
عندما أعادت أم كلثوم العلاقة بين مصر وتونس
د. فريد الجراح
الرئيس التونسي في استقبال أم كلثوم في المطار من يزور العاصمة التونسية، لا بد أن يقف عند شارع أم كلثوم الموازي لشارع الحبيب بورقيبة والمتقاطع مع شارع قرطاج، والذي لا تفصله إلاّ مسافة قصيرة عن شارع جمال عبد الناصر. فهنا في تونس، تحظى أم كلثوم بحب وإعجاب عامة الشعب، ويترسّخ صوتها وابداعها في الوجدان التونسي كواحد من المكوّنات الأساسية لمعنى التفاعل الإيجابي والتلقائي مع الفن الأصيل والنبيل والجميل.
في أوائل يونية 1968 وفي إطار جولتها العربية الهادفة إلى إسناد المجهود الحربي في مصر بعد نكسة 1967، حلّت كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي بتونس بدعوة من الماجدة وسيلة بن عمّار حرم الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة.
كان التونسيون في تلك المرحلة يتّجهون بقلوبهم وعقولهم إلى الأمل القومي المنبعث من مصر الناصرية، فرغم الخلاف السياسي بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وجمال عبد الناصر، ورغم تأثيرات نكسة يونية 1967 الناتجة عن العدوان الصهيوني على الجمهورية العربية المتحدة، لم ينقطع حبل التواصل الثقافي والحضاري، ولم ترتدّ روح الإنتماء القومي ولا الإيمان بوحدة الجذور والهدف والمصير، خصوصًا وأن الأصوات المصرية وفي مقدمتها أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ كانت فاعلة في إثراء الوعي الجمعي، متوهّجة بعبقرية الإصرار على الحياة والتواصل والإنتصار لأحلام وطموحات الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. ويحسب لأم كلثوم أنها كانت وراء تطبيع العلاقات الديبلوماسية بين تونس ومصر، فهي في نظر التونسيين رئيسًا وحكومة وشعبا، كانت تمثل الزعامة الفنية والصوت الحامل لرسالة بلد وأمة وقضية، وهو ما أكدت عليه وسيلة بورقيبة عند استقبالها لكوكب الشرق بمطار تونس قرطاج الدولي.