل الصحفي، وتنقيته وتطهيره.. . تتغاضى عن عشوائية أكبر المواقع الإكترونية (الفايسبوك، التويتر، اليوتوب، انستغرام،غوغل.. وغيرها من منصات التواصل الرقمي)،التي تعيث فسادا بعقوق شعوبها، في ظل عدم تقنين طرق الاستفادة منها. وجعلها آليات للتنمية، بدل من استعمالها في ضرب كل تاريخ و تراث العرب، وتمييع وتلويث حيواتهم الخاصة والعامة.
عندما نرى أن معظم العرب أصبحوا مدمني منصات التواصل الرقمي. التي تمكنت من تشغيل في مهمة مراسلين صحافيين، بدون بطائق مهنية ولا حتى هويات حقيقية..علما أن (الفايس والتويتر) وغيره من مواقع التواصل الرقمي هي الأذرع الحقيقية للجرائد الرقمية المرخصة من طرف الدول العربية، و أنها هي التي تقوم بتسويق مقالاتها وشرائطها وكل منشوراتها..
فلا نستغرب إذن إذا علمنا أن محاضر الأمن الوطني والدرك الملكي وقضاة المحاكم وممثلي النيابة العامة، تقرأ أكثر من بعض الكتب والمجلات والجرائد، وأن هناك صفحات على الموقع الاجتماعي (الفايسبوك) مثلا، بات لها صدى وتأثيرا أكثر من عدة منابر إعلامية ومؤسسات تعليمية.. بل إن كتب ومقررات المدارس، التي تثقل كواهل التلاميذ وجيوب الآباء، لا يتفحصها التلاميذ إلا بأمر مسبق من الأساتذة.. وأن معظم الأمهات والآباء يقرؤون مرغمين تلك الكتب ليلا، من أجل الإجابة على ما بها من أسئلة مفروضة على أبناءهم من طرف الأساتذة.
هذا عن المنشورات الصحفية والكتب المدرسية، أما الحديث عن باقي المؤلفات والأبحاث الثقافية والفنية والدينية والتعليمية. فهو حديث يزيد من إحباط المبدعين والمؤلفين. ويؤكد أن أزمة قراءة الكتب العربية، ليست وليدة ظروف أو قصور غير مقصود. وإنما هي نتاج مخطط يهدف إلى ضرب اللغة العربية، والغاية منه ضرب العقول العربية، وضرب الدين الإسلامي، ودستوره القرآن الكريم، الذي أنزله الله باللغة العربية الفصيحة.
والأكيد أن مخطط ضرب اللغة العربية، ماض في رسم وتنفيذ أهدافه. بدليل أن اللغة العربية المتداولة بين العرب، والتي تتضمنها كتب العصر الحديث، لا علاقة لها باللغة العربية الفصيحة التي تؤثث القرآن الكريم. وأن معظم العرب، يصعب عليهم فهم مضامين ومحتويات آيات قرآنية.
بل إن الدليل بات واضحا ومكشوفا، بعد أن خرجت الأسر العربية، لتتهم اللغة العربية بالقصور، وتنادي بتدريس أبناءها باللغات الفرنسية والانجليزية وغيرها من اللغات التي باتت في نظرهم مصدرا للعيش والرفاهية. علما أن اللغة العربية كاملة وشاملة وأن القصور يلازم عقولهم ومخيلاتهم.
فإن كانت هناك لغة عربية واحدة، فلماذا لا يتم توحيد المفاهيم والكلمات العلمية والتقنية بالتعليم المدرسي والجامعي؟ ولماذا لا يتم وضع قاموس عربي واحد للغة العربية، ومجلس عربي مهمته توحيد كل ما جد في عالم العلوم من كلمات.

الثقافة والتربية .. سجينة حقائب وزارية

بات من الواجب الانتباه إلى تلك الكائنات البشرية التي باتت تدعي المعرفة والفقه في كل شيء. تزاحم الشرفاء والكفاءات والكوادر. تفرض أفكارها وآراءها في تدبير شؤون كل المجالات. حتى لو كانت تافهة و تعارض القوانين المنظمة ودستور البلاد. فسدت وأفسدت التربية والثقافة والحياة العامة بكل تجلياتها. لا من يجتهد من أجل الوصول إلى حلول وبدائل، ولا من يقدم النصائح اللازمة، من أجل بناء (الوطن) الذي نريد. لن يكون المغربي (مواطنا صالحا)، بوطنية وغير أكيدة على سمعة وشرف البلد الذي يحتضنه. إلا إن تجسدت له تلك الروح في من يحكمونه، في سكونه و ترحاله. الوطنية لا تقف عند قيام المواطن بالواجبات التي يفرضها الدستور أو المهنة أو الوسط. لكنها تتجاوزه كل هذا، إلى التضحية والقيام بالأعمال التطوعية والمبادرات الهادفة. لتحقيق المبتغى لابد أن يكون للمواطن قائد وقدوة في قمة هرم المسؤولية. والقدوة تقتضي الكفاءة والأخلاق وحب خدمة الناس. كم من قائد منزل بمظلات السياسة والنقابة والولاءات. يفتقد لكل مقومات القيادة والقدوة. لن يرقى أبدا إلى مستوى الريادة. وكم من رائد حكم عليه بالتهميش والانزواء والاندثار التدريجي.
لماذا نحصر مصطلح (التربية) داخل حقيبة وزارة، علما أنه يخص الإناث والذكور بمختلف فئاتهم العمرية والمجتمعية. داخل المنازل والمدارس والدور القرآنية. وغيرها من المرافق التعليمية؟. ولماذا سميت وزارة التعليم الابتدائي والثانوي، بوزارة التربية الوطنية. عوض أن تخلص لأهدافها الرئيسية في التعليم والتكوين. وتكتفي باسم وزارة التعليم فقط أو التعليم والتكوين. وأن تعي بأن التربية الوطنية هي جزء من التعليم. المفروض أن يترسخ في كل مغربي أينما حل وارتحل. وأن برامج التربية الوطنية لا يجب أن تكون حكرا على التلميذ والطالب. بل يجب أن تتعداهما، لتصل إلى العامل والموظف والتاجر وكل فئات المجتمع. وأن تكون برامج جادة ودائمة التجديد والعصرنة؟.
لماذا نحصر مصطلح (الثقافة) داخل حقيبة وزارية. داخل دور ومراكز الثقافة التابعة لوزارة هي الأخرى تحتكر اسم (الثقافة) ؟. علما أن مفهوم الثقافة، يشمل حركات وسكون كل الناس في حيواتهم الخاصة والعامة. وأن مستوى المثقف يقاس بالرصيد المعرفي والإدراكي والتفاعلي، للأمور والقضايا والمشاغل الإنسانية التي تتعدى وتفوق وتتجاوز حقيبة وزارة الثقافة. والتي قد لا تكون لها علاقة بالرصيد التعليمي والعلمي و اللغوي.
لن نحصل على مسار تنمية صحيح ومجد دائم، ما دمنا نسجن التربية الوطنية والثقافة داخل حقائب وزارية. ونضع مفاتيح تلك الحقائب في أيادي من يحترفون السياسة والمهووسون بالتموقع والقيادة. الذين يمزجون كل برامجهم ومخططاتهم ورؤاهم بأهدافهم السياسية. ونواياهم الحزبية. ويسطرون برامج تظهر الثقافة، كواجهة أو (فيترينا) لأهداف ومقاصد تخدم نواياهم وأهدافهم الخاصة.
لن نحقق نموذجا تنمويا بديلا، ونحن نحصر (قيم المواطنة) في الخضوع والخنوع والامتثال للنخب. ونحصر الوطن في البلد، ونقيس درجة المواطنة بمستوى الولاءات للمسؤولين. لن نتقدم شبرا واحدا عن رفقائنا داخل عدة دول، العالقين منذ سنوات في وحل (الانتقال الديمقراطي)، والمصنفين منذ عقود ضمن ما يعرف ب(دول العالم الثالث) أو (الدول السائرة في النمو) .. ما دمنا لا نغذى أطفالنا وشبابنا بقيم المواطنة الحقة، التي تفرضها الإنسانية والطبيعة بكل تجلياتها. لن نرقى بتعليمنا وثقافتنا، في ظل ما يعرفه القطاعين من قصور وتجاوزات وثغرات.. وما دامت المبادرات والمخططات والمشاريع والرؤى الحكومية دخيلة ومستوردة، يسكنها الهاجس الأمني.
لن نختزل (قيم المواطنة) في الامتثال لقوانين ومساطر لا تخدم الإنسانية برمتها. لأنه من العيب والعار أن نسمي سلوكات تخدم فئة بشرية، وتضر فئات أخرى، بقيم المواطنة. قيم المواطنة يجب أن تدخل ضمن قيم الإنسانية المطلقة والمفروض أن تضمن حقوق وواجبات كل إنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه أو بلده. المواطنة الحقة تقتضي أن يحظى أطفالنا وشبابنا بالتربية اللازمة في كل المجالات السلوكية والتعليمية والثقافية والصحية والرياضية. وأن يكون هناك في قمة الهرم شرفاء يؤمنون بقدرة الأجيال على تسريع عمليات الانتقال بدون حاجة إلى دعم ملغم هم أصحابه ثرواتنا الطبيعية وتدمير طاقاتنا البشرية وإعادة الاحتلال. هي إذن دعوة للإيمان والتحلي بروح الإصلاح لمفاهيم التربية قبل الانكباب على تنفيذ إصلاحات في معظمها غير جادة، تزيد الشعب إحباطا ويأسا وانحطاطا. فكما أن الثقافة والتربية مفهومان لا يمكن أن تسعهما حقائب وزارية، وأن رقيهما يفرض إطلاق سراحهما، وتمكين روادهما من حرية التنقل بين كل القطاعات العمومية والخاصة. وتأمين حركيتهما.فإن المواطنة لن تقبل بربطها بنزوات حكام أو مسؤولين، ولن تعيش وتنمو في بلد حكومته تهمش وتحتقر الكفاءات والكوادر. وتجعل الجهلة والمفسدين قيمين عليها.فهل تستفيق النخب، من سباتها، وتدرك أنها ماضية في ضرب كل شيء جميل بهذا البلد الأمين. وأن ما تعيشه من نعيم اليوم، على حساب المستضعفين، لن يدوم. وعاجلا أم آجلا سيتحول النعيم إلى جحيم. لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب. والشعب المغربي مصر الآن وأكثر من أي وقت مضى على الإنصاف. وقد صمم على أنه لا بديل عن ثورة جديدة للملك والشعب. من أجل تبديد النخب الفاسدة. وإعادة هيكلة البلاد بالكفاءات والطاقات الجادة والخلاقة.

العوالم الافتراضية تحكم الشعوب

يبدو أن مصير الشعوب بات مرتبطا بمدى مناعتها تجاه وباء الشبكة العنكبوتية، وقدرتها على كيفية التعايش مع أنظمة العوالم الافتراضية وقراصنتها وشبكاتها الإجرامية. وأن الحروب الحقيقية التي تهدد أمنها واستقرارها ووجودها، لن تستعمل فيها الأسلحة النارية و النووية و الجرثومية والكيماوية وغيرها من مدمرات الحياة. بل هي تلك الحروب التي تدار داخل العوالم الافتراضية، والجارية حاليا بواسطة الحواسيب والهواتف. حيث الآلاف من الزعماء الافتراضيين والملايين من الجنود من كل الفئات والأجناس، ضمنهم المجندون دون علمهم. مسلحون بأسلحة الدمار الشامل للعقول النامية. شغلهم الشاغل تسويق الإشاعة والقرصنة والفوتوشوب والنصب والاحتيال وانتحال الصفات وغيرها من الوسائل التي يواظبون بواسطتها يوميا على تدمير القيم والأخلاق والهمم. وتفكيك الترابط والتلاحم داخل الأسر والمجتمعات. منشغلون بفرض وترسيخ عدم الثقة في نفوس الأطفال اليافعين والشباب. وتحقير القرارات والمبادرات و تيئيس المسؤولين و تبخيس المسؤوليات. زعماء وجنود يتقاضون أجورهم بكل العملات الأجنبية، في خدمة الأنظمة ذات النفوذ العالمي المالي والتقريري. تلك الأنظمة التي تصدر شبح الديمقراطية ووهم حقوق الإنسان لسكان العالم، علما أنها هي أول من يطعن في قلب الديمقراطية ويستبيح حقوق الشعوب. هي من تتغذى من هموم ومعاناة البشر. لا تجد حرجا في تسليح الشعوب للتناحر والتقاتل فيما بينها. واستعمال حق الفيتو داخل مقر الأمم المتحدة من أجل وقف قرار إنصاف شعب مظلوم أو تأديب نظام حليف لها. وهي تعلم علم اليقين أن (الفيتو) هو أكبر جريمة ترتكب عالميا في حق الديمقراطية. أجهضت حقوق شعوب وبخرت أحلام مستحقة.على الشعوب أن تبادر إلى اقتحام تلك العوالم الافتراضية، ولعب أدوارا القيادة والريادة داخلها. وتنقيتها وتطهيرها من تلك الكائنات البشرية التي تقضي الساعات في تعبئة وشحن الأطفال واليافعين والشباب بالحقد والكراهية والانتقام والانسلاخ عن الهوية والعقيدة والوطن. وتلويث أفكارهم ورؤاهم بسلوكيات مستوردة. وعليها أن تحولها إلى منابر للتربية والتعليم والتكوين وتبادل التجارب والخبرات والتواصل الإيجابي.
إن الشعوب النامية تؤدي ضرائب إدمانها على توظيف برامج وآليات وتكنولوجيات مستوردة في حياتها اليومية، بدون أدنى دراسة أو تقييم لمدى صلاحيتها و ملائمتها لواقعها العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والعقائدي. ضرائب يؤديها الشعب المغربي إلى جانب باقي الشعوب العربية. بسبب سوء استعماله للإعلام البديل، وعجز حكومته على تقنين القطاع الذي بات شغل من لا شغل له. وبسبب عدم توفرها على مفاتيح أبواب عوالم افتراضية، بات تسكن معظم المغاربة إلى درجة المس والإدمان. وفي مقدمتها العالم الأزرق (الفايسبوك)، أكبر جريدة الكترونية غير مرخصة. حيث كل المغاربة من وزيرهم إلى غفيرهم هم مراسلون لها بدون بطاقات مهنية ولا حتى بطاقات صحافية موقعة من طرف صاحبه الأمريكي (مارك زوكربيرغ)، بالإضافة إلى باقي العوالم (التوتير، الواتساب، اليوتوب..). التي فتحت أبوابها ونوافذها ومجاريها لكل الكائنات البشرية. لتتحول إلى أسواق عشوائية، تعرض فيها السلع الصالحة والفاسدة. عوالم يراكم أصحابها الأموال في كل ثانية. وتتسبب في انحطاط المجتمع وتدمير عقول مواطنيه. لم يلتزم المغربي بالمثل الدارجي الشهير (لبس قد يواتيك) الذي سوقه الآباء والأجداد. بعد أن انساق وراء ما تنتجه تلك العوالم، وأدمن على مسايرتها بالتدوينات والتغريدات والتعليقات دون أدنى بحث أو تدقيق لذلك المنتوج الإعلامي. علما أن معظم من يعرضون تلك المنتجات يجسدون عن ظهر قلب المثل المغربي( تيبيع القرد و تيضحك على اللي شراه). وأنهم لا يهتمون لأمر البلاد والعباد.. بقدر ما يهتمون بالمقابل المادي الذي يحصلون عليه مقابل تسفيه الحياة بالمغرب. حروب قذرة معلنة على الشعب و الحكومة والنظام انطلاقا من العالم الأزرق الأكثر ولوجا من طرف المغاربة، حيث وجد فيه الانفصاليون والمعارضون والمبعدون موطنا لهم، ومهدا لانطلاق هجماتهم وتهجماتهم. إلى درجة أن الفايسبوكيين بدئوا يفقدون الثقة في كل ما ينشر ويذاع بعالمهم الأزرق. وفقدوا معه الثقة في الإعلام البديل برمته.. وكذا رابط التواصل بينهم وبين ما يجري ويدور في بلدهم.
ولجنا عوالم رقمية، ولم نتسلح بعد بما يلزم لضمان العيش داخلها. ويمكن أن يتم تجريدنا من كل ثرواتنا وقيمنا والإلقاء بنا في مطارح ومتاهات يصعب الخروج منها. رجاء لا تتسرعوا في التخلص من الأرشيف الورقي لأنكم لا تمتلكون مفاتيح العوالم الرقمية. فشتان بين كتاب أو ملف أو ورقة نحضنها بين ذراعينا. و بين صفحات منصات رقمية تمتلكها شركات تفتحها بالمقابل ووفق شروط لها وحدها حرية تحديدها وتغييرها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق