
نقطة نظام … الحق والقانون فوق الجميع
جهان نجيب
الحق في المساواة هي من الحقوق المعترف بها في الإعلانات والمعاهد الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، ويعد الحق بهذا الأساس مدخلا للتمتع بكافة الحقوق والحريات الأخرى ويتفرع عن هذا الحق عدة مبادئ فرعية، أهمها المساواة أمام القضاء وأمام القانون الجنائي.
بعيدا عن أي انتماءات سياسية، إن ما نطمح إليه هو تحقيق العدالة للجميع وتمتعهم بالحقوق والحريات على قدم المساواة.
وعلى هذا الأساس نطلب من القضاء الذي يتقاضى أمامه الجميع أن يكون واحدا، وبدون أي تمييز، أي لا توجد محاكم خاصة أو استثنائية لأفراد معينين بذاتهم وألا تختلف المحاكم باختلاف الأشخاص الذين يتقاضون أمامها، أي تحقيق المساواة بين المتقاضين بالنسبة للقوانين التي تطبق عليهم فيما ينشأ بينهم من نزاعات وتوقيع ذات العقوبات المقررة لنفس الجرائم على مرتكبيها، كما نطلب بأن تكون إجراءات سير التقاضي على المتقاضون أن تكون واحدة.
يتطلب المساواة أمام القانون الجنائي أن يكون جميع المغاربة مهما اختلفت طبيعة مناصبهم السلطوية داخل المجتمع، متساوون أمام القانون الجنائي، أي مساواة في الخضوع لنص القانون واستحقاق العقوبة التي يقررها. طامحين بذلك إلى إزالة كل تمييز بين الأفراد متعلق بالجنس أو العرق أو اللغة أو الانتماء أو العقيدة…إلخ، وتشبت بقيمة العدل لذى كل الأفراد سواء فيما بينهم أو في مواجهة الإدارة ومؤسسات الدولة وأجهزتها، وهذا ما حرصت عليه الدساتير وهو التأكيد على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، حتى تجعل منها منطلق تقييم الحقوق الدستورية، وتحقيق المصلحة العامة والتعبير عن الإرادة العامة وعن سيادة الشعب.
ما نستنتجه، أنه مئات المغاربة يحاكمون يوميا لكن لا أحد من الأحزاب السياسية يعبر حتى عن موقف بسيط يتأسف فيه عن أخيه الآخر الذي يعيش ظروف صعبة ومتابع قضائيا أو عن ذلك الفقير الذي لا يستطيع حتى تأدية تكاليف الغرامة المالية التي يحكم بها القضاء في قضيته مما يضطر إلى تعويضها بالسجن النافذ، وهذا أمر خطير جدا، حيث ما معنى أن من ينتمي إلى حزبي أو عشيرتي أو قبيلتي هو أخي؟ هل هذا يعني أن المواطن العادي البعيد عن كل الانتماءات السياسية هو منبوذ وصعلوك ويجب علينا تهميشه؟
بداية يجب أن نؤكد أن مجريات مجمل القضايا تكاد تكون غامضة وما تخفيه الكواليس لا نعرفه نحن الرأي العام المتابع وموقفنا من القضايا لا يهم في هذا المقام ما دام إيماننا بالقضاء العادل يدفعنا للقول أن ما ننشده هو ضرورة التحلي بالتفكير العقلاني وما ينشده المنطق العقلاني يجب أن نؤمن به، فوزير ما، هو وزير دولة وشعب معين تابع لتلك الدولة، وليس وزير جماعة أو عشيرة أو شخص ينتمي لحزبه، وما التعبير عن رأينا المتواضع هو وصف ما لمحته أبصارنا حول الضجة التي تخلقها مجمل القضايا داخل الرأي العام بعيدا عن أي تحيزات فكرية أو سياسية لاتجاه معين.
فالدولة الديمقراطية هي دولة الجميع والقضاء العادل هو في خدمة الجميع وليس لخدمة المواطن المتهم الذي ينتمي لحزب معين، لأن هذه التفاوتات الخطيرة بين المواطنين تبعا للسلط التي يحتكرونها تؤدي إلى تقسيم الوطن والمواطن.
وبعيدا عن الإيمان بالكرسي، والتعويضات المادية والمناصب ننشد دولة الحق والقانون، فالقضاء هو سلطة من سلط الدولة، وفي هذه الحالة وجب الإيمان بالمشروع الديمقراطي الذي أساسه احترام الحريات والحقوق واستقلال القضاء، وعوض ترك الاهتمام بمصالح الشعب وبالبرلمان وتعويض ذلك بالاحتجاج والفوضى أمام القضاء لمؤازرة مواطن متهم، فعذرا يا أسيادي فالأولوية لمن هنا هل للمتهم أم لتلبية حاجات المواطنين ومصالحهم؟
وبعيدا عن التفكير بمنطق الحزب الواحد والجماعة الواحدة والعشيرة الواحدة، فإن محاكمة أي مواطن مغربي أو غيره، يجب أن يكون في استقلال عن أي جماعة ينتمي إليها أو أي منصب يحتكره داخل المجتمع تفاديا لأي تأثير على قرار المحكمة واستقلاليتها.
فالحضور المكتف للحزب التابع له المواطن المتهم، لا نستطيع أن نفهم منه إلا مسألة واحدة وهو احتجاجهم ضد الوطن والقضاء.
إن الإيمان بدولة القانون وجب من خلاله احترام مبادئ نبيلة منها:
«- المساواة بين المواطنين أمام القضاء، سواء كان المتهم صديقا لأحد أو أخ أو من انتماء حزبي سياسي معين، على القضاء العادل والديمقراطي الحفاظ على استقلاليته من كل هذه العواطف والإيمان بمسألة وحيدة هي الحقيقة الثابتة.
وأرجوكم يكفينا رعب الارهاب الذي نعيشه اليوم داخل أوطاننا لا حاجة لنا بإرهاب آخر للأحزاب السياسية في وقفاتها الاحتجاجية أمام القضاء مساندة لشخص معين، فالأولوية لقيم العدالة والديمقراطية والحق وليس الأولوية لأي شخص مهما كانت سلطته داخل بلاده. فترهيب المحكمة والتأثير على قراراتها هو في كنهه ترهيب لقيم سامية ونبيلة وهو رغبتنا في دولة الحق والقانون. فكفانا أرجوكم!
{مرجع: مجلة العلوم القانونية، العدد الثاني: 2017}