مجتمع

مدينة الباباوات القديمة

أفينيون

د. محمد بدوي مصطفى

فرنسا، بلاد الجن والملائكة، كما كان يحلو لأستاذنا طه حسين أن يسميها، تحفة فنية من أولها إلى آخرها: شمالها، شرقها، غربها وجنوبها. ودعونا اليوم ننتجه جنوبا، كما فعلت أنا قبل بضع سنوات أو لنقل ربما قبل عقد من الزمان. أتجهنا لنزور مدينة أورانج، مدينة صغيرة، حالمة تقع وسط حقول ورود لافينديل. قصدنا ذات يوم مدينة أفنيون، التي كنت أسمع دائما عن أهميتها في دفات كتب التاريخ لا سيما أنها تحمل معلمًا بارزًا من معالم الحضارة في فرنسا، جسر أفنينون؛ وهناك أغنية معروفة، ربما لكل الفرانكونيين، اسمها “فوق جسر أفنيون”. كان يتوافد على المدينة قبل الكورونا حوالي مليون ونصف سائح سنويًا. أفنيون عروس من عرائس البروفنس، هذه المنطقة الواقعة جنوب شرق فرنسا، معروفة بحضارتها التليدة وحياتها الرغدة الهانئة التي نشأ في أعطافها العديد من الأدباء والمفكرين والفنانين.

لقد شهدت حسناء البروفنس إزدهارًا منقطع النظير في القرن الرابع عشر، حيث أصبحت وقتئذ مقرًا للبابا بعد صراع ضروس مع السلطات الكاثوليكية في روما. وتضم أفنيون أهم المعالم التاريخية الفرنسية ألا وهو القصر البابوي القديم وهو يعتبر من أهم قصور أوروبا، وقد بني على الطراز القوطي. تحيا بين جنبات هذه المدينة روح هي دون أدنى شك قرووسطية ذلك نجده داخل المدينة، في الساحات العامة حيث يلبس أثناء مهرجانها الشهير الكثير من الناس ملابسا تاريخية منها ملابس الأمراء، الجنود، المزارعين، إلخ، فتحس عندما غروب الشمس وعندما تضج المدينة بالزوار الذين يأتون إليها من كل صوب وحدب بأن الزمن وقف تمامًا، وطفق يقذف بك في أعماق القرون الوسطى، فتقعد أنت في جلستك تلك تشاهد وتستمتع بخلجات الزمن عبر صفحات التاريخ وأنت في مكانك لا تبرحه، تحيا معه، تقوم معه، تضج معه، وترنو أن تكون أميرًا بين أمراء ذاك الزمان. يقام هذا المهرجان المسرحي المعاصر كل عام خلال شهر يوليو، ويزوره العديد من عشاق الفن من جميع أنحاء العالم، حيث تصبح المدينة في ذلك الوقت مسرحًا ضخمًا لتقديم الدراما المعاصرة، ويتم تنظيم ما يقرب من 1400 من العروض في أكثر من 20 موقعًا مختلفًا في المدينة. فإذا تحدثنا عن قصر البابوات فيها فهو يعتبر منذ فترة ليست بالقصيرة إحدى مواقع التراث العالمي لليونسكو، وقد تم بناؤه آنذاك لاستيعاب الباباوات الذين فروا من مدينة روما إلى أفينيون وقد ساهمت هذه الحادثة أن تشتهر المدينة باسم “مدينة الباباوات”.

عندما تتاح لكم الفرصة يا سادتي أن تزوروها فلابد من زيارة جسرها المشهور، وهو يبعد حوالي ٢٥ كم غرب المدينة، وهو جسر مائي مكون من ثلاثة طوابق ويعتبر إحدى تحف العمارة الرومانية القديمة التي لا تزال تحتفظ بألقها وجمالها القديم دون أن تمتد إليه أياد الزمن بالعبث والضياع، ويعتبر هذا الجسر أحد مواقع التراث العالميّ لليونسكو أيضا. أفينيون مدينة تاريخية ساحرة لا بد من رؤيتها لإنها تحدثكم عن تاريخ غابر حاضر لعب دورًا هامًا في حياة الناس بأوروبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق