سياسة

صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون

ونحن لا ن ستغرب سوء الفهم، وسوء النية، من أي إنسان بقدر ما نستغربهما مِمَنْ يحملون الأقلام، ويتصدون لتوجيه الرأي العام، ويجدون المداد، والورق، موفوراً لديهم، لأن الشعب يثق فيهم، ويقبل على ما يكتبونيدفع ثمنه من حر ماله، ويقبل عليه يقرأه، ويستظهرهمن مثل هؤلاء يستغرب سوء الفهم، ويستغرب سوء النية.. بل من مثل هؤلاء قد لا يقبل صرف ولا عدل.. لأن في عملهم خيانة لأمانة الثقافة، وخيانة لرسالة القلم، وخيانة لأمانة الثقة.. الثقة الغالية التي أودعها الشعب في حملة الأقلام“.

محمود محمد طه

البروفيسور عصام البوشي: “الكتاب الذي بين أيدينا كتابٌ عظيمٌ وجليلٌ وخطيرٌ.. وهو كتاب يقف بنا في مفترق  الطرق، ويؤرخ لمرحلة جديدة وفريدة في كتابة وصناعة التاريخ “.

البروفيسور عبدالله علي إبراهيم: “هذا كتاب فحل.. وهو فحل في معان أدق. فهو مكتوب  عن حب لرجل من السلف الصالح هو الأستاذ المرحوم محمود محمد طه في حين تستفحل ظاهرة شواء هذا السلف من غيره من الخلف في غياهب النكسة السودانية المعروفة“.

الدكتور محمد مستقيم: “يتضمن هذا العمل الضخم ثمانية عشر فصلاتجعلنا أمام موسوعة فكرية شاملة، ملقيا الضوء على أحد الرموز الفكرية العربية والسلمية ودوره في الدفاع عن الحرية والتنوير والفكر العقلاني النقديعبر أطروحات جريئة عجز خصومه عن الرد عنها بالفكر والسجال لجِوا إلى الأسلحة القديمة وهي التحريض على القتل لينتهي الأستاذ شامخا أمام المشنقة شهيدا للحرية والعدالة والفكر المستنير“.

الدكتور حيدر إبراهيم: “يعطي المؤلف درساً في التوثيق المحكم واليقظ والمتابع. إذ يبدو وكأنه يريد أن يقول: لن أفرط في الكتاب من شيءإن الكتاب في حقيقته هو محاكمة للمثقفين السودانيين، والاكاديميا، والإعلاميين وكل من ساهم في تجاهل الاستاذ محمود أو تعمد اخفاء سيرته ومساهمتة المقدرة والمميزة“.

الأستاذ فيصل محمد صالح: “هذا كتاب ثقيل في الوزن المادي وفي محتواه الفكري والثقافي والسياسيهذا كتاب يستحق القراءة، وهذا الكاتب يستحق الانتباه له ومتابعته، فمشروعه الفكري والثقافي قد بدأ، وما زال في جرابه الكثير“.

محمود محمد طه أو سيرة المثقف المجدد

بقلم الدكتور محمد مستقيم، أكاديمي وكاتب

جامعة الجديدة، المملكة المغربية

صدر مؤخرا عن دار رؤية بالقاهرة 2014م كتاب علمي متميز للكاتب والباحث السوداني عبد الله الفكي البشير، تحت عنوان :” محمود محمد طه، صاحب الفهم الجديد للإسلام: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، وهو عبارة عن دراسة مطولة (1278 صفحة) عن أحد الأسماء المؤسسة للمشهد الثقافي والسياسي في السودان المعاصر (محمود محمد طه :1909م-1985م) والذي لجأت السلطات في عهد ال رئيس النميري إلى إعدامه سنة 1985م بسبب أفكاره التي تدعو إلى تجديد الفكر وتحرير البلد والدفاع عن النظام الجمهوري. ويرى المؤلف بأن إعدام محمود طه قد تم بشراكة واسعة وعبر تحالف إسلامي عريض. فقد مثل الجهل والعقل القديم والانتماء للماضي، حلفاً في مواجهة الجديد والانتماء للمستقبل. كان قوام التحالف الإسلامي الفقهاء والقضاة الشرعيين والحركات السلفية، والمؤسسات الإسلامية والدوائر الدينية الإسلامية التقليدية التي افتت بردة الأستاذ محمود عن الإسلام، وتبنت معارضته ورفضت مشروعه، في السودان، حيث القيادات الحزبية والفكرية الإسلامية التقليدية، وهيئة علماء السودان، والمعهد العلمي بأم درمان (أزهر السودان). وفي مصر حيث الأزهر وبعض مشايخه وخريجيه. وفي المملكة العربية السعودية حيث الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وغيرها من أطراف الحلف.

يقول المؤلف بأنه عالج في هذا الكتاب موضوعه من خلال تناوله لقضايا عديدة ومتداخلة، وبتقاطعات لمجالات مختلفه منها: التاريخي والفكري والثقافي والسياسي والاجتماعيإلخ، لهذا فقد داخل الكتاب في معالجته بين مناهج بحثية مختلفة: المنهج التاريخي، ومنهج مقارنة القرائن، والمنهج الوصفي، وكذلك المنهج الوصفي التحليلي، سواء كان تحليل النص في داخله، أو تحليل النص عبر مقارنته بنصوص أخرى، أو عبر مقارنته بالوقائع، مع الحرص على الالتزام بالمنهج التوثيقي، حيث توثيق الاقتباسات والنصوص وتثبيت مصادرها. ولأجل جمع البيانات والمعلومات، مع الاطلاع على المصادر الأولية: كتب الأستاذ محمود محمد طه، ومقالاته وبياناته ومناشيره في مصادرها الأولية وهي الدوريات منذ العام 1935م، إلى جانب جلساته مع تلاميذه، ومحاضراته العامة وندواته المسجلة بصوته أو تلك التي نشرت ملخصاتها في الدوريات، إذ كان التلخيص هو النظام المتبع قبل بداية دخول التسجيل الصوتي عام 1963م لنشاطات الإخوان الجمهوريين. كما سعى المؤلف للاطلاع على أكبر قدر ممكن من التقارير والوثائق والندوات إلى جانب الكتابات النقدية لمشروع الأستاذ محمود، سواء كانت لأفراد أو مؤسسات: الكتب والرسائل الجامعية والأوراق العلمية والمقالات والبيانات،إلخ والتي بدأ نشرها منذ ستينات القرن العشرين وحتى يومنا هذا. مع الوقوف على بعض هذه المصادر والوثائق في دار الوثائق القومية في الخرطوم، وفي دار الكتب والوثائق القومية، في القاهرة، مصر.  كما بين المؤلف بأنه رجع إلى نحو ألف مصدر ومرجع، وحرص حرصاً شديداً على أن يطلع بنفسه على أي مصدر أو مرجع استعان به، مستبعدا أي مصدر أو مرجع لم يطلع عليه، والمصادر والمراجع كلها مثبتة في قائمة المصادر والمراجع.

يؤكد المؤلف بأنه يقدم نفسه في هذا الكتاب بوصفه باحثاً مستقلاً، يسعى إلى التنقيب والفحص والتمحيص وإعمال الحس النقدي من أجل إجلاء الحقائق وكشف الوهم وزيف الواقع وفقاً للأسس العلمية والمعايير الأخلاقية. ساعيا إلى المساهمة في الحوار بما يحقق التحرر من سلطة القطيع في قراءة الأستاذ محمود، والمساهمة في نقل التعاطي مع الأستاذ محمود وسجال المثقفين والمفكرين الإسلاميين والأكاديميين الباحثين وغمار الناس معه، من وضع العداء الجماعي الموروث للأستاذ محمود والمؤسس بالوكالة الفقهية، والمستمد من الوصاية على العقول، إلى وضع اتخاذ الموقف الفردي بعد قراءة الأستاذ محمود ومن ثم اتخاذ الموقف المناسب بعلم وصدق وشجاعة سواء كان الموقف احتراماً أو اختلافاً. أيضاً، من المهم الإشارة إلى أنه ليس الغرض من هذا الكتاب الانتصار للأستاذ محمود البتة، فالانتصار قد تم يوم الشموخ على المشنقة. وهذا هو الانتصار المستمر المتجدد والذي يتنسب له الناس في كل يوم جديد، فالانتساب ليوم الصمود على المشنقة هو انتساب للكرامة والعزة والشهامة وانتساب للإنسانية. كما أنه ليس من أهداف هذا الكتاب المحاكمة أو التجريم أو المساءلة؛ وإنما المراجعات وفتح الملفات للنقد وتصحيح المسار. فهذا الكتاب ليس سوى مدخل لدراسة مشروع الأستاذ محمود. فالمشروع لم يدرس بعد، بل هو قدم للقراء مشوهاً، كما أن سيرة الأستاذ محمود هي كذلك قدمت مشوهة. فالمثقفون في السودان لم يرتقوا بالحوار بشأنه، بل لم يأتوا لدراسته إلا مؤخراً. فقد قام بالنقد الفقهاء والقضاة الشرعيون والمشايخ، وفي سبيل تسجيل انتصاراتهم، سعوا للتشويه عبر بتر النصوص وتفسيرهم لها وفقاً لمستوى سقوفهم المعرفية ودرجة ورعهم العلمي المتدني ومعايير الأخلاق عندهم.

يتضمن هذا العمل الضخم ثمانية عشر فصلا وزعت على خمسة أبواب تجعلنا أمام موسوعة فكرية شاملة عن الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في السودان الذي يشكل جزءا من العالم العربي الإسلامي، ملقيا الضوء على أحد الرموز الفكرية العربية والسلمية ودوره في الدفاع عن  الحرية والتنوير والفكر العقلاني النقدي في الساحة الثقافية العربية والإسلامية عبر أطروحات جريئة عجز خصومه عن الرد عنها بالفكر والسجال لجِوا إلى الأسلحة القديمة وهي التحريض على القتل لينتهي الأستاذ شامخا أمام المشنقة شهيدا للحرية والعدالة والفكر المستنير.

نقلاً عن جريدة أخبار اليوم المغربية، العدد 1282، الجمعة 31 يناير 2014م، المملكة المغربية

تعريف موجز بالكتاب من تقديم البروفيسور عصام البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان

الكتابالذيبينأيديناكتابٌعظيمٌوجليلٌوخطيرٌ.. وهو كتاب يقف بنا في مفترق  الطرق، ويؤرخ لمرحلة جديدة وفريدة في كتابة وصناعة التاريخإن الكتاب الذي بين أيدينا هو صناعةٌ للتاريخ وهو أيضاً كتابةٌ له. ولقد صنع المؤلف التاريخ عبر كتابته التي سعت وعملت من أجل إخراج الأستاذ محمُود محمَّد طَه من سجُون التشويه والتَّحامُل والتجاهل والتَّغييب عن الذاكرة الجمعيَّة، والعزل عن ميدانِ البحثِ العلمي، والتَّضْليل المنظَّم والُمجمع عليه، مُصادِماً بذلك القديم وجَحافل الأكاديميين الُمتقاعسين عن مسئولياتهم، والفُقهاء الذين نصَّبُوا أنفسهم أوْصِياء على العقُول، والسَّلفيين والطَّائفيين والمؤرِّخين المزوِّرين،

عالج الكتابُ مؤامرات الشؤون الدينية، والمعهد العلمي، والجامعة الإسلامية، والأزْهَر، ورابطة العالم الإسلامي، وجماعات الهَوس الدِّيني المحلية والإقليمية، والموقف من جمال عبدالناصر ودعوة القومية العربية، والخطابات التي أرسلت إليه (وبعضها كان مجهولاً حتى الآن). كما عالج الكتاب محكمة الردة الأولى (1968)، والثانية (1985) والتي أدت إلى منصة الإعدام التي منها تسنَّم الأستاذ محمُود محمَّد طه ذروة المجد والتاريخ المشرِّف النظيف محقِّقاً فرديته التي انماز بها عن  أفراد القطيع وافتتح بها عهد الإنسانية.

إن هذا الكتاب ذو طبيعة موسُوعية غطت ما أهمله المؤرخون، عمداً أو سهواً، وما أخفاهأو تخطاهالأكاديميون والباحثُون جهلاً أو خوفاً أو حسداً.

لقد خرج الأستاذ محمود محمد طه من خلوته، بمدينة رفاعة، عام 1951م، بمشروعه الجديدالفهم الجديد للإسلام، وظل يعيشه ويبشر به وينشره حتى دخلالخلوة الكُبرىالتي أعقبت تنفيذ الإعدام  عام 1985م. ويخرج الأستاذ محمود محمد طه من خلوته الثانية هذه بهذا السفر العظيم، الذي يجسد مواقفه الصَّامدة الخالدة وحياته الملهِمة.

إنهذاالكتابكبير،حسَّاًومعنىً،وخطير،حالاًومآلاً. وخطورته تشفع لكبرهوقد جاء على قدر وميقات، ومن ثم؛ يرجى له أن يشعل ثورة فكرية تسهم في إحداث الثورة الثَّقافية التي تحدث عنها الأستاذ محمُود محمَّد طه وبشَّر بها في كتابه: الثورة الثقافية.

لقد نجح المؤلفُمُستعيناً بكل هذه الأدواتالتنقيب في المصادر الأولية، وجمع وحشد الوثائق النادرة والمهملة مع استنطاقها، وإعادة النظر في الكثير من المسلمات، ومناطحة ومصادمة قوى القديم والتخلفنجح في قرع الأجراس القُدسية التي تبشِّر بميلاد فجر يقظة الأمة السُّودانية، ومن ورائهابإذن اللهالإنسانيَّة جمعَاء.

من تقديم الكتاب بقلم البروفيسور  عصَام عبدالرَّحمن البُوشي

مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان

محمود محمد طه: طوبى للغرب اء (4-1)

عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013، 1278 صفحة.


بقلم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم 

مفكرسوداني،جامعةميسوري،الولاياتالمتحدة


هذا كتاب فحل. يكفيك أن صفحات الملاحق والمراجع والفهارس فيه وحدها بلغت 208 صفحة، اي أنها كتاب مستحق قائم بذاته. وهو فحل في معان أدق. فهو مكتوب  عن حب لرجل من السلف الصالح هو الأستاذ المرحوم محمود محمد طه في حين تستفحل ظاهرة شواء هذا السلف من غيره من الخلف في غياهب النكسة السودانية المعروفة. فخلافاً لمعظم من كتب عن طه فالمؤلف لم يشهده وكان طفلاً حين بارحنا الرجل للدار الآخرة في 1985. وظل المؤلف الصغير يستنكر ما يشيعه من حوله عن رقة دينه ويؤذيه أنه لا يعرف عنه ما يرد به على شانيئه. وصبر وصابر وقرأ عنه الذي توافر في المكتبات، ونفذ إلى دور الوثائق ينقب عن كتابات له وعنه وضده، واستمع طويلاً إلى معاصرية وحوارييه. وهذا صبر على وكد البحث والاستيثاق متروك في كتابات الجيل العاقب عن السلف عندنا. فهم متى أحبوا أو كرهوا واحداً منه اقتصروا من الأدلة التاريخية على الدليل الحكائي

أراد الأستاذ عبد الله الفكي البشير مؤلفمحمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ” (2013) أن يسترد فكر الأستاذ محمود محمد طه (1910-1985)، وممارسته إلى سفر التاريخ السوداني من غائلة إهمال سدنة هذا السفر. وطه هو المفكر الإسلامي وزعيم الحزب الجمهوري (1945) الذي امتحن خصومه من رجال الدين والسياسة مفهومه لتجديد الإسلام وحكموا عليه بالردة بمحكمة الخرطوم الشرعية العليا في 1968. وامتحنوه ثانية وأعانهم الرئيس نميري عليه فأعدموه في 18 يناير 1985. وصار اليوم عيداً لحقوق الإنسان العربي

وسمى المؤلف مكتوبه عن طهما بعد التاريخ المعلن“. ويريد بذلك أن مؤلفيّ التاريخ الذي تواضعنا عليه للفكر والسياسة السودانية ومؤسساتهم الثقافية أظهروا منه ما سرهم منه وأخفوا ما لم يتفق معهم. وعليه فالكتاب ينتمي إلى جنس ناشئ في كتابة التاريخ السوداني يطعن في السردية الجامعة للحركة الوطنية التي احتكرتها صفوة مؤتمر الخريجين العرب المسلمين الشماليين الذي تكون في 1938 وجاء الاستقلال في 1956 ثمرة شبه خالصة لجهاداتهم المختلفة. وسبقه إلى الطعن في هذه السردية من أساءت فهمهم أو تجنبتهم بالكلية. فقد خرج منذ حين مؤرخون يؤاخذون تلك السردية على تصوير جماعة الأنصار التاريخية وحزبها، حزب الأمة الذي يقوده السيد الصادق المهدي، كأعوان للاستعمار لقبولهم، ضمن أشياء أخرى، العمل في إطار المؤسسات الدستورية التي رتبها الاستعمار هرباً من التعجيل بالاستقلال كما اتفق لخصومهم من دعاة الوحدة مع مصر كما سنرى. ومن هؤلاء المؤرخين فدوى عبد الرحمن على طه وفيصل عبد الرحمن على طه وموسى عبد الله حامد وحسن أحمد إبراهيم بكتابه العمدة عن السيد عبد الرحمن المهدي مؤسس حزب الأمة. من الجهة الأخرى كتب لازاروس ليك مادوت، المؤرخ لجنوب السودان، يعيب على السردية المهيمنة للحركة الوطنية إهمالها وقائع الوثبة الجنوبية الوطنية لكي يستاثر سادتها بالسلطان. ونشر كاتب هذه السطور كتاباً ومقالات إما ليحرر حركة الطبقة العاملة ونقاباتها الوطنية من صورتها كتابع أو فرع لحركة مؤتمر الخريجين الوطنية، أو لتفهم وطنية قضاة الشريعة ومقاصدها في غير صورة السردية لهم كمتواطئين مع الاستعمار

بنى المؤلف رأيه في إهمال السردية التاريخية السائدة لفكر طه وممارسته على حيثيات قوية. فنظر المؤلف في 19 كتاباً من كتب تاريخ الحركة الوطنية والفكر الإسلامي والعلوم السياسية ودراسات المرأة، وسبعة كتب من مذكرات أبناء جيل طه، و31 بحثاً للماجستير والدكتوراة في نفس المجالات التي كانت مدار مساهمة طه الفكرية والسياسية. ولم يجد فيها ذكراً يؤثر له فيها. بل وجد على العكس رسالة تدخل المشرفون لنزع الفصل الذي عرض لفكر طه

وسمى الكتاب إعراض الأكاديمية السودانية، التي هي الآلية المؤسسية المنتجة للسردية التاريخية الجامعة، عن طهقلة مروءةبعد إدامتة النظر في نتاجها. فرماها بالتزويربإهمال شغل طه وتغييبه وطمسه وتنميطه. ورد هذا التجاهل من السردية الأكاديمية إلى الحسد والتزامات أطرافها الطائفية. وزاد الكتاب بأنه لم يكن كل التجاهل متعمداً. فبعضه يرجع لضعف التدريب الأكاديمي وحالة الكسل العقلي. فالأكاديمية السودانية سليل كلية غردون (1902) التي لم تهدف في تعليمها لسوى تخريج كتبة وفنيين في أسفل درج الخدمة الاستعمارية. ومن جهة أخرى ينسب الكتاب إهمال الصفوة السياسية والأكاديمية لطه لما ذاع عنه بعد المحكمة التي قضت بردته في 1968 كما تقدم. فالمحاكمة هبطت بمستوى مناظرة طه إلى حد عدواني أنصرف به المثقفون عنهفقاطعوا كتبه ومحاضراته ومشروعهولم يعودوا إليه إلا بعد أن انزاح التجهيل به بفضلالإنفجار المعلوماتي“. ومهما يكن فلا سبيل لننكر أنهم أقبلوا على طه بعد استشهاده. فقد تحدث لهم بلغة أدنى إلى افهامهم من لغة الفكر الدقيق الذي ظل يذيعه لنصف قرن. وكان طه يحثهم أن يأتوا إليه ولكن ليس قبل أن يمسحوا بقوة حكم ردته من السجل القضائي

وجبت الخشية أن يغيب عنا معنى تغاضي السردية التاريخية لمأثرة طه إذا نسبناها، كما فعل الكتاب، إلى الإهمال المتعمد وغير المتعمد، أو للحسد، أو ممالاة الطائفية السياسية، أو الخوف من السلطة السياسية والمجتمع والفقهاء. وسنقصر دون مطلوب الكتاب نفسه الذي قال إن مثل إهمال طه على نحو ما فعلت السردية الغالبةيتطلب دراسة العقل الثقافي السائد وتفكيكه واستنطاقه“. ولهذا وجدت وصف الدكتور محمد زين لهذا التغاضي بالسكوت الإستراتيجيأدنى لفهم مغزاه السياسي والثقافي. فهو يعفينا من سيكلوجيا ضغائن من تجاهلوه أو ضعف تأهليهم أو ماشئت إلى دراسة خطر طه رمزاً وفكراً. فما تجاهلوه استهواناً بل تقية ليسلم مشروعهم السياسي من خطتهالهدّامةله. فربما توقع الكتاب من سردية الخريجين فوق مستطاعها حين افتقد شغل طه الفكري والسياسي من سجلها. فطه غريب فئة الخريجين غربة صالح في ثمود. وعليه فإنها ربما لم تتجاهله بل، ببساطة، استحال عليها وضعه في إعرابها. فنحوه ونحوها على خلاف. فقد جاء إلى ساحة الحركة الوطنية كخريج جذري التوجه فكراً وممارسة. وجاءها من باب النثر، كما قال المؤلف، وهي لا تنطق إلا شعراً وقل فيها التأليف في غيره

البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، الاثنين 2 فبراير 2015

محمود محمد طه والمثقفون شرف الكتابة ونبل الوفاء (1- 2)

بقلم الدكتور حيدر إبراهيم علي

مفكر سوداني، مدير مركز الدراسات السودانية

في شأن الكلمة والكتابه:

تظهر وسط هذا المستنقع السوداني بعض الومضات التي تخرج المرء من الحزن والصمت المر. ففي الفترة الاخيرة كان كتاب الأخ عبدالله الفكي البشير، وجائزة الأخ فيصل محمد صالح، من الإشراقات وسط أزمنة الإنحطاط. فقد افتدي (عبدالله الفكي)-حسب لغة الجمهوريينالمثقفين، وطهّرهم من كسلهم وحسدهم بكتابة هذا السفر العظيم.أما (فيصل)فقد أعلن أن الصحافة ضمير شقي لهذا الشعب المستباح، وأدب وأخلاق رفيعة وليست شبه مواخير للشتم والنميمة وفرش الملايةكما يقول المصريون. فالكتابة بكل أشكالها، هي متعة، وتفكر، وتربية؛ ولكنها في المستنقع السوداني الراهن، أبت ألا أن تخرج الكلمات من غابات النفس البشرية بكل سوءات أنسان سنجة أو الشهيناب الأول(ماقبل التاريخ)، بعدوانيته وجلافته. فقد أطاح الممسكون بالأقلام والمسودون للصحائف بكل قدسية وبهاء الكلمة التي كان بها البدء ?كما قال الكتاب المقدس. فقد سادت ظاهرة المقالات التي تحمل عناوينها أسماء شخصيات يوجه لها المقال. وهذه بدعة مقتبسة من عوالم الحكّامات والهجّائين لجذب الانتباه للشخص المستهدف، وتركيز تنشين رماة الحدق الجدد علي أهم مراكز الأذي والضرر في شخص وروح المستهدف. هذه السادية محيّرة: أيّ مثقف هذا الذي ينتشي بإنتقاء عبارات السب والتقليل من قيمة الآخر؟ أتمني أن يقوم شخص مهتم بمراجعة أرشيف المقالات الصحفية ويعدد لنا كم مرة عنون محجوب محمد صالح أو بشير محمد سعيد مقاله باسم شخص معين، ويقارن عناوينهم بعناوين كتبة عصر الانحطاط خلال شهر واحد. أعلم أنهم مطالبون بتسليم المقال كل صباح مثال بائعات اللقيمات أمام المدارس قديما، ولكن هذه الضرورة يجب ألا تقوم علي الاساءة، ونبش أعراض الناس، وتشويه سمعتهم. هذه ?للأسفخسة وغياب ورع: أن تكسب المال والشهرة بغض النظر عن الوسيلة، وعلي الملأ، علنا. فالحطيئة والفرزدق وغيرهم، كانوا يلقون شعرهم في مجلس السلطان، أوفي ركن من السوق، ولكن ليس في صحف ومواقع يطالعها الآلاف. ويذكرني الكثير من الكتبة بسائقي التاكسي المصريين، فالواحد منهم يسب أباك وأمك بأقذع الالفاظ وهو لا يعرفك، فقط لأنك قطعت الشارع أمامه أو دفعت له ما رآه قليلا.

قبل فترة دخلت في نقاش حول كتاب الأخ (محمد أحمد محمود) وكنت أمني النفس بنقاش رصين ومفيد وراق، فـانبري احد الكتبة ويحمل درجة علمية عالية، وسوّد المواقع بشتائم تترفع عنها أحط الحواري وأزقة السقوط، علي شخص لو قابله في الشارع لن يعرفه. وطلب مني البعض الرد، ولكنني لم أفعل لأنني تقينت أن وزارة الصحة لم تعد قادرة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه مستشفي التيجاني الماحي، وبالتالي لا يكون الرجل المناسب في المكان المناسب. وقد أدي تقصير المصحات في دورها العلاجي، أن يتسرب كثير من الكتبة الي الجلوس تحت أعمدة الصحف أو أن يقبعوا في زاويا وأركان المقالات. وتذكرت شخصا كان يتجول في منطقة المحطة الوسطي وكابريس حاملا لافتة مكتوب عليها: لكل سؤال جواب!ولكن أودع المصحة حتي توفي. فقد تحسرت عليه، إذ لم يحضر هذا الزمن الهابط ،فقد كان من الممكن أن يكون له عمود، ويحصل علي لقبمفكر إسلامي، أوناشط ليبرالي،أومنظر شمولي”.

اختطف الكتابة والكلمة حفنة من المعقدين، والطواويس، والحواة المعتوهين،في وقت كان هذا الشعب البائس في حاجة ماسة لمن يدافع عنه علنا، ويصد عنه الظلم، ويداوي مذلته بالكلمات الوضئية الصادقة. لست من أصحاب نظرية المؤامرة، ولكن أن يقوم هذا العدد الهائل من المتعلمين بحملة تزييف للوعي منظمة وفي مرحلة تاريخية خضع فيها الشعب السوداني لعملية استباحة وإذلال لم يعرفها في تاريخه الطويل وتحت كل النظم؛ فالأمر يحتاج لتوقف وإمعان. وسط الجوع والمرض، وقصف العزل، وجلد النساء ،تجد قنوات فضائية خصصت بعض برامجها للنكات الناعمة، والحكاياتالطاعمة، والعبث الذي يتغافل عنه قانون النظام العام. ويكتمل الحال التراجيدي بصحف الفضائح والسباب، مما حدا بهيئة علماء السودان أن تسمي تراشق الصحفيين سفاهة عقل(السوداني13/11/2013). ولا يقف الأمر عند هذا الحد،بل يقف نائب يوصف بأنهداعيةتحت قبة البرلمان، ليقول: البنت غير المختونة عفنة! وتنقل وسائل الإعلام هذا الطفح لداخل المنازل.

هذه المقدمة ضرورية لكي نميز كتابات عبدالله وفيصل الرصينة والملتزمة، عن كتابة الاسفاف الذي يحاصرنا صباحا ومساءا. خاصة ونحن في زمنتساوت فيه الأضواء والظلم”. تحية وإجلالا لهما في علياء الصدق وصحو الوعي.


في شأن الكتاب والكاتب:

اتحفنا (عبدالله الفكي البشير) بكتاب أقرب إلي قصائد (أم كلثوم)المغناة في كامل فخامتها، وجلالها،وسموقها وحتي في الترديد والإعادة. وكتاب هو أقرب للمنحوتات الصخرية والمعدنية منه إلي اللوحات التشكيلية. وهذا يعني أن الكتاب احتاج لقدر كبير من الصبر والجلد، والمثابرة، والعمل الدؤوب ،وهذا خصال من يريد أن ينجز عملا عظيما. ولك أن تتصور حال(ماركس)وهو يجلس الساعات الطوال في المتحف البريطاني الرطب ليجمع مادة (رأس المال) فقد لزمه قدرا كبيرا من الصبر والجلد. فالكتابة الجادة نوع من العبادة والتبتل، لأن الكاتب يحرم طواعيةمن المتع الصغري: الونسة، القعدات، الولائم، النميمة، الشللية. فتأليف مثل كتاب (عبدالله الفكي) حوالي1277 صفحة، يعني أن هذا الشاب قد كرس وقتا طويلا، وبذل جهدا، وصحة، وراحة، ونور عين من أجل الإنجاز. وهذا السلوك، عدا التجويد والصرامة العلمية، يعكس وفاءا، واخلاصا، وتضحية، وهي خصال لا تجدها كثيرا إلا لدي الإخوة الجمهوريين. وأتمني أن يحافظوا عليها لندرتها وانحسارها المتواصل. وهذا المجهود يجدد التحدي للمثقفين الآخرين الذين وعدوا بالكتابة عن زعمائهم التاريخيين المحبوبين.

يعطي المؤلف درسا في التوثيق المحكم واليقظ والمتابع. إذ يبدو وكأنه يريد أن يقول: لن أفرط في الكتاب من شئ. فقد حاول فعلا أن يلاحق أي حرف كتب أو قيل عن الاستاذ محمود، وهذا عمل اعجازي ولكنه يواجه مشكلة الإمساك بخيوط فصول الكتاب جيدا. فهناك خطر التكرار والاسهاب غير المبرر وانسياب التنظيم. علي سبيل المثال، هناك خلط شديد في الصفحات710و711 حيث يتداخل كلام للطيب صالح وحسن مكي. ويحيل القارئ للملحق36  علي أساس أن بيان أباداماك ولكن القارئ يجد الملحق هو مقال: ماذا فعل الصحفيون بحريتهم؟ والبيان هو الملحق رقم41. وقد درج الكاتب علي كتابة السير الذاتية في الهامش، ولكنه كتب سيرة  (محمد محمد علي) كاملة في المتن، قاطعا تسلسل الحوار الراقي مع الاستاذ. وقد لا يكون كل التكرار مرفوض، ولكن التكرار الحرفي وفي صفحات متقاربة يعتبر من العيوب.

إن الكتاب في حقيقته هو محاكمة للمثقفين السودانيين، والاكاديميا، والإعلاميين وكل من ساهم في تجاهل الاستاذ محمود أو تعمد اخفاء سيرته ومساهمتة المقدرة والمميزة. وقد قام الكاتب بعلمية إحياء لتراثة وسيرته كاملة، وسهّل علي المهتمين مستقبلا عملية البحث عن المصادر والمراجع. ولكنني أخشي علي الحمهوريين من خلق ما يمكن أن نعتبره :”مركزية محمودية، مثل المركزية الثقافية أي (Mahmoudocentrism) أو عقيدة محمود (Mahmoud’s cult).فقد ظهر اتجاه بين الجمهوريين يقيّم تنويرية أو تقدمية أي مثقف حسب قربه أو بعده من الاستاذ. فكل من تحدث ايجابيا عنه يُرفع لمصاف التنويرين، وفي نفس الوقت من كان تنويريا ثم انتقد فكر الاستاذ يخفض من قدره ويحشر في زمرة أدني.هذا الموقف مخالف تماما للفكر الجمهوري المستند علي الحرية الفردية المطلقة والمقيدة فقط باساءة استخدامها. وقد حمّل الاستاذ الجمهوريين مسؤولية الارتقاء بعقولهم، كما جاء في مؤتمر (أم بارونا)سنة1968:-” نحن عشنا زمن كتير في مجالات عاطفية(…)جاء الوقت لتجسيد معارفنا، وأن نضع أنفسنا في المحك ونسمو في مدارج العبودية سمو جديد”.(الكتاب،ص169).وفي موقع آخر:-“أنتم غرباء الحق.. ولكن غربتكم لن تطول ..فاستمتعوا بها، قبل أن تنظروا فلا تجدوا في الأرض إلا داعيا بدعوتكم”.(اهداء كتاب الإسلام،يناير1969) فلابد للجمهوريين من قبول النقد وممارسته، ولكن حتي الآن تغلب سودانيتهم علي جمهوريتهم. فقد رفضوا النقد أو الاجتهاد حتى داخل صفهم الواحد.

حيدر إبراهيم علي، 21 نوفمبر 2013

في سيرة الأستاذ

بقلم الأستاذ فيصل محمد صالح، كاتب وإعلامي سوداني

وزير الثقافة والإعلام الأسبق، (أول وزير ثقافة بعد اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة)

هذا كتاب ثقيل في الوزن المادي وفي محتواه الفكري والثقافي والسياسي، نسأل الله أن يكون ثقيلا أيضا في ميزان حسنات كاتبه، عبد الله الفكي البشير. 1227 صفحة حملها هذا السفر الضخم الذي حمل عنوانمحمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، وصدر عن داررؤياللنشر بالقاهرة. و لو يكن ممكنا لكتاب مثل هذا إلا أن يكون من ذوي الأغلفة السميكة، ويأتي محمولا في شنطة قماشية أنيقة تليق به.

طوف الكاتب على عوالم شتى، كلها ذات صلة بشخصية الأستاذ محمود والفكر الجمهوري وتفاعل وتعامل المفكرين والمثقفين والقوى السياسية مع أطروحاته وأفكاره. بدأ بلمحات من السيرة والانتاج الفكري للاستاذ محمود، قراءات في الدراسات السابقة التي كتبت عنه، حتى من خصومه، ثم الدور الوطني وموقع السودان في مشروع الأستاذ.

وناقش الكثاب الفهم الجديد للإسلام الذي قدمه محمود محمد طه وما جوبه به من بعض المؤسسات الدينية ومحاكم الردة، ثم سنوات حكم نميري التي انتهت بإعدام الأستاذ.

وفي أهم فصول الكتاب، في رأيي، وضع الكاتب الأكاديميا السودانية في موقع المحاكمة، بسبب موقفها من أفكار الأستاذ محمود وإنتاجه الغزير، وحمل الباب عنوانا فرعيا عميق الدلالاتالتهميش والبتر للمعارف والعزل عن ميدان البحث العلمي، ناقش فيه المقالات والدراسات الأكاديمية التي قدمت عن الاستاذ محمود والفكر الجمهوري، وأصدر حكمه النهائي بـرسوب الأكاديميا السودانية في امتحان الأستاذ محمود”.
كما استعرض الكاتب حوالي 18 كتابا عن تاريخ الحركة الوطنية السودانية، وما كتب عن الأستاذ في كتب السيرة والتراجم،ثم موقعه في كتابات ومذكرات معاصريه.

يصعب تلخيص الكتاب في هذه السطور، كما أنني لم أنته من قراءته بعد، لكني لم استطع أن أمنع نفسي من لفت الإنتباه لهذا الكتاب، بعد أن ظللت أقلبه وأجتزئ بعض القراءات منه ليومين، ثم توكلت على الله وبدأته من صفحاته الأولى. وما سيساعد الناس في قراءاته أنه مكتوب بلغة حارة وجاذبة، لن يشعر معها القارئ بالملل.
هذا الكتاب جزء من مشروع فكري متكامل ينهض به وعليه الباحث والكاتب عبد الله الفكي البشير بجدية وحماس كبيرين، ويقوم على أساس نقدي للمفاهيم والأسس التي قامت عليها الحركة الفكرية والثقافية في السودان، باعتبارها اساس أي مشروع سياسي.

قد يبدو الباحث غارقا في التاريخ، لكنه لا يترك نفسه أسيرا له، بل يراهن على المستقبل، ياخذ مدخله من نقد الماضي والحاضر بلا مجاملة، ويكسر كثيرا من البديهيات والمسلمات بجرأة شديدة، يفعل ذلك وهو مسنود بعمل جاد ومتأني، يقرأ ويبحث ويقلب في الوثائق، ويطاردها أينما كانت.

من المدهش أن عبد الله البشير لم يلتق بالأستاذ محمود يوما، ولم يعاصره، فعندما أعدم الاستاذ كان هو طالبا صغيرا بالمدرسة، ولم يبدأ بحثه الجاد في سيرة محمود محد طه وأفكاره إلا وهو على أعتاب التخرج من الجامعة في منتصف التسعينيات. علاقته بالأستاذ وأفكاره تخلو إذن من التعلق الشخصي أو الانبهار بالتعامل المباشر، بل من خلال القراءة والبحث والاستماع للمحاضرات المسجلة، والنقاش مع كثير من تلاميذ واصدقاء الاستاذ محمود.
فيصل محمد صالح، 13 أكتوبر 2013

الكتاب في طبعة ثالثة من جديد في جزئين

يذكر بأن الكُتاب موضوع المقال اعلاه سيصدر في طبعته الثالثة في جزئين عن دار بدوي للنشر والتوزيع (ألمانيا) خلال شهر مارس القادم. وأدناه مقدمة الكاتب للطبعة الثالثة وكذلك تعريف موجز بالكتاب وهو  من تقديم للكتاب كتبه البروفيسور عصام البوشي، مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان، وكذلك إضاءة على فصول الكتاب.

مقدمة المؤلف للطبعة الثالثة

هذه هي الطبعة الثالثة من كتاب: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ. تجيء هذه الطبعة كما الطبعة الثانية في جزئين، من غير أن نعدل في متن الكتاب، أو أن نغير فيه، أو أن نضيف عليه، سوى هذه المقدمة الموجزة.

أجدد شكري لكل الذين أسهموا في إثراء النقاش حول الكتاب، سواء بتنظيم الندوات والسمنارات، أو بإجراء اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية، أو بنشر المقالات، أو بكتابة المداخلات في المنابر الحوارية على شبكة الإنترنت، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.    

والشكر الجزيل لأسرة دار بدوي للطباعة والنشر (ألمانيا)، ولمديرها البروفيسور محمد بدوي مصطفى، على مبادرتها بتولي طباعة هذه الطبعة من الكتاب ونشرها. كما نُحي البروفيسور محمد على عطائه المتميز والمستمر في سبيل خدمة السودان والإنسان، وكذلك ندعم رؤيته وسعيه للإسهام في تطوير صناعة الكتاب في السودان.

عبد الله الفكي البشير

الأربعاء 26 يناير 2022

إضافة على فصول الكتاب

تهيكل الكتاب في خمسة أبواب، وتكونت الأبواب الخمسة من ثمانية عشر فصلاً، إلى جانب المقدمات والخاتمة والملاحق وقائمة المصادر والمراجع وفهرس الأعلام والأماكن.

سعى الفصل الأول إلى تقديم لمحات من سيرة الأستاذ محمود وانتاجه الفكري. ميلاده والمعطيات المحلية والإقليمية، ونشأته ما بين القرية والمدينة، وسنوات دراسته، والوظيفة الحكومية والاستقالة منها. كما قدم لمحات من انتاجه الفكري وطبيعته.

قدم الفصل الثاني قراءة في الدراسات النقدية السابقة، التي قام بها الفقهاء.

وقف الفصل الثالث على الدراسات النقدية التي جاءت بعد مرحلة الفقهاء، وكانت متأخرة إذ جاءت في أغلبها في أو بعد النصف الأول من عقد الثمانينيات من القرن الماضي، واستمرت في التوسع. قدم الفصل وصفاً لحجم هذه الدراسات وطبيعتها وأنواعها.

تناول الفصل الرابع دور الأستاذ محمود في الحركة الوطنية السودانية، ومواجهته للاستعمار، وهو رئيساً للحزب الجمهوري، وموقفه من منهج المثقفين وأدواتهم في النضال ضد الاستعمار..

درس الفصل الخامس ثورة رفاعة (الخفاض الفرعوني)- سبتمبر 1946م، ودور الأستاذ محمود في الثورة، وفي لتفكيك المعرفة الاستعمارية Colonial Knowledge. درس الفصل محاكمة الأستاذ محمود قائد ثورة رفاعة. كما تناول موقف الدراسات من ثورة رفاعة

ركز الفصل السادس على السودان في مشروع الأستاذ محمود. فوقف على بناء الذاتية السودانية عند الأستاذ محمود، واعلانه الباكر لاحترام التنوع من أجل زيادة حيوية الأمة السودانية، ورؤيته لمستقبل الثقافة العربية والسودان.

سعى الفصل السابع إلى الوقوف على طرح الأستاذ محمود لمشروع الفهم الجديد للإسلام، الفكرة الإسلامية الجديدة، في العام 1951. كما وقف الفصل عند رفقاء الأستاذ محمود وبداية مرحلة التتلمذ على يدي الأستاذ محمود.

تتبع الفصل الثامن مواقف التحالف الإسلامي من الفهم الجديد للإسلام، وشراكة الساسة والفقهاء في نقل السجال الفكري من السوح الفكرية إلى الصعيد الرسمي. تناول الفصل عن محكمة الردة الأولى عام 1968م، وموقف المثقفين منها

أما الفصل التاسع فدرس علاقة الأستاذ محمود بالمعهد العلمي بأم درمان (أزهر السودان). تناول الفصل دور المعهد في تغذية الخيال الجمعي بالفكر الوافد وبث ثقافة التكفير ودوره كذلك في تشكيل العقل الثقافي السائد.

عالج الفصل العاشر موقف الأستاذ محمود من ثورة 23 يوليو 1952م، وموقفه من مصر برئاسة جمال عبدالناصر. تناول الفصل المواجهة التي قادها الأستاذ محمود ضد خطاب عبد الناصر وسياساته ودعوته الباطلة والعنصرية للقومية العربية، وزعامة عبدالناصر للعرب. ثم تحدث الفصل عن التصميم الأجنبي لسيناريو محكمة الردة والتنفيذ عبر الأدوات المحلية من الفقهاء والحلفاء.

درس الفصل الحادي عشر سنوات حكم نميري، والشراكة في الاغتيال يوم 18 يناير 1985م. وقف الفصل أولاً على المناخ العام قبل سنوات حكم نميري، فدرس فترة دكتاتورية الفقهاء، وما يسمى بالحكم الديمقراطي (1965م-1969م) حيث العبث بالدستور والكبوات الكبرى: حل الحزب الشيوعي السوداني، وانعقاد محكمة الردة، في ظل حكم ديمقراطي.

تناول الفصل موقف الجمهوريين من مايو والتقاء مايو بالجمهوريين على خط درء خطر الطائفية ورفض فرض الوصايا الدينية. ودرس الفصل المصالحة الوطنية عام 1977م ودورها في العودة لمربع الفقهاء والهوس الديني وتجدد المواجهات. وتناول الفصل المؤامرة وأبعادها والشراكة في الاغتيال يوم 18 يناير 1985م. كما وقف الفصل عند نقض المحكمة العلياالدائرة الدستورية، لحكم الردة وابطاله.

أبرز الفصل الثاني عشر بعض الشهادات على مشاهد تجسيد المعارف والابتسامة على منصة الاعدام. تضمن الفصل ست عشرة شهادة. منهم من كان مع الأستاذ محمود في السجن قبل الاعدام، ومنهم حارس زنزانته (غرفة الحبس الإنفرادي) في السجن، ومدير السجن آنئذ، والعامل الذي يعمل على المشنقة مُنفذ حكم الإعدام، وقائد الطائرة الذي حمل الجثمان بطائرته بعد تنفيذ الاعدام. وشهادة اثنين من الضباط اللذين كانا يعملان في جهاز الأمن آنئذٍ، وعدد من الذين شهدوا تنفيذ الإعدام. إلى جانب شهادات كان التعبير فيها بالشعر وبالكاركاتير.

عالج الفصل الثالث عشر موقف الأكاديميا السودانية من الأستاذ محمود، خاصة في المجالات التي كان له فيها دراسات منشورة وباكرة. فتناول الفصل موقف الأكاديميا عبر الدراسة لاثنين وثلاثين رسالة جامعية من الرسائل فوق الجامعية، ثم تناول تجليات رسوب الأكاديميا السودانية في امتحان الأستاذ محمود.

قدم الفصل الرابع عشر قراءة في كتب تاريخ الحركة الوطنية وكتب في مجال العلوم السياسية، من خلال ثمانية عشر نموذجاً من المراجع التي ألفها أكاديميون وكتاب وباحثون سودانيون. وتناول الفصل دور المدرسة التاريخية السودانية في صناعة التاريخ وطمسه وبتر المعارف وتعزيز حالة الانفصال الحضاري والوجداني.

تقصى الفصل الخامس عشر سيرة الأستاذ محمود في التراجم والمعاجم وموسوعات الأعلام السودانية. فدرس نشأة صناعة التراجم والمعاجم وموسوعات الأعلام في السودان، ووقف على طبيعة تعاطيها مع الأستاذ محمود. كما تناول الفصل يقظة الأمم وشرط تحرير التاريخ من عبث المؤرخ.

بحث الفصل السادس عشر عن سيرة الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه. ووقف على كتابة المذكرات وأمانة التبليغ وأداء الشهادة، وتغذية الذاكرة الجماعية، والعظماء في سجلات أممهم. ثم درس الفصل سبعة نماذج من المذكرات.

تناول الفصل السابع عشر، الأستاذ محمود والمفكرين الإسلاميين: محمد أبو القاسم حاج حمد نموذجاً. قدم الفصل إضاءات لبعض ملامح تأثير الأستاذ محمود في المفكرين الإسلاميين، وتراجع ومراجعة بعض المفكرين والمثقفين لمواقفهم من الأستاذ محمود. تناول الفصل محمد أبو القاسم حاج حمد صاحبالعالمية الثانيةنموذجاً للمفكرين الإسلاميين الذي استفادوا من مشروع الأستاذ محمود مع عدم الإشارة إليه أو الاعتراف له.

سعى الفصل الثامن عشر وهو الفصل الأخير إلى تقديم مقاربة أولية بين الأستاذ محمود والمهاتما غاندي، من خلال وسم كان هو: الأستاذ محمود والروحانيون، فكر المقاومة السلمية وبعث الروحانية، الأستاذ محمود والمهاتما غاندي (مقاربة أولية).

أما خاتمة الكتاب فجاءت بعنوان: “الثورات لا تُرى بالعين، في رمزية تشير إلى مشروع الأستاذ محمود ثورة فكرية مدخرة كانت، وهي تتسرب في العقول والفهوم، والآن قد قطعت شوطاً كبيراً. تناولت الخاتمة خلاصات الكتاب. فقد استطاع الفقهاء والقضاة الشرعيون ومشائخ المعهد العلمي بأم درمان (أزهر السودان)، منذ خمسينيات القرن الماضي، وبتحالف إسلامي واسع قوامه الأزهر في القاهرة والمنظمات الإسلامية في مكة، المملكة العربية السعودية، والقوى التقليدية من طائفيين وإسلاميين سلفيين في السودان أن يقيموا جداراً عازلاً، بغير حق، لحجب مشروع الأستاذ محمود عن شعوب السودان والإسلام والعالم. تحدثت الخاتمة عن ارتفاع الواقع لمشروع الأستاذ محمود ورؤيته، وتنبأت بيقين تام بأن المستقبل في صالح مشروع الأستاذ محمود، ولا مستقبل للسودان وللسلام والبشرية جمعاء بدون مشروع الأستاذ محمود، وقدمت الخاتمة في ذلك بعض التفصيل والتبيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق