غير مصنف

“المثقف الخدعة”

نعم كنت هناك! كنت في تلك اللقاءات المنظمة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وشعرت بعدها بإحساس واحد فقط أن هناك فجوة عميقة بين من يتحدث على المنصات الثقافية وبين تلك النساء الأميات في الجبال البعيدة. هذه امرأة و تلك امرأة مختلفة. وكأن لا واحدة منهما تعرف بوجود الأخرى.

هذه الأنيقة فوق المنصة بعطرها الفرنسي وفستانها الفاتن وتلك الفلاحة في الحقول تعد خبز الفجر وتلف على خاصرتها ثوبا دافئا يرد عنها برد العوز.

لا هذه تعرف ما تحتاجه تلك، ولا تلك تسمع بخطب هذه على المنابر في الثامن من مارس كل سنة.

أية حماقة هذه أيها العالم المجنون؟

من سمح لهؤلاء المناضلات بالتحدث باسم كل النساء؟

ألا تمارس المناضلات وصاية على النساء البسيطات؟ على كل امرأة لا منبر لها!

أليست هذه وصاية؟ حين تزعم مثقفة على المنبر أنها تعرف ماذا يليق بأي امرأة و بكل النساء؟

هل كل امرأة تشبه كل النساء؟ هل لابد أن تشبههن؟

أم المطلوب أن تسعى النساء البسيطات أن يتشبهن بالمثقفات؟

المثقفات اللواتي يقفن مفتخرات بشواهدهن الجامعية ولباسهن العصري وسياراتهن الفاخرة؟

هل لابد أن نشبه بعضنا البعض؟ أن نصير كلنا نسخا مكررة؟

هل لابد ان نتصارع يوميا لنقلد نموذجا معينا؟ ثم من وضع هذا النموذج؟

ألا يحق لكل امرأة أن تحدد هي بنفسها لنفسها ماذا تلبس، ماذا تأكل، وكم يكون وزنها؟ أليست هذه أبسط الحقوق؟

هل هناك نساء يحق لهن تحديد كيف يفكرن، بل وأيضا كيف ينبغي أن تفكر باقي النساء، و فئة من النساء لا يسمح لها إلا بالتطبيق؟

فئة لا يسمح لها أن تفكر ولا أن تشارك في اتخاذ القرارات، يجب عليها فقط تنفيذ قرارات الآخرين.

ألا يبدو هذا الأمر مثيرا للاستغراب؟

في السابق ثارت نساء على تعنت المجتمع الذكوري واتهمت الرجال بأنهم يفرضون الوصاية على المرأة. بعدها اكتشفنا (وهذه وجهة نظري الشخصية) أن حتى هذه الفئة المناضلة تمارس أيضا نوعا جديدا من الوصاية على المرأة، ربما دون أن تدري أو ربما بحسن نية.

العديد من النساء المناضلات يتحدثن باسم كل النساء وكأنه فعلا أي امرأة هي كل النساء.

لا امرأة تشبه أخرى! المرأة تشبه الرجل في كونها كائن مستقل مثله لها الحق في الانفراد باختياراتها وقراراتها دون وصاية أو رقابة. هذا نعم أما أن أي امرأة هي كل النساء فهذا غير صحيح.

ثم من قال أن تلك المناضلة بانتمائها الحزبي أو تفوقها الدراسي أو حتى نجاحها المهني تستطيع أن تتحدث باسم كل الأخريات اللواتي لا يشبهنها في شيء ولا تعرف عنهن شيئا.

أية حماقة نرتكبها في غفلة من فطرتنا السليمة؟

هل قدر المرأة البسيطة أن تهرب من وصاية الرجل في مجتمع ذكوري إلى وصاية المرأة في مراكز القرار؟

الاختلاف وحده دليل على الحرية. فلماذا لا يحق لنا أن نكون مختلفين؟

إن كل من يدعو لتغطية المرأة دون إرادتها لا يؤمن بالاختلاف.

وكل من يدعو لتعرية المرأة دون إرادتها لا يؤمن بالاختلاف أيضا.

الاجبار على التغطية لا يخلق الفضيلة والاجبار على التعرية لا يخلق التحرر!

هل كل ما يحدث خدعة؟ هل المثقف خدعة؟ هل نحن جميعا خدعة؟

في أية لحظة فقدنا مصداقيتنا؟ في أية محطة خسرنا أنفسنا؟

وأنا أنظر لدمعي ذلك المساء في المرآة كنت أهمس له بصوت جلال الدين الرومي:

دع عنك معابدهم المشحونة بالرياء، وانصب محرابك في قلبك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق