سياسة

انتهازية ولؤم الكيزان لا حدود لها

شوقي بدري

شاهدت البارحة فيديو لكشة في منزل في الابيض عروس الرمال. تم الكشف على كميات ضخمة من الادوية بعضها من الادوية المنقذة للحياة غالية الثمن وحتى الانسولين الذي من المفروض أن يكون في ثلاجات للحفاظ عليه. تلك الكمية الضخمة التي امتلأت بها الساحة كانت منتهية الصلاحية. وفي نفس اليوم انتشر فيديو لمخبز في العيلفون قد قام بصناعة الخبز من الدقيق المدعوم ليكتشفوا أن الدقيق مخلوط بالروث والامباز وهو علف للحيوانات. وتم فتح بعض الجوالات وكان الدقيق مخلوطا بالروث والامباز. والمفروض إذا كانت هنالك شرطة أن تقوم بالهجوم على المطاحن اعتقال الجميع وتعريضهم لتحقيق صارم. وعند التوصل للمجرمين يتلقون عقوبات طويلة المدى.

لقد افتخر الكيزان بعد أن سرقوا السلطة بليل بأنهم قد خربوا الاقتصاد صنعوا الازمات أعدموا الدواء والخبز في عهد نميري بعد أن اخترقوه. وتم اسقاط النظام. وكرروا كل هذا وبطريقة أقسى والعن في عهد الصادق بالرغم من انهم كانوا حلفاءه وغدروا به. أن ابليس ليخجل من اعمال الكيزان. الكيزان ما دخلوا بلدا مدينة قرية، حلة، نادي جمعية او جماعة الا خربوها.

تذكرت أن رئيس حزب المؤتمر ابراهيم الشيخ قد تعرض لمعاملة غير كريمة عندما كان معتقلا في سبتمبر 2014 ومن كان خلف تلك المعامالة هو الفريق طبيب محمد الحسن الذي قضى خمسة سنوات قبل أن يتحصل على الدكتوراة من جامعة و لوند الشهيرة في السويد. ولم يتعلم الدكتور الهمام في الخمسة سنوات تواضع البروفسورات السويديين واصرارهم على مناداتهم باسمهم الاول وبدون القاب وتفانيهم في احساس المريض بانه المخدم والمالك للمستشفى. وملابس البروفسر الطبيب الصغير الممرض وكل من يعمل في المستشفى متشابهة تماما ولا يسمح حتى بالخاتم او الساعة.

قرأت قديما عن المعاملة الغير كريمة التي واجهها الزعيم ابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر. وورد اسم الطبيب فريق محمد الحسن في الشرطة السودانية. فرجعت بذاكرتي الي الثمانينات. فلقد كانت اسكندنافية تقدم منحا ومساعدات الي السودان. ولكن منذ السبعينات صارت البعثات تكاد ان تكون حصرا على الكيزان.

الدنماركيون كانوا يأتون بالزراعيين والبيطريين. والسويديون وقعوا اتفاقية مع جامعة الخرطوم لتقبل الاطباء السودانيين بدون دفع الرسوم التي كانت 30 ألف دولار لدول الخليج والدول الاخرى. شاهدت حفل توقيع الاتفاقية في بداية الثمانينات ووقعها البروفسر ابو سمرة. كما استضافت جامعة البحرية العالمية الطف البشر من الكباتن السودانيين لدراسات عليا ومنهم الاداريون والمهندسون الخ وكان بينهم اخوة في منتهي الحلاوة والظرف. كان الانسان يهرع إليهم ويستمتع بوجودهم. وتغير الحال بحضور الكيزان. ولم يكن عندهم هم سوي ادخار المال والتقتير واثارة المشاكل وفركشة التجمعات والجاليات، بل تخريب العلاقات الاجتماعية. ولهذا لا اندهش لما يقوم به الكيزان من قفل الطريق خط الانابيب وكل الجرائم. الاطباء كانوا يأتون الي السويد خاصة جامعة لوند في جنوب السويد. وكانوا لا يترددون من طلب المساعدة في ايجاد الشقق والتوصيل ويتلقون المساعدات بشهية مفتوحة ولكنهم لا يدعون الاخرين الي مناسباتهم او منازلهم. في 1987 وصل ثلاثة من الكيزان. أحدهم كان الدكتور محمد الحسن وهو من الشرطة. وكان مصحوبا بأسرته. وزعيمهم كان دكتور مصطفي من جامعة الخرطوم. وكانت له جعجعة الكيزان ومظهرهم وانتهازيهم وحبهم لإثارة المشاكل. والثالث كان رقيق العود قليل الكلام وهو دكتور ارباب من جامعة الخرطوم ويحمل ملامح اهل دارفور. الكيزان عادة مثل الضباع والذئاب لا يمثلون خطرا، عندما يكونون كأفراد. ولكن عندما يجتمعون يتعاملون بلؤم الضباع. ولا يتركون فرصة او سانحة للأضرار بالآخرين.

قبلها بسنوات تعرض الاخ شاكر عبد الله مكي لحادث سير بسيارته الفورد كابري. وناضل الاطباء لإنقاذ حياته. وتمكنوا من انقاذ حياته، الا انه تعرض لشلل شبه كامل. وفي تلك الفترة كانت العلاقة بين الجالية السودانية في حالة رائعة. واهتم الكثيرون بشاكر خاصة مجموعة لند. وهي المدينة الجامعية التي سكن فيها.

وتبرع السيد رافالد هو صاحب أكبر مركز للتمارين الرياضية ومدرب والمشرف على فريق مالمو لكرة القدم، بان يسمح لشاكر ان يتدرب في ناديه بدون مقابل. ورافالد هو جد أملى ابنة حسين خضر ود الحاوي. وكان شاكر يحضر مرتين في الاسبوع لمالمو بواسطة سيارات نقل المعاقين. ويترك حسين المكتب لمرافقته. وقد يرافقه شقيقي اسعد. وكنت ارافق حسين في بعض الاحيان. واستمر هذا الاجراء لسنين عديدة. والشي المهم ان شاكر يترك جو المستشفى ويحظى ببعض التغيير. وكان رافالد وابنه يتقاضون مبالغ طائلة من الاغنياء لخدماتهم. وكان أشهر انسان في مجاله.

وبدا اسعد بدري في استضافة شاكر في منزله في نهاية الاسبوع. وتعلمت منه انا مساعدة شاكر في التخلص من البراز والبول بدلك وضغط خاص في البطن والمثانة. وصرت استقبل شاكر في منزلي كذلك. وكانت عملية نظافة قروح الفراش العميقة تجربة مفيدة بالنسبة لنا.

اذكر انني ربط علاقتي مع من يطلب اي خدمة بعلاقة الشخص بشاكر وهل ذهب لزيارة شاكر؟ وبما اننا كنا نقيم مباريات كرة قدم اسبوعية وحفلة شواء فكنا نكلف من يحضر شاكر من المستشفى. وذهبت في اول مناسبة لزيارة اسرة شاكر في بري المحس. واوصلني لهم الاخ مأمون محمد الامين شقيق الدكتور ابو بكر محمد الامين. ووالد شاكر عبد الله مكي شخص مشهور في بري وهو طباخ مناسبات. وصارت شقيقة شاكر تأتي بانتظام الي السويد. وتحصل شاكر على تعويض جيد من التامين. ساعد به اهله كثيرا في السودان.

وبعد جهد تحصل شاكر على شقة خاصة في وسط المدينة بمواصفات خاصة وسرير يساوي 40 ألف دولار يقوم بتقليب شاكر حتى يتفادى قرح الفراش التي هي السبب في موت كثير من المشلولين وكبار السن. وبدأ السودانيون في التواجد معه باستمرار فالمنزل صار محطة تلاقي بسبب موضعه الاستراتيجي في وسط المدينة، الى أن اتى مغول العصر.

وبعد ظهور الثالوث الكيزاني تمترسوا في تلك الشقة وصارت وكرا للكيزان. واظهر من كانوا يجاهرون باشتراكيتهم ونضالهم السياسي والطلابي، انيابهم وانتمائهم الكيزاني. وفي إحدى زياراتي العادية لشاكر وجدت هجوما من ضباع الكيزان. وان شاكر انسان مريض لا يصح ان يكون معه الا من يقربونه الي الله. ومن يدعون لشفائه، ومن يتقبل الله دعاءهم. وتكرر الامر بهجوم مركز. ولم يكن امامي الا ان اسأل شاكر. الا انه أكد لي ان كلام دكتور مصطفي هو الكلام الصحيح. فخرجت ولم اذهب الي شاكر بعدها. وكانت تلك اول بادرة لانشقاق وعدائيات وجو خانق لا يزال يؤثر في تلك العلاقة التي كانت مثالية. هكذا هم الكيزان اينما ذهبوا.

الغريبة ان دكتور مصطفي كان يريد ان يرسل مالا بسرعة لوالدته للحج الجراح وهو شيوعي ويحمل ابنه اسم راشد. وطلب مني ايصال المبلغ لدكتور في كلية الطب اعطاني اسمه ورقم تلفونه. بالقرب من معمل استاك. وقمت بتوصيل المبلغ قبل ان اذهب الي امدرمان. وكنت اسائل نفسي، لماذا تطلب مساعدة من انسان تهاجمه، وتنصح الآخرين بالابتعاد عنه؟ وتأكد لي ان الكوز لا يختشي ولا يتردد من استغلال الآخرين ولا يترددون من استغلال الآخرين.

بعدها بفترة اتاني ابن عم دكتور ارباب واسمه مصطفى ارباب مرسلا من بعض الاصدقاء في الامارات. وكان يسكن في شقة طليقتي التي كانت عند اهلها في النرويج. وكان دكتور ارباب يسكن معه لفترة ويقابلن في شقة طليقتي بلطف. وتأكد لي ان الكوز لا يتورع في التعامل مع الشيطان لمصلحته.

دكتور محمد الحسن كان اكثرهم معقولية. وكانت مقابلته مرحبة وكان يستطيع الابتسام والتواصل. ويبدوا كانسان مهذب. وليس بحاقد. ولكن نعود الي سياسة الضبع الذي قد يكونوا مسالميا ولكنهم شرسون عندما يجتمعون.

وبينما انا جالس في المكتب رن جرس الباب واتتني السكرتيرة، اقنيتا، بسوداني فرحت بمقدمه. وعرفت بان أحد السودانيين قد اوصله الي المكتب ولم يتكرم بالدخول. وكانت لنا شقتين في وسط البلد للضيوف احداها في شارع، بالتسا، والأخرى في قاس فيركت. وعرفت انه قريب الدكتور محمد الحسن ولكن لا يستطيع ان يواصل السكن معه لان عنده شقة من غرفة نوم واحدة وهو يستضيف فتاتين. واسم الشاب كان ابراهيم القاضي. وبعد اكمال العمل في اليوم التالي اخذت الاخ ابراهيم القاضي الي لند لإحضار اغراض ابراهيم. واكتشفت ان كل ما كان يمتلكه الشاب هي الثياب التي على ظهره. حتى البالطو كان مستلفا من الدكتور محمد الحسن. وكان الشاب يطلب اللجوء السياسي هربا من حكم الكيزان. وهو يسكن عند أحدهم!! انها المحن السودانية. وكان الكيزان قد استلموا السلطة. ولماذا من كل البشر أرسل محمد الحسن قريبه الي الشخص الذي لا يصلح لزيارة شاكر المشلول؟ ولماذا نتساهل نحن مع الكيزان ونتعامل معهم بالصدق والعشائرية السودانية؟ لقد كان ابراهيم القاضي من الشباب المتعب كثير الطلبات. ترك فاتورة تلفون ضخمه وعبثية لأنها كانت 2 ألف دولار لفترة بسيطة اقل من شهر. قبل ان يذهب الي معسر اللاجئين وانقطعت اخباره.

وبينما الدكتور محمد الحسن خارجا من مطعم ماكدونالد قابل الاخ محمود اسماعيل ابراهيم. وسأله محمود لماذا يأكل في مطعم ماكدونالد بينما يحذر محمود اطفاله والجميع من اكل اللحم الغير مذبوح بطريقة اسلامية؟ فقال له الدكتور ياخي مالك علينا؟ اكلة سريعة ورخيصة بتريح الزول وتخليه يلحق المحاضرات!

في سنة 1992 اتصل اخي محمود اسماعيل ليخبرني بأن السفير السوداني موجود في جامعة لند بمناسبة تخرج الاطباء حملة الدكتوراة. فطلبت منه ان يخبر السفير بأن يذهب الي الجحيم. ورجع محمود ليقول لي ان السفير يقول لي، انه زميل اخي ابو قرجة في الكلية الحربية. وهو من ابناء امدرمان وأننا كنا نستأجر منزلهم في زريبة الكاشف وان اسمه محمد احمد زين العابدين. فذهبت الي حفل التخرج. على بعد 20 كيلو متر. وكان الجميع يقفون خارج القاعة. فلامني الفريق محمد احمد بسبب رفضي الاول. فقلت له أنى لم أكن اريد ان احضر حتى لا اقابل هؤلاء. واشرت للثالوث. فقال لي الفريق ان مهمته قد انتهت. وانه يريد ان يرافقني.

وبعد خطوات قال لي الفريق انه لم يحظى بفطور. وبالعفوية السودانية طلب اخذه لمطعم. ولاحظت ان أحد الكيزان بلحية وملامح دارفورية يتابعنا. فغسلته بعدة نظرات غير مرحبة. وبعد المطعم توقعت ذهاب الكوز. الا انه واصل معنا الي المطار. وفي المطار قمت باستفزازه وشتمت النظام والانقاذ والكيزان. والرجل يبدو فرحا لكلامي. اضطررت لسؤاله لماذا يرحب الكوز بشتم الكيزان. فضحك بشدة. وقال لي انه لاحظ كل الوقت نظراتي. وكان يعرف انني قد صنفته ككوز. وهو من اعداء الكيزان. وكان ذلك هو الدكتور عبد الله سبيل من ام كدادة. ولم يكن ليتحصل على بعثة مثل الآخرين، وهو المستحق الاول، لأنه ليس بكوز. وكانت شركة قامبرو المتخصصة في غسيل الكلي قد احضرته لكورس. وباجتهاده الخاص وبعد سنتين. جلس لامتحان الاخصائيين السويديين وتحصل على أحسن نتيجة من بين مئتين من الاطباء.

وبعد المطار ذهب دكتور سبيل لقضاء الليل معنا. وصرنا لا نفترق وكان قضاء عطلة نهاية الاسبوع معنا من المكملات لحياتنا. وكانت رفقته من أجمل ما عشت في الغربة. وكان شخصا مطلعا وسريع البديهة خفيف الظل. ويؤلمني ان اقول ان تجاربنا مع الكيزان جعلنا في بعض الاحيان نظلم آخرين.

عرفت من بعض الاخوة ان دكتور محمد الحسن قد حضر الي السويد بعد تخرجه. واشار البعض الي ان الكيزان لا يبلغون عن سفرهم للضمان الاجتماعي ويتواصل ضخ الفلوس في حساباتهم. وهذه هي فلوس الاطفال. وتصرف لاي طفل اقل من 18 سنة بطريقة تلقائية. وكان البعض يتحدث عن التبليغ عنهم. وكنا نرفض لان التبليغ حسب فهمنا تصرف غير اخلاقي.

الآن عندما اقرأ عن فريق شرطة اسمه محمد الحسن وهو طبيب، قام بإساءة معاملة الزعيم ابراهيم الشيخ. وأتساءل هل هذا نفس الدكتور المهذب والبسيط الذي مكث في السويد لخمسة سنوات؟ وكان على عكس الآخرين اقل لؤما. ام هل غيرته السلطة ولقب الفريق؟ وهل اتحاده مع الاخرين ووجوده في بيئة الكيزان جعله يتصرف كباقي القطيع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق