سلايدرسياسة

الأسباب الحقيقية للانقلاب العسكري

الأستاذ الهادي هبَّاني

مهما استخدم البرهان وبطانته من أثرياء الحركة الإسلامية وتجار الاضطرابات والحروب الأهلية والإقليمية وعصابات الهيمنة والتهريب لموارد البلاد والمتاجرة بالعمالة والاسترزاق الدولي والإقليمي من مبررات للانقلاب الغادر فالسبب الرئيسي له هو حماية المصالح الاقتصادية لهذه المافيا في المقام الأول والأخير وحماية ما نهبوه من موارد الوطن والإبقاء على هيمنتهم الكاملة على 94% من موارد البلاد وإحاطتها بسياج حديدي من القوات والمليشيات المدججة بالسلاح وأجهزة القمع.

فلم تعد بضاعة الدين تجارة رابحة لهم بعد أن خبرتهم جماهير الشعب خلال 30 عاما بالنهب والسلب وسرقة المال العام تحت ستار الدين. ولا يعرف أحد للبرهان وعصبته الفاسدة خلاوي أو تكايا لوجه الله أو كرامات من كرامات أوليا الله الصالحين.

القصة وما فيها أن الأخوان المسلمين تمكنوا خلال 30 عاما من التمكين والهيمنة على الموارد وعلي الجيش وكل القوات النظامية بالكامل، وجندوا مليشيات نهب مسلح لا دين ولا عقيدة لها غير القتل والنهب والاغتصاب وانتهاك الحرمات وخلقوا من كل ذلك كيان عسكري كبير للكيزان وسياج حديدي يصعب اختراقه. وبجانب سرقتهم لموارد البلاد وتهريبها للخارج حولوا هذا الكيان الحديدي لمنظومة اقتصادية كبري لإخفاء الأموال المنهوبة من موارد الشعب واستثمارها لصالحهم في كافة المجالات الاقتصادية الرابحة منذ بدايات البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي 1990-1993م الذي وضعه عبد الرحيم حمدي وتاج السر مصطفي عرَّابي الخصخصة والتمكين للحركة الاسلامية الذي من خلاله خصخصوا ممتلكات الشعب ممثلة في شركات القطاع العام وطوروها لصالحهم من أموال الشعب نفسه، والتي تمددت وأصبحت تتمثل اليوم فيما يعرف بمنظومة الشركات العسكرية والأمنية التي تهيمن علي أكثر من 82% من الموارد حسب تصريح السيد رئيس الوزراء حمدوك في يناير 2020م ولكنها تتجاوز ذلك وتصل لحوالي 94%.

فلم يعد الجيش والقوات النظامية والمليشيات فقط أجهزة مؤدلجة تابعة للكيزان بل أصبحت اقتصاد خفي ضخم قائم بذاته يعمل خارج نطاق الاقتصاد الوطني ويهيمن علي كل المؤسسات الحكومية الهامة وتسخيرها لمصلحة هذا الاقتصاد الخفي أو المافيا الاقتصادية المتحكمة في كل شيء وعلي رأسها البنك المركزي، ووزارتي المالية والتجارة والمؤسسات العامة العاملة في مجال الخدمات والموارد النقدية المدرة للسيولة وللنقد الأجنبي كالجمارك والضرائب والطيران المدني والموانئ البحرية والتعدين والبترول والكهرباء وشركات تصدير اللحوم والمواشي والمحاصيل النقدية كالصمغ والسمسم والفول والأقطان وغيرها. وبالتالي ليس غريبا أن يسخِّر الانقلاب خزينة الشعب ممثلة في وزارة المالية لتمويل الانقلاب والصرف على قواته ومليشياته بما فيها حركات محاصصات جوبا، أو أن تمتد أياديهم لنهب احتياطي البلاد من النقد الأجنبي في البنك المركزي وتعيين تابعيهم وإعادة عدد كبير ممن تم فصلهم من لجنة إزالة التمكين إلى مناصبهم. كما استقوت هذه المافيا الاقتصادية الكيزانية الأصل بحركات محاصصات جوبا وتحالفت معها وأصبحت تتقاسم معها موارد البلد. فبجانب مؤسسات الكيزان المخفية في داخل المنظومة الاقتصادية العسكرية والشركات التابعة لمليشيات الدعم السريع فإن اتفاقية جوبا جعلت حركات محاصصات هذه الاتفاقية شريك وحليف مع العسكر في مص عرق الشعب بما يعادل 7.5 مليار دولار تدفع لهم بما يعادل 7.5 مليون دولار سنويا لمدة عشرة سنوات وتزيد عن قروض دولة واحدة فقط علي السودان كفرنسا البالغة حوالي 5 مليار دولار وهي لا تذهب لأهل الضرر في دارفور ولا تدخل في حوض استثمارات التنمية الاقليمية وإنما تذهب لقيادات هذه الحركات وهي قيادات لا تحتاج لتعريف ويكفي فقط ذكر مناوي وجبريل وأردول وهجو كأمثلة لها وسيفهم الشعب الرسالة.

وبالتالي لا يجب أن يخرج علينا من يسأل عن حصة الشعب السوداني في كل ذلك لأن الحسبة أصبحت واضحة. فإذا كانت هذه المافيا تهيمن على 94% من الموارد فإن باقي الشعب السوداني يعيش فقط على 6% من موارد البلاد بالإضافة إلى تحويلات السودانيين العاملين بالخارج والتي هي شحيحة في حد ذاتها. فهذا التحالف الاقتصادي المتحكم لن يسمح لأحد من الشعب السوداني منافسته، بل وسيكون قاسي على الشعب بمزيد من الضرائب والأتوات والرسوم بجانب النهب والسرقة المستمرة للموارد.

أما الإجابة على السؤال لماذا أقدمت هذه المافيا للانقلاب الانتحاري في هذه اللحظة بالتحديد فهي تتمثل في سببين لا ثالث لهما وأي أسباب أخري معلنة ستكون فقط للتغطية والتمويه والتضليل وهما:

أولاً: طالب صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر بتاريخ 21 يونيو 2021م بولاية وزارة المالية على إيرادات شركات المنظومة العسكرية والتي تمثل عصب الاقتصاد الموازي الخفي للكيزان، وأكد علي فرض الرقابة عليها من ديوان المراجع العام ووزارة المالية ومطالبتها بالإفصاح المالي عن أنشطتها وأدائها خلال فترة أقصاها نهاية ديسمبر 2021م تمهيدا لاستكمال تبعيتها لوزارة المالية بالكامل خلال عام 2022م. وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا في مآلات هذه التبعية وكيفية هيكلتها من قبل صندوق النقد الدولي فإن هذه المطالبة تمثل ضغطا وتهديدا كبيرا لمصالح المافيا المتحكمة في هذه المنظومة الاقتصادية. ولا يقف الأمر في حدود المطالبة بتبعية هذه المؤسسات لخزينة الدولة، بل تم ربط ذلك بالمطالبة بهيكلة القطاع المالي والمصرفي وتحقيق استقلالية بنك السودان المركزي مما يعني فقدان هذه المافيا لهيمنتها الممتدة لعهود طويلة على كل مفاصل القطاع المالي والمصرفي وعلي رأسها البنك المركزي وبالتالي فإن السبب الرئيسي للانقلاب هو قطع الطريق أمام استكمال هذه التبعية علما بأن هذه المافيا ظلت منذ بداية الفترة الانتقالية لنشاطها عام 2019م تضع العراقيل أمام استكمال تبعية هذه المؤسسات الاقتصادية لوزارة المالية.

ثانياً: نجاح لجنة تفكيك التمكين في مصادرة وإرجاع أموال وأصول مقدرة من الأموال المنهوبة التي تدخل ضمن الموارد التي تهيمن عليها المافيا المذكورة بشكل أو بآخر وإن كانت بأسماء شخصيات أخري غير عسكرية وفي نفس الوقت فقد قطعت اللجنة شوطا طويلا للكشف عن فساد كبير مرتبط بهذه المنظومة العسكرية كاقتصاد خفي موازي وعلاقة بعض الأجهزة العسكرية والمليشيات المصنفة معها بهذه الملفات. ولذلك فقد وصل الصراع قبل الانقلاب بين المكون العسكري الذي يمثل الذراع الاقتصادي والأمني للمافيا الاقتصادية المتحكمة وبين لجنة التمكين لصراع تناحري مكشوف وليس غريبا ان تكون أولي الإجراءات التي اتخذها الانقلاب هو حل لجنة إزالة التمكين واعتقال قياداتها وأعضائها وتعيين أحد منسوبي المافيا الاقتصادية نفسها رئيسا لها.

الخلاصة أن السودان تحكمه مافيا اقتصادية لا علاقة لها بدين ولا تقاليد ولا مبادئ وكل ما يهمها هو استمرار هيمنتها علي الموارد والأصول المالية التي راكمتها منذ 1990م وحتي اليوم بطرق غير مشروعة علي حساب الشعب وأنها تحرس هذه الأموال بشبكة عسكرية محكمة مؤدلجة تماما تابعة لها مدججة بعتاد عسكري وأجهزة قمع متطورة وسياط مسلطة علي الشعب ولا يهمها أن تتحقق تنمية في السودان أو أن ينهض الشعب السوداني لمصاف الدول المتقدمة، ولا يهمها إن قام العالم بإعادة تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب أو عاد قطاعه المالي والمصرفي أو اقتصاده للعزلة الشاملة مرة أخري، أو إن توقفت الإعانات والتدفقات المالية من الخارج. فهم في حلٍ من العالم طالما أن شبكة اقتصادهم الخفي غير المشروع له قنواته وشبكاته غير المشروعة التي ظلت فاعلة طوال الحقب الماضية منذ 1990م وإلى تاريخ اليوم. وبالتالي فليس أمام الشعب خيار ثالث إما مواصلة المقاومة المدنية السلمية الحاشدة الضاغطة حتى اسقاط هذه المافيا والرمي بها في مزبلة التاريخ واستعادة الوطن وثرواته وفتح آفاق النهوض والتقدم أو الاستسلام للقهر والفقر والتخلف تحت هيمنة هذه المافيا التي لن ترحم أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق