سلايدرسياسة

اخر سنة غطاء مسيحي لحزب الله … سنة الخيارات الحاسمة لقوى ٨ اذار

ايلي جو باسيل (المدائن بوست – بيروت)

مرت ١٦ سنة على التوقيع على التفاهم بين التيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون وحزب الله بقيادة امينه العام حسن نصر الله في شباط ٢٠٠٦. وكانت غاية التفاهم منع الحرب الاهلية وتعزيز الوحدة الوطنية. مع احداث العام ٢٠٠٦ والحرب بين لبنان وإسرائيل، تبينت أهمية التفاهم الذي سمح لأهالي الجنوب اللبناني باللجوء الى مناطق جبل لبنان دون اثارة النعرات الطائفية. ولكن مع بداية الازمة في سوريا، انطلقت أسلحة الحزب ومقاتليه الى الشقيقة وبدئت التساؤلات حول «لبنانية» هذا الكيان المسلح ومدى خدمته للبنان وشعبه.

ففي حين كان لبنان يعاني من ازمة امنية تسببت بعدد من التفجيرات الإرهابية في مختلف المناطق، كان حزب الله يناور في الداخل السوري الى جانب النظام وجيشه ويسقط له عدد من الضحايا المقاتلين من الجنسية اللبنانية. وخلال تلك المرحلة، كان يعمد الحزب الـى تشغيل المعابر الحدودية غير الشرعية لتهريب البضائع من لبنان الى سوريا بطريقة غير شرعية وتحت عنوان «المقاومة من اجل حماية لبنان». انقسم الراي العام اللبناني قصمين، قصم اعتبر ان هذه الاعمال مشرفة وضرورية وتساهم فعلا في تعزيز الامن في لبنان، وخصوصا بما يتعلق بحماية الوجود المسيحي المهدد بعد ظهور داعش وجبهة النصرة، والقصم الاخر اعتبر ان مشاركة الحزب في الحرب في سوريا أدى الى عزل لبنان وافتعال مشاكل داخلية وامنية، وساهم في افلاس الدولة عبر استغلال ضعفها لتمرير الشاحنات المحملة بالبضائع المهربة من لبنان والسلاح والخ…

لم تشكل هذه المسالة الأولوية بالنسبة للبنانيين الملهيين بأوضاعهم الداخلية الصعبة خصوصا مع الفراغ الرئاسي والتمديد للمجلس النيابي والفساد الحكومي الذي أدى الى ازمة نفايات غير مسبوقة ومظاهرات كبيرة في وسط بيروت. كل هذه المسائل أدت الى لوم فريق ١٤ اذار مباشرتا لأنه يمتلك الأكثرية النيابية والحكومية وهو متهم مباشرتا بالفساد والمتواطئ مع المجموعات الإرهابية، مما عزز الدعم الشعبي لحزب الله الذي كان يحارب تنظيم داعش في مختلف المناطق مثل بلدة عرسال الحدودية ذات الأكثرية السنية، مما أثبت للراي العام ان حزب الله يحمي جميع طوائف لبنان دون تمييز.

انقسمت ١٤ اذار على نفسها لصالح ٨ اذار ووقعت على التسوية الرئاسية التي أدت الى وصول العماد عون الى الرئاسة بدعم حزب الله وفاز الاخير في الانتخابات بأكثرية نيابية وكانت الوعود بمكافحة الفساد وتامين ابسط حاجات الناس مثل الكهرباء والانماء كثيرة وواعدة. وهنا نتذكر النائب حسن فضل الله ومؤتمره الصحافي الذي أعلن خلاله ان المستندات الذي يملكها بإمكانها الإطاحة برؤوس كبيرة. ولكن بعد طول انتظار وإعطاء فرص ومهل، تبين ان كل الوعود هي أوهام وكذب وان أولويات الحزب ليست في لبنان، بل خارجه، وان العهد «القوي» برئاسة ميشال عون لا يهمه الإصلاح والتغيير بقدر ما يهمه توريث جبران باسيل الرئاسة الأولى مهما كلفت من مصائب على الوطن والمواطن. فبعد الإهمال المتواصل، انطلقت ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩ وكان لديها مطالب معيشية عديدة، ولكن حدث الخلاف على مطلب واحد معين هو نزع سلاح حزب الله وتطبيق القرارات ١٥٥٩ و١٧٠١ الصادرة عن مجلس الامن. بعض الثوار المنشقين عن ١٤ اذار طالبوا بذلك، اما بعض الاخر المنتمي لبيئة المقاومة رفض تلك المطلب رفض قاطع واكد ان أولوية الثورة يجب ان تكون في اصلاح وضع الدولة وليس بالميليشيات مما تسبب بانقسامات داخل صفوف الثورة. هذه المعادلة استمرت حتى الرابع من اب ٢٠٢٠ بعد انفجار المرفأ الذي أطاح بما تبقى من المنطقة «الشرقية» أي المنطقة المسيحية في بيروت. أصابع الاتهام توجهت فورا لحزب الله الذي يسيطر على مؤسسات الدولة ويستخدمها للوصول الى أهدافه الإقليمية ومواكبة اعماله المسلحة في سوريا والعراق واليمن. فالمسيحيون الذين دعموا بنسبة كبيرة حزب الله وايدوه، ومن خلاله ايدوا النظام السوري الذي احتل يوما ارضهم وذل العلم اللبناني وجيشه وأهله وقتل عددا من وجوه السيادة فيه وولاية الفقيه الإيرانية التي تقمع المسيحيين في ايران، راهنوا على تحقيق مشروع ميشال عون السياسي بوقف الفساد والصفقات وتقاسم مغانم الدولة، وتفعيل السيادة عبر تعزيز الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية المنتشرة على الأراضي اللبنانية، وحصانة الاستقلال عبر الناي بالنفس عن مشاكل الإقليم وحروبه. فماذا فعل ميشال عون منذ العام ٢٠٠٦؟ الانقلاب الكامل على مشروع ميشال عون عام ١٩٨٨ عبر الانتقال ١٨٠ درجة الى الطرف الاخر من اجل تحقيق مكاسب شخصية له ولصهره المعاقب أمريكيا بتهم فساد في ملفات عديدة. سقطت الأقنعة وتبين ان حلفاء حزب الله يريدون منه حماية من المحاسبة وانه يريد بالمقابل غطائهم المسيحي لإسكات النفَس السيادي في البلاد الذي تكرس مع كميل شمعون يوم رفض الخضوع لعبد الناصر ومشروعه ومع بشير الجميل الذي رفض ان «تمر طريق القدس في جونية»، هذا النفس السيادي الذي اُسكت في ٧ أيار ٢٠٠٨ حينما احتل حزب الله بيروت وبعض المناطق الأخرى.

مع اقتراب الاستحقاقين الكبيرين، النيابي والرئاسي، يرى حزب الله انه في مازق، فيعمل على توحيد صفوف ٨ اذار للمحافظة قدر الإمكان على المقاعد ال٦٥ الذي تمكنه من انتخاب رئيس جمهورية في أكتوبر المقبل.

فعلى سبيل المثال، زار سليمان فرنجية قصر بعبدا في ١١ كانون الثاني ٢٠٢٢ كاسرا الجليد بينه وبين الرئيس عون واكد بعد اللقاء ان حزب الله يعمل على مصالحة الطرفين دون ان ينفي او ان يؤكد تعاون لاحق بينهما. توحيد الصف المسيحي هو ما تبقى من خيارات لحزب الله بعد ان فشل مشروع ٨ اذار في الدولة باعتراف اركانه بالنتيجة والطلب من المواطنين اعتماد ال «مقاومة الزراعية» الذي دعمها جبران باسيل وكأن لبنان يواجه مجاعة شبيهة بمجاعة ١٩١٥ بعد حصار الأراضي اللبنانية من قبل دول خارجية بينما التهريب على الحدود «على عينك يا دولة» بصمت كامل من السلطة الحاكمة.

هذا النموذج سقط، مع وصول الامارات الى المريخ، والتطبيع بين دول عربية عديدة وإسرائيل، وحرمان الشعب اللبناني من كل مكونات الحياة، أي فرصة للتغيير أكثر من ضرورية للتحرر من هذا الجهنم الذي حل على الشعب، فمن سيختار حزب الله للرئاسة بين باسيل وفرنجية؟ وماذا ستحمل نتائج الانتخابات خصوصا إذا حصلت القوات اللبنانية وقوى التغيير على الأغلبية عند الشارع المسيحي؟ سنترك الجواب لصناديق الاقتراع في ١٥ أيار ٢٠٢٢.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق