
هاجر شريد
مما لا شك فيه أن مدينة «البتراء» مذهلة فهي فرضت نفسها على أنظار العالم بحجارتها ومبانيها التي تحكي عن مقدرة تبدو لنا خارقة وعصية على التفسير، هذا الإنجاز الإنساني هيمن على خيال الكثير من الباحثين والمستكشفين، الذين حجوا إلى البتراء على مر السنين والقرون.
البتراء هي عاصمة العرب الأنباط، وأشهر المدن التاريخية في الأردن، وواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، محفورة في الصخر في منعة بين الجبال، تأخر اكتشافها حتى القرن الـ19 رغم أهميتها التاريخية وتحولها إلى واحد من أهم المواقع لأثرية في العالم.
تقع البتراء في قلب الصحراء الجنوبية للأردن على بعد 262 كيلومترا جنوب العاصمة عمان، تتبع إداريا للواء وادي موسى بمحافظة معان، وهي مدينة منحوتة بكاملها من الصخر الوردي، وتضم مواقع تاريخية عديدة.
وهي محصنة طبيعيا ولا يمكن دخولها إلا عبر طريق «السيق» وهو طريق ضيق، تتسلل أشعة الشمس من بين حافتيه الشاهقتين، ويسلكه السائحون والمتجهون إلى البتراء سيرا على الأقدام، أو على ظهور الدواب أو العربات المجرورة بواسطتها.
ملامحها الخلابة وضعتها على قائمة عجائب الدنيا، فهي تزخر بالمعالم الأثرية المنحوتة التي تأسر زائرها بجمالها ودقة نحتها في الجبال، ومن أبرز هذه المعالم «الخزنة» التي سميت بهذا الاسم لاعتقاد البدو المحليين بأن الجرة التي تعلو واجهتها تحتوي على كنز.
كما يشكل الطريق المعروف بــ»السيق» معلما بارزا في البتراء، وهو الطريق الرئيس المؤدي إليها، ويبدأ عند السد وينتهي في الجهة المقابلة للخزنة، وهو طريق ملتو بين الجبال الشاهقة، يبلغ طوله حوالي 1200 متر ويتراوح عرضه بين 3 أمتار و12 مترا، ويصل ارتفاعه نحو 80 مترا، بالإضافة إلى السد الذي بني مكان السد القديم الذي أقامه الأنباط لحماية مدينتهم من الفيضانات خلال موسم الشتاء، وقد أعادت الحكومة الأردنية بناءه عام 1964 بنفس الطريقة النبطية.
ويرى علماء الأثار أن البتراء كانت مأهولة في عصور ما قبل التاريخ، وقد كانت في القرن السادس قبل الميلاد موطنا للآدوميين الذين برعوا في صناعة الفخاريات ولم يكن اهتمامهم بالنحت كاهتمام الأنباط الذين أبدعوا نحت البتراء، كما أن المؤرخون يرون على أن الأنباط قاموا بنحت البتراء من الصخر بطريقة مبدعة قبل أكثر من ألفي عام، وهي تعطي مثالا على الحضارة العريقة لمملكة العرب الأنباط، التي يصفها المؤرخون بأعرق الحضارات العربية القديمة.
من أهم الرسومات التي اشتهرت بها البتراء كانت هي الليثوغرافيا التي رسمها ديفيد روبرتس للبتراء ومنطقة وادي موسى أثناء زيارته عام 1839 والتي تجاوز عددها عشرين لوحة ليثوغرافية وقد طبع العديد منها مما أعطى البتراء شهره عالمية، ناهيك عن وجود العديد من اللوحات والصور الأخرى التي تعود للقرن التاسع عشر مما يدل على مدى الاهتمام الذي أضفاه إعادة اكتشافها على أوروبا في ذلك الوقت.
تمتلك البتراء لعديد من الواجهات التي تغري الزائر طيلة مسيره في المدينة الأثرية، وكل معلم من المعالم يقود إلى معلم آخر بانطواء المسافات، إن الحجم الكلي للمدينة علاوة على تساوي الواجهات الجميلة المنحوتة يجعل الزائر مذهولا ويعطيه فكرة عن مستوى الإبداع والصناعة عند الأنباط الذين جعلوا من البتراء عاصمة لهم منذ أكثر من 2000 عام خلت.